سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفكير النخبة المصرية تجاه السودان، دكتور عبدالعظيم محمود حنفي نموذجاً .. بقلم: د. صلاح سليمان قور
نشر في سودانيل يوم 24 - 06 - 2009

كتب كثيراً من الباحثين في مصر أو السودان، عن العلاقات المصرية/السودانية، بحيث أصبح من العسير صياغة أي أفكار جديدة حول الموضوع دون المرور بشكل أو آخر لما كتب في السابق. وقد قرأت خلال الأيام الماضية مقال مكثف للدكتور عبدالعظيم محمود حنفي نشر بموقع (سودانايل) بتاريخ 19 يونيو 2009، تحت عنوان: "مصر ومستقبل الجنوب السوداني". توقفت عنده كثيراً(!)، وبعد قراءات عديدة خلصت إلى أن الدكتور حنفي لخص كل تاريخ السياسة المصرية تجاه السودان منذ عهد محمد علي باشا وإلى يومنا هذا، كاشفاً الستار عن العقلية الحقيقية للسياسة المصرية تجاه السودان، والتي ولولا الأزمة التي يمر بها السودان اليوم والمخاوف المصرية من نتائجها، لما كان بالإمكان إماطة اللثام عن فحواها، ولظل السودانيين على إيمانهم العميق بإكليشيهات" مصر المؤمنة بأهل الله"، "العلاقات التاريخية" وغيرها من المقولات، التي يتم ترديدها منذ الإستقلال.
سأناقش مقال الدكتور حنفي بطريقة مختلفة تعتمد على تفكيك مضمون خطابه من خلال إستعراض النصوص الواردة في المقال دون الإخلال بالسياق العام، ومن ثم إستنتاج/إستنطاق هذا الخطاب لمعرفة الرأي الحقيقي للدكتور حنفي حول الموضوع، والذي هو رأي عدد لا يستهان به من المثقفين المصريين سواء إن كانوا في السلطة أو خارجها.
(1). العنوان: "مصر ومستقبل الجنوب السوداني": أول ما لفت إنتباهي العنوان، والذي يعبّر محتواه عن مخاوف دفينة لا تخطئها العين لما قد يحدث في جنوب السودان. والملاحظة إن الخطاب المصري قبل ذلك وبشكل عام كان يتحدث عن سودان واحد وعلاقات مصرية سودانية، دون تحديد لأطر جغرافية. وينطلق هذا الخطاب من نقطة مرجعية تاريخية تستند على الإرث الإستعماري المصري في السودان، بدأ بالعهد التركي/المصري وحتى فترة الحكم الثنائي (الإنجليزي/المصري)، وهو ثابت ظل على الدوام يشكل أسس وموجهات السياسة المصرية تجاه السودان عبر الحقب المختلفة شعورياً أو لا شعورياً، ولم تثبت الأيام تغيره حتى من بعد ثورة يوليو التي تعتبر نقطة تحول بارزة في التاريخ السياسي المصري ومسيرة العلاقات بين البلدين. وبالتالي فالجديد في الموضوع والذي ينطق به العنوان، هو دخول متغير يحسب في معادلاته الجنوب كوضعية مستقلة محتملة في المستقبل. وعموماً؛ فالمضي قدماً في المقال سوف يضع الكثير من النقاط على الحروف.
