مدير الإدارة العامة للمرور يوجه باستمرار تفويج البصات السفرية يومياً للحد من الحوادث المرورية    لحظة فارقة    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    حزب الأمة القومي: يجب الإسراع في تنفيذ ما اتفق عليه بين كباشي والحلو    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    الفنانة نانسي عجاج صاحبة المبادئ سقطت في تناقض أخلاقي فظيع    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    جبريل ومناوي واردول في القاهرة    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يحردن وكتابات أخرى .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 14 - 04 - 2012

ما يجمع بين هذه الكتابات الخمس من عمودي اليومي الرتب ب"الأحداث" أنها تعليق على كتابات نيرة من كمال محمد زين، البروفسير عز الدين عمر موسى، والسفير جمال محمد إبراهيم، وسلمى الصادق، وعمرو منير.
1-يحردن
رغبت على ولاة الأمر أن يقرأوا كلمة ناضجة عن احتلال هجليج لكمال محمد زين بمنبر سودانيزأونلاين عنوانها "خلف القوات المسلحة لإستعادة هجليج". قال كمال إن هجليج بلدة سودانية ولو لم تكن كذلك فذلك طرفنا منها. وقال إن الذين يعتقدون أنهم سيرثونها من الجيش الأجنبي المحتل واهمون. فلم نعرف عن الحركة الشعبية وفاءً بعهد. فمن قريب أخذت وطنها الخاص وما اشتغلت بحلفائها "شغلة". وقال إن الصراع الماثل، ودولة جنوب السودان طرفه القوي، ليس بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني. وعلى المراهنين على حصان الحركة التفريق بين الغبن السياسي وتراب الوطن. ومن الجهة الأخرى، فالذي نحن فيه لحظة دفاع عن الوطن. فلا داعي لاستدرار النص الديني لتحويله لجهاد يختص به المسلمون في الوطن دون غيرهم. وقال إنه سينفر خلف القوات المسلحة لاستعادة هجليج متى كان نضالاً للوطن لا جهاداً.وسيفعل ذلك متى اتفق لها استقلالها عن الحزبية والجهوية والقبلية لتصبح فينا قومية خالصة للوطن.
هذا حديث اليسار الراشد. وهو قديم ولكنه راح بين أقدام المهرولين إلى الحرب جزافاً. وذكرني بكلمة نشرتها عقب احتلال الكرمك في 1988 بجريدة الأيام عنوانها "عند الكرمك نزود عن حياض وطن للديمقراطية والعدل الاجتماعي" أو ما أشبه. وفيها وقفت أشد من أزر القوات المسلحة وأعتب على تصعيد الحركة الشعبية للحرب. وهو صولة لا نبل فيها ضد نظام ديمقراطي لا قبل له بمثل تلك العداوة كما رأينا في مالي منذ أسابيع. علماً بأن الحركة رفضت بصلف خوض الانتخابات في تلك الديمقراطية برغم تعليق الأمل عليها أن ترجح بوزنها السياسي الإنتخابي ترجيح كفة القوى العلمانية. وكان ذلك خذلانها الذي سبق الانفصال باسم السودان الجديد. ولما استعصمت بالغابة والبندقية نقلت السياسة إلى الحيز العسكري فقام انقلاب 1989. وعالجت في المقال لم احتاجت المؤسسة العسكرية للعقيدة الدينية التي وفرها لها الإسلاميون. فقلت إن نازع الوطنية باخ ولم يعد الجندي، الذي هو صنو الموت، يرغب أن يموت "سمبلة" لأجل وطن مفرغ من المعني. ومن أبلغ دلالات ذلك أن القوات المسلحة كانت مدركة أن أضعف حلقات شغلها هو المعنويات لإنصراف الناس عنها إما إنتظارأ لقدوم جحافل قرنق أو إلى شاغل آخر. وهذا ما نورنا به العقيد حمدين في لقاء على هامش مؤتمر الحوار من أجل السلام في 1989.
