أطلق جامع الأزهر مبادرة جديدة تتضمن معايير ملائمة لتشكيل اللجنة التأسيسية المناط بها وضع دستور جديد في مصر، وذلك بعد أن قرر القضاء المصري تعليق القرار الصادر عن رئيس البرلمان بتشكيل لجنة تأسيسية مهمتها كتابة هذا الدستور. وأكد الأزهر في بيان صحفي الإثنين، أن التوافق المنشود يتطلب الاحتكام لما استقر في الأعراف الدستورية في التجربة الحضارية المصرية والبناء عليه من دون نكوص أو تراجع لاجتياز هذه المرحلة بسلام والنجاح في إقامة مؤسسات الدولة كلها واستكمال بنائها وتحقيق أهداف الثورة، مطالباً القوى والتيارات والأحزاب كافة بالتجاوب مع هذه المبادرة. ويعد تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور إحدى أهم القضايا التي تثير جدلا كبيرا في الشارع المصري، في ظل استئثار تيار الإسلام السياسي، بغالبية مقاعد البرلمان المصري. وطالب الأزهر بضرورة الحفاظ في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة على مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، مع تأكيد التكامل فيما بينها من دون أن تطغى سلطة على أخرى أو تتدخل في شؤونها "حتى لا ينتشر الفساد والطغيان ويختل ميزان العدل". ودعا الأزهر جميع الفرقاء على الساحة السياسية المصرية إلى التنازل عن جانب كبير من تحيزاتهم ومصالحهم ورؤاهم حتى يلتقوا في منتصف الطريق، وينجحوا جميعاً في تحقيق أهداف الثورة المصرية، في العيش المشترك والعدل الاجتماعي والحرية والكرامة ويتمكنوا من صناعة مستقبلهم على أساس متين من دون إحباط أو إخفاق. ويقول مراقبون إن الأزهر يلمح على ما يبدو في دعوته هذه، إلى ضرورة الابتعاد عن استخدام الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي ووحيد للدستور، الأمر الذي تخشاه أطراف سياسية واجتماعية ودينية عديدة في مصر. ويبدي الليبراليون والعلمانيون والأقباط المسيحيون في مصر مخاوف جمة مما يرونه مؤشرا على رغبة تيار الإسلام السياسى في فرض أجندة إسلامية على الدستور الجديد، ربما على حساب الحقوق المدنية والحريات وغيرها من المبادىء الديموقراطية. وانسحب الأزهر قد من الجمعية التأسيسية المناط بها وضع مشروع دستور جديد لمصر قبل أيام من حُكم أصدرته محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة في مصر ب"بطلان تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور" والتي كان البرلمان المصري قرر تشكيلها من 100 شخصية نصفهم من البرلمان والنصف الآخر من خارجه. وعلقت محكمة القضاء الاداري في القاهرة الأسبوع الماضي، فاعلية قرار رئيس البرلمان بتشكيل اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور المصري الجديد. وقال خبراء قانونيون ودستوريون إن قرار محكمة القضاء الإدارى بوقف تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور يعيد التوازن لعملية وضع الدستور، بما يضمن المساواة في تمثيل جميع طوائف الشعب المصري. واعتبر البعض قرار القضاء المصري، بمثابة صفعة قوية لجماعة الإخوان. وقال مراقبون إن الحكم القضائى الأخير مثل فشلا جديدا للإسلاميين في مصر بشكل عام، ولجماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص، خاصة أن التيار الإسلامى الذى يشكل الأغلبية البرلمانية في مصر قد فشل مؤخرا في سحب الثقة من حكومة كمال الجنزورى نتيجة تأكيدات جنرالات المجلس العسكري أنهم وحدهم دون غيرهم من يمتلكون السلطة الحقيقية في مصر. وقال الأزهر إن مبادرته المعلنة تتضمن جملة من المقترحات لتقديمها للهيئة البرلمانية المنتخبة لمجلسي الشعب والشورى للاسترشاد بها عند إعادة تشكيل اللجنة التأسيسية بما يضمن تمثيل مختلف فئات الشعب وتحقيق أقصى درجة من الإفادة من الكفاءات الوطنية، واحترام النصوص الدستورية. لكن، وفي غياب استعدادات متبادلة من النخب السياسية ومختلف مكونات المجتمع المصري للتنازل عن مواقفها من مضامين الدستور المرتقب، سيكون من الصعب التوصل الى تفاهمات في وقت قريب. ويقول محللون إن قرار القضاء الإدارى ببطلان شرعية "اللجنة التأسيسية"، وإيقاف أعمالها قد يجعل من المستحيل كتابة الدستور المصري الجديد قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمقررة في شهر مايو/ أيار القادم، وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة.