أيهما تُفَضَّل، الأمن أم الحرية؟؟    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستاذ أمين زكريا إسماعيل: زيادة الوعى وثورة التكنولوجيا ستكون خصما على الطائفية .. حوار: صلاح شعيب
نشر في سودانيل يوم 26 - 06 - 2009

ستستمر فكرة السودان الجديد لأنها تعتمد على حقوق انسانية
نحتاج ديمقراطية تعزز التنوع الفكرى والثقافى وحريات تعبير حقيقية
هناك غياب مشهود فى مفهوم القيادة السياسية الوطنية المجمع عليها
الهامش موجود فى الشمال والشرق والجنوب والغرب
الاستاذ أمين زكريا إسماعيل، باحث متخصص فى علم الاجتماع الطبى. وكتب العديد من الاوراق العلمية و المقالات بجانب المشاركة فى نقاش و تقديم العديد من الندوات داخليا وخارجيا.
عمل محاضرا متفرغا فى التسعينيات بجامعة الأحفاد للبنات فى كليات الطب، والعلوم الادارية، وعلم النفس، والعلوم الاسرية والتنمية الريفية، ومحاضرا، غير متفرع، بجامعة الخرطوم بكلية الصحة، وجامعة الزعيم الازهرى بكلية الطب والعلوم الصحية، وعمل باحثا بمعهد الامراض المتوطنة بكلية الطب بجامعة الخرطوم. ويعد الآن فى دراسة علمية بحثية عن تثقيف الثقافات وأثرها فى بناء الهوية المشتركة، كمحاولة بحثية فى العلاقة بين الثقافة والسلطة فى السودان.
وأشرف الأستاذ أمين زكريا فى التسعينيات على إعادة تكوين روابط طلاب وخريجى جنوب كردفان/جبال النوبة بالجامعات والمعاهد العليا، كما تقلد منصب الامين العام لرابطة جبال النوبة العالمية بالولايات المتحدة الامريكية فى الفترة من 2001-2006م. واصبح الامين العام لمنبر قوى الهامش بواشنطون الذى يضم الحركة الشعبية لتحرير السودان، وجبهة الشرق، وحركة تحرير السودان، ورابطة جبال النوبة العالمية، والتجمع الكوشى النوبى، ورابطة ابناء النيل الازرق، والتحالف الفدرالى فى الفترة من 2004-2006، وعمل مستشارا سياسيا للحركة الشعبية بولاية جنوب كردفان/ جبال النوبة فى الفترة من سبتمبر 2006- مارس 2007، وهو عضو منتخب لمؤتمرى الحركة بولاية جنوب كردفان. الاستاذ أمين زكريا إسماعيل تحدث لمنتدى "الأحداث" وهذا نص الحوار.
هل ترى أن هناك أزمة في فهم الهوية السودانية ما دعا النخب المتعلمة إلى الفشل في إنجاز مشروع الدولة السودانية؟
نعم هنالك أزمة حقيقية فى فهم الهوية السودانية قادت الى الفشل لأسباب يمكن إختصارها فى الآتى:
أ- ما يطلق عليهم النخب السودانية والوطنيين والى آخرها من المسميات، يجب إعادة وضع معايير علمية لوضعهم فى هذا التصنيف، فهذا التصنيف العشوائى أدخل من تنطبق عليه المعايير وما لم تنطبق عليه في جدل التنظير والتنفيذ فى قضايا الشعب بدون فهم مما أخر إنجاز مشروع وطنى حقيقي.
ب- سطحية المعرفة الاجتماعية والانثروبوجية والتاريخية والاقتصادية بمكونات الشعب وتاريخ تشكله كان نتاج تجاهل او أنانية الكثيرين الذين يدعون أنهم نخبا.
ج- الخطأ المقصود او غير المقصود فى التنشئة الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية، بمعنى على مستوى الاسرة او القبيلة او المدرسة ووسائل الاعلام وغيرها، أثر فى إعتداد هذه النخب بذاتها من أجل التميز سواء كان عرقيا (إثنيا) أو دينيا، مما جعل مشروع الدولة السودانية مرتبط برؤيتها الضيقة، بل محاولة تمييز أنفسهم خلقيا وثقافيا و إجبار الآخرين على التنازل عن هويتاهم وثقافاتهم ومعتقداتهم، وهو ما تقابله الاطراف الاخرى بمقاومات تصل مرحلة الحروبات والاقتتال.
