500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    حمّور زيادة يكتب: من الخرطوم إلى لاهاي    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القاهرة ..... الثورة التي نصرت الجياع 3 .. بقلم: د. عبد الله البخاري الجعلي
نشر في سودانيل يوم 27 - 01 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات عابر سبيل
قبل أن أزيح الستار عن منطقة خان الخليلي ، يطيب لي يا صاحبي أن أذكر لك جلوسي بقهوة الفيشاوي العريقة التي عرفت منذ قديم الزمان أنها محط تجمع النخب السياسية و الفكرية والثقافية و رموز المجتمع المصري بصفة عامة ! كنت في حاجة ماسة لأجدد ذاتي العليلة وانا أتفيأ بمصر روح الثقافة عبر عبق التاريخ والأدب !!؟ فهنا أحسب أنني قد وجدت ضالتي في هؤلاء القوم الذين يعتنون بشدة بأثر التراث و حفظ التاريخ والحضارة الأنسانية في حياتهم العامة على عكس حالنا نحن في الوطن و ولاة أمره ( المهديين ) الذين جرفوا بهمة و نشاط كل معلم فكري و آثر ثقافي كان قبل فجر يوم30 يونيو 1989م لا يوافق الأيدولجيا الحضارية ، ثم جففوا وأعدموا بعد ذلك كل منابع الأبداع في شتى المجالات ، ورأوا في الأخير أن الثقافة شأنها شأن الرياضة و السياحة عبث دنيوني لاطائل للدولة وميزانيتها به !!؟
نحمدالله ياصاحبي أن طاغوت مصر لم يكن يحمل هو أو نظامه بعدا أيدلوجيا أو كرها و نقما عقائديا على أرث وتاريخ بلاده ! فيبيد و بطانته الحاكمة الأخضر و اليابس ، ثم يستهل بعد ذلك عهد حكمه للبلاد مبشرا العباد بلأنقاذ و التعمير وأشاعة السلوك الحضاري !!؟
من أجل ذلك كان من حظ قهوة الفيشاوي أن تكون أخي القارئ حتى يومنا هذا معلما سياحيا مهما يرتاده الزوار من كل شعوب الأرض ، ويأنسون جدا للجلوس فيها والتمتع برؤية الحي القديم الذي يحيط بها !!؟
ذكرت «قهوة الفيشاوي» في العديد من الكتب والمراجع الأجنبية واطلقوا عليها أيضا « قهوة المرايات» نظراً لما تحتويه من عدد كبير من المرايات الضخمة المطرزة بالأرابيسك والصدف ، وقد أسسها الحاج فهمي على الفيشاوي سنة 1797 ميلادية ، اي منذ ما يزيد عن المئتين وخمس سنوات ... وبالتالي بأمكانك أعتبارها أقدم قهوة في الشرق الأوسط وربما في العالم كله !!؟
حال قهوة الفيشاوي ياصاحبي كصالون ومرفأ ثقافي ذكرني وأنا جلوس فيها أحاديث وقصص ماضية تواترت ألينا عن قهوة مشابهة لها كانت بسوق أم درمان العتيق هي قهوة جورج مشرقي و التي ضمت أيضا بين حيطانها في زمانها الذهبي ألمع نخب المدينة العتيقة أم درمان في الرياضة و الفن و السياسة والثقافة والفكر ، وكان يسميها أحد رواد الوطنية حماد توفيق قهوة سوق الموية !!؟