(2). يبدأ الدكتور حنفي تحليله بقوله : [[ يرى بعض الرأي أنه رغم ما تمثله السودان من أهمية حيوية للأمن الوطني المصري، سواء فيما يتعلق بحماية كامل الجناح الجنوبي لمصر، وسواء فيما يتعلق بالمصالح المائية المصرية، إلا أن مصر فيما يبدو قد تجاهلت السعي لإيجاد حل لمشكلة الجنوب السوداني إما من قبيل الحذر، أو لأن السياسة المصرية قد حيل بينها وبين القيام بدور في هذا المجال من جانب قوى سودانية أو من جانب قوي إقليمية ودولية. لقد كان التعامل المصري مع مشكلة جنوب السودان يسيطر عليه الحذر إلى حد كبير ذلك أن التدخل المباشر قد تكون عواقبه أسوأ بكثير من التزام الحياد، ثم إن التزام الحياد قد يسفر عن إضرار بالأمن الوطني المصري ربما لا يمكن تفاديه. وإزاء ذلك لجأت مصر إلى استخدام أسلوب الدبلوماسية الهادئة في سعي منها للحفاظ على علاقتها مع كل القوى الفاعلة في السودان والعمل على تعزيزها، وقد كان هذا أمراً صعب المنال إزاء اضطراب خريطة القوى السياسية السودانية وتغير مواقعها من وقت لآخر. ولذا فإن الدور المصري لتسوية مشكلة جنوب السودان ظل محدودا إما تهوينا من شأن هذه المشكلة عندما اندلعت عام 1955، أو ربما يكون انفجار هذه المشكلة عامل ضغط على السودان لتقرر مصيرها بالوحدة مع مصر بدل الاستقلال. وقد يكون تردد السياسة المصرية في التدخل لتسوية مشكلة جنوب السودان راجعا إلى أن التدخل المصري قد يؤدي إلى بزوغ الحساسيات التاريخية بين الشعبين بما يسمح لقوى داخلية سودانية مناوئة لمصر الاستفادة منها في اللعبة السياسية الداخلية. وقد تواكب هذا وذاك مع عدم رغبة الحكومات السودانية المتعاقبة في قيام مصر بدور فاعل في تسوية مشكلة الجنوب قد يزعزع مركزها أمام بعض القوي الداخلية المناوئة لأي دور مصري في السودان]].
ومن النص يتأسس خطابه بشكل عام على ركيزة ((أهمية السودان للأمن القومي المصري))، والذي يتكون من شقين؛ الأول متعلق ب (حماية كامل الجنوب المصري)، وهو تقدير عام، حيث أن حماية كامل الجنوب المصري تتضمن أهداف كثيرة وإستراتيجيات أمنية مختلفة، ضمن مسرح واسع. والثاني ب (المصالح المائية)، وهذا يركز على مياه النيل والمسائل ذات الصلة، وهو أكثر تحديداً للبؤرة المركزية للأمن المصري. وبالتالي يُفهم بوضوح أن الموجًه الرئيسي للسياسة المصرية تجاه السودان تسيطر عليه مسألة الأمن القومي المصري بشكل عام، إنطلاقاً من نقطته المركزية ألا وهي مسألة مياه النيل(حوض النيل). وإنطلاقاً من هذا التأسيس، يمضي حنفي في قوله:
[[ ..إلا أن مصر فيما يبدو قد تجاهلت السعي لإيجاد حل لمشكلة الجنوب السوداني" مبرراً ذلك بأنه ... "إما من قبيل الحذر، أو لأن السياسة المصرية قد حيل بينها وبين القيام بدور هذا المجال من جانب قوى سودانية أو من جانب قوي إقليمية ودولية]].
وقبل نقد الأسباب دعونا نطرح سوالاً منطقياً: هل بالفعل تجاهلت السياسة المصرية السعي لإيجاد حل لمشكلة الجنوب(؟؟)، هذه مقولة غير دقيقة، فمصر سعت بالفعل لحل مشكلة جنوب السودان، لكن وفق أي إطار، فهذا هو جوهر الإشكالية. فالجهد المصري حول هذا الموضوع إذا إستثنينا تاريخ التغلغل المصري في السودان ودوافعه منذ عهد محمد علي باشا يرجع للزيارة المشهورة للصاغ صلاح سالم لجنوب السودان بعد الإستقلال مباشرة. والتي تصنف موضوعياً في خانة الجهد الإيجابي، على الرغم من أنها لم تخرج من سياق توجهات وتفكير ضباط الثورة المصرية ذات الطابع القومي العروبي من جانب، وماحدث في السودان من تطورات من جانب آخر.
[[ ... إما من قبيل الحذر أو لأن السياسة المصرية قد حيل بينها وبين القيام بدور ف هذا المجال من جانب قوى سودانية أو من جانب قوى أقليمية ودولية]] (!!!)....
