أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن على تغييرها قُدَراء .. بقلم: سليم عثمان
نشر في سودانيل يوم 25 - 06 - 2012

إذا لم تقُم بالعدل فينا حكومةٌ *** فنحن على تغييرها قُدَراء
كنت أتحدث أمس الأول عبر (الفيس بوك) الى أحد زملاء المهنة البارزين (بلدياتي) فى الخرطوم حول الطقس السياسي فى البلاد ،وشكوت إليه أن الصحيفة التي أكتب فيها مقالا أسبوعيا راتبا لم تنشر مقالي الأسبوع ،الفائت كونه كان يتضمن جرعات نقد محدودة للقرارات الإقتصادية الأخيرة التى أصدرتها حكومتنا ، الأمر الذي ألهب الشارع ،وتسبب فى خروج مظاهرات فى عدد من المدن فى العاصمة السودانية ،رغم محدودية من شاركوا فيها ،الا أنها تنذر بعواقب وخيمة ما لم تحسن الحكومة التعامل معها بالحكمة اللازمة وفوق ذلك تلبية مطالب الساخطين والناقمين على تلك القرارات ، وشاورته عن أي الموضوعات يمكن لمثلي أن يكتب فقال لي: الطقس هنا ملبد بالغيوم ،وأن السلطات حساسة تجاه النقد، فقلت له ممازحا: سأكتب مقالي هذا الأسبوع حول فقة الزكاة ،وبعض الأمور التى لا تزعج من بيدهم مقاليد البلاد وبالفعل تجدون مقالي هذا عبارة عن مقتطفات من كتاب ( طبائع الإستبداد ومصارع مصارع الإستعباد ) للكواكبي لا أحسبها ستزعج أحدا من الحاكمين والمثل يقول : (من خاف سلم )ولأ بأس أن نسير بجانب الحائط حتى تعود الحكومة الى رشدها بمعني أن ما سوف أورده لا يمس حكومتنا الرشيدة أطال الله عمرها مسا مباشرا ولكنها معنية بالضرورة بعنوان الكتاب ومضمونه كونها لم تعد تخفي استبدادها وتنكيلها بشعبها إذ لا يعقل أن يصف الرئيس البشير الشباب الذين خرجوا مغاضبين الى الشوارع بأنه شذاذ أفاق ومحبي شغب الإ أن يكون مستبدا كنيرون وفرعون وهامان ، وليته وإخوته وهم يهنئون رئيس جمهورية مصر العربية المنتخب القيادي الإخواني البارز أن يتذكروا أن الإسلاميين صعدوا الى الحكم فى كل من تونس ومصر عبر صناديق الإقتراع ويكادوا يفعلونها فى كل من ليبيا واليمن وسوريا ليعلموا أنهم قاب قوسين أو أدني من أفول دولة توجههم الحضاري ( وحكمهم المسمي زورا وبهتانا بالإسلامي ) فى وقت تشهد تتولي فيه حركات اسلامية وعت دروس التاريخ والجغرافيا زمام الحكم فى بلدانها بطرق ديمقراطية
فى هذا المقال نحاول عرض بعض مما جاء فى كتاب عبد الرحمن الكواكبي حيث يقول فى تعريف الاستبداد التالي:
الاستبدادُ لغةً هو: غرور المرء برأيه، والأنفة عن قبول النّصيحة، أو الاستقلال في الرّأي وفي الحقوق المشتركة ويُراد بالاستبداد عند إطلاقه استبداد الحكومات خاصّةً؛ لأنّها أعظم مظاهر أضراره التي جعلتْ الإنسان أشقى ذوي، وأشدّ مراتب الاستبداد التي يُتعوَّذ بها من الشّيطان هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية ، وقد تكلَّم بعض الحكماء لا سيَّما المتأخِّرون منهم في وصف الاستبداد ودوائه بجمل بليغة بديعة تُصوِّر في الأذهان شقاء الإنسان، كأنَّها تقول له هذا عدوَّك فانظر ماذا تصنع، ومن هذه الجمل قولهم:
