مع مغيب شمس السنة الأولى من ثورتها، تدخل مصر مرحلة جديدة. الآن بدأت الثورة تتمأسس داخل الدولة. البرلمان الجنين البكر لزخم الجهد الشعبي المشرَّب بالدم. على الرغم من الجدل المثار برؤى متباينة تجاه تشكيلة البرلمان وأغلبيته ذات الطابع الإسلامي، يظل المجلس المنتخب جنيناً شرعياً للثورة غير قابل للتشكيك في جيناته. الجدل الواعي ينتهي حتماً إلى قناعة بحصد الإسلاميين أغلبيتهم استناداً إلى ظروف موضوعية تشكل في مجملها الخلفية الحقيقية لنتائج الممارسة الديمقراطية. بدلاً عن الانشغال بأجندة الإسلاميين المرتقبة والمحتملة، ينبغي على اليساريين والليبراليين إعادة إعمال الذهن في أسباب الإخفاقات الثقيلة المتلاحقة. من شأن ذلك الخروج من نفق الفشل إلى فسحة الأمل. تصوير فوز الإسلاميين باعتباره نهاية الثورة منطق متهوِّر يفضي إلى نتائج أكثر كارثية. الإخفاق بدأ بالفشل في استثمار زخم الثورة الشعبي الملتهب بالنار والدم. بدلاً عن إكمال المشوار والمضي في هدم النظام البائد، ارتضت قوى الثورة الاكتفاء أو القعود في منتصف الطريق. بدلاً عن مواصلة التلاحم الشعبي الجارف، دخلت القوى نفسها في اشتباكات داخلية. ففتحت ثغرات في عضد الإنجاز الجماهيري. ثالثة الأثافي تتجسَّد في فتح مسالك المساومات مع أركان النظام القديم، مما فتح أجندة الثورة أمام إعادة ترميم النظام نفسه في وقت كان المطلوب التركيز على بناء دولة الثورة. بما أنه من غير الممكن إعادة عقارب الساعة، فالأفضل لكل المصريين استيعاب دروس السنة الأخيرة من أجل بناء وطن أفضل حالاً وأكثر وفرة. بناء الدولة لا يعني نهاية الثورة. مأسسة الثورة لا تزال تتطلب اليقظة والبذل والتضحية. الثورة عملية حياتية طويلة أو هكذا ينبغي أن تكون. مؤسسات الدولة الناجحة يتم بناؤها بروح الثورة في ظل الرهان المصري الحالي. ما لم تتضافر الجهود من أجل تحقيق هذه المهام بمثل هذه الروح سيتم إجهاض أحلام وطموحات ملايين المصريين المحتشدين في الميادين جُمعات وشهوراً. الإبقاء على جذوة الثورة الشعبية متقدة في الميدان يمنح الوهج على درب استكمال بناء مؤسسات الدولة وتحقيق أماني المصريين. البرلمان لن يعود سيد نفسه كما كان يُقاد في العقود الأخيرة. البرلمان ابن الثورة وخادم الشعب وضميره حين ينحرف المجلس أو يتقاعس النواب سيجدون شارعاً ساهراً وإعلاماً يقظاً ومنابر قائمة على التذكير بشعارات الثورة. مصر تستشرف مرحلة سياسية جديدة. عمر البرلمان المنتخب ليس مديداً. أعباء إعادة الترميم والبناء تستنزف الوقت والجهد. الطريق ليس مفروشاً بالنوايا الطيبة. القوى السياسية خارج البرلمان منفلتة من عقال غليظ كما هي الممثلة فيه. الهياكل الحزبية العتيقة والطرية والمحدثة معبأة بالتوتر والتصيُّد والتربُّص. حياة المواطن مثقلة بالشظف اليومي. سنوات البرلمان حبلى برغبات ملايين المهمشين وبشعارات الثورة وتناقضات قواها. مصر شقيقتنا الكبرى. الظرف العربي الضاغط يستدعي استردادها إلى محيطها القومي قوة رائدة فاعلة ومتقدمة. الأنموذج المصري ظل قدوة عربية عبر التاريخ. الرهان على مصر أنموذج ديمقراطي جاذب من الثورة إلى الدولة وبعدها.