هذه الأسباب في تقديري، لا تقف على ساقين، وإذا كان الحذر مفهوماً بإعتباره موقفاً داخلياً، فكيف تمت الحيلولة بين قيام مصر بدور في قضية الجنوب(؟) هل لأن القوى السودانية فعلت ذلك أم قوى إقليمية ودولية كما يقول د. حنفي(؟)، واقع الأمر إن هذا النمط من التفكير القائم على "نظرية المؤامرة" يناقض حقائق التاريخ، فمصر كانت موجودة في السودان من حلفا حتى نمولي وبحر الغزال منذ عهد محمد علي باشا، وعندما رحلت خلقت من بعدها قوى تدعو لسياساتها، ولم تكن شعارات وحدة وادي النيل تحت التاج المصري إلا تعبيراً عن ذلك. إذاً كيف أسهمت القوى السودانية الوطنية في حرمان مصر من لعب هذا الدور.. كيف (؟). إما إذا كان المعني الدور الإقليمي والدولي، فإيضاً كان لمصر تأثير مباشر، حتى في إستقلال السودان نفسه، فجزء من مساومات إستقلال السودان كانت تتم بين القاهرة ولندن وواشنطن(راجع كتاب: الصراع السياسي على السودان من 1820 2008، صادر عن درا صك العملة السودانية). ففي الوقت الذي كانت القوى السودانية تتصارع ما بين إستقلال تام للسودان وآخر تحت التاج المصري، أيدت مصر فاروق تبعية السودان لمصر تحت تاجها ودعمت ولا زالت القوى التي تؤيد تبعية السودان لمصر، وساومت على إستقلاله بذلك. بمعنى؛ أن منع مصر من الإسهام في حل مشكلة الجنوب بواسطة القوى الدولية، حجة مردودة، لأن مصر كانت جزء من "هذه القوى الدولية"، التي كانت تناقش كيفية إستقلال السودان.
ويصل د. حنفي للنتيجة القائلة:
[[ إن الدور المصري لتسوية مشكلة جنوب السودان ظل محدودا إما تهوينا من شأن هذه المشكلة عندما اندلعت عام 1955، أو ربما يكون انفجار هذه المشكلة عامل ضغط على السودان لتقرر مصيرها بالوحدة مع مصر بدل الاستقلال. وقد يكون تردد السياسة المصرية في التدخل لتسوية مشكلة جنوب السودان راجعا إلى أن التدخل المصري قد يؤدي إلى بزوغ الحساسيات التاريخية بين الشعبين بما يسمح لقوى داخلية سودانية مناوئة لمصر الاستفادة منها في اللعبة السياسية الداخلية. وقد تواكب هذا وذاك مع عدم رغبة الحكومات السودانية المتعاقبة في قيام مصر بدور فاعل في تسوية مشكلة الجنوب قد يزعزع مركزها أمام بعض القوي الداخلية المناوئة لأي دور مصري في السودان]].
وهو نوع من التحليل يطلق عليه النتيجة الخطاء، إلمبنية على مقدمات غير سليمة. لأن التدخل حاصل أصلاً ومثبت تاريخياً، وهو ما ينفي حجية التردد المصري. أما مسألة عدم رغبة القوى السودانية في الدور المصري بدعوى أن ذلك قد يزعزع مركزها أمام القوى الداخلية المناوئة لمصر... فكيف ولماذا ذهب الصاغ سالم إلى الجنوب ورقص عارياً مع قبائله، وبدعوة من من، وماذا كان يريد أن يحقق من كل ذلك(؟؟؟).
(3) نأتي إلى لب الموضوع:
يلخّص د. حنفي السياسة المصرية تجاه السودان في مدرستين:
الأولى:
[[ ترى أن السودان غير المستقر أفضل بكثير بالنسبة للأمن الوطني المصري بحكم أنها ستظل منشغلة بقضاياها الداخلية، عاجزة عن ممارسة ضغوط على مصر لتعديل حصص المياه الواردة في اتفاقية مياه النيل لعام 1959، بل وعاجزة عن تسخير مواردها الطبيعية والبشرية بشكل لا يجعل منها قوة تهدد الأمن الوطني المصري ]].