أسسها العم جورج مشرقي شنودة وهو من مواليد مدينة ام درمان حي المسالمة ، من أم من مدينة الابيض اسمها (مريم) وأب من قرية بصعيد مصر . يحكي العم جورج مشرقي شنودة في ذكرياته بالمقهى أن الحياة بالمدينة التأريخية كانت سلسلة و سهلة . وسيلة النقل هي الترماج والحنطور وبعد ذلك ظهر التاكسي وبصات ابورجيلة وكانت جميلة ومحببة للجميع . كيلو الضأن بأربعة قروش والبقر بقرشين ، والمباني كانت بسيطة من الطين، وفي المسالمة مسيحيون ومسلمون يعيشون في إلفة ومحبة وتجد الكنائس بالقرب من المساجد، ودرجة التسامح الديني عالية و لا توجد في اي مكان آخر . وعن أجمل المواقف التي علقت بذاكرته وهو يدير هذه القهوة الشهيرة أنه في أحد الايام كان الخريجون مجتمعين بالنادي وبعد الاجتماع جاء الزعيم الراحل اسماعيل الازهري المقهى فوجد عدداً كبيراً من الخريجين ، فضحك وكان يحب المزاح وقال لهم : (خليتو النادي وعملتو محل جورج مشرقي نادي ) ......!!؟
وكما يفتخر اليوم خريج كلية الفنون الجميلة قسم الديكور حفيد الحاج فيشاوي الأستاذ ضياء الفيشاوي بأن قهوته أستضافت عددا لايستهان به من رموز المجتمع المصري و مشاهير ورؤساء العالم ، فأننا نعلم جيدا كيف لعبت قهوة جورج مشرقي أدوارا عظيمة و خالدة في إثراء الحركة الثقافية والسياسية في أم درمان بل في السودان ككل ، وأن كنا نتآسى طبعا لأندثار ذلك الآثر التأريخي وغياب أي ملامح له على مسرح حاضرنا الآني المحبط . أسأل الله يا صاحبي أن يقيض لهذه البلاد يوما ما رجل بر و أحسان ! يعنى بحال الثقافة والتاريخ و السياحة ، فيرأف بحالنا و يعيد لقهوة جورج مشرقي سيرتها الآولى ولعموم آثارنا و ماضينا وحضارتنا العريقة الضاربة في جذور التاريخ ملامح مشرقة من بريقها المنطفئ !!؟
* * *
في طريقنا لمنطقة سور الأزبكية أسترعى أنتباهي لوحات أعلانية ضخمة متعددة تعرض صورا لمقدمي برامج الحوارات الساخنة ( التوك شو ) و التي تتنافس القنوات الفضائية المصرية فيما بينها لكسب أعلى نسبة مشاهدة بين الجمهور عبر أستضافة النخب السياسية والفكرية والثقافية والأكاديمية التي تتناول الشأن العام اليومي وقضاياه المتشعبة والعديدة بشكل مستفيض و حر . هذا هو حالهم قبل وبعد الثورة فلماذا لا نبتأس من أمرنا يا صاحبي وأنا أقارن طريقة أدارة شأننا العام أعلاميا بالحراك الطيب الذي ينتظم مصر ! فالمشاهد لقنواتنا الفضائية يترسخ في ذهنه من فرط خواءها وتبلدها العسير و المزمن في تقديم وعرض النافع والمفيد ومشاكل المواطن بجراة كحال الأعلام المصري ، أننا أمة خلص أمرها من كل المعضلات فصار أعلامها على ماهو عليه من أنحدار و أنحطاط و فراغ !!؟
لاعجب في ذلك فقد يكون هذا يخدم سياسة تنويم الشعب ! فحتى وزارة الأعلام ياصاحبي بخس أمرها وراحوا يستجدون بها ويمنحونها لأحزاب ( الولاء و الطاعة ) حالها في ذلك كحال وزارة الثقافة و الصحة والشباب والرياضة و الثروة الحيوانية و النقل !!!؟
في دارهم يا صاحبي وعبر برامجهم الحوارية الممتعة يتنافسون في تنقيب و أظهار الحقيقة وكشف الفساد و قتل كل المعضلات و الهموم الحياتية بحثا و تفصيلا عبر أستنطاق أهل الرأي المستنير و الأختصاص المهني ، وفي دارنا هنا تتنافس لدينا الخارطة البرامجية لمعظم قنواتنا الفضائية طوال ساعات اليوم في تنظيم ( القعدات وسهرات الغناء ) التي تستضيف الفنانين وتستنطق الفنانين وتخلد الفنانين وتبحث بجد من جديد عن نجوم الغد من الفنانين !!!؟
