شاعت هذه الأيام المؤسسات والجمعيات التي يقوم عليها أفراد أو جماعات أو حتى تابعة للدولة أو دول أخرى، والمتتبع لعمل هذه المؤسسات والجمعيات، يرى انها تقوم برعاية الفقراء والمحتاجين من المرضى والأيتام، أو شئون الناس التعليمية وغيرها، وتوجه الناس إليها في قضاء حاجاتهم، وتسمت أي جمعية باسم الأعمال التي تقوم بها، فهناك عشرات من جمعيات كفالة الأيتام، ومثلها جمعيات تنموية، وأخرى لمحاربة مرض كذا وكذا، وجمعيات حقوق المرأة والطفل، تنظيمات تعاونية... والقائمة تطول. لقد ظهرت فكرة الجمعيات هذه أول ما ظهرت في أوروبا إبان الحروب العالمية، حيث فقدت كثير من الأسر عوائلها وأصبحت محتاجة ولا راعي لها، والدولة بحسب النظام الرأسمالي الديمقرطي ليست راعية شؤون وإنما حامية حريات فقط، فخاف الاغنياء من ثورة الفقراء عليهم فأنشأوا هذه الجمعيات. والمراقب لأعمال هذه المؤسسات يراها أعمالا ثقافية وخيرية، ولا توجد بينها جمعيات سياسية إلا نادراً. وإذا نظرنا بعين التدقيق إلى نتائج هذه الجمعيات نرى انها لم تثمر شيئا ينفع الأمة، أو يساعدها على النهضة وان اسكتت آلاما هنا وهناك، وعند التدقيق في أعمال هذه المنظمات نرى ضرراً خفياً لا يظهر إلا للمدقق، مع ان وجودها من حيث هو ضرر كبير بغض النظر عن النفع الجزئي كما سنبين لاحقاً. إن القيام برعاية بعض الشئون من قبل جماعة رعاية الزامية هي مفاهيم النظام الرأسمالي الديمقراطي، فللحكم الديمقراطي مؤسسات أعلاها الوزارة؛ أي الحكومة، ويوجد غيرها من يقوم برعاية الشئون؛ مثل النقابات المختلفة، وتعطى أذونات عمل لمنتسبيها، ويمكنها ان توقع عليهم عقوبات، كما تجعل لهم صناديق تقاعد، وغيرها من أعمال الحكم والسلطان، وأمرها نافذ كأمر السلطان. أما في الإسلام فإن الأعمال التي تقوم بها الجمعيات والمؤسسات الخيرية أو الثقافية الآن، هي من صميم أعمال الدولة، فهي المسئولة أمام الله سبحانه عن رعاية شئون الناس، وذلك بالانفاق على ما فيه مصلحة لهم والارفاق بهم هو الدولة، فالمصلحة هي ما يستعمله الناس مثل اماكن استخراج المياه، ومرافق التعليم، والطرق وما شاكل ذلك، وكل ذلك من عمل الدولة. والمرافق من الارفاق وهو ما يرتفق به الناس لقضاء مصالحهم مثل امكنة الاستراحة للمسافرين والمستشفيات للمرضى وبناء المساجد يقال ارتفق بالشئ اي استعمله فالمسلم يرتفق في ساحات المسجد للجلوس وفي مياهه للوضوء، فالشرع قد اوجب هذه الامور مثل انشاء الطرق واستخراج المياه وبناء المدارس والمساجد والمستشفيات وما شابه ذلك هي فقط على الدولة لأنها من رعاية الشئون، ولأن المصلحة هي جلب منفعة ودفع مضرة، وعدم توفرها يوجد ضرراً. والارتفاق هو ما يرتفق به الناس لقضاء مصالحهم، وفقدانه يوجد ضرراً، وإزالة الضرر من واجبات الدولة في الإسلام، قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» أخرجه أحمد. فالإٍسلام أعطى مباشرة رعاية الشئون عملياً رعاية الزامية للحاكم وحده أو بتولية منه، او ممن جعل له الحاكم حق التولية؛ من معاونين وولاة. أما