وهذا صحيح، وقد وضع د. حنفي العقدة في المنشار أقصد منشار السياسة المصرية في عقدة العلاقات السودانية/المصرية ، وأعتقد أنه أصبح مفهوماً تماماً ماذا كان يقصد د. حنفي في الفقرة الأولي التي تم إستعراضها عن معني:[[ الأهمية الحيوية لأمن مصر والذي تمثل حماية كامل الجناح الجنوبي لمصر جانبا منه]]، وتفسر الجملة الأخيرة في تصنيف حنفي للمدرسة الأولي والتي تقول: [[ بل وعاجزة عن تسخير مواردها الطبيعية والبشرية بشكل لا يجعل منها قوة تهدد الأمن الوطني المصري]]، الموضوع بوضوح لا لبس فيه. إذ أن الأمن الحيوي لمصر جنوباً، معناه سودان غير مستقر على كافة الأصعدة، مع ضمان مياه تتدفق شمالاً، فقط لا غير، وتأكيداً لذلك، ملف السودان الذي ظل قابعاً في أروقة جهاز المخابرات المصري إلى الآن، مما جعل وضعية السودان، ومن الناحية الفنية، تماثل وضعية إسرائيل. وليس مستغرباً من بعد أن تدعم مصر الأنظمة الشمولية في السودان (من نظام عبود إلى الإنقاذ، على الرغم مما بين الإنقاذ ومصر من "ثأرات بايتة" كما يقولون في جنوب الوادي).
الثانية:
يصنفها د. حنفي على أنها:
[[ ترى أن السودان القوية المعافاة يمكن أن تشكل رصيدا استراتيجيا لمصر، وأن ضعفها، وسيادة حالة عدم الاستقرار فيها يمكن أن يسفر عن تفتيتها،، بشكل يهدد الأمن الوطني المصري، وترى هذه المدرسة أن منطق التكامل بين الدولتين يمكن أن يكون مصدر قوة لكل منهما. إن السياسة المصرية تفضل اللجوء إلى مقتربات المدرسة الثانية]]
هذا تصور منطقي، لكن هل هو موجود بالفعل (؟) أعني هل هذا التفكير جزء من حركة تيار سياسي سواء إن كان جزءاً من الحكومة أو المعارضة المصرية(؟) سؤال يبقى معلقاً، لكن الأرجح إن هذه المدرسة ليست سوى إفتراض نظري. وما يؤكد على قولنا هذا، الشطر الأخير من الفقرة التي يستدرك فيها د. حنفي الموقف بقوله:
[[ إلا أن تطورات مضادة لهذا الاتجاه برزت مع تردي العلاقات بين البلدين خلال الفترة ما بين 1985 - 2003 نتيجة توجهات وممارسات النظم الحاكمة في السودان خلال تلك الفترة حيث اتجهت السلطة السودانية الحاكمة لتوطيد علاقاتها مع دول كانت على عداء لمصر آنذاك والبحث عن التحالف مع دول أخرى لموازنة الدور المصري أو لتقويضه في حوض نهر النيل، كما قامت وبالتوازي مع ذلك بتدمير عملية التكامل، وعملت على فتح ملف الحدود، ومياه النيل بين الدولتين مرة أخرى في نفس الوقت الذي كان الجيش الشعبي لتحرير السودان قد تمكن من تدمير ما تم إنشاؤه في قناة جونجلي، وهكذا تحالف كل من حزب الأمة والجنوبيين بطريقة غير مباشرة في تخريب ما تم إنجازه من مرحلة التكامل بين البلدين، دونما سعي من جانبهما لحل مشكلة الجنوب]]
ويبدو لي أن هذا التفسير غير مقنع، لأنه وبكل بساطة وحسب علمي إن سياسات وإستراتيجيات العلاقات الحقيقية بين الدول لا تبني على ردود الأفعال، وإنما على أسس علمية تأخذ في إعتباراتها الجوانب التاريخية، والثقافية والمصالح السياسية والإقتصادية والإجتماعية، ضمن أسس بنتها العلاقات الدولية والإقليمية عبر حقب طويلة(مالم يتواجد أصلاً في مثل هذا النوع من التفكير راسب من التاريخ الإستعماري القديم، يحدد ويوجه السياسات، وربما يرسمها).