المستبدّ: يتحكَّم في شؤون النّاس بإرادته لا بإرادتهم، ويحكمهم بهواه لا بشريعتهم،ويعلم من نفسه أنَّه الغاصب المتعدِّي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من النَّاس يسدُّها عن النّطق بالحقّ والتّداعي لمطالبته،(الا تحكمنا الأنقاذ بإرادتها وهواها وعسفها وجبروتها وظلمها ؟) يقول الكواكبي :المستبدّ: عدوّ الحقّ، عدوّ الحّيّة وقاتلهما، والحق أبو البشر، والحرّيّة أمّهم، والعوام صبية أيتام لا يعلمون شيئاً، والعلماء هم إخوتهم الرّاشدون، إنْ أيقظوهم هبّوا، وإنْ دعوهم لبّوا، وإلا فيتَّصل نومهم بالموت، المستبدّ: يتجاوز الحدّ ما لم يرَ حاجزاً من حديد، فلو رأى الظّالم على جنب المظلوم سيفاً لما أقدم على الظّلم، كما يقال: الاستعداد للحرب يمنع الحرب ،المستبدّ: إنسانٌ مستعدٌّ بالطّبع للشّر وبالإلجاء للخير، فعلى الرّعية أنْ تعرف ما هو الخير وما هو الشّر فتلجئ حاكمها للخير رغم طبعه، وقد يكفي للإلجاء مجرَّد الطَّلب إذا علم الحاكم أنَّ وراء القول فعلاً. ومن المعلوم أنَّ مجرد الاستعداد للفعل فعل يكفي شرَّ الاستبداد .المستبدّ: يودُّ أنْ تكون رعيته كالغنم درّاً وطاعةً، وكالكلاب تذلُّلاً وتملُّقاً، وعلى الرَّعية أنْ تكون كالخيل إنْ خُدِمَت خَدمتْ، وإنْ ضُرِبت شَرست، وعليها أن تكون كالصقور لا تُلاعب ولا يُستأثر عليها بالصّيد كلِّه، خلافاً للكلاب التي لا فرق عندها أَطُعِمت أو حُرِمت حتَّى من العظام. نعم؛ على الرّعية أن تعرف مقامها: هل خُلِقت خادمة لحاكمها، تطيعه إنْ عدل أو جار، وخُلق هو ليحكمها كيف شاء بعدل أو اعتساف؟ أم هي جاءت به ليخدمها لا يستخدمها؟.. والرَّعية العاقلة تقيَّد وحش الاستبداد بزمام تستميت دون بقائه في يدها؛ لتأمن من بطشه، فإن شمخ هزَّت به الزّمام وإنْ صال ربطتْه ،(هل تخشي حكومة التوجه الحضاري أن يقيد بضعة من الشباب الثائر وحش استبدادها؟ يضيف الكواكبي وهذا القرآن الكريم مشحونٌ بتعاليم إماتة الاستبداد وإحياء العدل والتّساوي حتّى في القصص منه؛ ومن جملتها قول بلقيس ملكة سبأ من عرب تُبَّع تخاطبُ أشراف قومها: )يا أيُّها الملأُ أفتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمراً حتى تَشهَدون * قالوا نحن أولوا قوةٍ وأُولوا بأسٍ شديدٍ والأمر إليكِ فانظري ماذا تأمرين * قالت إنَّ الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذِلةً وكذلك يفعلون(.فهذه القصة تُعلِّم كيف ينبغي أن يستشير.
