في هذا اليوم و قبل خمسة سنوات ، فجع الاخ نجم الدين المقبول في وفاة ابنه جاسم . و هو شاب في العشرينات من عمرة انهى دراسته خارج السودان . و كانت الحياة في بدايتها بالنسبة له . جاسم يا سادتي لم يقتل في معركة . و لم يرفع السلاح على النظام . كان جاسم رحمة الله عليه نائماً في سريره في العمارات في الخرطوم . و هذه المنطقة من المفروض ان تكون اكثر امناً من المناطق الاخرى في السودان . مع احترامي للمناطق الاخرى . جاسم رحمة الله عليه مات بصاروخ و هو في سريره . و الخرطوم لم تكن ساحة حرب . و لم يكن هناك هجوم من عدو خارجي . و لم تكن هنالك مظاهرات . السبب هو انه قد حدثت انفجارات في مستودعات الجيش . فالسلطة تستخدم وسط الخرطوم كرئاسة الجيش و معسكرات الشجرة و سلاح المهندسين بأمدرمان . و أي دولة تحترم اهلها و مواطنيها تحتفظ بجيشها بعيداً عن الحياة المدنية . و لكن الانقاذ تريد ان تكون جاثمة على صدر الشعب . و أن يكون وجود الجيش و تحركاته ، تذكيراً للشعب المسكين الذي لا تحترمه . و إلى الان لا تجد اسرة الشهيد جاسم نجم الدين المقبول أي رد من رئيس الجمهورية ، وزير الدفاع ، وزارة العدل ، وزارة الداخلية أو اي انسان ، اجابة أو توضيح لما حدث . و ما السبب في حرق حشا والدته . أنه زمن هوان الانسان في بلاد السودان . اليوم الاحد 8 ابريل صار الجنوبي اجنبياً في بلاد السودان . و غداً سيجدها رجال امن الانقاذ و رئيسهم وسيلة لأبتزاز الجنوبيين . و سيجد اشقائنا و شقيقاتنا من الجنوب من يسألهم (ماشي وين يا عب . وين اقامتك ؟ و ليه ما طرت بلدك ؟ و بتسوي شنو هنا ؟ ) . ستكون هذه فرصة للأبتزاز و المطالبة بالرشوة ، و دفع غرامات وهمية و هبمته . قد قرأنا و سمعنا من قال انه بعد يوم الاحد 8 ابريل ، اي جنوبي سيعامل مثل بنقالي او حبشي . لا يزال السودانيون و أنا على رأسهم يتحدثون عن المعاملة السيئة التي يجدها السودانيون من المصريين . و لكن حتى هذه المعاملة السيئة التي نتكلم عنها ، يجد الجنوبيون و سيجدون ما هو اسوأ منها . و يقول الشماليون انهم اهل النخوة و النجدة و الشرف ، و أهل الضيافة و الكرم . في دي المصريين كانوا أحسن مننا . فحتى بعد انفصالنا من مصر و حكومة مصر في بداية الحكم الثنائي و حتى الى ثلاثينيات القرن ، كانت تتكفل بجزء من ميزانية حكومة السودان . و لم يقل المصريون للسودانيين ان بعد تاريخ 1 يناير 1956 يجب عليكم ان تغادروا البلد . و لم يتعرض المصريون للسودانيون بما يتعرض له الجنوبيين الآن . لقد كان ادريس عبد الحي محافظاً على اسيوط . لأنه كان باشا أو لواءً في الجيش . و كان متزوجاً من مصرية . و لقد اخبرني دكتور محمد محجوب عثمان رحمة الله عليه ، أنه بعد تخرجه من الكلية الحربية سنة 1958 و هذه الدفعة العاشرة التي ضمت اغلب رجال مايو ، فأن زوجة اللواء ادريس عبد الحي و هي مصرية من أسرة رائعة ، أن قالت لهم : ( أي واحد فيكم لو عنده عشرة جنية ، أنا الليلة دي بعقد ليه على احسن بنت من احسن عوائل. لأنه نحن بنحترم السودانيين و بنحبهم ). الباشا ادريس عبد الحي هو شقيق الشاعر عبد المنعم عبد الحي . مؤلف اغنية انا امدرمان . و التي يقول فيها ( و على ابن الجنوب ضميت ضلوعي ) . و التي غناها الاستاذ أحمد المصطفى . و بدلاً عن ضم الضلوع بدأ الآن رفع السوط و البندقية في وجه الجنوبي . و لو كان الرائع و مشكل وجدان الشعب السوداني عبد المنعم عبد الحي موجوداً الآن في الموردة و يجلس في كنبته في مدرسة الموردة الأولية ، كما كان يجلس بجوار صديقه الشاعر مبارك المغربي . لكان قد سمع الآن (ما تمشي بلدك) . لقد كان علي البرير و هو من اسرة البرير المشهورة في السودان ، مرشح حزب الوفد المصري ضد مرشح القصر شمس الدين في الانتخابات في مصر . و كانت الجماهير تهتف بأسمه . و كان اللواء البنا ياور الملك فاروق ، و الذي يحل و يربط في القصر الملكي . و كان يسكن معه في بعض الفترات الصادق المهدي عندما كان يدرس في مصر . نحن الشعب السوداني العظيم لا نستطيع ان نعامل بعضنا حتى بجزء من الكرم الذي عومل به السودانيين بعد انفصالهم من مصر . و لقد تحمل الجنوبيون الشماليين الى اقصى درجة . و لكن الشماليون لم يتركوا شاردة أو واردة لكي يدفعوا الجنوبيين بعيداً عنهم . فالانجليز تحصلوا على تعويض ضخم بسبب الحرب العالمية الثانية . و قسم