الفقيه الشيخ محمد محمد الأمين الغبشاوي ولد في قرية الغبش غربي مدينة بربر في عشرينيات القرن الماضي, وحفظ القرآن الكريم في خلاوى أجداده الغبش الذين أشتهروا بتحفيظهم للقرآن الكريم وتجويده والعناية به ونشره والعمل بأحكامه, وقد تخرج في تلك الخلاوى منذ تأسيسها وإلى اليوم الكثيرون من الحفظة والعلماء والرجال الأجلاء المشاهير. تخرج الشيخ محمد محمد الأمين الغبشاوي في كلية المعلمين ببخت الرضا, وبعدها نال بعثات دراسية الى كلية المعلمين بمصر وكلية التربية جامعة لندن. وعاد الى السودان وعمل عدة سنوات بكلية المعلمين بشندي. إنتقل الى العمل في (مكتب النشر التربوي) بالخرطوم, وكان المكتب يقوم بطباعة ونشر الكتاب المدرسي الذي كان يتم إعداده وتجريبه في كلية إعداد المعلمين ببخت الرضا, وكانت بخت الرضا في ذلك الزمان هي المؤسس الحقيقي للمدرسة النظامية في السودان, إذ كانت تمثل عصراً من الإبداع والتجديد وتخرج فيها جيل الرواد من المعلمين الذين أنتجوا جيل اليقظة من أفاضل المثقفين السودانيين. ورغم أن بخت الرضا أصبحت جزءاً من لحمة الماضي ولكن لها الفضل الكبير بضم بلادنا الى عالم جديد هو عالم الثقافة العربية التي لا تزال حية ومتفاعلة في وجدان الكثير من المثقفين . وكان من مهام مكتب النشر طباعة ونشر مجلة (الصبيان) وهي مجلة أطفال متخصصة يشارك فيها نخبة من المعلمين وتوزع على مدارس السودان, كما كان يصدر مجلة (الكبار) التي يتم توزيعها على الدارسين في حلقات محو الأمية في كل أنحاء السودان, كما كان ينشر كتباً صغيرة لتلاميذ المدارس عن التاريخ والدين والأدب دربت التلاميذ على القراءة والإطلاع. إنتقل الشيخ محمد محمد الأمين الغبشاوي الى رئاسة وزارة التربية والتعليم وقضى بها حينا من الزمان ثم إنتقل بعدها عميداً لكلية إعداد المعلمين بمدينة كسلا. دوره في العمل السياسي: إنضم الشيخ الفقيه في شبابه إلى الحزب الوطني الإتحادي الذي كان يقوده السيد إسماعيل الأزهري والذي كان يعمل معلماً وبدأ الدعوة الى الاستقلال عام 1931 م ولاقت دعوته رواجاً في أوساط المتعلمين في ذلك الوقت, وتم التعبير عنها بأدوات مختلفة تجلت في الإجتماع التأسيس لمؤتمر الخريجين في 12-2-1938 م الذي تطور وتكاثر عدد أعضائه وتمخضت عنه الأحزاب السياسية التي كان كان أولها حزب (الأشقاء) برئاسة إسماعيل الأزهري, ولكن ظهرت خلافات أدت الى تكوين الحزب الوطني الاتحادي عام 1952 م برئاسة إسماعيل الأزهري, واستمرت المعركة مع الاستعمار الانجليزي وهي معركة احتفظت بسلميتها حتى نال السودان استقلاله. تشكلت أول حكومة وطنية برئاسة إسماعيل الأزهري عام 1954 م وقامت بسودنة الوظائف التي كان يسيطر عليها الانجليز والمصريون, وفي يوم 1-1-1956 م وقف السيد إسماعيل الأزهري شامخاً وبجواره السيد محمد أحمد محجوب ومن حولهما جموع غفيرة من أبناء الشعب السوداني وعلى أنغام النشيد الوطني تم رفع العلم السوداني على سارية القصر الجمهوري بالخرطوم. إستمر الشيخ محمد محمد الأمين الغبشاوي في ولائه للحزب الوطني الإتحادي وذهب إلى بربر لمساندة مرشح الحزب إبن عمه (عبد الماجد محمد عبد الماجد) الذي أصبح نائباً عن دائرة بربر جنوب عن الحزب الوطني الإتحادي. واستمر النضال السياسي وقد كتب الشيخ محمد محمد الأمين الغبشاوي عن تلك الفترة