الملوك الملأ؛ أي أشراف الرَّعية، وأن لا يقطعوا أمراً إلا برأيهم، وتشير إلى لزوم أن تُحفظ القوّة والبأس في يد الرّعية، وأن يخصص الملوك بالتّنفيذ فقط، وأن يكرموا بنسبة الأمر إليهم توقيراً، وتقبّح شأن الملوك المستبدين.حكومتنا يا سادة لا تشاور أحدا بل تعتد برأيها ولو كان رأيا جهولا ، حكومتنا لا تؤمن بالشوري ولا بالديمقراطية ولا بشئ أسمه التداول السلمي للسلطة لانها ببساطة جاءت على ظهر دبابة وسطت على الحكم بليل بهيم .فماذا تنتظرون منها ؟
ويتساءل الكواكبي عن مَنْ هم أعوان المستبدّ؟ هل يُتحمّل الاستبداد؟ كيف يكون التّخلص من الاستبداد؟ بماذا ينبغي استبدال الاستبداد؟ وقبل الخوض في هذه المسائل يشير إلى النّتائج التي أستقرت عندها أفكار الباحثين في هذا الموضوع، وهي نتائج متَّحدة المدلول مختلفة التعبير على حسب اختلاف المشارب والأنظار في الباحثين، وهي:
يقول المادي: الدّاء: القوة، والدّواء: المقاومة
ويقول السّياسي: الدّاء: استعباد البرية، والدّواء: استرداد الحرّيّة
ويقول الحكيم: الدّاء: القدرة على الاعتساف، والدّواء: الاقتدار على الاستنصاف
ويقول الحقوقي: الدّاء: تغلّب السّلطة على الشّريعة، والدّواء: تغليب الشّريعة على السّلطة
ويقول الرّبّاني: الدّاء: مشاركة الله في الجبروت، والدّواء: توحيد الله حقّاً
وهذه أقوال أهل النظر، و أمّا أهل العزائم
فيقول الأبيُّ: الدّاء: مدُّ الرّقاب للسلاسل، والدّواء: الشّموخ عن الذّل.
ويقول المتين: الدّاء: وجود الرّؤساء بلا زمام، والدّواء: ربطهم بالقيود الثّقال.
ويقول الحرّ: الدّاء: التّعالي على النّاس باطلاً، والدّواء: تذليل المتكبّرين
ويقول المفادي: الدّاء: حبُّ الحياة، والدّواء: حبُّ الموت.
ويقول الكواكبي أن الإنسان يعيش في ظلِّ العدالة والحرية نشيطاً على العمل بياض نهاره، وعلى الفكر سواد ليله، إن طعم تلذَّذ، وإن تلهّى تروَّح وتريّض؛ لأنّه هكذا رأى أبويه وأقرباءه، وهكذا يرى قومه الذين يعيش بينهم. يراهم رجالاً ونساءً، أغنياء وفقراء، ملوكاً وصعاليك، كلُّهم دائبين على الأعمال، يفتخر منهم ،كاسب الدينار بكدِّه وجدّه، على مالك المليار إرثاً عن أبيه وجدِّه. نعم؛ يعيش العامل ناعم البال يسرُّه النجاح ولا تقبضه الخيبة، إنّما ينتقل من عملٍ إلى غيره، ومن فكرٍ إلى آخر، فيكون متلذذاً بآماله إنْ لم يسارعه السّعد في أعماله، وكيفما كان يبلغ العذر عن نفسه والناس بمجرد إيفائه وظيفة الحياة؛ أي العمل. ويكون فرحاً فخوراً نجح أو لم ينجح، لأنَّه بريء من عار العجز والبطالة ، أما أسير الاستبداد، فيعيش خاملاً خامداً ضائع القصد، حائراً لا يدري كيف يميت ساعاته وأوقاته ويدرج أيامه وأعوامه، كأنَّه حريصٌ على بلوغ أجله ليستتر تحت التراب ،الاستبداد يُضطرُّ النّاس إلى استباحة الكذب والتحيُّل والخداع والنِّفاق والتذلل. وإلى مراغمة الحسِّ وإماتة النفس ونبذ الجدّ وترك العمل، إلى آخره. وينتج من ذلك أنَّ الاستبداد المشؤوم هو يتولى بطبعه تربية الناس على هذه الخصال الملعونة. بناءً عليه، يرى الآباء أنَّ تعبهم في تربية الأبناء التربية الأولى على غير ذلك لا بدَّ أنْ يذهب عبثاً تحت أرجل تربية الاستبداد، كما ذهبت قبلها تربية آبائهم لهم، أو تربية غيرهم لأبنائهم سدىً.