عليه، ما يمكن أن نخلص إليه أن تفسير حنفي المبني على ردة فعل ب (تدهور العلاقات بين البلدين خلال الفترة من 1985 إلى 2003، مقارنة بتاريخ السياسة المصرية الطويل في السودان)، لا يستقيم في هذا الموضع، وبالتالي فالمسألة برمتها مجرد تبرير حاول به د. حنفي التغطية على السياسة المصرية الحقيقية تجاه السودان والتي تعبر عنها المدرسة الأولى ذات الطابع الإنتتهازي بكل وضوح. ويسند هذا الإستنتاج تاريخ العلاقات بين البلدين منذ الإستعمار التركي وحتى الأن. والنتيجة المنطقية المقبولة هو أن تأخذ مصر برؤى المدرسة الأولى كأساس لسياساتها تجاه السودان.
(4) تصورات المستقبل وبدائله في ذهنية د. حنفي:
ينتقل د. حنفي إلى خطوة متقدمة تأسيساً على تحليله لمسار السياسة المصرية تجاه السودان ومدارسها المختلفة، ويطرح تصورات لما قد تؤول إلى الأحوال، وأفضل الخيارات التي تدعم السياسة المصرية. ولنرى معاً ماذا تقول تصوراته وإسنتاجاته.
البديل الأول: قيام دولة سودانية اتحادية عربية أفريقية، ويقول فيه:
[[ وهذا هو البديل المفضل، الذي يمكن أن يحقق مفهوم المواطنة المتساوية لكل أبناء السودان على اختلاف معتقداتهم، وإثنياتهم، وأقاليمهم، ومن شأنه أن يحقق إجماعا وطنيا سودانيا من جهة، ويدفع بالعلاقات المصرية/ السودانية قدما في إطار من الندية والمساواة لأنه يمكن أن يخدم ويحافظ على المصالح الإستراتيجية لمصر في السودان، وبشكل يمكن أن يزيل الحساسيات التاريخية المترسبة لدى بعض فئات الشعب السوداني والمتمثلة في الخوف من هيمنة مصرية " متوهمة " على أقدار السودان..]].
مرة أخرى هذا تصور غاية في الجمال، لأنه يطرح من جانب، رؤية تخرج بالسودان من أزماته، ومن جانب آخر، تدفع لتسوية العلاقات المصرية/السودانية في إطار من الندية. ويري د. حنفي إن هذا هو البديل المفضل، لكنه يستدرك في النهاية أنه يصعب تحقيقه في الأفق المنظور. لماذا (؟؟؟؟)
الأجابة على ذلك تتمثل في محورين:
الأول: متعلق بطبيعة الأزمة السودانية نفسها والموقف الحالي الذي يقف فيه نظام حاكم بالخرطوم على النقيض تماماً من رؤية د. حنفي. وعندما نرى المسألة من هذه الزاوية ونحاول التبرير للنتيجة التي خلص إليه د. حنفي بصعوبة تطبيق هذا الخيار، فهذا أمر معقول، ويمكن فهمه في سياقه المنطقي للمتتبع للأزمة بالسودان.
المحور الثاني: طالما أن د. حنفي يفكر ضمن إطار العلاقات السودانية المصرية، وإنطلاقاً من وجهة النظر المصرية، فإن الخيار الذي يتكلم عنه تنبع صعوبة تطبيقه هنا، من طبيعة التفكير المصري تجاه السودان والتي تكلمنا عنها في الفقرات السابقة، ومرة أخرى نعيدها هنا للتأكيد. فقد ثبتنا إن الرؤية المصرية (كما ذكرها حنفي)، تستند على منظور أمني للسودان مرتبط مباشرة بقضية مياه النيل، ووجدنا تفسيراً للدعم المتواصل من مصر للأنظمة الشمولية في السودان بناء على هذه الحقيقة. عليه فهل وجود نظام في السودان قائم على العدالة وشروط المواطنة (والذي هو بالضرورة نظام ديمقراطي نقيض لنظام الحالي) يحقق أهداف هذه الإستراتيجية، أعني إستراتيجية الأمن المصري(؟).