ه- بعضا من النخب من مختلف بقاع السودان ذات الفهم المتطور لبناء مشروع الدولة السودانية تم إبعادها بواسطة النخب الأنانية والانتهازية المتمترسة حول السلطة والمعاد إنتاجهم مركزيا. بل يسعى هؤلاء النخب الى تشويه سيرة النخب الوطنية عبر وسائل الاعلام التى يسيطرون عليها، وأحيانا يصفونهم بالكفار او الشيوعيين او العملاء أو المتمردين ..الخ.
كمحاولات للحد من تأثيرهم على الجماهير، يزج بالنخب فى السجون إذا ما أحسوا بخطورة تأثيرهم وقد يتعرضون للقتل من بعض المتطرفين، وهذا أثر الى حد ما فى إنزواء كثير من النخب فى ظل السياسات الامنية للدولة وما تم لعدد منهم من فصل وتشريد، كما قاد الى هجرات عقول كبيرة كان منوط بها إحداث ذاك المشروع الى دول أخرى.
و- النتيجة الحتمية لما ذكرنا هو إنعدام دستور وطنى متفق عليه وديمقراطية تعزز التنوع الفكرى والثقافى وحريات تعبير وتنقل حقيقية ، وهذه المتطلبات تعتبر جوهر مشروع الدولة الناجحة.
كيف تقرأ المستقبل السوداني على ضوء مجريات الواقع السياسي، هل هناك ما يدعو إلى التفاؤل في ما يتعلق بالوصول إلى حل للإشكال المجتمعي السوداني التاريخي؟
الوضع السياسى الراهن حسب تقديرى هو أعقد وضع سياسى مر به السودان، فهنالك اتفاقيات تم توقيعها بفهم ويطبق فيها المؤتمر الوطنى بفهم آخر، كما أن الحرب فى دارفور وجهها المؤتمر الوطنى فى بداياتها بفهم (عرب وزرقة) بعد ان تأكد من فشل العامل الدينى الذى قادت بها الدولة حربها فى جنوب السودان وجبال النوبة والنيل الازرق، إلا ان المؤتمر الوطنى نفسه من خلال تسليحه للقبائل فشل فى إحتواء هذا الامر مما قاد الى صراعات بين المجموعات العربية نفسها فى دارفور وصراعات بين مجموعات عربية وأخرى من قبائل الفلاتة، بل أنه توجد العديد من القبائل والقيادات العربية فى داخل صفوف حركات دارفور المسلحة.
رغم خطورة الوضع والتفلتات الامنية فى الكثير من اقاليم السودان، إلا أن التفاؤل مرتبط بتغيير عقلية من هم في السلطة فى التعامل الواقعى، وحل عادل لقضية دارفور، وتطبيق مثالى للاتفاقيات التى تم التوقيع عليها، واحترام الدستور وتمرير القوانين المرتبطة بالامن والصحافة وغيرها من متطلبات التحول الديمقراطى، و خلافا لذلك فإننا نخشى أن تكون الصوملة أوالفركشة السودانية واقعا قادما.
ما هي تصوراتكم لحل إشكال أزمة دارفور، وكيف يمكن الوصول إلى سلام دائم؟
قبل الاجابة على سؤالك، السؤال الذى يطرح نفسه هل دارفور هذه تقبع فى السودان ام فى دولة أخرى؟ او لم يكن لسكان درافور حقوق كغيرهم؟ ومن هو الاجدر بالحديث عن حقوق أهل دارفور؟ تصورى أن تكون هنالك دراسة دارفورية لجذور قضية دارفور عبر الدارفوريين أنفسهم بكل مكوناتهم وذلك بالرجوع الى التاريخ والاجتماع والاقتصاد والسياسة الدارفورية ولهم الحق فى الاستعانة بمن يرونه مفيدا من بقية أنحاء السودان ، ثم أن يجلس أبناء دارفور غير المعاد إنتاجهم مركزيا (او الانتهازين و أبواق السلطان) بكل مكوناتهم وتنوعهم ليقرروا ماذا يريدون، على أن تحترم الدولة رغباتهم التى ستكون منطقية طالما يسعون الى سودان موحد أو نيل حقوقهم بطرق سلمية مشروعة حتى ولو كان حق تقرير المصير، أما اذا نظرت الدولة وحكوماتها بأنها يمكن ان تتلاعب بمصير شعب عبر روشتات حلولية سياسية مغشوشة ومعدة مسبقا او مؤقتة فانها سوف لن تجد حتى من تجلس معه للتفاوض، وستكون الحكومة هى الخاسر الاول.