ويتساءل الكواكبي لماذا يبتلي الله عبادَه بالمستبدِّين؟ فأبلغُ جواب مُسْكِت هو: إنَّ الله عادلٌ مطلقٌ لا يظلم أحداً، فلا يُولَّى المستبدّ إلا على المستبدِّين. ولو نظر السّائل نظرة الحكيم المدقِّق لوجد كُلَّ فرد من أُسراء الاستبداد مُستبدّاً في نفسه، لوقدر لجعل زوجته وعائلته وعشيرته وقومه والبشر كُلَّهم، حتَّى وربَّه الذي خلقَهُ تابعين لرأيه وأمرهفالمستبدُّون يتولاهم مستبدّ، والأحرار يتولاهم الأحرار، وهذا صريح معنى: «كما تكونوا يُولَّىعليكم ثم يتساءل مرة أخري ومن يدري منأين جاء فقهاء الاستبداد بتقديس الحكّام عن المسؤولية حتى أوجبوا لهم الحمد إذا عدلوا، وأوجبواالصّبر عليهم إذا ظلموا، وعدّوا كلّ معارضة لهم بغياً يبيح دماء المعارضين؟!اللهم؛ إنّ المستبدِّين وشركاءهم قد جعلوا دينك غير الدِّين الذي أنزلت، فلا حول ولا قوّة إلا بك!
ويضيف الكواكبي إنَّ خوف المستبدّ من نقمة رعيته أكثر من خوفهم من بأسه؛ لأنَّ خوفه ينشأ عن علمه بما يستحقُّه منهم، وخوفهم ناشئ عن جهل؛ وخوفه عن عجزٍ حقيقي فيه، وخوفهم عن توهّم التخاذل فقط؛ وخوفه على فقد حياته وسلطانه، وخوفهم على لقيمات من النّبات وعلى وطنٍ يألفون غيره في أيام؛ وخوفه على كلِّ شيء تحت سماء ملكه، وخوفهم على حياةٍ تعيسة فقط.
إن المستبد يتّخذ المتمجّدين سماسرة لتغرير الأمة باسم خدمة الدين، أو حبّ الوطن، أو توسيع المملكة، أو تحصيل منافع عامة، أو مسؤولية الدولة، أو الدفاع عن الاستقلال، والحقيقة أنَّ كلّ هذه الدواعي الفخيمة العنوان في الأسماع والأذهان ما هي إلا تخييل وإيهام يقصد بها رجال الحكومة تهييج الأمة وتضليلها، حتى إنَّه لا يُستثنى منها الدّفاع عن الاستقلال؛ لأنّه ما الفرق على أمةٍ مأسورة لزيد أن يأسرها عمرو؟ وما مثلها إلا الدّابة التي لا يرحمها راكب مطمئن، مالكاً كان أو غاصباً.المستبدُّ لا يستغني عن أن يستمجد بعض أفراد من ضعاف القلوب الذين هم كبقر الجنة لا ينطحون ولا يرمحون، يتّخذهم كأنموذج البائع الغشاش، على أنّه لا يستعملهم في شيء من مهامه، فيكونون لديه كمصحف في خمّارة أو سبحة في يد زنديق، وربما لا يستخدم أحياناً بعضهم في بعض الشؤون تغليطاً لأذهان العامة في أنَّه لا يعتمد استخدام الأراذل والأسافل فقط، ولهذا يُقال: دولة الاستبداد دولة بُلهٍ وأوغاد
ويختم الكواكبي حديثه عن الإستبداد والمستبدين فيقول :وهذا نيرون الظالم سأل أغربين الشاعر وهو تحت النَّطع: من أشقى الناس؟ فأجابه معرِّضاً به: من إذا ذكر الناس الاستبداد كان مثالاً له في الخيال. وكان ترايان العادل إذا قلَّد سيفاً لقائد يقول له: "هذا سيف الأمة أرجو أن لا أتعدّى القانون فيكون له نصيبٌ في عنقي". وخرج قيس من مجلس الوليد مغضباً يقول: "أتريد أن تكون جباراً؟ والله؛ إنَّ نعال الصعاليك لأطول من سيفك!. وقيل لأحد الأباة: "ما فائدة سعيك غير جلب الشقاء على نفسك؟". فقال: "ما أحلى الشقاء في سبيل تنغيص الظالمين!". وقال آخر: "عليَّ أن أفي بوظيفتي وما عليَّ ضمان القضاء". وقيل لأحد النبلاء: "لماذا لا تبني لك داراً؟" فقال: "ما أصنع فيها وأنا المقيم على ظهر الجواد أو في السجن أو في القبر"، وهذه ذات النطاقين (أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها) وهي امرأة عجوز تودِّع ابنها بقولها: "إن كنت على الحقّ فاذهب وقاتل الحجاج حتى تموت". وهذا مكماهون رئيس جمهورية فرنسا استبدَّ في أمر فدخل عليه صديقه غامبتا وهو يقول: "الأمر للأمة لا إليك، فاعتدل، أو اعتزل، وإلا فأنت المخذول المهان الميت! إن بواسق العلم وما بلغ إليه، تدلُّ علىأنَّ يوم الله قريب. ذلك اليوم الذي يقلُّ فيه التفاوت في العلم وما يفيده من القوّة، وعندئذٍ تتكافأ القوات بين البشر، فتنحلُّ السلطة، ويرتفع التغالب، فيسود بين الناس العدل والتوادد، فيعيشون بشراً لا شعوباً، وشركات لا دولاً، وحينئذٍ يعلمون ما معنى الحياة الطيبة: هل هي حياة الجسم وحصر الهمّة في خدمته؟ أم حياة الروح وغذاؤها الفضيلة؟ ويومئذٍ يتسنّى للإنسان أن يعيش كأنَّه عالم مستقلٌّ خالد، كأنَّه نجمٌ مختصٌّ في شأنه، مشتركٌ في النظام، كأنَّه ملكٌ، وظيفته تنفيذ أوامر الرحمن الملهمة للوجدانفمتي يعتدل حكامنا فيعتزلون الحكم ؟ أم تراهم ينتظرون الخذلان والمهانة ؟
*إبتسم:
كان أحد الأمراء يصلي خلف إمام يطيل في القراءة, فنهره الأمير أمام الناس, وقال له : لا تقرأ في الركعة الواحدة إلا بآية واحدة فصلى بهم المغرب, وبعد أن قرأ الفاتحة قرأ قوله تعالى ( وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ), وبعد أن قرأ الفاتحة في الركعة الثانية قرأ قوله تعالى ( ربنا ءاتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيرا ) فقال له الأمير يا هذا : طول ما شئت واقرأ ما شئت, غير هاتين الآيتين
*الإنقاذ:
كان الحجاج بن يوسف الثقفي يستحم بالخليج العربي فأشرف على الغرق فأنقذه أحد المسلمين و عندما حمله إلى البر قال له الحجاج : أطلب ما تشاء فطلبك مجاب فقال الرجل : ومن أنت حتى تجيب لي أي طلب ؟قال: أنا الحجاج الثقفىقال له : طلبي الوحيد أنني سألتك بالله أن لا تخبر أحداً أنني أنقذتك ( ونحن لن نقول للاجيال القادمة أن حكومة البشير أنقذتنا)
*يا أصدقائي :
إنني مُواطنٌ يسكُنُ مدينة ليسَ بِها سُكّان
ليسَ لها شوارع
ليسَ لها أرصفة
ليسَ لها نوافذ
ليسَ لها جدران
ليسَ بها جرائد
غيرَ التي تطبعُها مطابعُ السلطان
عنوانُها ؟
أخافُ أن أبوحَ بالعنوان
كلُّ الذي أعرفُهُ
أنَّ الذي يقودُ الحظّ إلى مدينتي
يَرْحمُهُ الرحمن (نزار قباني)
Saleem Osman [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.