لذلك جزء من صعوبة تحقيق مثل هذا التصور في السودان مرتبط بثابت السياسة المصرية (الأمن القومي المصري في شقه المتعلق بقضية المياه)، لأن وجود مثل هذه الأنظمة (الأنظمة الديمقراطية) سيفتح ملفات تقسيم المياه، وهذا ما لا تريده مصر، وما لايمكن يحققه لها مثل هذه الأنظمة في السودان.(لاحظ هذه المقولة الواردة عاليه: كما قامت وبالتوازي مع ذلك بتدمير عملية التكامل، وعملت على فتح ملف الحدود، ومياه النيل بين الدولتين مرة أخرى في نفس الوقت الذي كان الجيش الشعبي لتحرير السودان قد تمكن من تدمير ما تم إنشاؤه في قناة جونجلي، وهكذا تحالف كل من حزب الأمة والجنوبيين بطريقة غير مباشرة في تخريب ما تم إنجازه من مرحلة التكامل بين البلدين، دونما سعي من جانبهما لحل مشكلة الجنوب).
فأيهما تختار مصر(؟؟) بالطبع أنظمة شمولية تقوم بدعمها وإبتزازها كما يحدث حالياً، إذ إستفادت مصر إلى أقصى درجة من قيام الإنقاذ بحماقة محاولة إغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس وضغطته إلى أقصى درجة لتحصل منه على أرضي في أقصى الشمال، وإستثمارات في الوسط، وبرتوكول الحريات الأربعة الذي يأخذ من السودانيين أكثر مما يعطيهم. وسكوت مصر على حماقة الإنقاذ لا تقف حدودها عند الإستفادة مما حصلت عليه (عينياً) الآن، إنما تحسباً لما قد تؤول إليه الأوضاع لاحقاً في السودان إذ تفتت وتفرق أبناؤه أيدي سبأ، نتيجة لضيق أفق حكامه ورعونتهم، فأين سيذهب الشمال، إذا إنفصل الجنوب، وبقيت دارفور في الأوضاع التي نراها أو قررت المطالبة بحق تقرير المصير أيضاً(؟)، لا شك إن مصر المؤمنة هي الملجاء وأرض الكنانة هي الملاذ. وهناك قول مأثور في السودان يقول: " التور [=الثور فحل البقر] لو وقع بتكتر سكاكينو"، والسودان ثور أفريقيا، إذا وقع ستخرج سكاكين كثيرة لتقطع من لحمه [= أراضيه] ودمه [= مياهه].
البديل الثاني: انفصال جنوب السودان: يقول فيه د. حنفي:
[[ ويساند هذا البديل سيطرة الحركة الشعبية على معظم أراضي جنوب السودان وامتداد نفوذ عملياتها إلى شرق وغرب السودان وتمتعها بدعم من دول الجوار الإفريقي، وبمساندة غير محدودة من جانب الولايات المتحدة، ثم إن اتفاق ماشاكوس واتفاق نيفاشا قد كرسا هذا الوضع الانفصالي على طول الفترة الانتقالية]].
