Zaki Hanna [[email protected]] ماكنت أميل إلى الكتابة في هذا الشأن لحساسيته .. لولا رغبة كريمه أبداها العديد من أبناء القضارف الكرام في مناسبات متعددة يطلبون منى إلقاء الضوء على ملامح من شخصية وحياة الوالد رحمة الله علية .. ولقد رأيت من حقنا جميعا أن نتعرف على ملامح من شخصيته لما لعبه من دور مؤثر مع أصدقائه من الرعيل الأول في النهضة الثقافية والتعليمية التي شهدتها هذه المدينة الحبيبة إلى القلب منذ أربعينات القرن الماضي... ولقد اخترت أن أشرك القراء في بعض ماقيل عن سيرته من خلال ماكتبه أصدقائه المقربين. ولد حنا تسفاى بحي ديم النور العريق بمدينة القضارف في عام 1910 م وتوفى بالخرطوم في شهر أبريل من عام 1964م. أكمل دراسته الأولية بالمدرسة الأميرية بالقضارف ومن زملائه في تلك الفترة الصحفي البارع الأستاذ محمد الخليفة طه الريفي ..التحق بعدها ولفترة قصيرة بالسكة حديد.. ثم أسس في نهاية العشرينات من القرن العشرين مكتبة القضارف التي ظل يشرف عليها زهاء الأربعين عاما وحتى قبل وفاته بقليل في منتصف الستينات .. هذه المكتبة التي ساهمت بقدر وافر في تشكيل وجدان وثقافة العديد من أبناء القضارف .. ولقد عرفها العض بالمكتبة التي أفادت أكثر مما استفادت ..حيث كانت تزخر بالعديد من المؤلفات والمجلات والجرايد المحلية والمصرية كما كانت منتدى للحراك الثقافي ومنها انطلقت العديد من المبادرات الفكرية والوطنية والتي أسهمت في تشكيل هوية قضروف سعد المتفردة وإبراز دورها الطليعي.. وقد كان مجتمعها يضم لفيف من المبدعين والصحفيين والكتاب من أمثال الأساتذة محمد أحمد السلمابى وعبد الله رجب والريفي وعمر كرار كشة وجعفر الخليفة طه وإبراهيم حسن كردى ويوسف السواكنى وعوض برير وود طيفور وآخرين.. كان واسع الثقافة والاطلاع ..متحيزا إلى قضايا مواطنيه .. عرف عنه قوة الشخصية ..كما كان شديد الصرامة والحزم في تعامله . كانت له مشاركات فاعلة في مجتمع القضارف حيث شارك في عضوية المجلس البلدي ونادي القضارف والغرفة التجارية كما عمل مع أبناء مدينته في إرساء دعائم التعليم الأهلي بالمدينة..لعب دورا مع رفاق دربه من طليعة المثقفين بالمدينة في مناهضة الاستعمار .. كان شديد الارتباط والعشق لمدينة القضارف وبأصدقائه العديدين بها .. وليتسنى للقارئ الإلمام بالجوانب الأخرى من شخصيته أقتطف ماقيل عنه عند وفاته من قبل أصدقائه المقربين ومن أبرزهم صديقه الصحفي البارع محمد الخليفة طه الريفي الذي قال تحت عنوان " دمعه وراء عزيزنا حنا تسفاى في أحد الصحف المحلية : لم تجف دمعة مدينة القضارف حتى الآن .. وما أحسبها ستجف يوما وراء ابنها الذي فقدته والذي بالغت الأقدار في فجيعتها فلم تجعل تربتها التي أحبها وأحبته مثوى لجثمانه الطاهر.. ولست أنا وحدي أبكى حنا تسفاى ..وإنما المدينة كلها فأن كل قارئ من أبنائها ومطلع من قرائها وكاتب من مثقفيها مدين لمكتبته التي أنشأها هناك منذ جيل من الزمان وأكثر.. لم يطلب بها شهرة فقد كان معروفا في جميع المجالات أو يجنى ربحا فقد قراؤه بالمجان أوفر عددا من مشتركيه.. و كانت هباته (الخفية) لمن يحبوهم عطفه من المحتاجين ولكل مشروع خير هي ربحه كله من مكتبته وتجارته .. لم يقرن اسمه بكبير في المدينة ليكوم محسوبا عليه.. أو صاحب جاه فيها يتغنى بأمجاده ويباهى بوداده ..وإنما كان صوفيا في سلوكه فارسا في تصرفاته.. يسعى إلى من هم دونه ويتقرب إلى الذين تميزهم خلالهم الطيبة وتعليهم صفاتهم العالية ..لم يتاجر في سوق ( الاختلاف) أو ينازع على منزله أو مكانه هنا أو هناك.. يقول رأيه في شجاعة وصدق ويتحمل تبعته.. يرهب نصيحته المنافقون ويتحاشى لقاؤه المراءون.. خاصم فكان صمته الكريم أشد وقعا على خصومه من الكلام وصادق فما حابى صديقا في حق أو أقره على خطأ.. لقد ذهب حنا تبلل قبره دموعنا الصادقة التي لاتجف ..بكت فيه المدينة قرابة الوجدان وصلة الإحسان وعظمة الإنسان وعلى مثله تراق الدموع ( الصادقة ) ويكون الحزن لا على الجاه ولاعلى السلطان .. على من لانجد مثيله وقد فقدناه يكون البكاء ويكون الألم. وفى شأن آخر كتب لي عمنا العزيز الراحل عمر كرار كشه عند قيام ثورة أبريل قائلا: من حقك أن تعرف اليوم أكثر مما عرفت بالأمس أنك من سلالة مناضلة ... فوالدك العظيم طيب الله ثراه الأستاذ حنا تسفاى منه تعلمنا معنى الحرية والديمقراطية .. فكم دبجنا في مناهضة الاستعمار من العرائض واللافتات سواء كان ذلك بمنزله أو مكتبته نحملها على الأكتاف نطالب بسقوط الاستعمار.. وهتافنا بالأمس القريب يسقط هاو يسقط هاو كان من ألحانه وابتكاراته. وفى الجانب الانسانى ذكر الأستاذ المرحوم ميخائيل بخيت ( أحد مؤسسي جريدة الرأي العام ) في رسالة بعث بها لصديقه عمر كرار كشه : لقدا فتقد كلانا أخا وصديقا ورفيقا وزميلا .. أخا يعطف ويرق ويحنو في غير كلفه أو صنعه ..وصديقا صادقا وفيا لايكذب ولاينافق ولايداجى ولايغتاب الصديق أو العدو بل يؤثر قولة الحق يقولها في وجه صاحبها ويسدى النصح الأمين الصادق .. ورفيقا سهلا لاتشعر معه بالضجر أو الملل..طيب المعشر حلو الحديث سريع النكات البريئة يؤاسى الرفيق ويواسيه .. وزميلا لايتبدل ولايتغير مهما ادلهمت الأمور أو توالت الإحداث .. ورجلا أمينا صادقا ذا شجاعة فذة نادرة إذا امن برأي لاتزحزحه عنه الصواعق والبروق والرعود ..وسنلحق به نحن جميعا ..فالبشر كراكبي قطار كلهم سيغادره ولكن لايعلم أي منهم في أي محطة سينزل أو في ساعة من الزمان سيغادر القطار. لقد رأيت من خلال هذا الإسهاب أن القي الضوء على علاقات الرعيل الأول.. وعلى لغتهم الرفيعة والرصينة التي تقطر أدبا وحكمة .. وماعاش الإنسان إلا ليموت..