سواء قرأتم الفعل (ذهبت) المسند الي الأقلام في هذا العنوان بفتح الهاء، معنياً به ذهاب ريح وروح تلك الأقلام، أو بضم الهاء، مشاراً به الي اكتسائها أو ارتشائها ذهباً أو شرائها أو كرائها ذهباً أو حتى بيعها في بورصات الذهب العالمية، فقد أصبتم الهدف، قصدنا بهذه المقدمة (الذهبية) أن نوضح أن ما منح للصحفيين السودانيين/ الحاج وراق وعبد المنعم سليمان من جائزة عالمية تسمى جائزة القلم وأحياناً جائزة القلم الذهبي علي ممارستهما (الحريات) إياها وفي البلاد إياها، يصب في صميم المعنيين الذين يحتويهما الفعل (ذهب)، وبالتالي تصح عليه القراءتان، بضم أو فتح الهاء، فكلا الهدفين الذهاب والظفر بالذهب عيناً أو نقداً متحقق من الجائزة إياها، فالجائزة تمنح مجازاً لحقٍّ يراد به باطل، فظاهرها إجازة وتحفيز من يصدع بكلمة حقٍّ عند سلطانٍ جائر، أما باطنها وحقيقتها الظاهرة عندنا في السودان هذه الأيام بالذات، فهي أن نقول تلك الكلمة خارج بلادنا، لا جهراً عند سلطانها ولا همساً عند عامتها تحريضاً لهم علي قولها عند السلطان مجتمعين، إذ لم يعترض الناس علي هذه الجائزة من قبل عندما سبق أن تم منح الجائزة أو مثيلتها (القلم الذهبي) للمعارض العتيق وأستاذ الأجيال الصحفية جميعاً الأستاذ/ محجوب محمد صالح، لأنه منحها عن جدارة ولم يمنحها مكافأةً له علي قول الحق (برّا اليلد) بل بحضرة سلطانها وحضور عسكرها رافعاً شعار ( بنعارض من بلدنا، ما برا البلد )، ثم قاوم هو والأستاذ المرحوم/ سيد أحمد خليفة السقوط في الوحول المطبقة للعمالة والارتزاق ورضيا بحظهما من الحرية في بلادهما، كما أن الأكسجين الصحفي لم يستنفده أو يستنزفه اتحاد الصحفيين الرسمي كما ادعى الأستاذ/ محمد عثمان ابراهيم في (السوداني) التي تصدر (جوا البلد، ما برا البلد )، هي وغيرها من الصحف المعارضة أو المؤيدة للحكومة، بل كان صالحاً لوراقنا وكل الوراقين أن يتنفسوه ويعبروا من خلاله عن رأيهم المعارض ما فيه الكفاية وزيادة، ولكن أن يبحث وراق عن ( الحريات ) في يوغندا، حيث لا حريات، اللهم إلا الحريات ( الأباها وراق هي والحمرة الأباها المهدي) في قبلته وقبته السابقة موسكو الاتحاد السوفيتي وكانت إحدى مبرراته للخروج من طوق الاشتراكية السوفيتية الي فضاءٍ أوسع تتوفر فيه حريات أوسع، الأمر الذي أدت تداعياته فيما بعد لخروجه من قمقم الاختباء والإعراض والإشاحة عن أوسمة ووشاحات ادعاء بطولات الاختفاء ومن ثم الخروج الكامل والمعلن عن الملة الشيوعية وتنفس أكسجين ما كان يسمى حينها بهامش الحريات الذي كان أضيق بكثير من هامشها الحالي في عهد اتحاد تيتاتوي، لذلك ومنذ ذلك الوقت الباكر أصبح وراق يتجه يميناً، متنكباً طريق نجوم الحزب الشيوعي الزواهر الذين قضوا يوماً نحبهم مزلزلين وقار المشانق أو بقوا معارضين داخل بلادهم مقاومين السقوط في الوحول المطبقة لل(حريات إياها). ففي طوافه علي الأضرحة الفكرية والسياسية جاء الحاج وراق منبهراً الي قبة الماركسية بخلفيته الجمهورية (المحمودية) المتأثرة بدورها بالأفكار الماركسية خصوصاً والأفكار الاشتراكية والانسانية عموماً تأثر سائر الحالمين الطوباويين والواقعيين بغدٍ أو حاضر أفضل للإنسانية، وكما روى ذلك بنفسه جاء وراق الشايقي الي الشيوعية (فوق راي جعلي)، حيث أثار الموقف الجعولي للطالبة الشيوعية/ ناهد جبر الله في المصادمة الشجاعة لعسكر أمن مايو، أثار كوامن شجنه الجعولي وهز قحف رجولته أو بالأحرى ضكارته الشايقية، ولا مشاحة في ذلك فهو تجري في جيناته دماء العقيد ومهيرة والمكوك نمر وسعد ومساعد. وكانت تلك القصة قد ألهمتني يوماً أن أعلق علي سيرته السياسية في (الصحافة) وحواره مع الأستاذ/ علاء الدين محمود خالد في (الأضواء) بمقال نشر في الموؤودة (الأضواء) في 11/ 9 / 2004م تحت عنوان (وراق بين صدفة جبر الله وضرورة الفاتح) مشيراً بذلك الي ما جابهه به المحاور من سؤال محرج عن أن شيوعيته لم تنبع سوى عن تأثُّر عاطفي عابر بشجاعة ناهد جبر الله وليس عن عن عمق وتعمق فكري، وأنه لو صادف أن كانت صاحبة الموقف حينها الدكتورة/ سعاد الفاتح لكان وراق اسلامياً لا شيوعياً، رابطاً بين ناهد الشيوعية وسعاد الاسلامية برابط جدلي (ديالكتيكي) معروف في قاموس المقولات والقوانين الماركسية يسمى ( الضرورة والصدفة). حيث كشف وراق في ذلك الحوار عن تبرؤه الكامل بل وتبرئة ماركس صاحب النظرية نفسه عن شرف نسب الماركسية اليه، ونسب ذلك الشرف الي آخرين أخذ عنهم ماركس ماركسيته أو أفكاره التي عرفت بين الناس بالماركسية علي حد زعم الوراق. لقد نعم الحاج وراق وغيره من أقصى اليسار الي أقصى اليمين بالحرية في بلادهم، فكونوا الأحزاب والحركات الفارغة والمليانة وظلوا يصدرون ما شاءوا من الصحف ويطلقون عليه ما يحلو لهم من التسميات ك(الحرية) التي فشلت في الاستمرار والتي عرَّض الأستاذ/ حيدر ابراهيم بمصادر تمويلها في أول مقالٍ له فيها، ثم برر ذلك التعريض بأغرب تبرير ألا وهو الهيئة التي بدت بها عينا الأستاذ/ وراق وهو يطلب الي الدكتور حيدر الكتابة في صحيفته، ومع ذلك نرى وراق اليوم قد حزم حقائب (الحرية) ليجمع أو يجلب أو يستورد بها المزيد من (الحريات) الذهبية والعاجية، ولا نملك إلا أن نتمنى له الصحة والهناء في التمتع بتذوق ما جمعه أو جلبه أو استورده من بلد (الحريات) بعرقه وحر ماله ومحض اختياره.