يطرح د. حنفي هنا خيار إنفصال الجنوب من زاوية تقريرية(تحصيل حاصل)، بمعني إستناداً على تقرير وقائع ماثلة قد تؤدي لهذه النتيجة (حسب زعمه)، أو قد لا تؤدي(حسب زعم آخرين). وهو تحليل يتعامل مع النتائج، وليس الأسباب فإحتمال حدوث الإنفصال ليس سببه أن الحركة مسيطرة على الجنوب أو تجد دعماً من هذا أو ذاك، وإنما يرجع لتاريخ طويل من الأزمة في السودان، وكون أن إتفاقية نيفاشا تعاملت مع هذا الوضع بإعطاء حق تقرير المصير للجنوبيين، فهذا ليس من باب المحاباة للجنوبيين وإنما صيغة حل طرحت لوقف نزيف الدم في السودان والذي بلغ عدد ضحاياه ما يربو على ال 2 مليون قتيل. وهناك الكثير من الرؤى التي لا تتفق مع البدائل التي طرحتها نيفاشا، ولكن إستناداً على أن القضية ليست قضية الجنوب فحسب وإنما السودان ككل، وما حدث للجنوبيين من دمار وقتل وتشريد بواسطة الأنظمة التي تعاقبت على السودان، تكرر في مناطق أخري آخرها ما نشهده الآن في دارفور، وهو ما يعني أن ما وصل إليه الجنوب سيصل إليه آخرون طالما ظلت نخب الأنظمة الشمولية الحاكمة في السودان تمارس ما تمارسه، وتدعمها أنظمة مجاورة في شموليتها. وهذا جوهر ما كان يتحدث عنه الزعيم الراحل د. جون قرنق مؤسس الحركة الشعبية لتحرير السودان، والذي دعى إلى أن وحدة السودان يجب أن تتأسس على علاقات مختلفة عن سابق عهده(قائمة على نفس ما تحدث عنه د. حنفي في تصوراته وبدائله التي أشرنا إليها عاليه).
ويعود د. حنفي لربط خيار الإنفصال بالسياسة المصرية قائلاً:
[[ إن خيار الانفصال - فيما لو تم - سيكون له آثار سيئة على المصالح الاستراتيجية المصرية، ولكن ليس بالصورة الخطيرة التي يروجها البعض]]
وإذا فهمنا أن الآثار الخطيرة للإنفصال على مصر تتمثل في الإضرار بالمصالح الإستراتيجية لها في السودان بصورة إجمالية، لكن لماذا يعود د. حنفي لتخفيف ذلك بإنها (ليست بالصورة الخطيرة التي يتصورها البعض) (؟). تأتي أجابته مباشرة في صراحة يحسد عليها إذا يقول:
[[ ذلك أن النيل الأزرق الذي يزود مصر بنحو 82% من احتياجاتها المائية لا يمر بجنوب السودان وبالتالي سيظل بعيدا عن التحكم في تدفقاته، و حتي النيل الأبيض والذي يزود مصر بالنسبة المتبقية يصعب بحال إقامة منشآت فيه تمنع تدفق مياهه إلى شمال السودان ومصر وإلا سيغرق الجنوب كلية، إضافة إلى انتشار المستنقعات الضخمة فيه]].
وهذا يعيدنا مرة أخرى، ويؤكد لنا ثابت السياسة المصرية وهو المياه فقط، وليتقاتل السودانيين ماشاء لهم أن يتقاتلوا، ولتذهب شعارات وحدة وادي النيل وأيديلوجيات العروبة والإسلام وغيرها من الشعارات إلى الجحيم، فالمسألة "شربة موية". ولا أدري إن كان د. حنفي يعلم أم لا بإن المناقشات التي جرت بين حكومة الخرطوم والقاهرة حول تقسيم المياه وصلت لطرق مسدود(وتقول مصادر مطلعة إن السودانيين رفضوا الخضوع للشروط المصرية حول إعادة تقسيم نسب المياه لأن مصر رفضت أن تدعمهم في قضية الرئيس البشير مع المحكمة الجنائية الدولية).
وما لايعلمه د. حنفي أيضاً أن مياه النيل الأزرق التي (تزود مصر ب 82% من المياه) تقع في إقليم النيل الأزرق المتاخم لإثيوبيا وتشير تقارير عديدة إلى المنطقة لم تكسب شيئاً من إتفاقية السلام الشامل وربما تفكر في إن تكون جزء من أثيوبيا إذا تأزم الوضع في السودان بعد الإستقتاء).
