مراقد الشهداء    وجمعة ود فور    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    كامل إدريس يدشن أعمال اللجنة الوطنية لفك حصار الفاشر    وزير رياضة الجزيرة يهنئ بفوز الأهلي مدني    مخاوف من فقدان آلاف الأطفال السودانيين في ليبيا فرض التعليم بسبب الإقامة    سيد الأتيام يحقق انتصارًا تاريخيًا على النجم الساحلي التونسي في افتتاح مشاركته بالبطولة الكونفدرالية    وزير الداخلية .. التشديد على منع إستخدام الدراجات النارية داخل ولاية الخرطوم    شاهد بالفيديو.. استعرضت في الرقص بطريقة مثيرة.. حسناء الفن السوداني تغني باللهجة المصرية وتشعل حفل غنائي داخل "كافيه" بالقاهرة والجمهور المصري يتفاعل معها بالرقص    شاهد بالصور.. المودل السودانية الحسناء هديل إسماعيل تعود لإثارة الجدل وتستعرض جمالها بإطلالة مثيرة وملفتة وساخرون: (عاوزة تورينا الشعر ولا حاجة تانية)    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    ريجيكامب بين معركة العناد والثقة    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    حوار: النائبة العامة السودانية تكشف أسباب المطالبة بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عثمان أبو زيد: سوف يحدث تنافس داخل المؤتمر الوطني نفسه على أساس قبلي أو شخصي .. حوار صلاح شعيب
نشر في سودانيل يوم 30 - 06 - 2009

سؤال الهوية يوضع أحياناً للتناوش الآيدلوجي وتبرير التعالي على الآخر
لا بد من حل ينبع من الضمير الوطني ليمنح أهل دارفور حقوقهم
السودان الجديد شعار فضفاض ولم يعد مركز استقطاب أساسي في مناقشة التغيير
هناك كثير من المشتغلين بالسياسة لا يمتون إلى الثقافة بأدنى سبب
حوار: صلاح شعيب
شغل الدكتور عثمان أبو زيد رئاسة المجلس القومي للصحافة والمطبوعات من عام 95 حتى 2000، وقبلها كان أمينا عاما للمجلس نفسه، كما عمل في الحكم الاتحادي وزيرا للتربية والتعليم في الولاية الشمالية لمدة عامين. لديه (7) مؤلفات، وكتاب "صور قلمية" تحت الطبع. وآخر بحوثه المنشورة بحث ميداني عن تقييم استخدام الهاتف الجوال في توعية الحجاج، وقد أجري البحث بتكليف من معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج ضمن بحوث حج عام 1429ه.
يعمل الدكتور عثمان أبو زيد عثمان حاليا مستشارا إعلاميا في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة. مثلما عمل من قبل أستاذا جامعيا في كل من جامعة أم درمان الإسلامية، وجامعة النيلين، وتقلد فيهما مناصبا إدارية، وآخر رتبة علمية في الجامعة شغلها كانت أستاذ مشارك. (منتدي الأحداث) طرح اسئلته على الدكتور عثمان أبو زيد وهذا نص الحوار:
*هل ترى أن هناك أزمة في فهم الهوية السودانية ما دعا النخب المتعلمة إلى الفشل في إنجاز مشروع الدولة السودانية؟
() نعم هناك إشكالية في فهم الهوية السودانية، ولكن هل نجعلها أزمة تقعد بنا وبمسيرة الحياة. لا يمكن أن نؤخر الحياة حتى تنتهي النقاشات التي لا تنتهي. لكي أضع مسألة الهوية في إطارها الإيجابي انظر إليها جزءاً من أزمات التنمية السياسية التي واجهت مجتمعنا النامي دفعة واحدة؛ أزمة الشرعية وأزمة الهوية وأزمة الوحدة الوطنية وأزمة التواصل وغيرها.
