عند كسر المصريين حاجز الصمت الانتخابي اليوم ينفتح الأفق على احتمال ارتفاع صوت العنف ومظاهره. خروج 50 مليون مصري إلى مراكز الاقتراع يشكل المعركة الوطنية الأولى من نوعها في التاريخ الفرعوني. للمرة الأولى يكسر المصريون طقس الفرعون ليمارسوا فريضة الاختيار الحر للرئيس من بين مرشحين عدة. من غير المحتمل انتزاع أحد المرشحين الورقة الحاسمة لإنهاء المعركة الانتخابية في الجولة الأولى. مع حتمية ولوج مرحلة ثانية لتحديد هوية الرئيس من المرجح مواجهة المصريين خيارين أحلاهما مر في مذاق تيارات حاضرة رفدت نهر الثورة وحفرت عميقاً فجرى التاريخ المصري الراهن. حصر الخيارين بين مرسي وأبو الفتوح يشكل إقصاء ظالماً لكل التيارات الليبرالية. الإخوان المسلمون فصيل فاعل في حركة الثورة المصرية غير أنه لم يكن مبادراً في ميدان التحرير. هو الفصيل الأكثر تنظيماً. الأبعد من ذلك تأثيراً أنه الفصيل الأكثر قدرة مالية. الإخوان المسلمون شركة قابضة بالمضمون الاقتصادي للتعبير. ظلال فوز مرسي أو أبو الفتوح لا تنعكس سلباً فقط على قوى الحراك السياسي الأكثر حضوراً في ميدان التحرير بل تطال الظلال القاتمة شرائح اجتماعية وسياسية. فوز الإخوان بالرئاسة يعني هيمنة تيار بعينه على السلطتين التنفيذية والتشريعية. ذلك وضع يثير قلق المتوجسين من فرض ملامح بعينها على الدولة والمجتمع. هو قلق مبرر في ظل الشعارات المرفوعة من قبل الإخوان منذ بدء المعارك الانتخابية. مثل هذه الهيمنة لا ينفيها صعود رئيس جديد في عهد ديمقراطي. ذلك توجه ترجحه طبيعة فكر الإخوان وميكانيزم تنظيمهم. الرهان على شخصية الرئيس لا يعزز التفاؤل. من الصعب إن لم يكن مستحيلاً فض الاشتباك بين الرئيس والتنظيم. في ظل العراك المرجح بين الرئيس وقوى الحراك السياسي يجد المرشح المنصَّب نفسه مضطراً لاسناد ظهره إلى التنظيم. والرئيس المصري المرتقب يدخل القصر من دون صلاحيات محددة. ذلك وضع يضعه في مواجهة مفتوحة مع رئاسة الأركان. عند هذا المنعطف يدرك الإخوان مدى توغلهم في الطريق الخطأ باستعجالهم الهيمنة على السلطة قبل صياغة الدستور. وهكذا تجد مصر نفسها بعد استكمال الروزنامة الانتخابية تتورط أكثر في المنطقة الرمادية بدلاً من الخروج منها. الموروث المصري ينفي احتمال بقاء رئيس فاقد القدرة على الفعل. الذاكرة المصرية مشحونة بالفرعون منذ عهد رمسيس الثاني. الفراعنة الضعفاء تعرضوا للتصفيات الجسدية والسياسية. التاريخ المصري الحديث يُنصّب المؤسسة العسكرية حارسة وضامنة للنظام. هذه عقدة ينبغي العمل المشترك من قبل القوى السياسية على فكها أولاً. تجريد رئاسة الأركان من نفوذها السياسي يشكل الملمح الأول الأكثر مضاء في التجربة الديمقراطية المصرية. توافق القوى السياسية على مرحلة انتقالية ثانية تبدأ مهامها بكتابة الدستور يمثل الخطوة الأولى لمغادرة مصر المنطقة الفوضوية الرمادية الحالية. بما أن اللعبة الديمقراطية تتيح فرص خلط الأوراق وعدم إغلاق الباب أمام احتمالات المفاجأة فلتكن هناك في الحسابات ثغرة أمام أحد المرشحين الثلاثة عشر لتحقيق اختراق. العمل السياسي المعارض مشبع في الأصل بجينات التفاؤل إذا فقدها تعرض للموات.