كتبت مرة أقول إن الحزب الشيوعي يعاني من "قطعة رأس" حادة في التكتيك السياسي. وقلت إن ما ميز قيادة أستاذنا عبد الخالق محجوب أنه كان فناناً في رسم التكتيكات الثابتة والمتغيرة في ظل استراتيجية بناء الجبهة الوطنية الديمقراطية ودولتها. وتاج شغله في التكتيك هو "الحفر" فيه لمعرفة مصدره الطبقي. وسيكون الفصل الذي كتبه عن التكتيك الانقلابي كممارسة برجوازية صغيرة درساً لا غنى عنها في علم السياسة السوداني. وقريباً يكون بيد القاريء كتابي "19 يوليو: من دفتر التحري إلى رحاب التاريخ" الذي حاولت بيان هذا الفصل ما وسعني. تلاشى علم التكتيك في الحزب الشيوعي أو كاد. فانعقد من قريب اجتماع لقوى الاجماع الوطني اضطربت فيه بين خطة حزب الأمة للمساومة التاريخية عبر المؤتمر الدستوري المرجو وخطة المؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي لاسقاط الحكومة. وبدا لي الموقف الأخيرين كردة فعل غاضبة لقبول الاتحادي دخول الحكومة في ما فُهِم أنه خروج من دائرة المعارضة. كما ربما أثر عليهم رؤيتهم لحزب الأمة "كراع في الطوف وكراع في المركب" أو القصر الجمهوري. وتفرقت قوى الاجماع الوطني عند هذا الحد. بدت لي عزيمة الحزب لاسقاط الحكومة كفورة غضب بعد قراءتي لبيانه حول هجليج. فلا ذكر فيه لهدم الحكومة ولا شيتين. وإنما هو نسج على منوال حزب الأمة في المساومة التاريخية. فبعد حديث البيان عن هجليج وإدانة احتلالها بواسطة جنوب السودان ميزوا الحرب بأنها من تأجيج قوى مهيمنة ومتشددة في البلدين مصالحها ارتبطت باقتصاد الحرب. وليس هذا كلام من يريد "إسقاط النظام". ولن تجد الحركة الشعبية قطاع الشمال، التي قررت إسقاط النظام، تتحدث هذه اللغة التي تفرق بين قوى شريرة في الحكومة وأخرى أقل شراً. ثم تقترح لتطويق القوى الأخيرة "بتحقيق التحول الديمقراطي وعقد المؤتمر الدستوري وانجاز دستور ديمقراطي يكفل الحقوق والحريات الأساسية ودولة المواطنة التي تسع الجميع ". وتوسع في بيان هذا التكتيك السلمي تاج السر عثمان، عضو مركزية الحزب، في كلمة أخيرة ب "السودانايل" طلب فيها، إلى جانب وقف الحرب، قيام مؤتمر اقتصادي لمعالجة أزمات المعاش وقيام انتخابات نزيهة في أعقاب فترة انتقالية بحكومة مؤقتة ممثلة للقوى الوطنية كافة. لم يأت الحزب في بيانه بذكر لاسقاط الحكومة الذي خرج به ممثل الحزب بعد اضطراب قوى الاجماع الوطني. وهذا "تشرد تكتيكي" غير مأذون به في علم الثورة. فاسقاط الحكومة تكتيك ثابت لا يحتمل مثل هذه الجهجهة. وسبق للحزب أن طرح تكتيك إسقاط حكومتين ومفروض أن يعرف مضاء الإرادة وتجييشها الذي يذهب في صناعة ذلك التكتيك وتطبيقه. فقد تُراوح هنا أو هناك في التكتيك الثابت (مثل دخوله المجلس المركزي أو قبول عودة النقابات في ظل قوانين مقيدة للحريات) بنظر إلى انضاج الأزمة الثورية واستعادة منابر للجماهير لتترعرع ثورتها من فوقها. ولكن تكتيك الحزب لقيام المؤتمر الدستوري لحل أزمة الحكم مشروع لمصالحة وطنية نهائية لا فضاء فيها لاسقاط الحكومة. جهجهة الحزب الشيوعي في التكتيك صرفت عنه نفر كثير فاستغنوا. فهو يمنيهم بالاسقاط ثم ينقلب إلى المساومة. طيران وجري. وددت لو قرأوا بيان مركزية الجباه الديمقراطية الأخير ليروا أنه مُلهم بغير بيانهم، إلا إذا كان من تأليف ناشره على الإنترنت. وهذه هي الثغرة التي خرج منها اليسار الجزافي الذي كبد الثورة كثيراً. Ibrahim, Abdullahi A. [[email protected]]