إزداد استصحاب القوات المسلحة للوطنية وعورة بالطبع في ظرفنا الراهن. يكفي أن الحكومة تبدو كمن انتهى إلى أنها هي الوطن وما عداها متربصين به. فبرلمانها، لولا كلمة حكيمة من صلاح قوش، كاد أن يغلق أبوابه ليقود كتائب الردع. فنبههم قوش إلى أن استعادة هجليج معركة سياسية تستوجب استمرار البرلمان في حالة انعقاد للمهمة التي تليه. و أعتقلت السيد مبارك الفاضل وانتزعت منه خطه السياسي إنتزاعاً وكان يمكن لها أن تقرأ أدب حزبه قبل أن تطعن في وطنيته. وقال مبارك لهم كلمة غراء: "من يحمل السلاح سيفسد النضال السلمي الذي يعتنقه في آخر النهار". أما أفدح ما سمعت في الطعن في وطنيتنا جميعاً فهو قول وزير الدفاع إن خطة دولة الجنوب وشيعتها هو اسقاط النظام في خاتمة المطاف. وستكون الحلقة الثانية في خطتهم الزحف على الخرطوم لدعم الخلايا النائمة والأحزاب المعارضة ولتحريك الشارع لتسهيل الاستيلاء على السلطة. ومن رأيه إن هذه هي المرحلة الأخطر.
معظم المعارضين للإنقاذ وطنيون من الدرجة الأولى قامت دولة الإنقاذ بينهم وبين الوطن. فحتى شباب دارفور الذي خرج محتجاً على مقتل المرحوم عبد الحكيم سمعته يهتف "جيش واحد شعب واحد". وقفنا معشر الوطنيين السودانيين، غير مشحودين، مع القوات المسلحة لا نريد لها أن تُهزم قط. وكان الحزب الشيوعي من أذاع هذه العقيدة وحمل زعيمه الراحل تبرعاً لقيادتها خلال معركة تحرير الكرمك.
قول وزير الدفاع محض حرص على المقعد وطعن كبير في وطنية سائرنا. فمتى خرجنا نطلب الحق والحرية من الحكومة لن نفعل ذلك كمخلب لدولة الجنوب ؟ يحردن.
2-أحسن العرب، أحسن الأفارقة ولو كره الكافرون
عبد الله علي إبراهيم
أخذت دائماً على دعاة أفريقانية السودان أنهم أرادوا باطلاً من دعوة حق. فقد أرادوا بها كسب نقاط سياسية ضد نظم تطرفت في إسلاموعربيتها كما يقولون. فسعروا بها فتنة بين العروبة والإسلام من جهة والأفريقانية من الجهة الأخرى ستبقى دماء ضحاياها في دارفور والجنوب بذمتهم سائلين الله أن تؤرق منامهم. سألتهم مرة كيف غربتم الإسلام والعروبة عن أفريقيا والأسلام يكاد يكون الدين الأول في القارة. وهي منزلة لا نجدها للدين حتى في القارة التي أشرق فيها. ويتحدث باللغة العربية في أفريقيا جمهرة أغزر بكثير مما يتحدث بها الناس في بلدها الأصل.
أما خطيئتهم الكبري فهي أن صورة أفريقيا عندهم كولاج (خليط) نمطيات من صنع الغرب لأفريقيا. فهي عندهم زنج ورقص وطبل وإيقاع وفهد ونبل بدائي. ولم أر في كتاباتهم إشارة لنقد هذا التنميط الذي ذاع بعد صدور كتاب موديمبي، المفكر الكنغولي، "إختراع أفريقيا" ( 1988). بل لا يكاد أحد منهم يذكر ولو لماماً (سوى عبد الحي) كتاب قُدفري لينهاردت، الأنثربولجي البريطاني، القيم عن ديانة الدينكا على كثرة ما هرجوا عن حقوقهم الثقافية.
