zainsalih abdelrahman [[email protected]] حصول المرشح المصري للرئاسة حمدين صباحي, و الذي جاء من صفوف اليسار, و بالتحديد من الحزب الناصري, قد احدث مفاجأة كبيرة و غير متوقعة, لكي تعيد للفكر القومي بريقه مرة أخري, و لكن في أجواء أكثر ديمقراطية, و مساحات من الحرية, فشلت نظمهم السياسية توفيرها في السابق, حيث كان التجربة الناصرية هي المسؤولة عن هزيمة 1967, و التي لم تكن هزيمة عسكرية فقط أنما كانت هزيمة هزة الفكر القومي نفسه في بعديه الناصري و البعثي, حيث فشلت التجربتان في كل من مصر و العراق, أن تقيما نظامين ديمقراطيين, بل كان النظامان يمثلان أبشع صور الديكتاتورية في العالم و معهما النظام السوري, الأمر الذي فتح الطريق واسعا للحركات و الأحزاب الإسلامية, في أن تتمدد اجتماعيا و سياسيا في المجتمعات العربية علي حساب مساحات القوميين, و ظل يشهد الفكر القومي العروبي خفوته و تراجعه في بنية العقل العربي, خاصة بعد انتهاء التجربة الناصرية في مصر, و جاء الرئيس المصري أنور السادات الذي عقد اتفاقية كامب ديفيد مع دولة إسرائيل, و أقام ديمقراطية مقيدة و مشوهة, كانت نتائجها عملية تحرير الاقتصاد, حيث فتح الباب علي مصراعيه للبرجوازية الطفيلية, و التي استخدمت معاولها لهدم الإصلاحات الاجتماعية في مصر, التي تمت في عهد النظام الناصري, و بعد عقدين و نيف جاءت الولاياتالمتحدة بمعلومات زائفة, لكي تقضي علي تجربة قومية أخري في العراق, و هي تجربة أيضا تحمل في جسمها الكثير من العلل القاتلة, و الملاحظ إن القاسم المشترك في إنهاء التجربتين, هي الولاياتالمتحدة, و التي تعمل بجد في إنها التجربة الثالث في دمشق. لا نريد الغوص في التجارب السياسية, باعتبار أن التجارب القومية هي رهن المراجعة و النقد, و هنا فقط أتعرض لشخصيتين الأولي المصري حمدين صباحي الناصري الفكرة و التجربة, و محمد بشير " عبد العزيز الصاوي البعثي الهوي, فالسيد حمدين صباحي قدم في سبيل مبادئه تضحيات كثيرة, في عهد السادات و مبارك معا, و يعتبر من أحد السياسيين و الصحافيين الناصريين, الذين جعلوا من الفكر الناصر و خاصة كتابات الدكتور عصمت سيف الدولة " نظرية الثورة العربية" ,و افكار الدكتور خيري حماد " حتمية الوحدة العربية بالمفهوم الاشتراكي" مرجعية له في كل كتاباته, و أن كان السيد حمدين لم يستطيع أن يخرج من الشأن الاجتماعي الذي مثل القاعدة الاقتصادية للتجربة الناصرية, في كيفية الصعود بالطبقات الدنيا, متخذا من ثورة الإصلاحات الزراعي الذي طبقت في عهد الرئيس جمال عبد الناصر نموذجا, تساعده في طرحه الفكري, و أيضا تشكل له رصيدا فكريا كتابات الدكتورة هدي ابنة الرئيس جمال عبد الناصر أستاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة, و كتاباتها الأسبوعية في جريدة الأهرام حول الاشتراكية الاجتماعية, و هي ليست كتابات نقدية للتجربة الناصرية, و أنما محاولة لتطوير المفهوم الناصري للاشتراكية الاجتماعية, رغم أنهم لم يتعرضوا لقضية الديمقراطية فكريا, و هي كعب أخيل في التجربة الناصرية, بل في كل التجارب القومية. و إذا