أميل إلى فهم الهوية إطاراً جامعاً لقوى الجماعة وحاضناً لها. هو الذي يجمعها ويحافظ على تعددها وتنوعها في الوقت نفسه، تعبيراً عن وحدة الجماعة من حيث الخطوط العريضة للمكون الثقافي العام، ومن حيث إدراك المصالح العامة لهذه الجماعة دون أن يخل ذلك بإمكانات التعدد والتنوع والخلاف داخل هذه الوحدة. هذا أنا آخذه من المفكر المصري طارق البشري الذي يبشر بالتيار الأساسي للأمة في أطروحة له نشرت منذ أيام في موقع الجزيرة نت. وتكلم عن إمكانية للوصول إلى هذا التيار عندما تكون لدينا القدرة والصياغات الفكرية والتنظيمية التي تمكن من تأليف أكثر ما يمكن من خصائص كل القوى والفئات الثقافية والسياسية والاجتماعية، فضلا عن الطوائف والمهن والجماعات المختلفة ذات الثقل، وعندما تكون لدينا القدرة أيضا على وضع صيغة للتوازن بين مختلف القوى والجماعات.
*كيف تقرأ المستقبل السوداني على ضوء مجريات الواقع السياسي، هل هناك ما يدعو إلى التفاؤل في ما يتعلق بالوصول إلى حل للإشكال المجتمعي السوداني التاريخي؟
() كل نظام سياسي يتعرّض ل "امتحان " كبير في مدى زمني لا يزيد على عشرة أعوام. ونحن ظللنا في بلادنا منذ الاستقلال نمر بهذا الامتحان الذي انتهي بانهيار النظام ثلاث مرات. في العشرية الأولى للإنقاذ تمثل الامتحان في ذلك الصراع القيادي الذي أوشك أن يطيح بمنظومة الإنقاذ كلها، وخلال العشرية الثانية جاءت مشكلة دارفور التي ما تزال تتفاعل داخلياً وخارجياً.
في تقديري أن النظام السياسي في الإنقاذ فيه قابلية لتجديد نفسه من الداخل، وهاهو الأفق السياسي ينفتح بالمصالحات واتفاقيات السلام وما يتيحه الرجوع إلى الشعب عبر صناديق الاقتراع. فلتكن الانتخابات امتداداً للحوار الإيجابي وفرصة لتوفير الفرص المتكافئة واستقطاب المشاركة الشعبية. ودعني بالمناسبة أقول إنني شاهد على أن الحوار نهج لم يتخلف طوال العقدين الماضيين. كنت عضواً عن المؤتمر الوطني في لجنة الحوار مع البعثيين، وكانت خبرة نافعة جداً على المستوى الشخصي، إذ بالحوار مع الآخر تستطيع أن تفهم نفسك. وظللت في حوار مدة خمس سنوات عند وجودي في مجلس الصحافة ، تعاملت مع شتى أطياف المجتمع السوداني، وتبين لي أن الاختلاف يسير جداً في الشخصية السودانية ، ولا يكاد الانتماء السياسي يفرق في السمات الشخصية بين السودانيين إلا من بعض الأمور الشكلية. إنني أعلق آمالاً على الإرادة الوطنية في هذه المرحلة التاريخية، ويضاعف من هذا الأمل أن جيلاً من الشباب الطامح يتطلع إلى المشاركة السياسية بحماسة ونشاط، وتتأهب المرأة إلى أخذ دورها بحصة تضمن لها ربع المجلس النيابي على أقل تقدير.
*ما هي تصوراتكم لحل أزمة دارفور، وكيف يمكن الوصول إلى سلام دائم؟
() دارفور تعرّضت لإنفلات أمني كبير، وحصلت مشكلات إنسانية كبيرة. حدث بعض هذا في دارفور من قبل، وقد ضاعف من الأزمة ترابط العالم بعضه ببعض، ورغبة في الضغط على السودان، إلى جانب الصراع التقليدي على السلطة في الداخل.
قلت ذات مرّة في مكان يجمعنا بالسيد رئيس الجمهورية أن دارفور بعد نجاح الثورة المهدية خرج العشرات من الناس يدّعون المهدية ، ولعل نجاح الحركتين الإسلامية والحركة الشعبية للوصول إلى الحكم بتحكيم السلاح هو ما أحدث هذه الطفرة من الحركات في دارفور.
