توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    تحالف "صمود": استمرار الحرب أدى إلى كارثة حقيقية    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    "صمود" يدعو لتصنيف حزب المؤتمر الوطني "المحلول"، والحركة الإسلامية وواجهاتهما ك "منظومة إرهابية"    شاهد بالفيديو.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تدعم الفنان عثمان بشة بالترويج لأغنيته الجديدة بفاصل من الرقص المثير    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    صحة الخرطوم تبحث خطة لإعادة إعمار المرافق الصحية بالتعاون مع الهيئة الشبابية    كمين في جنوب السودان    كوليبَالِي.. "شَدولو وركب"!!    دبابيس ودالشريف    إتحاد الكرة يكمل التحضيرات لمهرجان ختام الموسم الرياضي بالقضارف    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    ارتفاع احتياطيات نيجيريا من النقد الأجنبي بأكثر من ملياري دولار في يوليو    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    شهادة من أهل الصندوق الأسود عن كيكل    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    اكتمال عملية التسليم والتسلم بين رئيس مجلس الإدارة السابق والمدير العام للنادي    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    بنك أمدرمان الوطني .. استئناف العمل في 80% من الفروع بالخرطوم    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    «ملكة القطن» للمخرجة السودانية سوزانا ميرغني يشارك في مهرجان فينيسيا    وزارة المالية توقع عقد خدمة إلكترونية مع بنك النيل الأزرق المشرق    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبتى..... ( كيفك إنت ؟؟!!!) .. بقلم: د. دفع الله الشيخ عمر
نشر في سودانيل يوم 06 - 04 - 2012


رحيل حاكى روعة المجيئ
د. دفع الله الشيخ عمر
(سنوات عشتموها أينعت)
1942-2012م
أبتى ... أغنيك مع (فيروز):- (( كيفك أنت ؟! )).
فى صباح يوم السبت الموافق 18/2/2012م وارينا الثرى وأغلقنا القبر على سبعين عام، وثلاث شهادات جامعية ، ولسان وعقل يحفظ ويردد ثلاث لغات ، وقلب أضنته المحبة والوفاء ...... للأهل والأصدقاء والمهنة و الوطن.
لله الأمر من قبل ومن بعد...... وسبحانك خالق الإنسان من ماء وطين !!!! .
الميلاد والموت ، يشترك فيها العالم والجاهل، الغنى والفقير، العادل والظالم، العبقرى وقليل الفهم.... كلهم سواسية، مولودون فى بادئ الأمر بذات الطريق والطريقة، وميتون فى منتهاه ...ومأواهم ذات البيت....مهما تباينت الأعمار.... ومهما إختلف المكسب الدنيوى !!!. ( إنك ميت وإنهم ميتون) صدق الله العظيم.
أبتى... قد وعيت الدنيا ،وفهمت الدرس باكرا، لذا .. لم تسعى نحو ملك زائل ،أو صيت زائف ، ولا غنى يورِث فى (النفس) إفتقارا،... كنت أهل علم لا أهل تفاخر..لا عجب إن إخترت الخروج من هذه الزائلة تماما كما خلقك مولاك ،إلَا من (إبن) يدعو لك، وعمل صالح مارسته مع أهليك ورفقائك و مرضاك، و ضمير عرفناه فيك ،حيىٍ يقظ ، ضمير ككتاب الله طاهر .
كنت أهل نخوة وشهامة ووفاء متجرد للأهل والأصدقاء ....ميزتك شجاعتك الصارخة وقدرتك العظيمة على المواجهة حين تصطم مبادؤك مع معطيات الآخرين وحين يتراقص الظلم والحيف أمامك....ولازمتك تلك الشجاعة وأنت تدخل مع المرض معارك متعددة ...خضتها معه بهدوء وأناقة دون إشعار للآخرين.
أعلم تماما أن الصرامة والجدية التى كسوت بها مظهرك الخارجى ماهى إلا درع تتحصن خلفه طيبة قلب وبراءة أطفال وعاطفة جياشة....كانت سرعان ماتظهر عند ملاقاة حبيب غائب أو معاودة مريض من أهل الرفقة والرحم...سرعان ما يبدأ الدمع فى الهطول.
الشخص السعيد فى مفهومك هو من يجد فى الناس من يقوم سلوكه ويبدى له نصحا لا يشوبه غرض ...وهو الذى عنده الصداقة عقيدة يؤمن بها ...وبها يعمل.