من لم يولّه حاكم ولا بتولية بالبيعة فلا تجوز له رعاية الشئون رعاية الزامية دائمية، وعمله هذا يكون باطلا فهو حرام. هذا هو مفهوم الرعوية الذي أوجبه الله على الدولة، وبه يكون من الطبيعي أن تنشيء الدولة الطرق والمدارس والمستشفيات.. إلخ لأنها مسئولة عن ذلك أمام الله، ولا تقوم الدولة بذلك منحة أو هبة منها على أحد، بل واجب عليها وتجب محاسبتها إن قصّرت، قال عليه الصلاة والسلام: «... فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، لذلك فمن السطحية والابتهاج والعرفان بالجميل الذي تبديه الأمة عند التفات الدولة لبعض الحاجات كإنشاء طريق أو مستشفى أو مدرسة أو مشروع زراعي، وتسمية ذلك بأنه عمل إنساني وليس عملا رعويا واجبا، كأن الأمة لا حقّ لها عليها، وفي الوقت نفسه لا تتحرك لمحاسبة الدولة إن قصرت في رعاية شئونها، أو فرّطت في حقوقها، أو خانت الأمانة التي أوكلتها إليها، وهذا هو الأصل في الحاكم كما بينه سيدنا عمر بن الخطاب حيث قال: (يا أيها الناس إن لم يبلغ ذو حق من حقه أن يطاع في معصية الله، وإني لا اجد هذا المال يصلحه إلا خلال ثلاثة، ان يؤخذ بالحق ويعطى من الحق ويمنع من الباطل). أما عندما تركنا الإسلام وراء ظهورنا (حكاما ورعايا) أفسحنا المجال للعمل الخيري حتى المدعوم من الغرب الكافر علناً، فأنتج ذلك شراً لا خيراً، لأنه ينفذ سمومه في بلادنا، عبر منظمات الأممالمتحدة كاليونسيف واليونسكو والفاو وغيرها تنشر سمومها الفكرية والغذائية في بلاد المسلمين. أما الجمعيات الخيرية المحلية والإقليمية التي تتبنى شئون الأمة، فبدل محاسبة الدولة على التقصير الواضح في واجبها، فهي تقوم بعمل ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، لأن الأمة الإسلامية برمتها؛ بحكم وجود بعض الأفكار الإسلامية، وبحكم تطبيقها لبعض الأحكام الشرعية، وبحكم تمكن المشاعر الإسلامية فيها، توجد فيها أحاسيس النهضة، وتكمن فيها عاطفة الخير، وفيها الميل الطبيعي للتكتل، لأن روح الإسلام روح جماعية، فإذا تُركت الأمة وشأنها ستحوّل هذه الأحاسيس منطقياً إلى فكر ينتج عملاً ينهض بالأمة، ولكن وجود هذه الجمعيات حال دون ذلك، لأنها كانت وستظل متنفساً لهذه العاطفة المتأججة وتصريفاً لتلك الأحاسيس في هذه الجزئيات من العمل، فيرى عضو الجمعية أنه بنى مدرسة أو أنشأ مستشفى، أو ساهم في عمل من أعمال البر فيشعر بالراحة والطمأنينة، ويقتنع بتقديمه النفع للناس، هذا بخلاف ما لم تنشأ هذه الجمعيات فإن روح الجماعة تدفعه للتكتل الصحيح على أساس الإسلام، وهو التكتل الحزبي السياسي المبدئي؛ الذي هو الطريق الوحيد لنهضة الأمة الإسلامية، لتطلع بدورها الريادي، وهو حمل رسالة الإسلام لانقاذ الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وذلك بدولة الإسلام دولة الخلافة الراشدة التي أظل زمانها لتقوم بعملها حامية الحمى وراعية الشئون فوق كونها مبلغة لدين الله في الأرض بالدعوة والجهاد. (أم أواب) غادة عبد الجبار محمد أحمد spokman .sd [[email protected]]