جراحات السودان كثيرة و قد ظل بعضها ينزف رغم كل ما بذل من جهود لتضميده؛ومثال على ذلك الحرب التي تدور رحاها في منطقة جنوب كردفان الآن. فمن المعلوم أن هذه المنطقة تمثل نقطة التقاء لكثير من سكان السودان وتختلط فيها الأعراق و الثقافات والأديان أيضاً وقد ظلت حتى وقت قريب مضرب المثل في التعايش السلمي بين مكوناتها الاجتماعية من النوبة و العرب وغيرهم من القبائل ذات الأصول المختلفة. و كانت كل تلك المجموعات تتبادل المصالح بكل تسامح وإخاء بغض النظر عن الاختلافات الإثنية والثقافية حتى تدخلت بعض الجهات الآثمة و أفسدت عليهم حياتهم وأحالتها إلى حرب لا تبقي ولا تذر. ذلك لأن منطقة واحدة كانت هدفاً لبناء بؤرة ظهرت خطورتها في وقتنا الحاضر هي كاودة التي لم تعد مجرد جيب استعماري و كنسي تنطلق منه الحركات المعادية لضرب نسيج جنوب كردفان بل صارت قاعدة متقدمة لعناصر الحركة الشعبية والتمرد بكل أشكاله و معتقداته و مذاهبه وأهدافه وباتت تهدد أمن السودان بأكمله. ولم يفلح الحل العسكري حتى الآن في نزع فتيل الأزمة و وقف الصراع ذلك لأن هدف مجموعات كاودة المتمردة ،التي تستخدم أسلوب حرب العصابات، ليس هو السيطرة على جنوب كردفان فحسب بل استخدامها كمخلب قط من أجل فرض واقع جديد عجزت الحركة الشعبية عن تنفيذه و هو تحقيق فكرة السودان الجديد و القضاء على بعض العناصر بمساندة من التيارات الحزبية اليسارية و التقليدية وهي لذلك تستخدم بعض أبناء جبال النوبة كما استخدمت الجنوب قبل ذلك لتصل لسدة الحكم بمسميات معسولة ومضللة وشعارات زائفة و أفكار عنصرية تقف وراءها جهات عديدة لها أطماع واسعة في منطقة حوض النيل تستخدم وسائل متنوعة لتحقيقها؛ وقد ازداد الوضع خطورة و زخماً بعدما وجدت إسرائيل موضع قدم لها في جوبا . من ناحية أخرى يبدو أن حيل الحركة الشعبية ودعايتها السياسية باعتبارها الراعي الرسمي لمن يسمون أنفسهم العناصر المهمشة لا تزال تنطلي على بعض إخوتنا من جبال النوبة رغم الخذلان والتجاهل الذي وجودوه منها عند توقيع اتفاقية السلام الشامل ولكنهم مع ذلك ظلوا يتشبثون بها مع أن كبيرهم اللواء تلفون كوكو لا يزال يقبع في سجون جوبا دون ذنب سوى أنه طالب بحقوق أهل الجبال. ويفهم من الطريقة التي تدار بها التحركات العسكرية الآن أن الهدف هو إطالة أمد الحرب وجر المنطقة والدولة نحو التدخل الدولي على غرار ما حدث في دارفور بهدف خنق السودان وتركيعه حتى يقبل أجندة باتت معلومة و مكشوفة لكل من يتابع تطورات الأحداث في هذا البلد المستهدف الذي تريد الدوائر الامبريالية العالمية والصهيونية تمزيقه إلى دويلات متنافرة على أساس عنصري و إثني أو ربما قبلي حتى يمكنها السيطرة على موارده المتنوعة و الحد من دوره الفاعل خاصة في محيط المنطقة الأفريقية جنوب الصحراء. ومهما كانت المخططات و المبررات فإنّ الوضع لا يمكن أن يترك ليستمر كما هو الآن ولابد من بذل جهد مكثف تقوم به منظمات المجتمع المدني والجهات ذات الصلة من الكيانات المحلية من أجل وضع نهاية لهذا النزيف الذي سيقضي على الأخضر واليابس ويجر هذه المنطقة العزيزة علينا جميعاً إلى التناحر وسفك الدماء دونما سبب مقنع. ولذلك لا يمكن ترك الوضع بدون تدخل مخلص وقاصد، يهدف بالدرجة الأولي لإعادة المجتمع في جنوب كردفان لسالف عهده من التوازن والاستقرار، مستفيدين مما كان قائماً بين كل المجموعات السكانية من تعاون وإخاء و نصرة في عهد السلطان عجبنا و الشيخ علي الميراوي وزعماء القبائل العربية التي تقيم هناك، و وغيرهم من الذين لم يعرف عنهم انحيازاً لطرف دون الآخر أو عنصرية بغيضة تفرق الناس على أساس عرقي أو قبلي لا مبرر له خاصة إذا عرفنا التداخل الكبير بين الناس و التعايش لفترات طويلة دون حدوث نزاعات أو فتن كتلك التي تحدث هذه الأيام. و الجدير بالذكر أن علاقات الناس هناك كانت تحكمها مواثيق و عهود وأحلاف لابد من الرجوع إليها لتذكير الذين يتولون كبر الفتنة الآن بما كان بين الأسلاف من تقارب مثمر وبناء حفظ لجنوب كردفان أمنها واستقراها حتى تدخلت الأيادي التي لا تريد الخير للناس و ظلت تعزف على وتر العنصرية لتحقيق أهدافها الخاصة تغذيها طموحات بعض الحاقدين من الأفراد.وهذا السلوك المنحرف قد أوقف عجلة التنمية و زاد من حدة الفقر وانتشار الجهل وزعزع أمن المواطن وكل ذلك سعياً وراء أجندة خفية تحاول تلك التيارات المتمردة الوصول إليها مهما كان الثمن مستغلة بعض القبائل النوبية لتضرب بها إخوانهم وجيرانهم من الذين يشاركونهم لقمة العيش والسكنى وتوجد بينهم صلة الأرحام ضرباً للنسيج الاجتماعي و تفريقاً لأهل المنطقة. و في جلسة نظمها أبناء حمر ضمت نفراً كريماً من أبناء شمال كردفان و جنوبها احتفاءً بشيخ العرب عبد الحفيظ أدم حسن نمر وكيل أمارة الهواوير الذي زار الرياض العاصمة السعودية مؤخراً تقدم أحد الإخوة الحضور باقتراح يتمثل في تحرك تقوم به قيادات الإدارة الأهلية لما تتمتع به من قبول لجمع الناس على رؤية توافقية تقوم على مبدأ التعايش السلمي و تبادل المصالح من شأنها أن تكون أساساً لصلح شامل يجنب أهلنا مغبة هذا الصراع الدامي و تداعياته التي لن تكون في صالح أحد. وللسعي قدماً بهذه الفكرة كلّف الإخوة الحضور الشيخ عبد الحفيظ بمخاطبة الجهات المعنية وطرح هذا المقترح عليها و محاولة إقناع كل أصحاب المصلحة بهذا التوجه الذي ربما يحدث اختراقاً لما تعانيه هذه المسألة الشائكة من تعنت مقصود من بعض الجهات المشبوهة لتحقيق أهداف معلومة. و ذلك تفادياً لتدويل المشكلة الذي لن يؤدي إلا لجعل السودان لقمة سائغة يسهل التهامها في وقت يتصارع فيه العالم على المصادر الطبيعية والمائية التي تذخر بها المنطقة و نسأل الله أن يكلل هذا المسعى بالنجاح.