هل ترى أي غياب في القيادة السياسية الوطنية المجمع عليها والقادرة على وضع التصورات الفكرية لما ينبغي أن يكون عليه واقع الدولة السودانية؟
طبعا هنالك غياب كبير فى مفهوم القيادة السياسية الوطنية المجمع عليها حاليا، وهذا لا يعنى أنه لا يوجد من بين الشعب السودانى من هو أهل بأن يقوده، فمنهم من أبعد لأسباب ذكرناها سابقا في سؤالك المتعلق بالنخب، ومنهم من لا يجد طريقة الى القيادة لأسباب التدرج الهرمى داخل التنظيمات وإحتكار التنظيمات العقائدية و البيوتات الطائفية وأبنائها وشللياتها للزعامة بقدرات أو بدون قدرات، و بالتالى فإن أفكار و آيدولوجيا وبرامج معظم التنظيمات بإستثناء القليل لا تخلو من جانب إقصائى على أساس دينى أو إثنى و فى الغالب لا ينفصل الدين عن العروبة فى رؤيتهم فمثلا برامج كالصحوة الاسلامية او الجمهورية الاسلامية او المشروع الحضارى او أمة عربية ذات رسالة واحدة هى برامج مقنعة لأصحابها بمبرارتهم، ولكنها واقعيا برامج إقصائية للتنوع الثقافى والدينى، وبالتالى قيادات هذه التنظيمات لا يمكن ان تكون محل اجماع وطنى، ولا يمكنها أن تتنازل عن افكارها المسبقة. كما ان معظم الافكار السياسية لبعض التنظيمات السياسية هى للخم السياسيى أكثر من الجانب النظرى الذى يؤمنون به ففي هذه التنظيمات تجد المنافق واللص (الحرامى/الفاسد)، والقاتل ...الخ.
الانتخابات القادمة في فبراير 2010 ، هل تستطيع أن تحدث تغييرات جوهرية في طبيعة العمل السياسي الحكومي والمعارض، خصوصا إذا دخلت قوى المعارضة في تحالف ضد المؤتمر الوطني؟
إذا احترم الدستور الانتقالى والاتفاقيات الموقعة و قوانيين ومتطلبات التحول الديمقراطى، وإذا ما قامت إنتخابات حرة ونزيهة ومراقبة محليا وإقليميا ودوليا، و أدرك الشعب السودانى أن السودان بلد عظيم ومهم تعطل بالرؤية الاحادية للمؤتمر الوطنى لأكثر من عشرين سنة، وبإمكانه الانطلاق والتوحد وانصاف مواطنيه وشعبه فى كل الاقاليم، وادركت القوى السياسية المعارضة والثورية أن تغيير العقلية الشمولية التى أقصتهم و أوصلت السودان الى ما فيه الآن وقد تسبب بتعنتها فى فصل السودان ليس الى دوليتين بل الى دويلات، فيمكننا القول إن السودان ستحدث فيه تغيرات جوهرية ليس على مستوى السلطة والأمن والثروة بل إنما على مستوى الحياة المعيشى والفكرى والعلمى والثقافى وقضية الهوية ...الخ، وسيكون المؤتمر الوطنى ومن يطبلون إليه بفهم اقصائى ضمن من سينعمون بذلك خاصة عامة الجماهير (ناس قرعيتى راحت).
