"الله لا جاب يوم شكرك" تعبير بليغ عميق المعاني، بل هي معاني مكثفة حتي تنزل عليها الدموع السخينة فتنساب جداولا من الحب و الوفاء و التقدير ،الا انها تكون مصحوبة بالحزن و اليأس و الاحباط. و جاء يا وردي يوم تهيبناه كثيرا، بدء هذا الشعور المخيف كان يوم سماعنا بنبأ الفشل الكلوي. لكن كان العلي القدير رحمانا رحيما بنا و بك، فقد جاء البلاء مصحوبا باللطف فظللت رغم المرض نخلة سامقة كتلك التي شتلتها بيديك و تمنيت ان تحصد محصولها بنفسك و التي نسميها (Eddin Oasir) ، ظللت تغني لنا بين "الغسلة" و الآخري، و ظلت اكف محبيك مرفوعة الي الله فاستجاب ارحم الراحمين لدعائهم و نجحت عملية زراعة الكلي و عاد الحبيب مواصلا مسيرة الابداع و العطاء. لكن جاءت لحطة الفراق دون ان يتسني لنا ان نكون مع الجموع المودعة. و لا نقول الا الحمد لله الذي له ما اعطي و له ما اخذ. احباب وردي و مفتقدوه اليوم، من هو هذا البلبل الغريد و المبدع المتفرد؟ كيف تسني له ان يكون هذا الهرم الفني العملاق؟ ربما تجدون الاجابة عندي. هو فتي نوبي حباه الله و خصاه بنعم لم يحظ بها احد من ابناء جيله: ذكاءا حادا و متقدا، و موهبة فريدة، و خمس حواس كما نحن ، الا انها حواس تختلف عن حواس الآخرين: عيناه تري ما لا نراه، تري كل التفاصيل كأنها كاميرا رقمية، و اذنه تسمع ما لانستطيع ان نسمعه، يستطيع ان يفرق بين اصوات العصافير التي تشقشق فوق اغصان النخيل و تلك الاخري التي تبشر بالخير فوق شبابيك البيوت.و انفه تفرق بين رائحة الجروف المغسولة بي وهج القناديل ، و رائحة الجروف نفسها في موسم آخر عندما تغطيها مياه الفيضان لتزيدها خصوبة و طينا. و افاض عليه الرزاق من نعمه فهيأ له ان يتررع في بيئة نوبية، في قرية وادعة هادئة، غذاء اهلها الحب و الايثار قبل الطعام و الشراب. تفتح ابواب بيوتهم في الصباح الباكر و لا تقفل الا عند النوم خشية دخول الكلاب و القطط و العبث باواني المطبخ. اما طبيعة المكان فهي لوحات بديعة ير سمها هذا الفتي العبقري في اغنياته النوبية، فقد ظل منذ نعومة اظفاره مولعا بالجمال علي اطلاقه، فيري الجمال في اشكال الطبيعة المختلفة، و نشاطات المزارعين ، تلال القمح عند الحصاد (Ellain Gais) ، نفرة الغلابةVazaa) (Galba neen ، زفة العرس (Balain Sifa) . فكما ترون الجمال عنده حسي و روحي، فلا جمال في نفرة الغلابة غير التأزر و التكاتف و الايثار. كان فتانا كما يوجز الجماع: حاسر الرأس عند كل جمال مستشف من كل شئ جمالا من هنا كانت عبقريته الفنية: نشأته في البيئة النوبية ، و استقراؤه جمال الطبيعة و الحياة الاجتماعية و رؤيته للفلكلور النوبي اهلته لادراك مواهبه (awareness) وشكلت طموحاته التي وصلت به للقمة. لكن يجب ان لا ننسي هبات الرحمن له التي جعلت منه موسيقارا مدهشا و فنانا اطربنا و اشجانا بالحانه الخالدة. غاب عنا وردي بجسده و ستنقطع عنا ابداعاته، اما ارثه الفني فهو خالد لنا ولمن ياتي من بعدنا ، و نحمد الله الذي سخر لنا تكنولوجيا السمعيات و البصريات لنسعد متي شئنا بارث هذا الفنان العظيم يا حي ياقيوم، يا حنان يا منان تقبل عبدك محمد عثمان وردي في جنات النعيم ، و ارزق الشعب السوداني من يواصل مسيرته في المستفبل فريبا كان او بعيدا و يا حبذا من ذريته ، و آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي اشرف الخلق و المرسلين. Hussain Al Zubair [[email protected]]