انتقلنا إلي السودان, نجد هناك كتابات السيد عبد العزيز حسين الصاوي, بدأت تخرج من مسار الكتابات البعثية الكلاسيكية لمشيل عفلق و الياس فرح و منيف الرزاز و صلاح البيطار و غيرهم, و هي كتابات ينقصها العمق الفكري, و إن كانت تميل إلي العاطفة و مخاطبة الوجدان, و أخذ الصاوي يغوص في عمق الفكر, متخذا من الديمقراطية الليبرالية أرضية فكرية, تعطر التحولات الجديدة في فكره القومي, و محاولات الصاوي الفكرية مع رفيق دربه محمد علي جادين, هي التي أقلعتهم من النموذج السوداني التابع و الجامد و المقلد, إلي نموذج جديد لقضية الوحدة العربية, متخذا من تجربة الاتحاد الأوروبي نموذجا له, حيث أن تجربة الاتحاد الأوروبي, كان شرط الانتماء إليها هو تبني الديمقراطي الليبرالية, لكي تشكل الأرضية الفكرية لها, لذلك نجد أن كتابات الصاوي بدأت أكثر تركيزا علي قضية الحرية و الديمقراطية, مما يدل علي أن الوحدة العربية, و التي يدعو لها هي وحدة قائمة علي الرغبة الطوعية, و ليست وحدة قسرية, إلي جانب أن أطروحاته الفكرية الجديدة هي التي جعلتهم يميزوا تنظيمهم ب "حزب البعث السوداني" و ليس كما كان في السابق " حزب البعث العربي الاشتراكي" و هذا ليس تغييرا في الاسم أنما التغيير يحمل مضامين فكرية, باعتبار كل قطر له خصوصية التجربة, و تحرير من الارتباط المركزي الذي كان سائدا, الأمر الذي يعطي للتنظيم القطري مساحة واسعة جدا في عملية الاجتهادات الفكرية و السياسية, مما يؤدي إلي تطوير العمل السياسي و الوعي الجماهير. عندما قامت ثورات الربيع العربي, نجد الاثنين صباحي و الصاوي قد تأثرا بها, باعتبارها قد أحدثت تحولات جديدة, ليس علي مستوي النظم الديكتاتورية فقط, بل علي مستوي الوعي السياسي في المنطقة, و أنها سوف تغيير من تركيبة التحالفات السياسية أيضا, و سوف يكون لها انعكاساتها علي القضية المركزية في الفكر القومي العربي " الصراع العربي الإسرائيلي" حيث أن الاثنين مهتمان بالقضية المركزية, لذلك ليس غريبا بعد قيام الثورة, نجد إن حمدين صباحي هو أول من قاد سيارته و دخل إلي غزة تحديا للمقاطعة, و في نفس الوقت الذي ربط الصاوي عملية تحرير فلسطين بقضية الحرية و الديمقراطية. حقيقة أن حصول حمدين صباحي علي المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية, تؤكد إن الجماهير ما تزال تراهن علي الفكر القومي, و هي قضية تشكل تحديا جديدا للمفكرين القوميين, و إلي الأحزاب القومية, و إن كانت هناك عناصر قومية لم تستطيع أن تحرر نفسها من قيود الماضي, و تجاربه الفاشلة, و التي مالت إلي الدكتاتورية و دولة الحزب الواحد, بل ذهب بعضها إلي التوريث كما حدث في سوريا, و كاد أن يحدث في العراق و مصر و غيرها, و معروف في كل المجتمعات, هناك عقليات تتصلب, و تصبح مثل الحجارة الصماء, و هذه تعيق عملية التحولات الفكرية, و تكون أكثر معارضة لعملية الاجتهادات الفكرية و السياسية, لأنها كيفت ذاتها مع عملية التقليد, و لكن هاتين التجربتين, تبشر أن هناك تحولات في الفكر القومي, بدأت تتكيف مع أطروحات الحرية و الديمقراطية و نسال الله لهم التوفيق.