يهمني جدا أن تعلم يا صاحبي أن الكثير هنا يدين بالفضل لهذه البرامج الهادفة في رفع درجة الوعي العام لدى المواطن البسيط ، وفي مسألة تعريفه بحقوقه المشروعة المنتهكة من قبل نظام مبارك البائد . أثارت الكثير من قضايا الفساد و كشفت بطانته من دون أن تطالبها سلطة المخلوع من وثائق أو مستندات درءا للقذف ! زرعت جذور الثورة وروحها بين مختلف طبقات الشعب والتي كانت أصلا مهيأة لخلع الطاغية من كرسيه ورميه ومن حوله من بطانته الفاسدة في مزبلة التاريخ بسبب التدني الشديد في معدلات الدخل و الأرتفاع الحاد في الفقر !!؟
ثم ماذا بعد يا صاحبي ؟ هل نحن أفضلا حالا من هؤلاء ؟ ( لماذا لا نثور مثلهم ؟ )... هل نحن شعب أستمكن منه اليأس ونخر الأستبداد جسده حتى عاد لايميز بين الغث و الثمين ، العدل والجور ، العيش بكرامة تحت ظل الحريات أم السكون لكنف ذل الديكتاوريات وجبروتها بداعي عدم وجود البديل !!؟
أزحت من ذهني هذه المقارنات سريعا ... فأنا هنا للراحة والأستجمام و لأجدد ذاتي المكلومة بجراح الوطن ! ... أنا هنا لأستنشق بعضا من عبير الثورة ونستلهم نفحات التفاني والتضحيات من روح أنسانها الطموح الثائر ..... فدع عنك لومي في هذا يا صاحبي ، فأن اللوم أغراء و داوني أملا بالحياة بالتي كانت هي الداء !!!؟
وصلنا لسور الأزبكية و كانت لدينا هناك متعة ونشوى بطابع آخر . تملكنا جيشان عظيم من المشاعر المفعمة بالأرتياح وأنا أحط الرحال في سوق الكتب العتيقة و النادرة ، وقد تذكرت وقتها ألحاحك الشديد لي بزيارة المكان . سبحن الله يا صاحبي ! ها هي مكتبات الأزبكية التي كثيرا ماراودتني الأماني و الرغبات الملحة لزيارتها يوما ما ، لأقتناء الثمين من درر المصادر و الكتب والجلوس والتآنس مع باعتها . نعم جاءت اللحظة و حانت الفرصة أخيرا لذلك ، فأنت أعرف العارفين بأدماني الشديد لأقتناء أمهات الكتب القديمة ذات الأوراق الصفراء الرثة والأحتفاظ بها في مكتبتي الخاصة ! ..... كان لنا مجلس أنس طيب وأحاديث رائعة مع أصحابها المتفردين عن غيرهم في فضاءات الثقافة بغزارة تبحرهم الشديد في تلاطيم أمواجها !!؟ .... هم أناس غير الذين كنت أحسبهم ! فمعظمهم أن لم يكونوا كلهم لبقي الحديث و موسوعي الثقافة و جامعيين من حملة ( البكاليروس أو الليسانس ) كما أعتاد على قولها المصريون !!؟
أسعار الكتب في معظمها في متناول اليد والجيب ، وقد وددت لو أنني نقلت كل هذا السوق القيم بمافيه من كنوز أدبية و ثقافية و علمية للسودان . كنت أبحث بشدة عن دواوين شعر للعلامة عبدالله الطيب تحديدا ديواني بانات رامة و أغاني الأصيل خصوصا بعد أن وجد عندي ديوانه الأول ( سقط الزند الجديد) أعجابا و أفتتانا لا حدود له بنظم قصائده . كنت أيضا أخطط للأحتفاء في قاهرة المعز بشاعري المحبب والمفضل ( الحسن هانئ أبي نواس ) وأقتناء دراسات ادبية نقدية له . لا أحسب أن الكثيرين قد تكون لهم الجرأة مثلي ليجاهروا بحبهم وأفتتانهم بهذا الشاعر ياصاحبي والسبب في ذلك معروف !!؟
