جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي: المدن التي تبنى على الإيمان لا تموت    الدعم السريع يضع يده على مناجم الذهب بالمثلث الحدودي ويطرد المعدّنين الأهليين    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    القادسية تستضيف الامير دنقلا في التاهيلي    تقارير تتحدّث عن قصف مواقع عسكرية في السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    مانشستر يونايتد يتعادل مع توتنهام    ((سانت لوبوبو الحلقة الأضعف))    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبتى..... ( كيفك إنت ؟؟!!!)


ستظل أُنشودة يرددها فمى
رحيل حاكى روعة المجيئ
د. دفع الله الشيخ عمر
(سنوات عشتموها أينعت)
1942-2012م

أبتى ... أغنيك مع (فيروز):- (( كيفك أنت ؟! )).

فى صباح يوم السبت الموافق 18/2/2012م وارينا الثرى وأغلقنا القبر على سبعين عام، وثلاث شهادات جامعية ، ولسان وعقل يحفظ ويردد ثلاث لغات ، وقلب أضنته المحبة والوفاء ...... للأهل والأصدقاء والمهنة و الوطن.
لله الأمر من قبل ومن بعد...... وسبحانك خالق الإنسان من ماء وطين !!!! .
الميلاد والموت ، يشترك فيها العالم والجاهل، الغنى والفقير، العادل والظالم، العبقرى وقليل الفهم.... كلهم سواسية، مولودون فى بادئ الأمر بذات الطريق والطريقة، وميتون فى منتهاه ...ومأواهم ذات البيت....مهما تباينت الأعمار.... ومهما إختلف المكسب الدنيوى !!!. ( إنك ميت وإنهم ميتون) صدق الله العظيم.
أبتى... قد وعيت الدنيا ،وفهمت الدرس باكرا، لذا .. لم تسعى نحو ملك زائل ،أو صيت زائف ، ولا غنى يورِث فى (النفس) إفتقارا،... كنت أهل علم لا أهل تفاخر..لا عجب إن إخترت الخروج من هذه الزائلة تماما كما خلقك مولاك ،إلَا من (إبن) يدعو لك، وعمل صالح مارسته مع أهليك ورفقائك و مرضاك، و ضمير عرفناه فيك ،حيىٍ يقظ ، ضمير ككتاب الله طاهر .
كنت أهل نخوة وشهامة ووفاء متجرد للأهل والأصدقاء ....ميزتك شجاعتك الصارخة وقدرتك العظيمة على المواجهة حين تصطم مبادؤك مع معطيات الآخرين وحين يتراقص الظلم والحيف أمامك....ولازمتك تلك الشجاعة وأنت تدخل مع المرض معارك متعددة ...خضتها معه بهدوء وأناقة دون إشعار للآخرين.
أعلم تماما أن الصرامة والجدية التى كسوت بها مظهرك الخارجى ماهى إلا درع تتحصن خلفه طيبة قلب وبراءة أطفال وعاطفة جياشة....كانت سرعان ماتظهر عند ملاقاة حبيب غائب أو معاودة مريض من أهل الرفقة والرحم...سرعان ما يبدأ الدمع فى الهطول.
الشخص السعيد فى مفهومك هو من يجد فى الناس من يقوم سلوكه ويبدى له نصحا لا يشوبه غرض ...وهو الذى عنده الصداقة عقيدة يؤمن بها ...وبها يعمل.
الإستقامة ومحبة العدل التى جعلها دليله ومرشده جعلته هو ومن ماثله من السودانيين القاطنين فى هذا البلد خلال العشرين عاما الأخيرة يعيشون فى غربة روحية بعدما رزء السودان بهذه المصيبة التى جعلته أضحوكة بين الأمم بسبب هذا العته الذى تمارسه العصبة الحاكمة والإنحراف الأخلاقى الذى وصل مرحلة المرض الذى لا براء منه.