الإستقامة ومحبة العدل التى جعلها دليله ومرشده جعلته هو ومن ماثله من السودانيين القاطنين فى هذا البلد خلال العشرين عاما الأخيرة يعيشون فى غربة روحية بعدما رزء السودان بهذه المصيبة التى جعلته أضحوكة بين الأمم بسبب هذا العته الذى تمارسه العصبة الحاكمة والإنحراف الأخلاقى الذى وصل مرحلة المرض الذى لا براء منه.
مات أبى وهو نائم على فراشه....مات بعد أن كسب بجدارة عدة جولات ومعارك مع الموت منذ العام 2003م.... رافقه وعاركه الموت فى مشافى (الأردن والسعودية وابن سيناء والنيل الأزرق ويستبشرون وحوادث أمدرمان ومستشفى أسيا ) ....كل هذا العناء والموت يخرج مهزوما بالضربة القاضية.... إلى أن غافل أبى لحظة نومه.!!!!! كم أنت غادر ولئيم أيها الموت..... لم تقدر عليه وهو يقظ ؟!... تسعة أعوام وشغلك الشاغل جسده ؟!!! أولم تقنع بهزيمتك طيلة الأعوام التسعة ؟ أعلم أن أبى كان يخرج لك لسانه لإغاظتك... فما أن تبرأ جراحه بعد كل عملية يجريها إلا ويرتدى ملابسه ليعود لممارسة عمله -على دوامين- صباحا ومساء غير عابى بتحزير ولا نصيحة ولا رجاء ..(وأنت يا موت رافل فى غيِك وتربصك) ..... أتظن فى نفسك شيئ من عبقرية يا (موت) حين جادت قريحتك أن خير وقت تستطيع فيه الإجهاز على خصمك اللدود هو وقت النوم ؟؟؟؟...لا... بل هو جبن أستوطنك وأبى ألا يفارقك !!!
ضحكت أخيراً ؟؟؟؟ ...فلتضحك كثيراً ......إضحك وزغرد ياحقود .
إستعجلت الرحيل ياأبتى .. نعم أقول ذلك وأنا مؤمن بأن الأعمار والآجال بيد مقلب القلوب رب العزة الذى يتعالى عما يصفون.. إستعجلت الرحيل بل جاهرت بذلك بكلامك وسكونك وإيماءاتك- كنت أشعر- كأنك كنت تحاكى (لبيداً) رغم أن (لبيدا ) قد تطاول به العمر حتى همَ صائحاُ:( ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال الناس هذا كيف لبيد !!). فما بالك وأنت بالكاد قد أكملت السبعين ؟؟؟ تسعة أعوام قبلها لم تذق للعمر فرحة أو حلاوة !! لقد رفضت إلا أن تكون داخل الأطار الزمنى لموتى المسلمين (أعمار أمتى ما بين الستين والسبعين) -صدق رسولنا الكريم- . خضت طوال السنوات التسع الماضية غمار عمليات جراحية كانت الواحدة منها كفيلة بأن تضع نهاية لحياتك ولكنك واجهتها بجلد الفرسان....لم تبدى للموت إرتعادا...... وإنتهيت تماما كسيدك وسيدنا ( خالد بن الوليد)... قارعتما الخطوب وجابهتما الصعاب ...ثم تأبى الموت إلا أن يلازمكما فراشا !!.
قد جاهرتنى مراراً أنك (لن تتنظر) حتى تدخل فى متاهة الغسل وما يترتب عليه من نتائج حتى لحظة إنتظار تطابق أنسجة المتبرع ريثما أن جسدك النحيل لم يعد بوسعه تحمل عملية جراحية جديدة بل أنك ستعمل على المحافظة على ما تبقى لك من الكيليتين إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولا...أو كنت تعرف يا رجل؟ ناقشتك مراراً حول صحتك وحاولت أن أثنيك عن قرارك...وأطلب منك السفر سويا للخارج...كنت ترفض بإستماتة... كعهدى بك دوماً شديد عند المحاججة قوى المراس تجاه الأمراض وكأنك تلعب الورق... بل وكأنى بك أدمنت ملاعبة الموت وعشق الخطر...أم أنها حقيقة :- ( أبناء /حاج الشيخ عمر من القوة للهوة)!!! .