الإستفتاء على تقرير المصير: إلى أي مدى يمكنك التفاؤل بنتيجته فيما خص وحدة السودان، وإذا قدر للجنوب الإنفصال هل تتوقع أن تموت فكرة (السودان الجديد) التي دعا إليها الزعيم السوداني الراحل جون قرنق؟
قبل الاجابة على هذا السؤال أقول إنني كشخص متابع بصورة كبيرة للتفاوض بسنينه الطوال، فإن حق تقرير المصير حق مشروع كفله القانون الدولى، ولكن لأن المؤتمر الوطنى فى كل مراحل مفاوضاته كان يعتقد بأنه يستخدم دهاءا تكتكيا على الحركة الشعبية لتفكيكها أو إضعافها، ومن ضمنها فصل ملف الجنوب عن جبال النوبة والنيل الازرق و أبيي، مع تمرير حق تقرير مصير الجنوب مقابل عدم الغاء قوانين سبتمبر، وكادت خلافات داخل المؤتمر الوطنى أن تشقه، وما زال حتى الان بعض صقور المؤتمر الوطنى يرمون اللوم على شيخهم على عثمان محمد طه، والقاسم المشترك لإحتواء إنقساهم هو وضع استراتيجية للالتفاف حول تطبيق الاتفاق وعدم تطبيقة حسب نصوصه و جداوله الزمنية المتفق عليها رغم أن العالم والمجتمع الدولى قد شهد عليه، مع استخدامهم للاعلام المرئي والمقروء والمسموع للهجوم على الحركة وبعض الاشخاص وخاصة الذين يصفونهم بابناء قرنق خاصة بعد استشهاد د. قرنق ووضعها فى جانب المدافع، مع بيع وشراء ضعاف النفوس واختراق الحركة وخلق فتن فى داخلها وتحريك مليشيات جنوبية موالية للحكومة لخلق صراعات قبلية وغيرها وقد إنطلى هذا الاعلام حتى على قوى سياسية معارضة للمؤتمر الوطنى فركبت موجة نقد الحركة بسبب او بدونه، وبالتالى كانوا يأملون حدوث فوضى فى الجنوب يتضرر منها الشعب بالدرجة الاولى لا تصلهم او تثنيهم عن التصويت لحق تقرير المصير، والرسالة التى ارادوا إيصالها ان الجنوبيين لا يسطيعون إدارة انفسهم بدون الشماليين. بالمقابل عدم التطبيق الامثل لإتفاقية جنوب كردفان/جبال النوبة والنيل الازرق ورفض توصيات لجنة التحكيم لابيي وإهمالهم تنمويا وشق وخلق تباعد بين الحركة الشعبية فى جنوب كردفان والنيل الازرق وجنوب السودان، ومن احتواءهم الواحد تلو الاخر، مع استمرارهم فى الحكم. كل هذا التفكير المدعوم بالاعلام يتم بإفتراض أن الحركة خالية من الذين يفكرون و أن أجهزتها السياسية والامنية والاستخباراتية غير منتبهة الى ذلك. ولكن بالتحليل السياسى نجد أن المؤتمر الوطنى قد فوت فرصة تاريخية بالتوقيع على نيفاشا التى تضمنت نصوصها على المصالحة، فى ان يتحول من حزب شمولى الى حزب أنهى واحدة من أطول الحروب فى افريقيا، فلو ذهب الرئيس البشير فى 9/1/2005م الى نيروبى ووقع بنفسه لكان العالم شهد له بانه رمز سلام، و لو استقبل د. جون قرن فى يوليو 2005م ذاك الاستقبال المليونى فى الساحة الخضراء لكان على الاقل وجد قسما حتى ولو إعلاميا من تلك الحشود. ولو طبق إتفاق السلام كاملا لجعل من الوحدة عروسا جاذبة، ولو سلم الحركة رسميا ملف دارفور وتم حله عاجلا فى 2005م لما وصل الحال الذى حوله الى مجرم حرب، حسب قرار المحكمة الجنائية، ويبدو ان مستشاري البشير كانوا ضمن الصقور التى وقفت ضد على عثمان محمد طه.
لذلك يمكن القول إن المحافظة على وحدة السودان أمام الشعب السودانى فى صناديق الاقتراع المقبلة فى فبراير 2010م وهى فترة تسبق حق تقرير المصير بسنة و أربعة أشهر، ففوز الحركة وفقا لبرنمج السودان الجديد، سيضمن وحدة السودان على أسس جديدة تستفيد منها كل أقاليم السودان، مما سيساهم فى تغيير رأى أهل جنوب السودان فى حق تقرير المصير والانفصال وكثير من المؤشرات تشير الى إمكانية حدوث ذلك، وهو ما يعفى الشعب السودانى من احتمالية صراع الحدود والبترول وغيره. اذا ما لم تتغير السلطة الحاكمة شكلا ومضمونا وما لم تتغير بعض العقليات حول قضايا العدالة الاجتماعية و غيرها من حقوق الانسان، وتخاذل الشعب السودانى فى إحداث التغيير عبر التحول الديمقراطى فان حق تقرير المصير والانفصال سيقع حتما.
