يحرص اليهود على محاربة العرب والمسلمين حربا ثقافية وفكرية بكل الطرق والوسائل ، مع بذل المحاولات الدءوبة لمدِّ جسور التواصل مع المثقفين وانتهاز كل فرصة للحديث عن قضيتهم وآرائهم ، بينما يعيش المثقف العربي في عُزلةٍ تامة عن دراسة العقلية اليهودية والمكوِّنات النفسية والشخصية لهذه الأُمة . إنَّ إسرائيل تجهِّز نفسها منذ قيامها لمحاربة العرب حرباً ثقافية وفكرية ، لشعورها بأنها بدات تفقد التفوق عليهم في المجال العسكري ، بخاصة بعد حرب رمضان المجيد الذي حطم أسطورة التفوق العسكري ،ثم حرب لبنان والمقاومة القوية في غزةالصامدة فاتجه الصهاينة اتجاهات كثيرة ، ومنها مجال الأدب والثقافة والفِكر ، ولعلَّ هذا يتضح لنا من اهتمام إسرائيل بمركز الدراسات الإسرائيلية في القاهرة أكثر من اهتمامها بالسفارة نفسها ، كما يتضح ذلك من مجموعة كبيرة من الروايات والقصص والدواوين العربية لأدبائنا وشعرائنا التي تُرجمت إلى اللغة العبرية ، إضافةً إلى سيطرة العلماء اليهود على أقسام الدراسات العربية والإسلامية في جامعات أوربا وأمريكا ، وهم يهدفون من دراسة الأدب العربي المعاصر بفنونه المختلفة إلى دراسة مكوِّنات الشخصية العربية ، ونفسية الإنسان العربي وطرائق تفكيره ، واهتمامات شبابه ورجاله ، ومعتقداتهم وأفكارهم وتطلعاتهم حتى يسهِّل ذلك لهم مساعدة أصحاب القرار السياسي والعسكري في وضع أُسس التعامل مع العرب . وقد بُذلت في مصر محاولات في سبيل دراسة العقلية الإسرائيلية عن طريق دراسة آدابها ، ولكنها ما زالت في طور المحاولات التي لم تتجاوز حدود مصر ، باستثناء مركز الدراسات الفلسطينية الذي حرصت إسرائيل على تدميره ونهبه عند اجتياحها للبنان ، وما زالت منظمة التحرير تطالب بتلك الدراسات والوثائق المهمة ، وقد كان دافع إسرائيل إلى ذلك أنَّها بفعلها تدمِّر نوعاً من الثقافة العربية ، والدراسات التي تُشكِّل خطورةً عليها لا تقلُّ عن خطورة المفاعل النووي العراقي الذي دُمِّر على مرأى ومسمع من العالم المتحضِّر . وفي عام 1970م صدر كتاب الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر للشاعر الفلسطيني "معين بسيسو " بعنوان " نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة " تحدَّث فيه عن العوامل التي تُشكِّل العقلية الإسرائيلية ، والجهات التي تكوِّن عقلية الجندي الإسرائيلي وبعض المفاهيم الخاطئة في أذهان المثقفين العرب الذين يهتمون بالعوامل السياسية والعسكرية والاقتصادية والتاريخية في تشكيل عقلية المقاتل الإسرائيلي ، مع إغفال تام لأثر الأدب بفنونه المختلفة ، فهو يذكر أنَّنا نرتكب خطأً فادحاً وربُّما يكون قاتلاً لو أسقطنا عنصر الأدب والفن من معادلة تكوين الرجل الإسرائيلي ، حيث يظن كثير منَّا أنّ الأدب الإسرائيلي يرتكز على الدعاية ، وعلى أساس سلقة مزيفة تقدّم للعالم ، ويُبيِّن المؤلِّف أنَّ الأدب الإسرائيلي يهدف إلى أهداف معينة أهمهاإعطاء المحارب الإسرائيلي الإحساس بالارتباط بالوطن بعد أن عانى من التشريد والابتعاد مئات السنين عن أرض المعاد، مع تعميق الإحساس بالفرح بالعودة إلى أرض الميعاد بعد أن كان لا ينتمي إلى وطن وأرض ، وبعد أن كان يتحدَّث غير لغته ، وينتمي إلى غير جنسيته ، وإفهامه أنَّه قد أصبح صاحب وطن ولغة ، وجنس يستحيل التفريط في أيٍّ منها . -تعميق الإحساس بأنَّهم ولأول مرة يتميزون بفنونهم وآدابهم بعد أن ارتبطوا مئات السنين تاريخياً ونفسياً بآداب أُمم أُخرى ومجتمعا غريبة ،كما يركِّزون على أنّّ قدر الجندي الإسرائيلي أن ينتصر على الدوام ، وأن يقتل قبل أن يُقتل ، وإلا كان طعاماً لأسماك البحر ، حيث لا خيار له إلا أن ينتصر . يبقى أنَّ رفض العرب لإسرائيل ليس معناه رفض دراسة فكرهم وأدبهم وصولاً إلى دراسة نفسياتهم وتفكيرهم ، ومعتقداتهم وطرق تعاملهم ، لأنَّ ذلك كله يُسهِّل مهمة التصدي لهم وكشف مخططاتهم . وفي كثير من الجامعات العربية أقسام للدراسات واللغات الشرقية في كليات الآداب ، غير أنَّ هذه الأقسام لا توجد في كل الجامعات العربية ، مع أنَّ الحاجة ماسة لدراسة آداب الأُمم ولغاتها لأسباب كثيرة ، أهمها بالنسبة لأعدائنا أن نقترب من تفكيرهم ، ونتعرّف على نفسياتهم ، ونُفسِّر تصرفاتهم وأفعالهم ، وننظر لصورتنا في الأدب الإسرائيلي حيث أصبح العربي "هو العدو الأول بعد أن حلَّ العرب محلَّ النازيين " وبعد أن أصبح الأدب يبثُّ كثيراً من المفاهيم والأفكار التي تحتقر العربي "الذي يعيش على هامش الحضارة ويقتات من موائد الأُمم " . إنَّنا بحاجة إلى طلاب يتخصصون ي اللغة العبرية حتى يمكنهم أن يترجموا لنا ما يكتب هؤلاء القوم عنّا وما يكتبونه لأنفسهم ، وحتى يمكننا أن نجد في عالمنا العربي علماء يقدِّمون لنا الدراسات المختلفة في جوانب المعرفة وأنماط التفكير في العقلية اليهودية ، وحتى يمكننا أن نعرف الفرق بين الأدب الذي يكتبه اليهود بغرض الدعاية والرأي العام في الخارج ، وتصوير اليهود بصورة مغايرة لواقعهم وممارساتهم وتفكيرهم ، وبين الأدب الذي يُكتب معبِّراً عن النفسية الإسرائيلية والواقع الداخلي لهم ، ونظرتهم الحقيقية للعالم الذي يتفاعل معهم ، وكما يقول " معين بسيسو " : "فإنَّنا بحاجة إلى أن نُحيط بتلك التجربة التي تتم وراء الأسلاك الشائكة ، وفي سراديب المختبرات السِّرية والعلنية داخل الأرض المحتلة ، حيث يتم صنع ذلك السلاح الذي اسمه الكتاب ، فلأول مرة في التاريخ يقوم فريق من الأدباء والمفكرين والفنانين بمحاولة صنع عقل جديد للكائن الإسرائيلي ، ولأول مرة في التاريخ أيضاً يكتب هؤلاء الخبراء في مجال الأدب والفن في محاولة لغسل الدماغ الإسرائيلي من شوائب الثقافة الأجنبية ، وتأليف تلك الطبعة الخاصة التي اسمها " الإسرائيلي الجديد " هذا ما كتبه المؤلف عام 1970م و نحتاج لمعرفة ما الذي جدَّ واُستحْدِث وتحقِّق منذ ذلك التاريخ وخاصة بعد الحرب الاكترونية عن طريق الشبكة العنكبوتية والتي تتخذ أشكالا متعددة بدءأمن اختراق المواقع الالكترونية ونشر الفيروسات والتصويت على حملات استطلاعات الرأي العالمية الموجهة والتجسس الالكتروني على الدول والجيوش وفك شفرة الرسائل المرسلة عن طريقها وغير ذلك من وسائل الحرب المتطورة والتي يمكن مقاومتها والوقاية منها ومواجهتها كما فعل كثير من الشباب في العالم العربيوالإسلامي. Dr Abbas Mahjoob [[email protected]]