التعويض بين الشمال و الجنوب . و كان هذا قرار الحكومة الاشتراكية التي اتت بعد حكومة الحرب الائتلافية التي ترأسها تشرشل . و كان مشروع انزارا ، الذي كان عبارة عن مزرعة و مصنع للنسيج . و لكن بعد السودنة في الحكومة الانتقالية 1953 قامت الادارة الشمالية بطرد ثلاثة ألف عامل جنوبي . و أتوا بأهلهم و اصدقائهم من الشماليين . و عندما تظاهر الجنوبيون استدعي الجيش و البوليس و أمر الضابط صغير السن المقبول أحد جنوده بقتل قائد المظاهرة و اطلاق النار على الآخرين بالبنادق و المدافع الرشاشة . و انضم اليهم اثنين من التجار . و اقول من الذاكرة احدهم محمد علي و الآخر عباس حسون . و أحدهم كان يحمل بندقية لصيد الفيل . و أنضموا للجيش في اطلاق الرصاص على العمال العزّل . و كان هذا في يوليو 1955 . كما كان هنالك اجحافاً واضحاً و ظلماً قد وقع على الجنوبيين . فمن سبعمائة وظيفة شغلها الانجليز ، لم يحصل الجنوبين على وظيفتين . و كان هنالك اثنين من الجنوبيين في الحكومة الانتقالية . أحدهم العم بولين الير ، الذي عارض سياسة الحكومة الانتقالية خاصة قرار نقل القوات الجنوبية للشمال . و كان هنالك اقتراحاً معقولاً من الحزب الجمهوري الاشتراكي و الحزب الشيوعي و حزب الأحرار الجنوبي بتطبيق الفيدرالية . و هو ان يكون هنالك ثلاثة برلمانات صغيرة في واو و ملكال و جوبا . و أن يكون هنالك برلمان و حكومة مركزية في الخرطوم . و هذا ما رفضه الشماليون جملةً و تفصيلاً . و تنكروا للوعد التي قطعوها للجنوبين في مؤتمر جوبا 1947. عندما صدرت الأوامر بنقل القوات الجنوبية إلى الشمال و هذا خطأ يتحمل مسئوليته الشمال ، بدأ التمرد في توريت . لأن قبائل لاتوكا تعرضوا للشتم و التهديد بواسطة احمد المهدي الذي كان طالباً في الثانوي . و ذهب الى اللاتوكا لأستقطابهم لصالح حزب الأمة برفقة العم بوث ديو . وهو من النوير مركز الزراف غرب النوير فنقاق . هنالك التقرير الذي كتبته لجنة التحقيق لانتفاضة الجنوبيين في اغسطس 1955 . اللجنة مكونة على ما أذكر ، من رئيس و هو القاضي قطران و هو باكستاني الجنسية . و كان قبلها قاضياً في كوستي و اماكن مختلفة . و عضوية العم لادو لوليك و السيد داوود عبد اللطيف . و هذا التقرير يظهر كثير من الظلم الذي وقع على الجنوبيين . و هنالك تجاوزات حصلت من الجنوبيين كرد فعل . احدها جريمة اغتيال آل الفزاري و اغتيال النساء و الاطفال . و قد اغتيل الضابط صغير السن ابن اختي عصمت بحيري . و لقد اختفت جثته . و لم يعرف مصيره إلى الآن . كل هذه المآسي كان من الممكن ان نتجنبها . اذا كان هنالك احترام لقيمة الانسان في بلاد السودان . فالعم بولين الير عندما كان جالساً في المساء في حديقة القصر وهو يمثل السلطة ، أتى رجل بوليس و سأله ( بتعمل هنا شنو يا عب ). و طلب منه قائلاً : (انجر قدامي على المركز ) . و عندما اقترح العم بولين الير اخذ السيارة ال (همبر هوك ) . و كان رده ( و كمان بتتريق يا عب ) . و بعد ان ادى الظابط التحية العسكرية للعم بولين الير طلب منه العم ان لا يعاقب العسكري لأنها ما غلطته . و العسكري زول مسكين ما فاهم . و لكن الفاهمون لم يهتموا ابداً بقيمة المواطن السوداني . و إلى الآن لا يجد الاخ نجم الدين المقبول رداً ، لماذا قتل ابنه و ما هو السبب ؟. و قبل فترة قتلت الابنة عوضية عجبنا . لقد قتلت لأن النظام يؤمن بأهانة الانسان في بلاد السودان . و قد قتل من قبل الكثيرون . و تعرضوا للضرب و الأهانة في بيوت الاشباح . و قبل أيام تعرضت الاستاذة نجلاء سيد احمد للضرب . و حتى بعد ان احتمت بدكان للاتصالات ، تبعها العسكر بالخرطوش و أنهالوا عليها ضرباً . هذه البطلة لم تكن تحمل سلاحاً . كانت تشيع طالباً جامعياً اغتيل غدراً بعد ان استدرجه رجال الامن كما حدث لآخرين . ان الانظمة تُكون و تُخلق لكي تحمي المواطن . و تأكد عزّته و سلامته . و لكن في السودان الانظمة هي لهوان الانسان . و المؤلم و المخجل ان الاستاذة نجلاء عندما تكشف بشجاعتها المعهودة التي نحسدها عليها ، آثار الضرب و التورم الذي حدث لها ، انبرى بعض القاصرين في وصفها بالمتبرجة و التي تكشف عن جسمها . و كالعادة وظفت الانقاذ كوادرها في تحويل مسار القضية . و الأنقاذ لا يهمها إلا مصلحتها و تمسكها بالسلطة . التحية ع. س. شوقي بدري Shawgi Badri [[email protected]]