مات أبى وهو نائم على فراشه....مات بعد أن كسب بجدارة عدة جولات ومعارك مع الموت منذ العام 2003م.... رافقه وعاركه الموت فى مشافى (الأردن والسعودية وابن سيناء والنيل الأزرق ويستبشرون وحوادث أمدرمان ومستشفى أسيا ) ....كل هذا العناء والموت يخرج مهزوما بالضربة القاضية.... إلى أن غافل أبى لحظة نومه.!!!!! كم أنت غادر ولئيم أيها الموت..... لم تقدر عليه وهو يقظ ؟!... تسعة أعوام وشغلك الشاغل جسده ؟!!! أولم تقنع بهزيمتك طيلة الأعوام التسعة ؟ أعلم أن أبى كان يخرج لك لسانه لإغاظتك... فما أن تبرأ جراحه بعد كل عملية يجريها إلا ويرتدى ملابسه ليعود لممارسة عمله -على دوامين- صباحا ومساء غير عابى بتحزير ولا نصيحة ولا رجاء ..(وأنت يا موت رافل فى غيِك وتربصك) ..... أتظن فى نفسك شيئ من عبقرية يا (موت) حين جادت قريحتك أن خير وقت تستطيع فيه الإجهاز على خصمك اللدود هو وقت النوم ؟؟؟؟...لا... بل هو جبن أستوطنك وأبى ألا يفارقك !!!
ضحكت أخيراً ؟؟؟؟ ...فلتضحك كثيراً ......إضحك وزغرد ياحقود .
إستعجلت الرحيل ياأبتى .. نعم أقول ذلك وأنا مؤمن بأن الأعمار والآجال بيد مقلب القلوب رب العزة الذى يتعالى عما يصفون.. إستعجلت الرحيل بل جاهرت بذلك بكلامك وسكونك وإيماءاتك- كنت أشعر- كأنك كنت تحاكى (لبيداً) رغم أن (لبيدا ) قد تطاول به العمر حتى همَ صائحاُ:( ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال الناس هذا كيف لبيد !!). فما بالك وأنت بالكاد قد أكملت السبعين ؟؟؟ تسعة أعوام قبلها لم تذق للعمر فرحة أو حلاوة !! لقد رفضت إلا أن تكون داخل الأطار الزمنى لموتى المسلمين (أعمار أمتى ما بين الستين والسبعين) -صدق رسولنا الكريم- . خضت طوال السنوات التسع الماضية غمار عمليات جراحية كانت الواحدة منها كفيلة بأن تضع نهاية لحياتك ولكنك واجهتها بجلد الفرسان....لم تبدى للموت إرتعادا...... وإنتهيت تماما كسيدك وسيدنا ( خالد بن الوليد)... قارعتما الخطوب وجابهتما الصعاب ...ثم تأبى الموت إلا أن يلازمكما فراشا !!.
قد جاهرتنى مراراً أنك (لن تتنظر) حتى تدخل فى متاهة الغسل وما يترتب عليه من نتائج حتى لحظة إنتظار تطابق أنسجة المتبرع ريثما أن جسدك النحيل لم يعد بوسعه تحمل عملية جراحية جديدة بل أنك ستعمل على المحافظة على ما تبقى لك من الكيليتين إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولا...أو كنت تعرف يا رجل؟ ناقشتك مراراً حول صحتك وحاولت أن أثنيك عن قرارك...وأطلب منك السفر سويا للخارج...كنت ترفض بإستماتة... كعهدى بك دوماً شديد عند المحاججة قوى المراس تجاه الأمراض وكأنك تلعب الورق... بل وكأنى بك أدمنت ملاعبة الموت وعشق الخطر...أم أنها حقيقة :- ( أبناء /حاج الشيخ عمر من القوة للهوة)!!! .
فى مارس 2003 وبعد العملية الأولى وما صاحبها من جولات وترحال بين المشافى ....جاءك من يزيد من رهقك رهقا ...وأنت أنت ...لا تبالى ، حضرت أنا إليك مساء... وجدتك تقرأ وتدخن بهدوء مكتمل الأناقة ....وأخبرتني بالنتيجة التى نقلها لك ذلك المشفى ......وكأنها تعنى شخصاً غيرك .. لم أدرى سبب تيقنك إلا حين غادرنا معا برفقة عمى وشقيقك (د. عمر) للأردن لكى تجرى عملية خاصة بالأورطى.... حينها إكتشف الأردنيون- بجانب علتك الأساسية- أن الله وهبك كليتين مكان الكلية الواحدة ...إذا لا سرطان ولا يحزنون- وشاهدنا الصور....جميلة إذ صَورت صنيعة ربك تماما كما هى .