فى مارس 2003 وبعد العملية الأولى وما صاحبها من جولات وترحال بين المشافى ....جاءك من يزيد من رهقك رهقا ...وأنت أنت ...لا تبالى ، حضرت أنا إليك مساء... وجدتك تقرأ وتدخن بهدوء مكتمل الأناقة ....وأخبرتني بالنتيجة التى نقلها لك ذلك المشفى ......وكأنها تعنى شخصاً غيرك .. لم أدرى سبب تيقنك إلا حين غادرنا معا برفقة عمى وشقيقك (د. عمر) للأردن لكى تجرى عملية خاصة بالأورطى.... حينها إكتشف الأردنيون- بجانب علتك الأساسية- أن الله وهبك كليتين مكان الكلية الواحدة ...إذا لا سرطان ولا يحزنون- وشاهدنا الصور....جميلة إذ صَورت صنيعة ربك تماما كما هى .
غفر الله لمشافى بلادى وأعز الله الأرادنة بما حباهم من علوم طبية طوروها عبر تواصلهم مع الغرب الكافر .... وقاتل الله الجهل أنى كان لبوسه وأينما إختار له موطنا.
يا رجل.. أيعقل هذا!! بعد كل هذا تموت وأنت نائم؟ ومتى؟ بعد ان باشرت مهامك فى عيادتك الخاصة صباحاً ومساء فى يوم عملك الاخير ، وقضيت جمعتك الأخيرة بين أسرتك هانئاً حتى قرابة الواحدة صباحا؟ أهكذا تفاجئنا بألا تستيقظ أبداً صباح السبت؟ والله لو تركناك على حالك حتى الآنى لخلناك نائماً .....لا شى تغير، ميت انت بنفس طريقة نومك... منكفئ على جانبك الأيمن ... مغمض العينين.... فى وداعة ...ومهابة .....وأريحية.
أبتى.... هل تزكر (عامر) ذلك الفتى العشرينى الوديع الذى قابلك وزاملك قبل ستة أشهر فى مشفى (إبن سيناء)؟ كان أحد أبناء المنطقة الشمالية ...قابلته – أنت- بعد أن أجرى زراعة لكلية ومكث فى المشفى ليواصل بقية العلاج الخاص بتثبيت الكلية .....كان فتى شديد الحيوية ... أحبك وأشرف على خدمتك دون أن يعرفك جيدا ... وبادلته المحبة ... وعرفت ظروفه المالية الحرجة ... عجباً لك يا رجل، كنت تبعث أخانا (عمرا) إلى الصيدلية التى تجاور عيادتك ليحمل لك أمصالاً وأدوية بمئات الجنيهات (من حسابك الخاص) من أجل الفتى (عامر ) الذى لم تعرفه بل عرفت ظروفه، وحين تم التصريح لك بالخروج طلبت من عامر أن يعاودك لتستكمل له بقية علاجه الذى عجزت وزارة الصحة ومشافى الدولة الإسلامية ( العمرية ) من توفيره له ؟؟؟؟... هل تعلم يا أبى أين (عامر) الآن؟ لقد إختار الرحيل من الدنيا معك !!!!!...لم يشأ أن يحيا وهو (كليل) فى الدولة ( العمرية) التى لم تجود عليه بالدواء بذات السرعة التى جادت عليه ب( الداء)!!!!!. نعم.... مات (عامر) .....ورأى ان يرافقك إلى الخلود....
ياإلهى... ما سر النفس البشرية ؟
أبتى .... كنت تحرَضنى على المساهمة مع الناس فى سراءهم وضراءهم ، قروى الطباع تجاه تعاملك مع الآخرين كنت ،فى أحزانهم وأفراحهم ، على الرغم من تحضرك وحياتك التى عشتها فى شبابك الباكر فى الغرب لمدة ثمانية سنوات متقطعة بين روسيا ولندن .... ماكنت أعلم أبداً أنك كنت (طائى) الطباع تجاه المال نحو الآخرين إلى أن حضر من يخبرونى بهذا الأمر أيام العزاء ....نعم، المال لا يسوى عندك شى ولكنى لم اكن أدرك أنك لا تعتبره شيئاً البتة ...فحق أن يدعوا لك المصلون فى صلواتهم – من أصدقائك ومعارفك- فى صلاة الفجر والجمعة..... وما زاد من حيرتى أن هنالك مناطق صلى عليك أهلوها فيها وأكثروا الدعاء ....لم يدر بخلدى أبدا أن لك فيها علائق ووشائج إجتماعية وأنا الذى لازمك منذ سنين لمعاودة معارفك .