فأخبار مجونه ومغامراته ولهوه العبثي الغرامي بين النساء و الغلمان و لغوه المرير ولسانه القارع اللاذع مع رجال الدين وفقهاء الدولة آنذاك قد طغت كثيرا للأسف الشديد على روحه الصوفية الهائمة ونقاء سريرته البيضاء التي سكنتا جسد هذا الشاعر المرهف ! روح لم تيأس أبدا رغم ماأقترفته من عظيم ذنوب من روح الله حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة في السكرات مودعا الحياة الدنيا !!؟
تنقلت أيضا في ميدان كتب المذكرات الشخصية وكان نصيبي منها كتاب للفريق محمد نجيب مفجر ثورة الضباط الأحرار وصاحب الفضل في فكرة لم شمل و توحيد الأحزاب الأتحادية بعنوان ( شهادتي للتاريخ ) وهو من القطع المتوسط . وضعت أيضا في دائرة أهتمامي شراء مؤلفات لعائشة عبدالرحمن بنت الشاطئ أستاذة الدراسات القرآنية بكلية الشريعة - جامعة القرويين بالمغرب ، وقد حفزني وشدني لذلك أعتداد نوارة الأدب السوداني الطيب صالح بكتاباتها في شاعر الزهد و الأنكفاء ( أبوالعلاء المعري ) في كتابه من سلسلة المختارات ( في صحبة المتنبئ ) ......!!؟
بين صفحات ذلك الكتاب لام الطيب صالح عميد الأدب العربي طه حسين في تسفيهه لأمر المتنبئ ( كشاعر سلطة و ترزي سلاطين ) وتفضيله الصارخ لأبوالعلاء المعري عليه ! وقف الطيب صالح في ناصية الوسط بين الشاعرين بحنكة ودراية العارفين بقدر العظماء معليا من قدر هذا و شأن ذلك ، لكنه في الأخير أحتفظ لنفسه بأقرار تفرد المتنبئ في مملكة الشعر وتأكيده لأستاذيته عليه وعلى شاعر عميد الأدب العربي أبوالعلاء المعري !!؟
هذا جدل ياصاحبي لاناقة لي فيه ولا جمل فدعنا نسدل الستار عليه .... فقط ما يهمني فيه أجزال الشكر وأبداء الثناء لأستاذنا الكريم طه حسين وهو ينثر عبير كلماته و وصفه البديع و تحليله المعمق بغزير العلم والحدس و الدراية عن شاعر أمة الدولة العباسية( أبي نواس ) في كتابه حديث الأربعاء ، فقد وفاه حق الوفاء و أكرم شأنه في دوحة الشعر !!؟
وكذلك لايفوتني أن أترحم على نوارة أدبنا ( الطيب صالح ) وأجزيه شكرا و فضلا عنا خير الجزاء والشكر . فلولا روحه النقية المتسالمة والمتسامحة مع أفكار الضد والأغيار قبل أفكار المع و لولا عبقريته الفريدة في تقييمه لأجتدهادات الآخرين ماكنا نحونا بأهتمامنا لأكتشاف هذه الأديبة والكاتبة والأكاديمة المتمكنة وهي صاحبة مؤلفات وأجتهادات اخرى بعيدة عن ميادين الأدب العربي تعنى بالسيرة النبوية الشريفة وآل البيت الشريف !!؟
أعود ياصاحبي مجددا بعد هذه الوقفة لأحدثك عن مجالس أنسي مع باعة سور الأزبكية ..... كان أول حديث لي مع صاحب مكتبة شاب في آوائل العقد العشريني من العمر ، وقد دار حول حال الثقافة بمصر وأرتباط الشباب المصري بها ؟ وكيف هو حال حركة التردد بسوق سور الأزبكية و نوعية مرتاديه و رواده ؟ ماهي أهم مشكلاتهم و همومهم ؟ فجاءت ردوده و حديثه لي في مجمله صادما ملجما ، وأن لم يكن يختلف كثيرا مما يعانيه أقرانهم في السودان !!؟
