واساني، وأقال عثرتي، وجبر كسري، المداد المسكوب، والدرر المنثورة، في رثاء فقيد الإنسان والسودان، الأستاذ محمد وردي، من مرثية السيدالصادق المهدي، والدكتور عبدالله على ابراهيم، والأستاذ عبد المنعم خليفة، والأستاذ عبد الله الشقليني وعشرات الآخرين من سودانيين وغيرهم، وهي الكتابات التي خففت وطأة الحزن، وهول الفقد، وبطش الموت برموزنا الوطنية، فما كانبمقدوري، والحال هكذا،أن أرمي بدلوي في سبيل التعبير عن الرحيل الفظ. ولو لم يكن راحلنا العظيم فنانا بقامة قارة، لما استطاع أن يعيد ذاكرتي لخمسينات وستينات القرن الماضي، حين كنت سليل أسرة فقيرة جاء ميلاد أربعة من أبناءها، والسودان يتنفس نسائم الأستقلال، ويتذوق حلاوة الإنعتاق من قبضة المستعمر البغيض. كانت اسرتي تعيش في قرية صغيرة من قرى شمال الجزيرة، وحين يحل القحط والمحل، بأهلنا في شمال كردفان وفي البطانة، كانت آلاف الأسر تأتي بمواشيها إلى القرية، نواسيهم على نوائب الدهر بفتح البيوت والمطامير، وفي المقابل يشاركوننا في عمليات جني القطن والمحاصيل الأخري فيسويعات النهار، وفي الأمسيات يتجمهرون معنا حول بيت (زينب) ست الرادي الترانسيستورالوحيد في المنطقة، لنسمع (في الجزيرة ... نزرع نتيرب... نلقط قطنا)، ونسمع وردي يغني ملامح اكتوبر والأستقلال، وممجدا لرموزنا الوطنية، على عبد اللطيف، عبد الفضيل الماظ، عبد القادر ود حبوبة...الخ في مستهل عقد ستينات القرن الماضي، كنا نصحو باكرا (نشد الحمير)، ونتوجه للمدارس، وفي المساء نعود للقرية، منهكين متعبين، من آثار الوردة (الحمي)، ومن قوة جرعة حقنة (الفواديين)، علاج البلهارسيافي ذلك الزمان، وما نهش في كباد وبطون جيلنا من أبناء الجزيرة، مثل ما نهشت البلهارسيا والوردة. كنتفي حالة سباق دائم ومحموم بين إخواني، للفوز بالإرتماء في أحضان الوالدة، يوما بعد آخر،مرة لتخفيف آلام الوردة، وأخرى لتناول حبوب الكافينول، وثالثة لشراب المديدةفكانت، في كل مرة، تقول ( أمشو بيت زينب ست الرادي، وردي قاعد يغني ، والوردة بتروح). راحلنا كان غذاء للروحوالجسد، وعلاج للسقم، وملهم للثورة، ونصير للفقراء والمستضعفين، سلاحه موسيقاه العذبة، وتطريبه الرائع، وصوته الجهير، غنى للروح، وللحب، وللمرأة، وللوطن شماله وجنوبه وشرقه وغربه، وللخير، حتى أصبح حبله السري مربوطا بكافة فئات شعبه. رحمك الله واحسن إليك فقد كنت ذلك الفنان الضخم الذي فارق شعبه في أسوأ أحوال تاريخه إضطرابا وتفككا. Bashir Muaz Al Faki [[email protected]]