كان الله في عون الثقافة والفنون في بلادنا في حضرة هيمنة المتشددين المتحكمين في تحديد الحلال والحرام وماذا يأكل المواطنون وماذا يشربون وعلى ماذا ينظرون أو يستمعون وماذا يشاهدون باسم الدين والشريعة المفترى عليهما . هؤلاء الذين لم يعد لهم من هم إلا استرضاء الحاكم مقابل مجاراة الحكام لهم في خزعبلاتهم وتفسيراتهم في عصر يأبى القيود والجهل والتسلط على طريقة كهنة القرون الوسطى . نائبنا الهمام الذي تفجرت غيرته الدينية فقط أمام بوسترات مطربة تكن تقديرا خاصا للسودانيين ولذوقهم وحقهم في التواصل الفني مع محيطهم ولم تتفجر غيرته في مواجهة الفساد وسوء السياسات وضعف المفاوضين الذين انتهت اتفاقاتهم إلى حروب واستباحة لأراضي السودان أو ما تبقى منها . ولسان حاله كلسان حال جميل بثينة " وأي جهاد غيرهن أريد " وكأن نائبنا يريد أن يحملّ الفنانة شيرين مسؤولية احتلال منطقة هجليج وتكوين جبهات المعارضة المسلحة التي تظاهر دولة الجنوب في العدوان دون حسابات وطنية . والغريب أن النائب المحترم لم يكن همه إلا التصدي لشيرين وليس للمهاجمين في هجليج وكان ينبغي أن يكون بين أفراد القوات المسلحة بوصفه نائبا للشعب لحضهم على الزود والدفاع عن حياض الوطن لا الانشغال لمطربة من بلد شقيق لم تسيء لأحد . ولعل من المؤسف أن تصدر بعض الكلمات النابية والمسيئة على نحو ما أوردته الصحف في حق المطربة الضيفة التي دافعت بكل لطف عن علاقتها بشعب السودان وحكامه مشيرة إلي أن إلغاء الحفل جاء لظروف أمنية ليس أكثر . والغريب أن النائب الغيور على رأي الفنان صلاح بن البادية لم يتحمس ل منع مباراة الهلال والمريخ في نفس الظروف التي دفعته لإلغاء حفل شيرين مما يدلل على حجم الهوس المسيطر على بعض الأشخاص في مناطق يفترض أنها حساسة مهمتها ترجمة رغبات المواطنين إلى خدمات لا قمع آذانهم ورغباتهم البريئة . وكان يمكن أن يتم تأجيل جميع الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية إذا الأمر مجرد احساس بالمسؤولية تجاه التطورات إلا أنه ورغم الانشغال والتعبئة بما يجري من أحداث وتطورات فإن ظاهرة الهوس وغلبة المتزمتين وتأثيرهم على إصدار القرار وفق رغباتهم التي ليست لها علاقة بالدين حتى في القضايا المحلية وكل التفاصيل لهو أمر خطير سرعان ما سيثير الغضب ضد النظام الذي بات رغم مايحيط به من أزمات مستسلما لصراخ المتشددين والمتزمتين الذين وفر لهم حضانات الحماية ومدهم بالأموال والرعاية . السودان بكل تراثه في الإبداع والفنون وبكل تواصله الفني في المنطقة العربية والأفريقية ليس رهنا لهؤلاء الذين لم يطلعوا على بصمات المبدعين السودانيين في خارطة الفن الإنساني. هؤلاء لم يستمعوا إلى صباح وأحمد المصطفى أو شادية وسيد خليفة وحتى أنهم يفسرون دفوف المدينة التي استقبلت الرسول الكريم بطبول حرب حسب رؤيتهم ونظرتهم التكفيرية لكل أوجه الحياة . والسؤال الذي نسأله لوزيري الثقافة الاتحادي والولائي هو من هو الذي يدير شؤون الفنون والثقافة في البلاد هل هي هيئة علماء السودان وأذنابها في المجلس الوطني ؟ وكيف يمكن تحرير الملف الثقافي والفني من هؤلاء . وماهو دور اتحاد الفنانين والموسيقيين في وقف هذه التعديات وهل سيبقى فقط مجرد انتقادات وتصريحات هنا وهناك تساؤلات من أجل قيمة الفن والثقافة في بلادنا. كاتب وصحافي سوداني مقيم في واشنطن Hassan Elhassan [[email protected]]