لا نختلف في تحليل وفهم ما يحدث، وقد لا نختلف كثيراً في تصور الحل، بدليل أن غالبية السودانيين ارتضوا حلاً شاملاً للمشكل. يسهم تنازع الإرادات في تعقيد الموقف. والحل في نظري يبدأ من توحيد الإرادة الوطنية، وأن يسهم أهل دارفور أنفسهم بالقسط الأوفر من الحل.
لا شك أن جميع الأطراف وصلت إلى مرحلة الإعياء من مشكلة دارفور، وتوجد مؤشرات بالحل، وهو حل ينبع من الضمير الوطني يمنح أهل دارفور حقوقهم في كرامة ويحفظ للوطن وحدته وسيادته.
*هل ترى أي غياب في القيادة السياسية الوطنية المجمع عليها والقادرة على وضع التصورات الفكرية لما ينبغي أن يكون عليه واقع الدولة السودانية؟
() لا تنقصنا التصورات الفكرية لما ينبغي عليه واقع الدولة السودانية، بقدر ما تنقصنا الإرادة السياسية لإنزال هذه التصورات إلى أرض الواقع. هل قرأت الإستراتيجية ربع القرنية؟ أنا شخصياً لم أقرأها وإن كنت قد حضرت درسين بليغين عنها. أرى أن الإستراتيجية محتاجة إلى بعد اجتماعي وفكري ولا أقول فلسفي لكي تتنزل على الشعب وتصبح جزءاً من وجدانه ومشاعره. أعني أنها تحتاج إلى لمسات إنسانية وثقافية.
يردد الأطفال في مدارسنا صياغات من الإستراتيجية، هذا جيد، لكننا نرغب في المزيد الذي يشحذ الشعور العام في الإعلام والشعار السياسي والبرنامج اليومي في الحقل والمصنع. لا يكفي أن تسمع كلاماً جميلاً في الخطاب السياسي وعندما تأتي إلى دوائرنا وأعمالنا تجدها تدور في الروتين اليومي ، دون أن تفهم الأسباب التي تعوق تطور الأداء.
حدثنا الدكتور عبد الوهاب عثمان في محاضرة له عن منهجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية أن الإنجليز كانوا يضعون مشروعات دون ربطها بأهداف، وأن الحكومات الوطنية نهجت هذا النهج ، فكانت الخطة الخمسية الأولى عبارة عن تجميع مشروعات عفواً من غير أن تبنى على برامج وأهداف.
أما على المستوى السياسي العام، فإن تاريخ السودان فيه موقف يلهم بالحكمة، ، ذلك التحالف التاريخي الذي حصل بين عمارة دنقس وعبد الله جماع وأنهى فوضى (القيمان). في واحدة من جولات الحوار الوطني استلهمنا فكرة "الكتلة التاريخية" من التحالف بين دنقس وجماع. السودان لا يمكن أن يحكم إلا بتحالف استراتيجي بين العناصر المكونة للأمة، تحالف يتميز باستقلال الذات الحضارية، مع وجود بوصلة ترشد إلى القبلة الصحيحة.
كنا نتطلع إلى تأسيس شراكة حقيقية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حسب اتفاقية السلام ، أرى أن ذلك التطلع يذوي الآن مع حمى الخلافات بين الشريكين المتشاكسين. بعض السياسيين يفكرون بالعمل السياسي وكأنه مجرد إدارة للأطماع ، وهذا تفسير الانشقاقات التي تضرب أحزابنا وتجعلها قليلة الحيلة. ومن المؤسف أن بعض القوى راحت تستند إلى الدعم الأجنبي بعد أن كانت الحركة الوطنية السودانية ترى في الاستعانة بالأجنبي خطاً أحمر.
نحن نعيش عصر المواطن المعولم الذي يعيش بهويتين ويتنقل بجوازي سفر. حكومة أفغانستان بعد وقوع الاحتلال ، ضمت ستة من الوزراء مزدوجي الجنسية بمن فيهم الرئيس نفسه.