تنبهت بكلمة أخيرة للدكتور عزالدين عمر موسي في تأبين المرحوم عثمان سيد أحمد، مدير مركز الشيخ محمد بن حمد آل ثاني لإسهامات المسلمين الحضاري بمؤسسة قطر للتربية والعلوم، إلى مساهمة السودان للثقافة الأفريقية المعاصرة المنكورة من عتاة الأفريقانيين. وجددت لي ما كنت لفت نظر الأفريقانيين إليه قديماً. فقلت لهم إن أرادوا معرفة منزلة السودان في أفريقيا فليذهبوا إلى ود الفادني القربية من الخرطوم ليروا طلاباً من أصقاع أفريقيا يطالعون كتاب الله في مسيدها. وهذه البعثات الأفريقية للعلم الديني قديمة في هذا المسيد وغيره. ثم أخذها عنهم معهد أم درمان الديني ثم الجامعة الإسلامية. ثم توسعت جامعة أفريقيا العالمية في هذا الابتعاث حتى قال مبيكي، حين زارها وهو رئيس لجنوب أفريقيا، إنه لم ير جامعة أفريقية جمعت سائر أفريقيا بين دفتيها. والصفوة الأفريقانية "الغبيانة" عن هذا الدور السوداني في أفريقيا تزعجنا من الجهة الأخرى بالطالب أو الطالبين الذين جاء بهم الإنجليز من الصومال لحنتوب أو بخت الرضا.
كان للسودان دور ثقافي رائد في نيجريا في عهد استقلالها الباكر. وسنتجاوز قضاة الشرع الذين بعثهم الإنجليز في الثلاثينيات ليعملوا في محاكم نيجريا الشرعية ودور مدرستهم العربية التي افتتحوها في تنشئة المثقف النيجيري المسلم من أمثال الدكتور الساني رئيس قسم الدراسات الدينية بجامعة نورثوسترن الأمريكية. فقد ذهب عبد الله الطيب منتدباً لإقامة كلية للدراسات العربية والإسلامية في زاريا في صحبة من صغار الأساتذة وطلاب الدراسات العليا بجامعة الخرطوم. ثم ذهب إليها محمد أحمد الحاج وفتحي المصري وعثمان سيد أحمد واعتنوا بتراث الشيخ عثمان دان فوديو مؤسس دولة سكوتو. ونشأت مدرسة للتاريخ بجامعة زاريا بفضل جهودهم ضارعت مدرسة إبادان ودار السلام.
يهرف الأفريقانيون بما لا يدرون أو بما تلقوه ارتجالاً من بروبقندا الحركة الشعبية وناسب قضيتهم العاجلة في السياسة. فلو قرأوا كتاب عبد الهادي الصديق عن السودان وأفريقيا لعرفوا إلتزام السودان المشرف بالقارة. والأدوار كثيرة. فالمهندسون السودانيون كانوا طليعة مشروع السكة الحديدية بزامبيا. وحتى الرباطاب اسستثمروا في زراعة البصل بإريتريا خلال الحرب العالمية الأخيرة. وسيعلمون متى تثقفوا أن تعظيمهم لإرتباطنا بالعرب دون أفريقيا مجرد لعان سياسي. فلم تكن صلتنا بالعرب مما أجمعنا عليه. فالإمام الهادي طلب من نميري فض الاتحاد الثلاثي مع مصر وليبيا قبل أن يصالحه. وكان الشيوعيون من أقوى معارضي ذلك الاتحاد.
لا أعرف أطروحة حمل الجهل والغرض أهلها إليها مثل أفريقانية السودان. كنا أحسن العرب وأحسن الأفارقة في ظروف عسيرة محبطة. ناضل النفر منا لنكون كذلك.
3-أم سلمى الصادق: سلِمت
ناديت في عقر دار للإستنارة تقدمية، هي مركز الخاتم عدلان، ألا يكتفي معارضو الإنقاذ بالشماتة منها وهي ترتكب أخطاءها الكثيرة. وطلبت منهم اقتحام المناقشة العامة والرسمية عن التعليم التي سنحت بانعقاد مؤتمر التعليم العام في فبراير كحق سياسي. فبمثل هذا النقاش يحيطون بمحنة التعليم إحاطة ينشئون بها البديل في رؤيتهم لسودان ما بعد الإنقاذ. فما أضر المشروع المعارض إلا أنه حالة "مطالعة ومفالعة". فالمعارضة إما في الخلاء أو تفلع بالحجارة من خارج الحوش. ولا غرابة أنه لم يتوافر لها طوال عقدين من الأنقاذ رؤية بديلة تجتذب الأفئدة وتطمئن الشعب أنه لن يستبدل حاج أحمد بأحمد.
