نعم يوجد ما يستوجب الاحتفاء به على رأس سنة الربيع الأولى. هناك مليون زهرة تفتحت وملايين أخرى تتبرعم أو تخرج من أكمامها، المثبطون والمتطرفون وحدهم ينفثون سموماً علَّهم يفسدون أريج الربيع. الثورات الشعبية السلمية منها والمسلحة حققت إنجازات جبارة على أرض الواقع. الثورات أطاحت بأنظمة مترهلة بالاستبداد والفساد. الشعوب اقتلعت الجماهيريات الشائخة القاعدة المتورمة بالذات الرئاسية. الانتفاضات الشعبية وضعت حداً للأسرة الأولى والسيدة الأولى وبددت أحلام التوريث. الجماهير دمّرت قلاع الأمن مصدر التخويف والتخوين الفردي والتعذيب الجماعي. الربيع العربي فتح الأفق أمام رياح الحرية والكرامة والعدالة. الشعوب فتحت الأبواب للمشاركة في صناعة السياسة وأصبحت تجهر بآرائها في كيفية معالجة قضاياها بلا وجل. شعوب الربيع العربي امتلكت مفاتيح صياغة المستقبل. عدوى الحريات سرت في الجسد العربي الراكد. نعم المشهد ليس زاهياً، إذ ثمة مظاهر سلبية وعقبات وسحب تتلبد هنا وهناك. المثبطون لا يكتفون بغض البصر عمداً عن الانجازات بل يجتهدون في تجسيم تلك المظاهر السلبية خطراً يهدد الحاضر والغد. هم يخيروننا بين الرجوع إلى الاستبداد أو التوغل في ( الفوضى ) الحراك الشعبي المهول في وجه الطواغيت يشكل في حد ذاته أعجوبة تفرض الاحترام. الهبة الشعبية التلقائية ضد أجهزة القمع تنتزع التقدير. العطاء الجماهيري السخي استقطب انتباه العالم قاطبة. الصمود الذي بلغ حد الفداء بالدماء والأرواح يستوجب الافتنان. المثبطون يقفزون فوق تلك المشاهد والانجازات عمداً. هناك رافد آخر يصب في جهود المثبطين رغم اختلاف المنبع. هؤلاء المتطرفون غير القانعين بما تم تحقيقه في السنة الأولى. هم لا يتغنون بالماضي ولا يشيدون بالحاضر، لكنهم مثل المثبطين يخوفوننا من المستقبل. هؤلاء ينطلقون من منصات خارج مدار الربيع معززين برؤى لا تواكب رياحه. ثورات الربيع لم ينجزها راديكاليون من اليمين أو اليسار. هذه فصائل دأبت على اختطاف الدولة باسم الثورة. جماهير الربيع تستهدف تغيير هذه العقلية السياسية ووضع حد أبدي لأنظمتها. الربيع العربي يرفض حرق المراحل. الجماهير تريد بناء الدولة عبر حراك ديمقراطي ربما يتسم بالبطء أحياناً وبالارتباك أحياناً أخرى لكنه لا يخرج عن المسار الديمقراطي. البطء قضية مبررة. الأعباء الموروثة متعددة ثقيلة. قوى الحراك متباينة بالإضافة إلى أنها منهكة. كل التيارات السياسية تعرضت للإجهاد تحت أنظمة القمع السابقة. ضعف التيارات السياسية وتباينها بالإضافة إلى عدم بلوغها النضج المرتجى يبرر ارتباك المرحلة. مصدر الأمل يتمثل في وعي الجماهير بالحلول الديمقراطية. هذا الوعي يشكل حائطاً أصم أمام كل مغامرة للنكوص إلى زمن الاستبداد. هو الضمانة ضد كل من يحاول سرقة الإنجاز أو تجيير التاريخ لصالحه. نعم إيقاع النتائج الرسمية لا يوازي وتيرة الحراك الشعبي. نعم بعض الحقائق على الأرض لا ترضي الطموحات. قطاف الثمرات لم يأت على نسق البذور الثورية. الضمان الوحيد لتجاوز كل ذلك يتمثل في صندوق الاقتراع. هذا خيار سياسي وحيد لن يضل شعب ما ان تمسك به أبدا.