بسم الله الرحمن الرحيم في حضرة هذه اللحظات المفصلية الفارقة من عمر الوطن لا يجوز لنا الحديث ولا يطيب في غير ما نواجهه الآن: من إرادة التغيير من جانبنا وعسف الحكومة ووحشيتها تريد أن تئد تلك الارادة الكاسحة ، أو حديث عن مصير يتشكل . ومع ادراكنا بأن الوقت للعمل وقد انقضى زمان الكلام .لكننا نعي أن فعلة دون فكرة تعبر عنها شفاهة أو كتابة سيخنقها الصمت ويميتها كما أن الاكتفاء بالفكر والحديث دون أفعال يحبسه في طوباويته محلقا أو يصيبه شلل التحليل المفرط بما يعرف في علم الادارة الحديثة بال(Analysis Paralysis). لذلك نقول في اختصار غير مخل :أن تلك الثورة المباركة التي عمت كل بقاع الوطن و قد انبثقت مثل كل حدث تاريخي عظيم على غير ميعاد، أتت لحظتها التاريخية الميمونة فانفجرت دون انتظار لأحد أو استئذان من أحد.لكن ذلك لا يعني طبعا أن الثورات تقع دون ترتيب مسبق واعداد أو دون مظالم تراكمية تأخذ مداها الزمني من التفاعل اللازم ثم تنفجر على غير موعد . ولأن أسباب الثورة متوفرة في السودان منذ زمن بعيد بما يزيد ويفيض عن أحوال الدول التي انفجرت فيها الثورات العربية من حولنا فقد ظل يكتب الكثيرون عن مدى استغرابهم لماذا يا ترى لم تحدث الثورة في السودان بعد ؟ وقد سُودت في تحليل ذلك الصحائف وكتب الباحثون وفي السياق كتب أ.مصطفى البطل مستخدما حكمة انجليزية تقول(أنه من السهل قيادة الحصان إلى نبع الماء، ولكن من الصعب إجباره على الشرب) وأن حصان ثورتنا السودانية سيشرب حتما لكن بمزاجه. ويبدو أنه قد حان الأوان لكي يشرب الحصان.فعلى بركة الله. لكن الترتيب المسبق للثورة وتراكم دوافعها شيء ومتابعة يومياتها شيء آخر تحكمه لحظتها الآنية ولمثل تلك المتابعات اليومية يحتاج الثوار لقراءة من كتاب تاريخنا المجيد و لرصد تجاربنا التراكمية في المجال فنحن أصحاب سبق في مواجهة الدكتاتوريات ثم صهر مبسط لذلك الأدب الثر في لغة تُسمع المتوسد يداه في الخلاء في حراسة بهائمه أو بانتظار حصاد زرعه وتُسمع النازح الذي يعاني من ويلات الحروب المستعرة في أنحاء الوطن وتُسمع القروي المتسكع في المدينة بلا أمل والتلميذ في فصل تنقصه الأولويات والمرأة في بيتها أو الراكوبة تجهد في إعداد لقمة للصغار وست الشاي والفي السوق وكل الناس :بأن الحال قد وصل دركا لا يمكن استمرارالحياة معه لذلك لا يمكن أن يسمح باستمراره، وأن الانقاذ قد غدت نظاما متعفنا متكلسا مكلف البقاء بأثمان باهظة.وفي الاطار لابد من سؤال مهم :من على استعداد لدفع ثمن بقاء هذا النظام الذي أفسد علينا حيواتنا؟ كما يجب أن يشمل ذلك الشرح المبسط توضيح لكوننا - لكي نتمكن من تغييرها، نحتاج للاصطفاف معا ولنبذ كل ما يفرقنا واتخاذ الوسائل السلمية حصريا والابتعاد عن التخريب كليا. لا اختلاف بيننا على أن الاستفادة من تجاربنا السابقة تجابهها معضلة أن المسرح قد اختلف اليوم عن أيام مقاومتنا لدكتاتوريتي عبود ونميري . فقد قامت الانقاذ على صهوة الحركة الاسلامية بالعديد من التغيرات القصدية في جسم المجتمع عن طريق اخضاع الناس لسياسات موجهة على مدى زمني طويل بهدف اقتلاع السودانوية من الجذور ثم تمرير ما تراه (بما سنفصله أدناه).