ويعود د. حنفي مرة أخرى لتبرير جملة (ليست بالخطيرة التي يتصورها البعض)، في محاولة لتقوية الضعف المفضي للتناقض في خطابه ويقول: [[ غير أن انفصال الجنوب لايعني بحال عدم الإضرار بالمصالح الاستراتيجية لمصر]]، من باب أن مصر ستجد نفسها مضطرة وللدفاع عن أمنها القومي في حال حدوث الإنفصال إلى تقف موقفاً محدداً [[ بشكل يدفع مصر إلى مساندة الشمال]]، في مواجهة [[الدول الأفريقية التي تساند الجنوب]] بشكل يؤدي إلى تدهور العلاقات المصرية مع دول حوض النيل.
هذه قراءة إستراتيجية سليمة تفسر إلى حد كبير توجهات السياسة المصرية الأخيرة لإيجاد موطئ قدم في الجنوب قبل أن تقع الفاس في الراس. وهو إتجاه إيجابي للغاية إن تخلص من هاجس أمن المياه، ونظر للعلاقات بينه وبين الجنوب (بصرف النظر عن نتيجة الإستفتاء) من زاوية المصالح المتبادلة، والتي من بينها بالطبع المياه، ولكن في سياق سياسي.
البديل الثالث: قيام دولة سودانية ذات هوية أفريقية: ويقول فيه د. حنفي:
[[ وهذا هو البديل الأسوأ، الذي تتجه إليه السودان ويلقي ترحيبا من دول جوار جنوب السودان و من قبل الإدارة الامريكية]].
وما يعنيه د. حنفي بالدولة الإفريقية، ونعته بالبديل الأسواء هو أن يصل من هم من أصول أفريقية بالسودان (سواء إن كانوا جنوبيين أو دارفوريين أو آخرين في ذهنه) إلى سدة الحكم، وهذا أعظم مخاوف الدكتور وربما التيار الذي يعبر عنه. ولا أريد أن أقول عما يعبر عنه النص الأخير، فهو يتكلم عن نفسه.
خلاصات:
ومن بعد، إن كانت مسألة المياه تمثل بؤرة الهاجس الذي يؤرق الواقع المصري وإنعكس على سياساته الخارجية خاصة تلك التي تتعلق بالسودان، فهذا مفهوم، لأن دولة مثل مصر يشقها النيل من أدناها إلى أقصاها(والذي يمثل المصدر الوحيد للمياه العذبة فيه)، وتنحصر فيها الأراضي الزراعية فقط على جانبيه، مع كثافة سكانية تبلغ أكثر من ال 80 مليون نسمة، بالفعل هذا كابوس مرعب لصانع القرار بمصر. لكن الغير مفهوم هو طريقة التعاطي مع هذا الواقع خاصة في معالجاته الخارجية، إذ كان من الأفضل التعامل مع السودان من باب الشراكة في هذا الموضوع وبحث سبل التعاون بدلاً من دعم الأنظمة الشمولية فيه لتكريس وضع عدم الإستقرار فيه لتأمين تدفق المياه. هذا السلوك هزم السياسة المصرية تجاه السودان، حيث أصبحت مصر بالنسبة للسودانيين عراب الأنظمة الشمولية في السودان على مر تاريخه فخسرت شعب السودان بأكمله.
إن تدفق المياه الذي يمثل بؤرة الهم المصري لا يتحكم فيه السودان لوحده، وهذه حقيقة جغرافية وبيئية، ولا تستطيع دولة في حوض النيل من البحيرات العظمى وبحيرة تانا بأثيوبيا والأنهر التي تغذي النيل من الهضبة الإثيوبية، أن تتصرف في حصص المياه بمعزل عن بقية الدول المشاركة في الحوض، وهذه أيضاً حقيقة أفرزها التطور في العلاقات والقوانين الدولية في هذا المجال. وهو ما يقلل من المخاوف المصرية، إذ أن التصرف في مصادر المياه بين دولة عديدة تتشارك في هذه المصادر مسألة تحل في منابر دولية وتترتب عليها حقوق جميع المشاركين، مالم تكن مصر تريد أن تأخذ أكثر مما ينبغي لتأمين إحتياجاتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.