وضربت مثلاً لنقد التعليم من موقع معارض مستنير بمقال لجعفر خضر نشر في مجلة "كرامة". وفيه انتقد الإنقاذ في ما تظنه مجال إحسانها. فقد راى أنها لا تحسن حتى تدريس سيرة أفضل البشر وصحابته. وأسعدني أن قرأت أخيراً مقالاً في الفكر المعارض للأستاذة أم سلمى الصادق عنوانه "تعليم أم تنكيس وتنغيص". وهو راحة للعقل. جاءت إلى تحبيره بعد إطلاع وهذا ماتحلل منه الكتبة المعارضون فبوظان "شغل الإنقاذ" مكتوب على أوراق الشجر. ما يحتجش. فقد قرأت أم سلمى قبل الكتابةكتابا للدكتور محمد العوض جلال الدين واستعانت بورقة لأحمد النجار ورجعت إلى مداولات ندوة عن تعليم الطفل نقلت لنا منها قصة حزينة عن انتحار طفل بقرية ضرب نار بولاية النيل الأبيض بسبب الرسوم المدرسية.
ونظرت أم سلمى في كتب المنهج المدرسي كما فعل جعفر. وهو ما يتعفف منه عتاة معارضيّ الإنقاذ. فنقدت دمج المنهج للدارسات البيئة في علم الأحياء كما ورد في كتاب علم الأحياء للصف الثالث الثانوي للعام الدراسي 2010. وهذا الدمج عند أم سلمى بدعة. فالبيئة مكانها درس الجغرافيا إن لم تدرس مستقلة. وسخرت من تخصيص درس لاستخراج النفط بواسطة الأنقاذ مما يقع في باب البروبقندا الماكرة.
وبنت نقدها لحال التعليم على عمد من إحصاء وثيق. فعرضت على القاريء تدهور الصرف على التعليم مع تفاقم الصرف على الأمن. فقد رصدت الدولة للتعليم 25% من الميزانية في 1996 تدنى إلى 14% (1998) وصار 4 فاصل 7 % ( 2003). وكل عام ترذلون. أما الأمن فأرتفع من 42% (1996) إلى 61% ( 1998 ) حتى بلغ 76% (2003). وكل عام وهم في شأن. ولهذا قالت جهة أفريقية ما إن السودان في مؤخرة الدول الأفريقية في الصرف على التعليم حيث ينفق عليه صفر فاصل 3 من دخله القومي.
لم ينفرط عقد جأش أم سلمى وهي توثق لهذه المعارف الكئيبة عن التعليم. فهي علمت عن كثب أن الإنقاذ صارت "ملوية" لن تفلح في "فككان" نفسها بنفسها. فجاءت بقول سامية محمد أحمد، وزيرة الرعاية والتنمية الاجتماعية: "إن موضوع التعليم يحتاج إلى وقفة ومراجعة". وحدا هذا بأم سلمى للقول "ومع سواد الصورة وقتامتها التي ترسمها الحقائق والأرقام لكننا نراها من ضمن ما يمكن إصلاحه متى توفرت الإرادة السياسية". وهذا مطلب من الحكومة. ومن المعارضة أيضاً متى نقدت باستنارة لا شفقة بحكومة لم تشفق على نفسها بل بشعبها الذي ينتحر صغاره لبؤس التعليم. ولتعلم أنها معارضة بلا بديل جاذب للناس الذين يرونها تنتظر سقوط الإنقاذ ذات ربيع عربي ثم تفكر في الحكم أو تخرج علينا بأثقال "الزمن الجميل".
3-ناس باقان وإدريس . . . طولو
كتب السفير جمال محمد إبراهيم بهذه الجريدة (الأحداث) كلمة في الولاية (statesmanship) من أذكى ما يكون. وخلص من فوق حيثيات نبيهة إلى وجوب تولي وزارة الخارجية ملف النزاع مع جنوب السودان كملف جديد في الدولة مستصحبة جهات الاختصاص الأخرى كجاري العرف. وهذا من باب إعطاء القوس لباريها.
نعاني في الشمال من فجوة تصديق أن الجنوب بتاع زمان صار دولة وتلاحقت الكتوف. وأكثر من يعاني منها من شايعوا الحركة الشعبية وما يزالون. فنجدهم استفظعوا اعتبار الجنوبي "أجنبياً" وألحوا على أن يتمتع بالجنسية السودانية كما كان. وهذه أريحية أو شهامة لا سابقة لها في انفصال الدول أضاعوا بها الوقت ولم يتوافروا على التواضع قواعد دولية إنسانية وواقعية مرعية في هذا الشأن.