*الانتخابات القادمة في فبراير 2010 ، هل تستطيع أن تحدث تغييرات جوهرية في طبيعة العمل السياسي الحكومي والمعارض، خصوصًا إذا دخلت قوى المعارضة في تحالف ضد المؤتمر الوطني؟
() تغييرات جوهرية لا، قد نتوقع تغييراً في وجوه بعض المتنفذين. على الرغم من أن البلاد تمر بمرحلة انتقال هائلة في الاقتصاد والاجتماع والسياسة، فإن النقلة لا يرجى لها أن تكون كبيرة. وربما أن الانتخابات تفضي إلى الأحجام الطبيعية لبعض القوى التي وصلت إلى السلطة على أسنة الرماح. ينذر هذا بمخاطر ومشكلات لا بد من التحسب لها. أزمة كاربينو كوانين ومحاولة احتلال مدينة واو جاءت بعد ظهور نتائج انتخابات، وكان حظه فيها قليلاً، فبدأ بالاستيلاء على عربة الوالي الفائز في الانتخابات ومنعه من السفر للخرطوم لأداء القسم.
قوى المعارضة لا تستطيع أن تتحالف جملة ضد المؤتمر الوطني، ولكنها ستتحالف تحالفات ظرفية للتنافس في دوائر معينة، وسوف يكون لذلك أثر. هناك حالة سيولة سياسية بسبب انقسام الأحزاب ، حزب الأمة وحده فيه أصناف مختلفة قومي ووطني وفدرالي وهلم جرا... ولربما نشهد تناصر المنقسمين بعضهم ببعض. سوف يحدث تنافس داخل المؤتمر الوطني نفسه على أساس قبلي أو شخصي. وهذا حديث شخص يجلس خارج الملعب ولكنه يكشف الميدان.
*الاستفتاء على تقرير المصير: إلى أي مدى يمكنك التفاؤل بنتيجته فيما خص وحدة السودان، وإذا قدر للجنوب الانفصال ، هل تتوقع أن تموت فكرة (السودان الجديد) التي دعا إليها الزعيم السوداني الراحل جون قرنق؟
() السودان الجديد شعار فضفاض ولم يعد مركز استقطاب أساسي في مناقشة التغيير في بلادنا. لقد تعلقت آمال قطاع من المواطنين بفكرة المخلص أو المنقذ، وما يزال الكثير من الناس يفكر بهذه الطريقة، منتظراً مهدياً أو عائدا يحمله إلى بر الأمان.
في أيام الانتفاضة منتصف الثمانينيات، كان هناك حديث كثيف عن عودة قرنق، ورأى البعض أن عودته هي نهاية المشاكل في البلاد. أذكر أن الأستاذ محمد إبراهيم نقد قال كلمة (غليظة) في ذلك: لا تظنوا أن عودة قرنق هي نهاية المشاكل، لا يوجد يوم قيامة في السياسة!
أما نتيجة الاستفتاء كيف تكون فإني لا أعرف، كلما سألت شخصاً ألتمس عنده المعرفة في شمال أو جنوب وجدت جواباً مختلفاً، فالعلم عند علاّم الغيوب ، والمهم أن لا يعود الناس إلى دورة جديدة من دورات العنف؛ فإما "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".
*هل أضعف بروز التيارات والأفكار (الاثنية أو الجهوية) إلى سطح العمل السياسي الهمة القومية في كل مناحي الحياة، وهل ترون أن هذه التيارات والأفكار ستختفي في حال الوصول إلى سلام دائم في كل أنحاء القطر عبر تسوية قومية؟
() الاثنية يمكن أن تكون قيمة إيجابية وكذلك الجهوية ، الله تعالى خلق الخلق شعوباً وقبائل "لتعارفوا" ، والتعارف معنى عام يتمثل في التعايش والحياة المشتركة. في المجتمع السوداني نماذج حضارية ممتازة للتعارف والاندماج ، في الحياة العامة والتجارة والسفر والتصاهر بين القبائل. اذهب إلى أي مكان في السودان لن تجد في الثقافة الشعبية والدماء والأعراق إلا ذلك التكامل القومي.