غفر الله لمشافى بلادى وأعز الله الأرادنة بما حباهم من علوم طبية طوروها عبر تواصلهم مع الغرب الكافر .... وقاتل الله الجهل أنى كان لبوسه وأينما إختار له موطنا.
يا رجل.. أيعقل هذا!! بعد كل هذا تموت وأنت نائم؟ ومتى؟ بعد ان باشرت مهامك فى عيادتك الخاصة صباحاً ومساء فى يوم عملك الاخير ، وقضيت جمعتك الأخيرة بين أسرتك هانئاً حتى قرابة الواحدة صباحا؟ أهكذا تفاجئنا بألا تستيقظ أبداً صباح السبت؟ والله لو تركناك على حالك حتى الآنى لخلناك نائماً .....لا شى تغير، ميت انت بنفس طريقة نومك... منكفئ على جانبك الأيمن ... مغمض العينين.... فى وداعة ...ومهابة .....وأريحية.
أبتى.... هل تزكر (عامر) ذلك الفتى العشرينى الوديع الذى قابلك وزاملك قبل ستة أشهر فى مشفى (إبن سيناء)؟ كان أحد أبناء المنطقة الشمالية ...قابلته – أنت- بعد أن أجرى زراعة لكلية ومكث فى المشفى ليواصل بقية العلاج الخاص بتثبيت الكلية .....كان فتى شديد الحيوية ... أحبك وأشرف على خدمتك دون أن يعرفك جيدا ... وبادلته المحبة ... وعرفت ظروفه المالية الحرجة ... عجباً لك يا رجل، كنت تبعث أخانا (عمرا) إلى الصيدلية التى تجاور عيادتك ليحمل لك أمصالاً وأدوية بمئات الجنيهات (من حسابك الخاص) من أجل الفتى (عامر ) الذى لم تعرفه بل عرفت ظروفه، وحين تم التصريح لك بالخروج طلبت من عامر أن يعاودك لتستكمل له بقية علاجه الذى عجزت وزارة الصحة ومشافى الدولة الإسلامية ( العمرية ) من توفيره له ؟؟؟؟... هل تعلم يا أبى أين (عامر) الآن؟ لقد إختار الرحيل من الدنيا معك !!!!!...لم يشأ أن يحيا وهو (كليل) فى الدولة ( العمرية) التى لم تجود عليه بالدواء بذات السرعة التى جادت عليه ب( الداء)!!!!!. نعم.... مات (عامر) .....ورأى ان يرافقك إلى الخلود....
ياإلهى... ما سر النفس البشرية ؟
أبتى .... كنت تحرَضنى على المساهمة مع الناس فى سراءهم وضراءهم ، قروى الطباع تجاه تعاملك مع الآخرين كنت ،فى أحزانهم وأفراحهم ، على الرغم من تحضرك وحياتك التى عشتها فى شبابك الباكر فى الغرب لمدة ثمانية سنوات متقطعة بين روسيا ولندن .... ماكنت أعلم أبداً أنك كنت (طائى) الطباع تجاه المال نحو الآخرين إلى أن حضر من يخبرونى بهذا الأمر أيام العزاء ....نعم، المال لا يسوى عندك شى ولكنى لم اكن أدرك أنك لا تعتبره شيئاً البتة ...فحق أن يدعوا لك المصلون فى صلواتهم – من أصدقائك ومعارفك- فى صلاة الفجر والجمعة..... وما زاد من حيرتى أن هنالك مناطق صلى عليك أهلوها فيها وأكثروا الدعاء ....لم يدر بخلدى أبدا أن لك فيها علائق ووشائج إجتماعية وأنا الذى لازمك منذ سنين لمعاودة معارفك .
أبتى .......ألم تتعجل الرحيل قبل أن يخرج السودان من ذلك النفق الظلم؟ لقد كانت نفسك تواقة لرحيل الأسلامويين من على ظهر هذه البلاد ...مناقشاتنا ...آراءنا المتبادلة ....وجهات النظر، المواقف، وإختلاف الرؤى ...... أعلم تماما كيف كانت ستكون فرحتك لحظتها.... أتزكر حينما إقتلع الشعب السودانى (النميرى) إقتلاعا فى العام 1985 ؟ ....سميِت مولودتك التى رزقت بها آنذاك (إنتصار) إبتهاجا بإنتصار شعبنا على حكم الديكتاتورية...