ربما ساعدتنا كلمة جمال في الوقوف على العاهة المؤسسية لمفاوضات السودان وجنوب السودان التي تراوح في مكانها وأزعجت الخلق. ففريق التفاوض فيها موروث عن مفاوضات نيفاشا التي طوينا صفحتها بالاستفتاء والانفصال. وتكون الفريقان من الحزبين الغالبين في جنوب السودان وشماله: الحركة والمؤتمر. ولو صحت الحزبية في مفاوضات قبل الانفصال فقد بطلت بعدها. فالنزاع الآن بين دولتين ملزومة به الدبلوماسية السودانية. وستتحكم في التفاوض أعراف دولية وستناقش أطواره (مثل شكوانا من تعدي جنوب السودان على حدودنا) في محافل عالمية تحسن وزارة الخارجية وحدها التعاطي معها.
ومن الجهة الأخرى لم يسفر فريقا التفاوض الحزبي عن نجاح يزكي استمرارهما في المهمة. بل أن المسائل العالقة التي تناقش في أديس أبابا هي حصاد مر من بؤس لأدائهما النكد. فحتى المفوضيات مثل حقوق الإنسان والخدمة المدنية (ناهيك عن الحدود والجنسية والديون والنفط) لم تُشكل إلا بعد انقضاء عهد نيفاشا. وقد رأيت عن كثب في محفل ما فساد نهج تفاوض الحزبين القائم على التلاوم. فالدرديري محمد أحمد يلوم الجنوب على التباطؤ ولوكا بيونق يلوم الشمال.والتلاوم تكتيك قائم على انعدام قوة ثالثة تنظر باستقلال في المسألة وترد الأطراف إلى الجادة. فالحركة الشعبية مثلاً تعرف أن المعارضة الشمالية توافقها على السهل والصعب. وأذكر أنني التمست في مداخلتي أن يكف الرجلان عن ذلك "البق بونق" الفارغ وأن يستشعرا ضميراً أفطن في إنفاذ العهد الذي في ذمتهما. فتشكياتهما لم تعد مسلية.
لا أعرف فشلاً لتغول الحزبين الحاكمين على المفاوضات أبلغ مما حدث لبرتكوول أديس أبابا. فقد فاوض لأجله نافع على نافع بجلة قدره الحزبي، ثم أرتد كما رأينا، وكان وبالاً علينا وما يزال سابقة يلاحق المفاوضات بشبحه. وساقت حزبية التفاوض، من جهة أخرى، المفاوضين إلى أدوار غير لائقة عليهم. فوفدنا أصدر بيانأً ل"الجماهير" قبل أيام للتنوير بعمله. وكان باقان هو الذي أعلن اسقاط طائرة حربية لنا. ورأينا كيف خرج إدريس عبد القادر والخطيب "مداعي" للترويج لاتفاق الحريات الأربع مع جنوب السودان في التلفزيون ومع أئمة المساجد كأن الدولة خلت من الأجهزة ذات الاختصاص. وهذه علائم أن المفاوضات صارت حالة "شخصية" للمفاوضين حتى أضطر أحدهم للدفاع عن نيفاشا ذاتها.
فريقا المفاوضات"طولو" في قول أبي سن الماكر. ويتحدث المفاوضون أنفسهم هذه الأيام عن وجوب تغيير روح التفاوض. ولجمال فكرة طيبة في هذا الخصوص وهي أن تتولى وزارة الخارجية ملف التفاوض بين البلدين بإعتراف واقعي أن الذي بيننا والجنوب ليس حرباً أهلية بل نزاعاً بين بلدين الذي هو سنة الله في الدول.