يقوم الصراع على المصالح ، وبعد أن ينشب الصراع يوظف الفرقاء إثنياتهم وحتى أديانهم التي تدعوهم للمحبة والسلام في تأجيج الصراع. أحد مثقفي دارفور وصف صراع دارفور بأنه صراع بين "الجرون والقرون". وجعلنا الاثنية أو الجهوية أساساً لتقسيم الغنائم أو عندما نحدد للمواطن دوره السياسي والاجتماعي، حتى داخل المؤسسات العلمية التي ينبغي أن تكون مثالاً في الموضوعية ظهرت هذه الجرثومة. ويبقى السؤال دائماً لماذا فلان وليس علان؟
ذكر لي أحد الإخوة أن الأستاذ الكبير مهدي إبراهيم تحدث عن أخيه محمد صالح عمر في برنامج تلفزيوني فقال إنه من أبناء البني عامر في شرق السودان. لم يكن أعضاء الحركة الإسلامية يهتمون في تعارفهم المشهود بمعرفة من أي القبائل ينحدرون. وأنا أقول إن رواة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يسألون عن السند في أول أمرهم حتى انتشرت الفتنة!
لا شك أن بروز الاثنية والجهوية بهذا التوجه السلبي ، مثبط للهمة القومية، أما إذا كان التوجه على أساس التمييز الإيجابي كالذي نراه في جنوب إفريقيا وفي ماليزيا فهذا شيء مطلوب.
الاثنية والجهوية من حقائق الوجود لا يمكن أن تختفي ، والمطلوب أن نكفكف آثارها السلبية عبر الحوار والتسويات.
*فكر الأحزاب والتنظيمات السياسية: هل يتحمل نتيجة الفشل السياسي، أم أن قواعد هذه الأحزاب تتحمل أسباب ضمور هذه الأحزاب ما أدى إلى فشل قياداتها؟
() لا أدري إن كان البحث العلمي في جامعاتنا يتوجه إلى دراسة الواقع الحقيقي لأحزابنا والكشف عن العلاقات الداخلية فيها. الذي أعرفه أن هناك توجه جيد لتسجيل مذكرات السياسيين وذكرياتهم ، وقد وقفت أخيراً على عدد من الكتب الجيدة. نحتاج إلى رؤية الواقع في حالة التغير والحركة. أحزابنا قليلة الحظ في توثيق عملها واستخلاص العبرة والفكرة لمسيرتها.
وهذا الجهد المبذول من صحيفتكم لاستنطاق النخبة وذوي الخبرة ، عمل ذو قيمة إذا ما كان القصد واضحاً وموضوعياً. لا شك أننا في مسيس الحاجة إلى حراك ثقافي يرفد عملنا السياسي والتنفيذي ، ويمكن للصحافة أن تؤدي دوراً ممتازاً في تعيين أهداف واقعية وشاملة تستند إلى الخبرة العلمية، والأحزاب السياسية مؤمنة بدور الصحافة والدليل على ذلك اهتمامها بقانون الصحافة الذي لا أرى له أهمية تضارع ذلك الاهتمام
إن الخبرة الحزبية في بلادنا هي انعكاس لحقائق الواقع الاجتماعي السوداني قوة وضعفاً ، وكيفما تكونوا يولّى عليكم.
*أيهما أقوى تاريخيًا في تجربة دولة ما بعد الاستقلال: صراع الهوامش الجغرافية مع الدولة المركزية، أم صراع الآيدلوجيا والدولة؟
() وهل يمكننا الفصل بين صراع الآيدلوجيا وصراع الهوامش؟ إذا وضعنا رسماً تخطيطياً لمؤثرات الصراع في دولة ما بعد الاستقلال، لوجدناه في شكل (بصلي)، فهناك مجتمع محلي ومجتمع قومي ومجتمع إقليمي ومجتمع دولي، ولكل منه أثر مستقل بعضه على بعض.