بدأ بسخرية يحكي لي عزوف الشباب المصري عن قراءة كتب الفكر و التاريخ و السياسة والثقافة لصالح الروايات الرومانسية المبتذلة و كتب رسائل الحب والغرام و قصص العاشقين !!؟ هو نفسه أفرد لها جزءا من مساحة المكتبة لكثرة الطلب عليها أشار أليه ضاحكا فكان معظمه مفروشا على الأرض! ... أظنها أشارة منه لدنو قيمتها و مكانتها لديه !!؟ فسر لي هذا الظاهرة وأرجعها لسياسات نظام مبارك البائد و الذي عمل من جهة على ألهاء شريحة الشباب عن تداول شأنها العام وقضاياها الحياتية المصيرية من منظور جاد فقام بأفراغ تفكيرها وتشتيته بشتى الصور بقضايا و مجالات أنصرافية تافهة ! ثم أرسى من جهة أخرى سياسات و خطط عمل قربت أهل الولاء والطاعة من فئة رجال المال والأعمال الجشعة فأغنتها و أفقرت معها في المقابل ملايين المصريين فأصبح المواطن البسيط لايفكر ألا في ثلاثة أتجاهات عمله و رزقه و أسرته !!؟
دلف بعدها لحكاية أخرى ربطها بقضية العوز والنفور الثقافي الذي ينتظم الساحة المصرية وهي قصة المضايقات التي كانوا يلاقوها من النظام السابق و انتقالهم لهذا المكان الضيق المساحة بعد صدام و معركة ضارية مع نظام مبارك البائد في أيامه الأخيرة حينما أراد أن يزيل السوق ( المضر بوعي المواطن و المفسد للذوق العام ! ) بحجج واهية حتى أنتهى بهم الواقع حول هذا السور !!؟
سبحن الله شر البلية فعلا يا صاحبي مايضحك ! فهؤلاء المساكين وهم يشكون لي حالهم وأنا أستمع لقصة أشتباكهم مع محافظ القاهرة الذي أمر بأنتقالهم لسور الأزبكية الضيق الحالي ، لم ولن يدر في خلدهم أو يمر في خيالهم أبدا أن يكون أقرانهم في السودان من باعة سوق الكتب القديمة بأم درمان ( سوق البوستة سابقا ) أسوأ حالا و أردأ و أقبح مصيرا !!؟
فمن سخرية الأقدار و توارد الخواطر التي شقت طول المسافة مابين القاهرة شمالا وحتى الخرطوم جنوبا يا صاحبي أن محافظ أم درمان الفطن أقتدى ( مصادفة أو عن عمد حقيقة لاأدري !) بنظيره المصري ( بتاع القاهرة ) فدخل يومها مع باعة مكتبات البوستة في معركة جانبية أنتهت بطردهم من المكان ثم أنتقالهم لآخر أسوأ منه خلف المسجد الكبير ، وقام بعدها نفس المحافظ طيب الذكر والنية وعلى أنقاض هذه المكتبات ببناء دورات مياة و حمامات عامة !!؟
هكذا كان يا صاحبي يتجدد مسلسل العداء الراسخ و التأريخي الذي دائما ماينشأ بين الأنظمة الشمولية القهرية و مراكز نشر الفكر و الوعي العام ! يتكرر في كل مكان وتتجدد فصوله بنفس السيناريو و نفس التفاصيل ....... فالوعي بالحقوق المشروعة و كشف الفساد وأزالة هالة التعظيم التي يحيطون بها نظامهم للمواطن البسيط أكثر مايؤرق مضجع كل الطغاة ، فهو قطعا سيقود الشعب يوما للأمتعاض من الحال المائل ثم الأعتراض عليه بشتى الوسائل وبعدها الثورة التي تحمل قطعا في طياتها النهاية الحتمية للنظام القهري الذي سلطه الطاغية على شعبه مستبدا بحقوق ومصالح الناس تارة ومذكرا أياهم أنه هبة السماء لديهم جاء لأنقاذهم تارة أخرى !!؟
لذلك كان ومازال الأهم لدى كل هؤلاء الطغاة المتجبرين ومن أولى أولوياتهم كبت المعرفة ووئد منابعها من مهدها ، ثم تشريد و تنكيل أصحابها و محوها تماما من الحياة العامة للمواطن !!؟
قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)
و يبقى لحديث ( مصر بعد الثورة) بقية باقية و جزء أخير !!!؟
abdalla al-bukhari al-gaali [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.