5-عمرو منير: حفر في عبقرية وردي
قلت في تأبين يوم الرفع إننا سنفيق يوماً قريباً ربما لجلال الرزء في وردي. بكاؤنا عليه اليوم مبعثه عجب فطري أو هوى سياسي. أما عبقرية الرجل كما قال حمد الريح فلم نبدأ الحفر فيها بعد. وأردنا الإحاطة بها ارتجالاً باللغة. فهو "الصاروخ" ثم "الفرعون" ثم "الإمبراطور" مؤخراً. وهو فنان الشعب حتى غنى لبعض المعجبين ب من المستبدين نزعت منه سعاد إبراهيم أحمد الصفة كأنها الموزع الحصري للنوط. وكنت تحدثت لوردي في السبعينات ألا يقبل بلقب فنان الشعب في المعنى الدارج. ولم اجد كعبارة حميد الأخيرة مقاربة للمعنى الذي قصدته من كلامي. فكان بوسع وردي أن يقول: إن جئت لحفلي لتسمع فنان الشعب فعد أما إن جئت لتسمع وردي الفنان فمرحبا.
وبلغ من عنت الوصف الوظيفي لوردي أنه صار نفسه في حيرة. فقد راجعته في عمود ما في توزعه "غير الموسيقي" بين الأحزاب. فهو حركة شعبية بعد أن هجر الحزب الشيوعي بإحسان ولكن مع ذلك أعطاه بيته بالكلاكلة داراً. وهذا الاضطراب ثمرة مرة لبؤس احاطتنا بعبقرية الرجل. وقريب منه اعتذار محجوب شريف عن قصائده الباكرة في انقلاب مايو. وكنت هونت الأمر عليه في نحو عام 1970 حين جاءني متحرجاً منها وهو لا يعرف إنني متى سمعت "عشان نبني اشتراكية" منه أو "نبايع السودان سيدا" من مايوية علي عبد القيوم لا يطرا لي قشار-مايو. وأتذكر زمالة لخير الوطن قل أن يجود بها الزمان. وفاض "الدمع وشال".
وجدتني أقترب من عبقرية وردي بلقاء تلفزيون الشروق مع عمرو منير الكاتب الراتب ب"السوداني". واستعرض البرنامج كتاباً له عن وردي لا أعرف أجديد هو أم قديم. فأنا ملم بمشروع عمرو وقدمت كتابيه عن الشخصية السودانية في ندوة بالخرطوم. وهو إنسان دمث وكاتب مدقق متنوع الاهتمامات حتى أنه الف كتاباً في أنور عكاشة المعروف. وأنجاه ترعرعه في الكويت من عكر الكتابة السودانية، والمعارضة خاصة، التي تعنقد أن سداد قضيتها السياسة يعفيها عن الإطلاع بالكلية. فجهلت. وهكذا أفسد الإنقاذ حملتها من حيث لم يحتسبوا.
عرض عمرو نظراته لوردي بهدوء وقوة وعبارة واقتصاد. واستفاد من قول على شمو، الذي قدم كتابه، إن وردي ولد عملاقاً وبنى عليها استنتاجات طيبة. ونظر إلى صوت وردي من زاوية علم القراءات من مد وغنة. وقال إن من عبقرية صوته أنه يمد حيث لا يمد الناس وله في ذلك تفنن. ثم عرض بتوسع في الكتاب لإغنيتين له هما "القمر بوبا" و"نور العين". وقال إن الحبيبة في الأولى بمثابة الحفيدة للحبوبة أما في الثانية فهي الحبيبة في نظر عاشق. وودت لو اعتبر بأن "القمر بوبا" أغنية شعبية في الأصل وليست لإسماعيل حسن كما ظل يرجع لها. وربما كانت صفتها تلك ما جعل الجبيبة على نحو ما رأى. وأعجبنى اختياره ل"نور العين" كمفتاح لعبقرية وردي. فهي أيقونته ومطلب الجمهور السرمدي. وهي صنو "لحبيبي جننني" لإبراهيم عوض التي حارت الألباب في شدة أسرها. فلم يكمل إبراهيم عوض غناءها في مناسبتين لأنها كانت فوق ما احتمله جمهور الخمسينات. وقال عمرو أن "نور العين" ربما بدت للجمهور كالبارقة من "الزمن الجميل" الذي يخاله للناس. ومهما كان رأينا في تحليل عمرو إلا أن معالجة "نور العين" كأغنية مفصلية في عبقرية وردي سيكون له ما بعده.
كتاب عمرو عن وردي نحت مستنير في مطلبه الثابت لمعرفة الشخصية السودانية نبلغ بها عبقرية وردي التي ارتجلناها.
Ibrahim, Abdullahi A. [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.