أبتى .......ألم تتعجل الرحيل قبل أن يخرج السودان من ذلك النفق الظلم؟ لقد كانت نفسك تواقة لرحيل الأسلامويين من على ظهر هذه البلاد ...مناقشاتنا ...آراءنا المتبادلة ....وجهات النظر، المواقف، وإختلاف الرؤى ...... أعلم تماما كيف كانت ستكون فرحتك لحظتها.... أتزكر حينما إقتلع الشعب السودانى (النميرى) إقتلاعا فى العام 1985 ؟ ....سميِت مولودتك التى رزقت بها آنذاك (إنتصار) إبتهاجا بإنتصار شعبنا على حكم الديكتاتورية...
بعد الإنتفاضة إصطحبتنى وشقيقتى الراحلة ( صفاء) وإشتريت شريط كاسيت للفنان ( وردى) .... (وردى) الذى إختار الرحيل معك فى ذات اليوم مثلما سبقكما كاتبنا العالمى/ الطيب صالح قبل ثلاثة أعوام أيضا فى ذات التاريخ (18/2)...والرابط الأساسى الذى جمع ثلاثتكم فى يوم واحد موعود ( قلبي ....وكليتان قد أصابهما رهق)....يومها بعد الإنتفاضة وسماع شريط الكاسيت الذى ضم الأناشيد السماويات ل( وردى ) ذهبنا لشارع النيل بالخرطوم ...توقفنا هنالك قبالة النيل...وشرعت تصنع فى مركب (ورقى) تماما كما الأطفال .....ثم ألقيتها فى النهر وسألتنا كلينا ( شقيقتى وأنا ) : فى رأيكم متى ستصل هذه (المركب ) للقاهرة؟ ماذا كنت تقصد؟؟؟؟
اللهم إنا لانستكثر أبانا عليك –أولست أنت فاطره ورازقه ومميته ؟ أولست أنت مارضه وشافيه؟ أو ليس الأمر أمرك والحياة والممات بيدك أنت؟ نحن بقضاءك مرتضون ..فلك وحدك الأمر من قبل ومن بعد.
يالله ... إنك شهيد على أن (أبانا) قد عاش حياته مستقيماً لا يحيد عن نهجه الذى إرتضاه – وانه قد مارس مهنة ( الطب) بإنسانية وضمير يحسده عليه زملاؤه (بشهادتهم) ... فلا هرع إلى مكسب زائل ولا نافق ولا كذب ولا دلَس (بشهادتهم) ....وأنت تعلم أنه كان لا يلجأ للراحة إلا يوم الجمعة فقط .....أما متبقى الأيام فهو يعمل فيها صباحًا ومساءً من أجل رسالة آمن بها وأفنى فيها زهرة عمره ......لقد مات وسجله المهنى أبيض كبياض قلبه .أما سيرته المهنية العطرة فهى على لسان زملائه وتلاميذه ومرضاه .....وأنت تعلم أنه رغم جسده الواهن والعلل التى إعترته قد ظل شديد الرفض والتأبى لمحاولات إثناءه عن قراره بالعمل صباحاً ومساءً أو حتى السفر للخارج لإجراء مزيد من الفحوصات ....
ياربى.... أنه كان أباً صالحاً ومستقيماً وشديد الهَم على وطنه الذى هجم عليه اللئام .......وشديد الهَم على مهنته التى حولها البعض إلى تجارة ينشدون ربحها الآنى ولو إعتراه الحرام .....وشديد الهَم نحو أبناءه ومستقبلهم ...لم يتهاون أو يتقاصر فى أداء واجباته.... بل لم يفعل ذلك حتى حين بلغ أبناؤه أشدهم وصاروا فى حل منه.
فلأن حاسبته بعد ذلك وعزتك وجلالك لنحاسبنك .....نعم نحاسبنك على رحمتك... أولست أنت القائل أنك الرحمن الرحيم؟ ولنحاسبنك على مغفرتك ومحيك للذنوب ماتقدم منها وماتأخر.. أولست من قلت أنك الغفور الماحى ؟ ففيم تضرك سيئاته وفيم تنفعك حسناته؟ وأنت الكبير المتكبر المتعالى عن كل شى!!!!!.