عايشنا في الأيام السابقة انتخابات لبنان، ليس من السهل أن تفصل ما يحدث هناك عن إطاره الإقليمي أو الدولي. من إيجابيات سودان ما بعد الاستقلال أن الحكومة المركزية ظلت قوية ، وأظن أن القوى الإقليمية والدولية التي تتعامل مع السودان الآن تضع في اعتبارها قوة الحكومة المركزية وتعول على ذلك. إن ضعف الحكومة يؤذن بأن يتحول السودان إلى منطقة "غير محكومة" على غرار الصومال وأفغانستان. ونشاهد ما يجنيه العالم من مشكلات بسبب الفوضى في تلك المناطق. لولا قوة المركز، بعد مشيئة الله، لكانت المشكلات والحرب التي استمرت سنوات طويلة كفيلة بانهيار كياننا الوطني.
*المثقف السوداني ؛ ما هي حسناته وعيوبه وهل يتحمل بعض الوزر في فهم كيفية العلاقة بين السلطة والمثقف ما بعد فترة الاستقلال؟
() يتعلق جدل السلطة والثقافة بترتيب المواقع الاجتماعية ، فقد يتبادل المثقف ورجل السلطة مواقعهما ، وإذا شئنا المفهوم الواسع لكلمة سياسة ، فلا أتصور سياسياً حقيقياً غير مثقف. أحياناً تكون التصنيفات حرفية، كأن نقصد بالمثقف المشتغل بمجالات الآداب والفنون وحده دون سواه.
ولا يفهم من كلامي أن جميع السياسيين مثقفين ، بل هناك كثير من المشتغلين بالسياسة لا يمتون إلى الثقافة بأدنى سبب
لدي مقال ينشر في مجلة بحوث الصحافة التي تصدر عن المجلس القومي للصحافة ناقشت فيه هذه النقطة المتعلقة بظاهرة تبادل المثقفين والسياسيين مواقعهم، ونظرة (الندية) عند بعض الصحفيين إزاء زملاء لهم في (السلطة) العمل السياسي أو العسكري ممن كانوا معهم في قاعات الدراسة. كثير من قادة العمل الصحفي وكتاب الصحافة هم أجيال المثقفين الذين ناضلوا ضد المستعمر ثم تقلدوا المسؤوليات السياسية بعد الاستقلال، وهؤلاء ظلوا يتبادلون الأدوار ما بين الحكم والمعارضة، تجد أحدهم اليوم وزيرًا وغدًا كاتبًا صحافيًا. وقد تسمع صحفيا يقول لك : "هذا، أنا أقدم منه في الخدمة، وذاك كان معي في المكتب السياسي في الحزب، وذلك أزاحني من إدارة النادي"! ومع أن هذه الأمور قد تبدو أموراً شخصية فإنها ذات تأثير في الفهم والممارسة. وكنت أدعو في هذا المقال إلى الابتعاد عن فهم حرية الصحافة في إطار الحرية الشخصية للصحفي؛ وأن تفهم الحرية في إطار مؤسسي؛ أي حرية المؤسسة الصحفية أن تقرر كافة القرارات المتعلقة بعملها ونظامها، فالمؤسسية تقتضي وجود ترتيبات معينة من الأدوار والأوضاع التي تتميز عن الأفراد.
المثقف السوداني فيه حسنات الشخصية السودانية وعيوبها. وأرى أكبر عيب فيه نزوع البعض منهم إلى التعالي على المجتمع. سوف يمضي وقت طويل حتى يرضى المثقف المعاصر بالعيش بشروط الحياة في مسقط رأسه. ولذلك كانت شخصية مصطفى سعيد في موسم الهجرة إلى الشمال شخصية مثيرة للانتباه.
المثقف بحكم تكوينه حالة تجاوز للواقع وتحريض للمستقبل ، غير أنه قد يغالي في القطيعة التي تغذي النزاع العدائي والعنف. وبذلك تفقد الثقافة وظيفتها في إشاعة السلام الاجتماعي وحل المشكلات ، ويتخلى المثقف عن دوره في حفظ كيان المجتمع ولحمته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.