قرأت خبراً مبهجاً مصدره وزير الإعلام والثقافة في ولاية الخرطوم الأديب المثقف العالم الدكتور محمد عوض البارودي.. وهذه الألقاب كلها مستحقة له، ويشفع له في ذلك نشاطه الجم المميز، منذ أن إستلم ذلك الموقع ففاق من سبقوه، وبز الذين معه فاستحقت قول شاعر الحقيبة: بدر الحسن فاق القبله ووراه وأعتقد أنه قد فاقهم فعلاً.. وآمل أن يواصل مسيرة تفوقه. ومفاد الخبر الذي قرأته عن أخينا البارودي أنه ينوي إحياء سوق الموية كمنتدى ثقافي كبير وك(رئة) ثقافية وفنية لعاصمة الثقافة والنور في سوداننا مدنية أم درمان، بكل عبقها التاريخي والأدبي والثقافي، وبكل أصالتها وتفردها.. منذ أن خطها الإمام عاصمة لهذا الوطن، واختارها بوتقة لكل قبائله وعصبياته وعناصره، فصارت نموذجاً للتمازج القومي، وأصبحت مثلاً للأنصهار ومعلماً يدل على هوية السودان الجديد الخالدة.. ويفصل الخبر فيقول إنه سوف يسعى إلى أحياء أكبر قضيتين إجتماعيين لمثقفي الأمة، وطلائع مجتمعها الثقافي والرياضي، كما كان في الماضي، وأعني مقهى يوسف الفكي الذي كان قبلة صفوة المجتمع.. ومقهى جورج مشرقي العم الإنسان الوطني الذي رحل منذ بضعة أعوام، ولايزال أبناؤه وأحفاده يواصلون رسالتهم في مقرهم الذي كان سرة سوق الموية عبر التاريخ. الذين عاصروا سوق الموية في الماضي، وطريقة تصميمه يدركون أنه قد أقيم بذكاء شديد لتحقيق هذا الغرض، فقد كانت فيه دور السينما الراقية قديس (برامبل)، والسينما الوطنية، وسينما أم درمان.. وكانت فيه المكتبة الوطنية المركزية.. والجامعة الأهلية المصرية في عمارة قطان.. ثم عمارة البرير في ميدان البوستة.. وكانت فيه مقاهٍ أخرى على الطراز المصري في أساسها وخدماتها ومشروباتها، كقهوة عمنا أحمد خير، والتي كان من روادها رموز أهل الفن إبراهيم العبادي، وعبد الرحمن الريح، وعوض جبريل، وإسماعيل خورشيد، وأبو عثمان جقود، وأحمد عثمان عيسى رائد المسرح، وصاحب المطبعة التجارية.. وكان في ذلك السوق شيخ الأندية نادي الخريجين يعج بالحركة السياسية والثقافية والأدبية، ودار حزب الأمة، ودار فناني الغناء الشعبي، والمقهى السوري لصاحبه جورج قصبجي، ومقهى ود الأغاء.. والمقهى الطريف لأصحاب الحرف.. مقهى شديد أو قهوة شديد بكل طرائفها،.. لقد كان سوق الموية تحفة من تحف الزمان في أم درمان، يأتيه الرواد والسواح من كل مكان، يستمتعون بفنون وآداب أم درمان.. وعلى مرمى حجر منه الندوة الأدبية.. بكل زخمها وتاريخها ومجالسها العامرة.. هذا تاريخ عظيم وصورة رائعة لوطن أخضر جميل.. فهل يستطيع أخي البارودي أن يعيد لنا هذه الصورة الرائعة، كما أعاد سميه الضابط الشاعر العظيم محمود سامي البارودي، نهضة الشعر العربي بعد ذبول وخمود.. أرجو ذلك وكلنا جاهزون في بقعتنا للوقوف إلى جانبه خدمة للأمة وإعادة لرونق وجمال وأصالة الوطن..