أما فكرة السودان الجديد فسوف تستمر لأنها رؤية تعتمد على حقوق انسانية وتدعو الى احترام التنوع الثقافى، والفكرة آتية من فكر ومنبع سودانى أصيل وضعه الشهيد د. جون قرنق، بل هى رؤية عالمية تصلح لبلدان أخرى، وطالما إتبع السودانيين افكار اوتيارات دخيلة كأفكار جمال الدين الافغانى والبنا ومشيل عفلق وماركس ولينين استالين وجمال عبد الناصر وغيرهم، فليس ما يمنع من الانتهال من فكرنا السودانى الذى وضعه عالم يحمل من القدرات العلمية التى تفوق المذكورين السابقين.
بالاضافة الى ان استمرار رؤية السودان الجديد سيجعل العلاقة بين الدولتين المتجاورتين فى أحسن وضع فى حالة الانفصال وربما تقود الى وحدة طوعية فى مراحل لاحقة كما حدث فى المانيا واليمن.
هل أضعف بروز التيارات والأفكار (الإثنية أو الجهوية) إلى سطح العمل السياسي الهمة القومية في كل مناحي الحياة، وهل ترون أن هذه التيارات والأفكار ستختفي في حال الوصول إلى سلام دائم في كل أنحاء القطر عبر تسوية قومية؟
السودان بمكوناته الاثنية المعقدة هو فى مرحلة إنتقالية فى تكون الدول، ولكن الاخطاء التاريخية التى وقعت فيها النخب الحاكمة قبل الاستقلال وبعده والافكار الاحادية او الثنائية التى صاحبت تلك النخب والى وقتنا الحالى أخرت من التغيير الذى كان يمكن على المستوى السياسى. حيث نجد انفراد المجموعات الشمالية فى حدودها النيلية الضيقة بعد خروج المستعمر إستحوزوا على 787 وظيفة قيادية من جملة 800 وظيفة شكلت نسبة 98.4%، بينما تركت لبقية الشعب السودانى فى شرقه وجنوبه ودارفوره وكردفانه والنيل الازرق ..الخ 13 وظيفة شكلت نسبة 1.6%، ولاحقا فقد كشف الكتاب الاسود مفارقات لا يمكن للعقل تصورها، وهذا الشكل الشائه استمر الى وقتنا الحالى وأصبحت استمارات التقديم لبعض الوظائف البترولية تتطلب الكشق عن أسم القبيلة واصبحت حكرا على مجموعات وذات ولاءات خاصة.
المحاولات التى برزت فى الخمسينات والستينات من الاطراف او الهامش كانت جهوية تنموية مطلبية أكثر من أثنية فقد ضم كل من تنظيم مؤتمر البجا ونهضة دارفور واتحاد عام جبال النوبة و حزب سانو و غيرهم مجموعات أثنية متنوعة داخل الاقاليم التى جاءت منها. و اذا تقصينا تاريخ الحركة الشعبية فإنها بدأت جنوبية بالاثنيات المختلفة، ثم تمددت الى جبال النوبة والنيل الازرق و كل السودان الان، وكذلك نلاحظ التنوع فى حركات دارفور، ومع ذلك فالإثنية موجودة ولكنها ليست منفستو او برامج التنظيمات السياسية، وسوف تقل الافكار الاثنية أو الجهوية و تزول اذا حدث سلام دائم وتسوية قوية تحقق عدالة لكل اقليم و فرد ومستوى معيشى معقول للجتمع.
