alrasheed ali [[email protected]] توسعت أعمال البناء والتشييد بالسودان بشكل كبير يستدعي وجود عمالة ماهرة ) سودانية) في مهن تتعلق بأعمال السباكة وتركيب البلاط والسيراميك والكهرباء وغيرها من الأعمال الخاصة بالتشطيب. وللأسف هناك اعتقاد بأن هذه المهن تعتبر من المهن الهامشية التي يمكن أن يشغلها أي عامل عادي وأنها لاتحتاج الى خبرات أو مؤهلات معينة، وهذا المفهوم الخاطئ هو الذي وصل بنا الى ذلك المستوى المتدني الردئ من الأداء والتنفيذ في هذه الأعمال المذكورة الذي اضحى مذمة ومنقصة في حق العامل السوداني في كل الأوساط والمنتديات. وهناك كثيرون يستنكرون استقدام عمالة ماهرة اجنبية للقيام بأعمال التشطيب المذكورة، وبدون حساسية علينا أن نقر بأن مستوى المهارة والاحترافية عند االعامل السوداني – بشكل عام – لايرقى الى أدنى المستويات المطلوبة للقيام بهذه الأعمال. إذ أن معظمهم يفتقرون الى الخبرات العملية والمعرفة والدراية والالمام المناسب بأصول وقواعد تلك المهن ، وبعضهم يبرر ذلك بالنقص في المعدات والأدوات اللازمة ولكن هذا القول مردود لأن هناك بعض الأعمال تتوفر لها كل مايلزم من معدات وأحهزة وغيرها، ولكن بالرغم من ذلك نجد ان مستوى الأداء لدى أؤلئك العمال (المهرة) ضعيف، ومعظمهم يفتقرون الى اساسيات المهنة وكل المسألة لديهم مجرد اجتهاد شخصي فقط. و (الصناعي السوداني) (يمتاز) بنواقص أخرى غير تلك النواقص (المهنية) تأتي في قمتها (الاستهتار) وعدم المبالاة، ويمكن ان يندرج هذا تحت مسمى (أخلاقيات المهنة)، فهو غير (منضبط) في مواعيده و (مزاجي) قد يتغيب بدون سبب وغير (متناغم) في درجة جودته لمهنته، وكثيرا مايتباين أداؤه بشكل ملحوظ من حيث (الجودة) حتي يبدو لك أن العمل (الواحد) قد انجزه أكثر من عامل، بدرجات متفاوتة من (الاحترافية) والجودة، وبمعنى آخر متذبذب من حيث جودة العمل واتقانه. وقد جأر كثيرون بالشكوى من عدم (انضباط) معظم الفنيين السودانيين، الذين تتدنى انتاجيتهم كما ونوعا بشكل ملحوظ من رصفائهم الأجانب، اذ يكثر تغيبهم بسبب اعذار واهية (وفاه حبوبة صاحب خال الزوجة، كرامة ود عم الجار)، هذا فضلا عن التسيب في الموقع (الحضور الساعة التاسعة صباحا والانصراف العاشرة والنصف للفطور والانصراف من الموقع الساعة الثانية ظهرا)، وعدم الخبرة في تقدير المواد (تلييس حيطة بطول عشرة امتار تحتاج الى خمسة أكياس اسمنت وتكلف في الواقع خمسة عشر كيسا، وهكذا)، وهناك أمور كثيرة. عالم اليوم غير، السباكة صارت علم معترف به يدرس في أرقي صروح العلم والجامعات وليست مجرد مهنة تتعلق برص مواسير وتركيب حنفيات و(بلوف)، علم له اصوله ونظرياته ، لذلك لن يفلح ابدا من يظن ويعتقد أنها مهنة هامشية يستطيع ان يمتهنها كل من هب ودب. حدثني أحد الأصدقاء أن السباك الذي يعمل مع المقاول الذي يشيد له منزله والمسئول عن كل أعمال السباكة قد خرب له طقم الحمام الراقي المستورد الذي كان يحلم ويفخر به وحوله الى مجرد حمام عادي