لن يستريح التفكير والمداد هذه الأيام عن التعاطي مع الشأن الاقتصادي السوداني المترنح تخصيصاً والشأن الكبير عموماً. ولهذا فإن حديث الساعة الآن ينصب حول سياسات التقشف التي اعلنتها الحكومة السودانية متمثلة في أحاديث وخطابات رئيس الجهورية لمؤتمر شورى حزبه أو البرلمان السوداني المهيمن عليه حزب المؤتمر الوطني والتي جاء فيها تقليص هيكل الدولة المركزي والولائي وكذا الحكم المحلى ورفع الدعم عن الوقود،المحور الحامي الذي تتأثر به كثير من مناحي الحياة السودانية،ولعل كل هذه الوعود تظل أقوال تحتاج لترجمة من الأفعال تجعل منها مدخل لمعالجات مؤلمة ستطال الأقربون قبل البعيدين ممن يمتلكون الحق في التشاؤم والتعبير عن الرفض لمجمل تلك السياسات ووعائها الحزبي الذي يقف وراءها. ولعل مصدر التشاؤم الذي يخيم على تلك الأقوال هو عمر التجربة التي إمتدت لأكثر من عقدين من الزمان ضاق خلالها إنسان السودان مرارة العيش وضيق الحال لأكثر من منحى ووجهه مع كثير أقوالِ لم تُسمن ولم تغني من جوع بل عمقت الأزمات بشكل لم يحدث من قبل وفوق كل ذلك المصداقية التي إهتزت وأصبحت هزيلة في نظر من يدعيها ومن ينظر إليها. ولعل حديث رئيس الجمهورية الموجه للبرلمان لم يمر علية أكثر من أربعة وعشرون ساعة حتى تفاجأ الناس بقرار تعين شخص لمنصب مدير مجمع الفقه بدرجة مستشار وهذا بالطبع لن يكون دون مخصصات ومستحقات ستدفعها الحكومة من الخزينة العامة الأمر الذي يجعل من تلك الوعود محل تشكيك متشاءم من الوصول لمحطة التقشف الحقيقية التي ستطال كافة مناحي الحياة السودانية دون تمييز. وفي ذات الإطار يأتي الحديث عن عودة ولاية غرب كردفان الوشيك للدرجة التي بدأت فيها بعض وسائل الإعلام المحسوبة على تيار المركز والحكومة تهيئة الرأي العام لتمرير ما تراه الحكومة وحزبها الحاكم من وسيلة مناسبة للهيمنة والتحكم على الهامش السوداني من خلال شغله بنفسه وزيادة حدة الإستقطاب بالمن عليه حين تجعل مسألة عودة ولاية غرب كردفان مساحة لتنافس في غير محله بين منطقتين تستحقان أن تشارك كلٍ منهما في قيام كيان إداري خاص بها سواءُ بسواء. لا ينقص أيِ منها التأهيل ومقومات ذلك في حالة ترك الأمر للرغبة المسنودة بالإرادة على ذلك. ولهذا فقد لعب الصحفي خالد الإعيسر دوراً سالباً في قناة أم درمان من خلال برنامجه المعنون بعودة ولاية غرب كردفان مخاض متعثر حين جمع النائب السابق لوالي لولاية غرب كردفان والمعتمد السابق لمحلية السلام للحديث عن عودة الولاية ومقتضيات ذلك وكأنما يريد الصحفي بتلك الكيفية تهيئة الرأي العام بأن تلك العودة والكيفية التي طُرحت بها هي رغبة إنسان المنطقة التي تجد التقدير والإحترام من قبل قيادة الدولة التي عليها الإنحناء لها دون تأخير. وهنا فإن المداخلة المقصودة التي سعى فيها مقدم البرنامج سماع صوت نائب دائرة النهود حول الموضوع كانت معدة بعناية وحساب دقيق شارك فيها النائب بكل أسف دون أن يكون أميناً في نقل رغبة ناخبيه في دائرته الجغرافية وما سواها من مناطق سافرت لها اللجنة المكونة من قبل رئاسة الجمهورية لدراسة الأمر ورفع تقرير نتائج ما وجدته لرئاسة الجمهورية ومن ثم يأتي القرار المنسجم مع ما لمسته تلك اللجنة من خلال طوافها الميداني على جانبي المعادلة وما رشح لها من حقائق ومعلومات تجعلها تؤدي عملها بكل أمانة وتجرد . لكن نائب دائرة النهود عندما هاتفه مقدم البرنامج لم يستصحب البته ما علمه من رغبة ناخبيه بالدائرة الجغرافية التي يمثلها بل وكان صادمأً حين ذكر أن الولاية يجب أن تعود بالشكل الذي انتهت به ولعل من البديهي أن يكون النائب المعني قد قصد شق الصف والوحدة التي تجسدت بالمنطقة ومحلياتها كافة لينحاز لخيار حزبه الحاكم أي حزب المؤتمر الوطني ولم يأبه لذلك ،ولم يفتح الله عليه بكلمة حق تحفظها له دائرته وتذكره بإنحيازة لقضيتهم ومطلبهم المشروع بولاية النهود وعاصمتها مدينةالنهود الفتية العريقة ومن ثم يذكر حق إخوتنا في منطقة المسيرية بكيان ولاية غرب كردفان بالحقائق الحالية الماثلة. وهنا فإن النائب المعني يكون قد وضع رغبة ناخبيه في سلة المهملات ولم يُراعي مقتضيات النيابة التي يُمثلها في ظل هذا النظام البرلماني المعطوب وإنطبق عليه مثلنا القائل أنه قد شول الريكة وبالتالي إستحق المحاسبة من قبل كافة مكونات حزبه المحلية قبل مجاميع السكان الذين يُعدون الأصل قبل الولاء الحزبي الضيق .ولعل إعتماد قناة أم درمان ومقدم البرنامج على من يعلم موقفه المسبق من الأمر كان محاولة مكشوفة للإيحاء بأن رئيس مجلس تشريعي ولاية غرب كردفان السابقة ونائب أكبر مدينة بالمنطقة التي تُعرف بدار حمر هو ما جاء على لسان ذلك النائب . لكن وبكل أسف لم يكن ذلك حقيقة حيث سال مداد كثير حول ضرورة قيام ولاية النهود وما سواها من محليات مؤهله تماماً لذلك ولم يُكلف مقدم البرنامج نفسه عناء مهاتفة أي نائب برلماني آخر من المنطقة أو أعيانها أو قياداتها التقليدية لمعرفة الرأي الآخر المسنود بإجماع أهل المنطقة وحججهم الموضوعية لذلك الإستحقاق، ولو كنا في ديمقراطية حقيقية كاملةالدسم لحسب النائب لكلامه ألف حساب حيث يأتي يوم جرد الحساب في الإنتخابات القادمة ويرى نتيجة تفريطه في تحقيق رغبه واشواق ناخبيه بدائرته وعموم محليات المنطقة التي حسمت أمرها وأوصلته للجنةالمعنية .