فكر الاحزاب والتنظيمات السياسية: هل يتحمل نتيجة الفشل السياسي، أم أن قواعد هذه الاحزاب تتحمل أسباب ضمور هذه الأحزاب ما أدى إلى فشل قياداتها؟
المسئولية الى حد ما مشتركة ولكن بمستويات مختلفة تتحمل الاحزاب الجزء الاكبر فاذا نظرنا الى السلطة بمستوياتها السياسية متمثلة فى الاحزاب، والتنفيذية متمثلة فى الحكومة وعلاقتها بالبناء الاجتماعى يأتى السؤال كيف يسيطر ويستمر نظام التدرج السياسى الهيكلى وينتج عبر الاجيال دون مقاومة فاعلة، وبدون إعتراف واع للاعضاء؟ وتكمن الاجابة فى إكتشاف كيفية تحمل مصادر السياسة وعملياتها ومؤسساتها الافراد والجماعات فى منافسة ذاتية دائمة للهياكل المسيطرة، فإستمرارية إقناع الاحزاب السياسية تنطلق من البعد الايدولوجى والذى تؤمن به والبرامج التى تسعى لتطبيقها. وطالما كانت ذات أفكار احادية او ثنائية او اقصائية فهى تربط مصالح قواعدها ترغيبا وترهيبا من الآخرين بإعتبارهم مستهدفين فى إثنيتهم او انتماءهم القومى او دينهم وغالبا ما تصاد مثل هذه الاحزاب فى المجموعات المحافظة او الامية، وتقوم بتشويه كل من يعترضها بوصفات تنفر المجتمع من ابنائه الجيدين. ولكن بعد زيادة الوعى وخاصة فى العاصمة والمدن ودخول ثورة التنكنولوجيا، فإن كثيرا من الاحزاب الطائفية والدينية ستكون الاكثر خسارة فى اى تحول سياسى، بمعنى ان القواعد التى غيبت تاريخيا بمسميات مختلفة سوف تنتفض وما حدث فى مؤتمرات حزبية طائفية مؤشر لحراك سياسي مغاير.
أيهما أقوى تاريخيا في تجربة دولة ما بعد الاستقلال: صراع الهوامش الجغرافية مع الدولة المركزية، أم صراع الآيدلوجيا والدولة؟
حسب رؤيتى ان صراع الهامش والمركز أقوى تاريخيا فى تجربة دولة ما بعد الاستقلال، ولكن فى هذه المرحلة استطاع الهامش ان يكون فكرا قويا اقنع به حتى من هم موجودون بالمركز واصبحت دوائر الهامش ذات مفهوم جديد امتدت من اطراف الخرطوم فى كل الاتجاهات ليصير التهميش اكبر و اخطر كلما ابتعدت دوائره من المركز، بمعنى أن الهامش اصبح موجودا بهذا الفهم فى الشمال والشرق والجنوب والغرب بإختلاف درجات التهميش من مكان لآخر. بمعنى ان الغالبية العظمى من الشعب السودانى مهمشة وتبنى الهامش فكر السودان الجديد، وحتى اذا لم توجد افكار ايديولوجية فى بعض المناطق فان الاقليمية ستنتصر على الايدويولجيا، لان الناس يسعون الى أمن المأكل والمشرب والمسكن والمستشفى والطرق ...الخ قبل تحصنهم او انتمائهم الى ايدولوجيات، و كل آيدولوجيا لا تحقق ذلك فهى آيلة للنسيان او عدم التعامل.
المثقف السوداني: ماهي حسناته وعيوبه وهل يتحمل بعض الوزر في فهم كيفية العلاقة بين السلطة والمثقف ما بعد فترة الاستقلال؟
هنالك نوعان من المثقفين:
أ- مثقف واع ومجرد ومناضل من أجل قضايا مجتمعية وانسانية. ب- مثقف أنانى وطماع باع قضية شعبه و أصبح بوقا للسلطان.
فالنوع الاول جدير بالاحترام والتقدير سواء كان فنانا او اديبا او باحثا او سياسيا او تربويا او اعلاميا او طبيبا او قانونيا او اجتماعيا...الخ، ويدخل فى هذه الفئة الواعيون بقضايا مجتمعاتهم حتى اذا لم ينالوا قدرا من التعليم. هؤلاء المثقفون يمكن ان يحدثوا تغيرات كبيرة، وهم الذين يحملون افكارا قيمة إلا أنهم لا يقدمونها لمجتمعهم على رغم من انهم ليسو من الفئة الاولى بمعنى يمكن نقدهم او وصفهم بالسلبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.