حيث قام باستبعاد كل الملحقات المصممة بشكل جمالي فريد وذلك لجهل السباك بطريقة تركيبها بل بعدم درايته وجهله بوظائفها لأنه قادم من بيئة لا تعرف البانيو وأهلها لا يستخدمون مثل هذه (الأجهزة) العجيبة وعمرهم لم يشاهدوها حتى في (الشاشة الغشاشة) بل ان أرقى بيت عندهم لا يعرف سوى (الادبخانة)، ولمعلومية بعض القراء الكلمة تعني (دورة المياه) أو بيت الأدب كما يحلو للبعض تسميتها، اذ أن الكلمة تركية مركبة من مقطعين أدب و خانة أي بيت الأدب. فيا ترى هل يفلح هذا الذي ليست لديه أدنى فكرة عن طقم الحمام الراقي القادم من أوربا في أن يكون سباكا ماهرا؟؟ نحن لا نستخف بأولئك القوم الذين لم يلحقوا بعد بركب الحضارة ولكن أوردنا ذلك المثال للتدليل على خلفية من يدعون الخبرة والدراية ظنا منهم أن مهنة السباكة لا تتطلب الخبرة والدراية. لكن للأسف فمثل هؤلاء يعج بهم سوق العمل، ومنهم من يدعي اجادة العديد من المهن الفنية، ولكن في حقيقة الأمر نجد أن عدد العمال المهرة المؤهلين لمثل تلك المهن الفنية قليل جدا والأعمال التي ينجزونها تفتقر الى أدنى درجات الجودة والمهنبة. لذلك، فإني أعتقد أن هناك أكثر من مبرر يستدعي استقدام مثل تلك الأيدي العاملة الماهرة الخبيرة، هذا فضلا عن مسألة الاخلاص في العمل ودقته، وهذا مما لا يدرك الا بمقارنة العامل السوداني برصيفه الأجنبي، فعلى سبيل المثال لايمكنك الحكم على عمل حداد سوداني محترف الا بعد مقارنته مع عمل حداد أجنبي محترف، قارن بين باب حديد من صنع عامل سوداني وأخر اجنبي تجد الفرق كبير للغاية، وكذا اذا قارنا عمل فني تركيب بلاط سوداني محترف مع رصيفه الأجنبي، نجد أنه لا توجد أصلا أوجه مقارنة بين عمل هذا وذاك، فعمل الأجنبي متقن وممتاز وفيه اللمسات الجمالية الابداعية. هذا في الغالب الأعم، وذلك لافتقارنا للأيدي العاملة الماهرة المدربة التي تنقصها الخبرة والمعرفة والدراية والتدريب والاخلاص في العمل. ذات مرة شاهدت فريق عمل سوداني يتبع لشركة صيانة وتشييد كبيرة في الخرطوم يقومون بصيانة واعادة طلاء احد المساجد الكبيرة بالخرطوم، وقد أكملوا وأدوا عملهم باتقان (نسبي)، إلا أنهم كلفوا المسجد مبالغ طائلة كان في غنى عن صرفها، تمثلت في تكبده تكاليف تنظيف فناء المسجد والمناطق التي تساقط عليها الطلاء، ذلك لأنهم لم يتبعوا الاسلوب (المهني) المتعارف عليه في مثل هذا الحالات وهو تغطية المساحات الأرضية التي يجري العمل فيها لتلافي تساقط الطلاء عليها (نتيجة لضعف المهارة المهنية). وهناك العديد من المهن الفنية التي تتطلب الخبرة والمعرفة والدراية وكثير منا يعتقد أنها مهن حقيرة وضيعة لا تتطلب أي نوع من الخبرة والمهنبة ويمكن لأي كائن من كان أن يؤديها أو يجيدها وينفذها على الوجه المطلوب. وخلاصة القول ما لم يكن العامل مقتنعا بجدوى المهنة ومكانتها وبالمهارة والخبرة والمعرفة والدراية والاخلاص المطلوب للقيام بها وانجازها، فإنه لن يفلح أبدا في أداء مهنته على الوجة الأكمل.