أبتى.... أستودعك الله مع كلمات شاعرنا (صلاح أحمد إبراهيم ):-
سنوات عشتموها أينعت .........حٌفُلا بالخير والحب الحقيقى
ومضيتم فتركتم أثرا.......... نبش أسماعيل فى القفر السحيق
يا أحبائى ويا نبض عروقى........ كنتم القدوة بالخير الوريق
فأهنأوا....... نحن كما أنتم ............على ذات الطريق
صلاح أحمد إبراهيم ....كم كنت ( قرآنيا) حين حاولت تزكيرنا فى أشعارك بأننا لا نسوى شيئا ...ولكنا جبلنا على عدم الوعى والإتعاظ ..... وشكرا أن ( أعدت تزكيرنا) بما جاء فى الكتاب الكريم.... أن كل إنسان كائناً ما كان ماهو إلا ( رمة ترفل بين الرمم) ....لم يعظنا القرآن ولا تاريخ الأسلاف يا رجل ...فما بالك بأبيات شعر؟؟!!!
رغم ذلك...نحبك.
أبتى.. ...( إلى أن نلتقى) .
سيرة ذاتية
1. أحد أبناء المناضل الوطنى -تاجر العطور- / حاج الشيخ عمر دفع الله الذى أشعل الشرارة الوطنية الأولى إبان الحكم الثنائى بتنظيمه لأول مظاهرة ضد المستعمر البريطانى عام 1924 فى جنازة المأمور المصرى / عبدالخالق حسن ...ومن ثم إندلعت حركة اللواء الأبيض.
2. ولد وترعرع بحى البوستة بأم درمان ودرس المراحل الأولية بحى العرب ثم المؤتمر الثانوية.
3. إلتحق بجامعة الخرطوم وتخرج من كلية البيطرة فى العام الدارسى 1965 -1966 وعمل لفترة وجيزة فى وزارة الثروة الحيوانية أو ما يقابلها فى ذلك الزمان.
4. إلتحق بجامعة الصداقة بالعاصمة الروسية بموسكو ودرس الطب البشرى ثم أكمل تخصصه فى مجال علم الأمراض- التحاليل الطبية pathology بالمملكة المتحدةلندن ليكون من أوائل الأطباء فى (زمانه) –على مستوى المنطقة- الذين (يكملون) دراسة نوعين من العلوم الطبية (البيطرية والبشرية) ، ومن ثم إسندت إليه مهمة تأسيس معامل مستشفى أمراض المناطق الحارة بحى الملازمين أم درمان كمقابل للبعثة الحكومية.
5. إستقال من العمل الحكومى (معهد البحوث) و(مستشفى المناطق الحارة) قبل ثلاثين عاماً وزوال عمله فى القطاع الخاص.
6. عاش حياته مؤمنا بالديمقراطية ومفهوم الدولة المدنية مجاهرا بمعارضته الصارخة والمبدئية لنظام الجبهة الإسلامية الذى إستولى على البلاد غدرا وقد ساهم بصورة فعالة فى قطاع الأطباء لدحر تمكين الإسلامويين من فئة الأطباء.
7. كان يمتك روحاً ساخرة من التردى الإجتماعى والأخلاقى والعلمى الذى داهم البلاد الفترة الإخيرة. وأزكر أننى قلت له قبل عام : أن السودانيين وبعد أن حكمهم الإسلامويون كل هذا الزمان صاروا فى حوجة إلى (إعادة صياغة)، فضحك وقال لى: (بل إعادة خلاقة) !!!!!!!!!.
8. بقدر محبته وعشقه لأم درمان فقد بادرته الحب بالحب ... فلذا لم تبخل عليه أم درمان أن يقضى طفولته وشبابه وشيخوخته بها- بل لعل القدر رفض إلا أن يلازمه فى محبته حين طلبت منه حكومة السودان أن يقوم بتأسيس معامل مستشفى المناطق الحارة بأم درمان كمقابل للبعثة الحكومية ..وأختار السكنى حين إستقل بحياته الخاصة فى المدينة التى أحب – متنقلا بين أحيائها ( الثورة- ودنوباوى- الملازمين- وأخيرا حى بانت غرب ) إلى أن ورى ثراه بمقابر الأسرة فى (حمد النيل)- بأم درمان.فكما كان مكان البداية كان منتهاها.
أبتى...مآثرك لا تحصى ....ولكن شهادتى فيك مجروحة ....فالأمر متروك للآخرين الذين لا تعترى شهادتهم قوادح .
وأخيرنا....شكرا لأنك علمتنى معنى كيف تكون الحياة بصورة مستقيمة ....والصداقة الحقة الخالية من الغرض ... شكرا لأنك علمتنى معنى الوفاء ....والإخلاص.... والتضحية لمن يستحق.... ومن لا يستحق.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
إبنكم المخلص
محمود دفع الله الشيخ
Mahmoud Elsheikh [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.