بعد الإنتفاضة إصطحبتنى وشقيقتى الراحلة ( صفاء) وإشتريت شريط كاسيت للفنان ( وردى) .... (وردى) الذى إختار الرحيل معك فى ذات اليوم مثلما سبقكما كاتبنا العالمى/ الطيب صالح قبل ثلاثة أعوام أيضا فى ذات التاريخ (18/2)...والرابط الأساسى الذى جمع ثلاثتكم فى يوم واحد موعود ( قلبي ....وكليتان قد أصابهما رهق)....يومها بعد الإنتفاضة وسماع شريط الكاسيت الذى ضم الأناشيد السماويات ل( وردى ) ذهبنا لشارع النيل بالخرطوم ...توقفنا هنالك قبالة النيل...وشرعت تصنع فى مركب (ورقى) تماما كما الأطفال .....ثم ألقيتها فى النهر وسألتنا كلينا ( شقيقتى وأنا ) : فى رأيكم متى ستصل هذه (المركب ) للقاهرة؟ ماذا كنت تقصد؟؟؟؟
اللهم إنا لانستكثر أبانا عليك –أولست أنت فاطره ورازقه ومميته ؟ أولست أنت مارضه وشافيه؟ أو ليس الأمر أمرك والحياة والممات بيدك أنت؟ نحن بقضاءك مرتضون ..فلك وحدك الأمر من قبل ومن بعد.
يالله ... إنك شهيد على أن (أبانا) قد عاش حياته مستقيماً لا يحيد عن نهجه الذى إرتضاه – وانه قد مارس مهنة ( الطب) بإنسانية وضمير يحسده عليه زملاؤه (بشهادتهم) ... فلا هرع إلى مكسب زائل ولا نافق ولا كذب ولا دلَس (بشهادتهم) ....وأنت تعلم أنه كان لا يلجأ للراحة إلا يوم الجمعة فقط .....أما متبقى الأيام فهو يعمل فيها صباحًا ومساءً من أجل رسالة آمن بها وأفنى فيها زهرة عمره ......لقد مات وسجله المهنى أبيض كبياض قلبه .أما سيرته المهنية العطرة فهى على لسان زملائه وتلاميذه ومرضاه .....وأنت تعلم أنه رغم جسده الواهن والعلل التى إعترته قد ظل شديد الرفض والتأبى لمحاولات إثناءه عن قراره بالعمل صباحاً ومساءً أو حتى السفر للخارج لإجراء مزيد من الفحوصات ....
ياربى.... أنه كان أباً صالحاً ومستقيماً وشديد الهَم على وطنه الذى هجم عليه اللئام .......وشديد الهَم على مهنته التى حولها البعض إلى تجارة ينشدون ربحها الآنى ولو إعتراه الحرام .....وشديد الهَم نحو أبناءه ومستقبلهم ...لم يتهاون أو يتقاصر فى أداء واجباته.... بل لم يفعل ذلك حتى حين بلغ أبناؤه أشدهم وصاروا فى حل منه.
فلأن حاسبته بعد ذلك وعزتك وجلالك لنحاسبنك .....نعم نحاسبنك على رحمتك... أولست أنت القائل أنك الرحمن الرحيم؟ ولنحاسبنك على مغفرتك ومحيك للذنوب ماتقدم منها وماتأخر.. أولست من قلت أنك الغفور الماحى ؟ ففيم تضرك سيئاته وفيم تنفعك حسناته؟ وأنت الكبير المتكبر المتعالى عن كل شى!!!!!.
أبتى.... أستودعك الله مع كلمات شاعرنا (صلاح أحمد إبراهيم ):-

سنوات عشتموها أينعت .........حٌفُلا بالخير والحب الحقيقى
ومضيتم فتركتم أثرا.......... نبش أسماعيل فى القفر السحيق
يا أحبائى ويا نبض عروقى........ كنتم القدوة بالخير الوريق
فأهنأوا....... نحن كما أنتم ............على ذات الطريق
صلاح أحمد إبراهيم ....كم كنت ( قرآنيا) حين حاولت تزكيرنا فى أشعارك بأننا لا نسوى شيئا ...ولكنا جبلنا على عدم الوعى والإتعاظ ..... وشكرا أن ( أعدت تزكيرنا) بما جاء فى الكتاب الكريم.... أن كل إنسان كائناً ما كان ماهو إلا ( رمة ترفل بين الرمم) ....لم يعظنا القرآن ولا تاريخ الأسلاف يا رجل ...فما بالك بأبيات شعر؟؟!!!
