بعض التحايا والأشواق نرسلها دون ضمان وصولها لكننا نكتبها ونرسلها دون تتبع مسيرتها حتى لتقع في أي بقعة كانت ذلك لأن الشوق يفقدنا توازننا ينهكنا مستنفدا احتياطي طاقتنا عادة شوق الأمكنة يصيبني بالدّوار ويعجّل من تدفق الدم يضخه دون تروّ موججا به القلب ومن المستحيل في تلك اللحظة آلا تشعر برعشة والروح حين يعركها الشوق يستعصي عليها السكون ، في الحركة بعض نجاة إن صح الزعم 0 قريتي ما كانت استثنائية الجمال لكني حملتها كرائحة ، عبّ شوق على كاهلي ما فتر ، مزروعة هي فيني بأهلها ، البعض يقول أن البعاد مثل مرور الزمن يولد النسيان ، لكن لكل منا شغف خاص بمكان نشأته الأولى كادقلي عندي ليست كالمدن هي مكان صرختي الأولى وحبوي وخطواتي هي الخضرة الأولى والجمال الأول ، لم يعلمني أحد أن أحب وأعشق ولم يهتموا أصلا بأن يحدثوني ولو عرضا عن ولاء الميل القلبي لأماكن نشأتنا الأولى فالكبار مشغولون بالأهم وهو إطعام أفواهنا المفتوحة ليل نهار ، أطعمونا عرقهم وجهدهم فكبرنا أصحاء جسديا ثم أنهم تركوا شئون القلب وأسئلتنا للمدينة ، كادقلي كانت معطاءة كأمي للرأفة والحب سقت قلبي العشق على مهل 0كل ما فيها يحرّض على الحب بأشجارها الظليلة المنتشرة وهواءها اللطيف وليلها الشديد السواد و سحبها الهذيانية ، كيف لا يملأني مكان سخي الجمال كذاك معجون بالخضرة في ليلة صيف حارة وساكنة ( أظن أن ارتفاع درجة سخونة الجو تُلهب المشاعر وتُوقظ الحنين من ثبات ) اشتقت لأهلي وقريتي، سنين قادت سنينا خلفها في انتظار أن أسافر أن أضمهم مستنشقة عرقهم المخلوط بالتعب فأنا امرأة مصابة بسرطان الحنين المزمن هي في داخلي مجمدة في أبهى صورها وكأن الذي حُكي ليّ عنها بعد خروجي منها لم يحدث ، لم تختزله ذاكرتي ، اعلم يقينا أنها تبدلت ما عادت كما كانت وذاك أمر طبيعي فتبدل الحكومات يغير الأمكنة لكن كادقلي ستظل على عرش القلب أينما كنت بتفرد موقعها ، سأظل أردد أنا من هناك قلبا إلى أن يبهت قلمي ، هي اللؤلؤة الخضراء المنتقاة من الطبيعة بعناية لتسكنني وأنا بعيدة عنها علنا 0 كادقلي تشمل كل ذلك الجزء الغربي من بلدي ، بها نفحة من كل تلك الجهات وأُناس من كل الوجهات ، غادرتها باكرا يقودني فضول الفضاء المكشوف خلف الجبال قبل حرب النزاعات التي نفختها بفحيحها تقع مدينتي في أجمل بقعة في جنوب كردفان يمر بنا الغرباء دائما ويقعون سريعا في آسرها بعضهم يبقى وآخرين يغادرون بأحلى ذكريات عن سوقها الكبير الذي يتوسط المدينة هو للعلم به كل ما يخطر من أصناف وأشكال وبشر وأصوات ولهجات ودواب مدينة التنوع يقولون تجارب السفر دائما رائعة ورؤية أمكنة مختلفة يبعث فينا نفسا جديدا ، أذكر أنني خرجت منها صباحا مع العتمة الأولى مع أسرتي محملين بالقليل من الأحمال في صف قصير قاصدين أهل أمي سيودعنا أبي ديارهم ويرحل ( لم نره بعد ذلك وبقينا إلى لحظة كتابة هذا الحنين معهم في مدينة لن أحبها ابدأ ) كنت أودع الطرقات بعيون ثابتة وقلب راجف يعلم سرا أنه لن يعود ، لكن أمي لم ينقطع نحيبها طيلة الطريق ، هنا النساء أكثر حنانا ورأفة ، يغرقونا نحن الصغار بل وكل الأشياء بحنانهم ، بحيرة فائض عطفها على الدوام ، يد العطف عندها طويلة عكس أبي وبقية الرجال فهم أشداء والحنان ضعف ، يكرهون البكاء والشوق والحنين أو هكذا يبدون ليّ قد يكونون على صواب لأن المرء أحيانا يكون سعيدا بقدر ما يعرف كيف يبعد عنه الألم والبكاء ألم كما الشوق كما الحنين ، ألم يُعتقد قديما أن الحكيم من الناس من أبعد عنه أي نشاط يقود على ذلك حسنا قد يصلكم شوقي وأنتم متعبون وأمهاتي أيضا متعبات فهن الآن مهمومات بإصلاح أسقف القطاطي وترقيع الخيام فالبرد قارص والشتاء لا يرحم ومن قبل كن متعبات بترميم مخلفات المطر والرؤوس متعبة أحناها ثقل الصفائح ونقل الماء وطول المسافات لكنهن ما انقطعن من إرسال صوت الحمد للعلي القدير والحمد أولى بتعب الحياة فالمصائب تذوب به لهذا أنتن جديرات بالحياة وحبيبتي كادقلي [[email protected]]