مقالات طويلة في الصحف اليومية. وفي عصر حكومة مايو أصر المعلمون على الشيخ محمد محمد الأمين الغبشاوي لملء مقعد المعلمين في مجلس الشعب في ذلك الوقت فوافق على ذلك ونال نسبة عالية من الأصوات في كل أنحاء السودان, وأصبح عضواً في لجنة صياغة الدستور الذي تم وضعه في تلك الفترة, كما كان حامياً لحقوق المعلمين ومطالباً بتحسين أوضاع المدارس. وعندما تقرر تكوين (مجالس الشعب الإقليمية) سافر وأسس (مجلس الشعب الإقليمي للاقليم الشمالي بالدامر) وبعد نهاية فترة حكم المشير نميري تفرغ الشيخ محمد محمد الأمين الغبشاوي للكتابة وقد نشر الكثير من المقالات في الصحف اليومية. قام الشيخ محمد محمد الأمين الغبشاوي بتأليف كتاب (دور الغبش في نشر القرآن الكريم في السودان) وهو كتاب يتحدث عن تاريخ ودور الغبش في الحياة والمجتمع. كما قام بضبط ومراجعة وتنقيح (منظومة سلم المريد في علم التجويد) لمؤلفها الشيخ حمد بن محمد المدلول الغبشاوي, وجاء في مقدمته لها: ( لقد أشتهر المشائخ الغبش غربي مدينة بربر في السودان منذ القرن العاشر الهجري بتعليم القرآن والتشرف بخدمته, كانت خلاوى الغبش مرتاداً ومنتجعاً لطالبيه من مختلف أرجاء السودان وغيرها من البلاد المجاورة, وقد بلغ طليتها ذات يوم أكثر من ألفي طالب يجدون في تلك الخلاوى المأوى والرفد والرعاية والتحصيل. أما مؤلف المنظومة فهو الفقيه العالم (حمد بن محمد المدلول بن عبد الجبار بن عبد ألله الأغبش- مؤسس خلاوى الغبش الأول) ألف (ود المدلول) منظومته (سلم المريد) في القرن الثاني عشر الهجري وكان ذلك في عهد ازدهار دولة (الفونج) حوت تلك المنظومة القيمة كل أحكام تجويد القرآن الكريم وفق رواية (أبي عمرو الدوري) وهي القراءة التي كانت سائدة في معظم خلاوى القرآن الكريم في السودان ) أه كما قام الشيخ محمد محمد الأمين الغبشاوي بضبط ومراجعة وتنقيح (منظومة الشيخ الدنفاسي) وهي منظومة في ضبط وعد آي كلمات القرآن الكريم, هذه المنظومة أشار إليها الفقيه (ود ضيف ألله) في كتابه الشهير (الطبقات) وسوف نسعى لتقديم دراسة كاملة عن هذه المنظومة في المستقبل إن شاء ألله. أجمع أبناء الغبش أن يكون الشيخ محمد محمد الأمين الغبشاوي رئيساً ل (لجنة إعمار مسجد وخلاوى الغبش) فقامت هذه اللجنة بإعادة بناء مسجد الغبش في العام 1969 م في عهد الخليفة الشيخ محمد عبد الماجد الأمين الذي تخرج في معهد أمدرمان العلمي عام 1942 وتوفي عام 1986 م رحمه ألله, كما قامت اللجنة بإعادة بناء خلاوى الغبش وداخليات الطلاب عام 1988 م في عهد الخليفة الشيخ محمد التجاني عبد الماجد, أمد ألله في عمره. والخلاوى لازالت مرتاداً ومنتجعاً للطلاب من كل أنحاء السودان. وقامت هذه اللجنة أيضاً بتنظيم إحتفال ضخم في العام 2005 م بمناسبة مرور خمسمائة عام على تأسيس خلاوى الغبش وقد شرف ذلك الاحتفال السيد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير. منحت حكومة المشير نميري الشيخ محمد محمد الأمين الغبشاوي (وسام النيلين) تقديراً لجهوده في خدمة الوطن والتعليم, كما منحته جامعة القرآن الكريم شهادة الدكتوراه الفخرية تقديراً لخدماته في نشر الدعوة الإسلامية وخدمة القرآن الكريم. متع ألله الشيخ محمد محمد الأمين الغبشاوي بالصحة والعافية وأمد في عمره, آمين. [[email protected]]