رغم ذلك...نحبك.
أبتى.. ...( إلى أن نلتقى) .
سيرة ذاتية
1. أحد أبناء المناضل الوطنى -تاجر العطور- / حاج الشيخ عمر دفع الله الذى أشعل الشرارة الوطنية الأولى إبان الحكم الثنائى بتنظيمه لأول مظاهرة ضد المستعمر البريطانى عام 1924 فى جنازة المأمور المصرى / عبدالخالق حسن ...ومن ثم إندلعت حركة اللواء الأبيض.
2. ولد وترعرع بحى البوستة بأم درمان ودرس المراحل الأولية بحى العرب ثم المؤتمر الثانوية.
3. إلتحق بجامعة الخرطوم وتخرج من كلية البيطرة فى العام الدارسى 1965 -1966 وعمل لفترة وجيزة فى وزارة الثروة الحيوانية أو ما يقابلها فى ذلك الزمان.
4. إلتحق بجامعة الصداقة بالعاصمة الروسية بموسكو ودرس الطب البشرى ثم أكمل تخصصه فى مجال علم الأمراض- التحاليل الطبية pathology بالمملكة المتحدةلندن ليكون من أوائل الأطباء فى (زمانه) –على مستوى المنطقة- الذين (يكملون) دراسة نوعين من العلوم الطبية (البيطرية والبشرية) ، ومن ثم إسندت إليه مهمة تأسيس معامل مستشفى أمراض المناطق الحارة بحى الملازمين أم درمان كمقابل للبعثة الحكومية.
5. إستقال من العمل الحكومى (معهد البحوث) و(مستشفى المناطق الحارة) قبل ثلاثين عاماً وزوال عمله فى القطاع الخاص.
6. عاش حياته مؤمنا بالديمقراطية ومفهوم الدولة المدنية مجاهرا بمعارضته الصارخة والمبدئية لنظام الجبهة الإسلامية الذى إستولى على البلاد غدرا وقد ساهم بصورة فعالة فى قطاع الأطباء لدحر تمكين الإسلامويين من فئة الأطباء.
7. كان يمتك روحاً ساخرة من التردى الإجتماعى والأخلاقى والعلمى الذى داهم البلاد الفترة الإخيرة. وأزكر أننى قلت له قبل عام : أن السودانيين وبعد أن حكمهم الإسلامويون كل هذا الزمان صاروا فى حوجة إلى (إعادة صياغة)، فضحك وقال لى: (بل إعادة خلاقة) !!!!!!!!!.
8. بقدر محبته وعشقه لأم درمان فقد بادرته الحب بالحب ... فلذا لم تبخل عليه أم درمان أن يقضى طفولته وشبابه وشيخوخته بها- بل لعل القدر رفض إلا أن يلازمه فى محبته حين طلبت منه حكومة السودان أن يقوم بتأسيس معامل مستشفى المناطق الحارة بأم درمان كمقابل للبعثة الحكومية ..وأختار السكنى حين إستقل بحياته الخاصة فى المدينة التى أحب – متنقلا بين أحيائها ( الثورة- ودنوباوى- الملازمين- وأخيرا حى بانت غرب ) إلى أن ورى ثراه بمقابر الأسرة فى (حمد النيل)- بأم درمان.فكما كان مكان البداية كان منتهاها.
أبتى...مآثرك لا تحصى ....ولكن شهادتى فيك مجروحة ....فالأمر متروك للآخرين الذين لا تعترى شهادتهم قوادح .
وأخيرنا....شكرا لأنك علمتنى معنى كيف تكون الحياة بصورة مستقيمة ....والصداقة الحقة الخالية من الغرض ... شكرا لأنك علمتنى معنى الوفاء ....والإخلاص.... والتضحية لمن يستحق.... ومن لا يستحق.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
إبنكم المخلص
محمود دفع الله الشيخ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.