لذلك فإن فرحنا المهلل بهذه الثورة المباركة غير مقتصر على مجرد التوق للتغيير بل هو أكبر من ذلك: هو احتفال بأنباء سارة تحكي لنا عن فشل سياسات الانقاذ التي فرضتها علينا لأكثر من عقدين من الزمان تريد بها طمس هويتنا. وهذا الفشل الانقاذي يغمرنا بالفرح لأنه يعني ببساطة أن المستقبل أمامنا أخضر، فمجرد التحرك الرافض للسياسات التي أرادت تجويع الشعب السوداني والمزيد من قهره تعني أننا مواطنون نهضوا للمطالبة بحقوقهم مهما كان الثمن ، لا رعايا نرضى بما تقسمه لنا الحكومة الظالمة من فتات وأن مبدأ الحرية عندنا أول . وفي تلك الثورة مبشرات بتغيير آت و بغد واعد إحقاقا لقوله تعالى(ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم)الرعد آية 11. هي ثورة إذن قد تعددت عواملها التراكمية التي كانت معلومة لكثير من المسيسين من المواطنيين الذين صنفوا مواقفهم كمعارضة لهذا النظام منذ لحظاته الأولى أما جمهور الشعب السوداني فقد تعرض لجهود متصلة من غسيل الأدمغة تحت اشراف مؤسسة ذات مقدرة مالية وتنظيمية هائلة وعمل دؤوب أضفيت عليه صفة القدسية ظلت تعمل بمكر حتى ضربت في عظم البلد وتمكنت من تفكيك أوصال الشعب السوداني وتحويله لكم من اللامبالاة وأجبرت كثيرين على ترك الوطن أو الاكتفاء (بالفرجة) والسلبية بينما البلد تنهب وتمزق فالتعليم صيغ ليخرج شبابا مسطحا لا يهتم بقضايا مجتمعه والدين تم تحييده بتعليبه في علب من الفهوم الساذجة المهرولة لطاعة ولي الأمر مهما بغى وتجبر وغض النظر عن مظلمات المحكومين .كما عمد النظام قصديا الى تكسير الأدوات الفاعلة في المجتمع السوداني من نقابات واتحادات وغيرها مع ازالة كاملة للطبقة الوسطى المستنيرة التي كانت تقود رسن هذه الأمة محولا المجتمع الى طبقتين: الذين يملكون والذين لا يملكون .كما أعملوا فيه وسائل النعرات القبلية والاثنية القبيحة المنتنة مما أضفى على كل تحرك في الاطار المعارض المحدودية والمحلية وسادت العصبيات ضد الآخر الوطني بما نراه من حروبات بين القبائل .لكن ارادة الله الغالبة أفشلت كل هذه التدابير اللئيمة ونحن اليوم أمام شباب يقود التغيير الموعود لكل الوطن بإذن الله . تلك الثورة يجب أن تجسد لنا فشل مسعى الانقاذ لدفن السودانوية بوضوح ومطلوب في السياق الآتي: أن تظل ثورة سلمية متمددة و متواصلة لكي ترهق (جند فرعون) وهي لخلاص كل السودانيين يقودها الشباب وتدعمها كافة الشرائح الأخرى .كما نحتاج فيها للنفس الطويل والصبر (..ان تكونوا تالمون فانهم يالمون كما تالمون وترجون من الله ما لا يرجون)النساء 104. هذه هي اللحظة التي يجب أن تنتهزها الحركة السياسية الواعية وتلتقط قفازها حتى لا تعصف بالثورة رياح الفوضى أو يهدمها سوء التخطيط.وعلى الأحزاب لعب الدور الريادي المنوط بها من توحيد فيما بينها وتنسيق مع الحركات المسلحة حتى لا تشوه الثورة السلمية(أعلنت الحركات المسلحة فعلا وضع السلاح بمجرد زوال النظام). على الجيش وكل القوات النظامية الانحياز فورا لثورة الشعب. على المجتمع الدولي الضغط على الحكومة السودانية حتى تكف عن استخدام العنف ضد المدنيين. لو تبقى لأهل الانقاذ عقل أو عاقل يجب أن يسارعوا بتجنيب الشعب مشقة التغيير كما كتب أ. خالد التيجاني النور. كما نذكرهم أن السودان ليس سوريا ومع علمنا بأنهم يفوقون النظام السوري في عدم الأخلاق لكنهم ليسوا بذات الامكانيات فسوريا مدعومة بايران وحزب الله على أسس طائفية ومصيرية كما أن النظام السوري قادر اقتصاديا على الصمود ولم يبدأ يومه القمعي بقرارات فاقت العشرين قرارا من مجلس الأمن آخرها القرار 2046 الذي أمهل النظام للاتفاق مع دولة الجنوب 3 أشهر فقط انقضى جلها وقد تبقى منها حتى اليوم 27 يوما فقط للتدخل تحت عكاز البند السابع . الرصيد السوداني والمبشرات للثورة السودانية: حركة سياسية واعية ضامنة لعدم تفشي الفوضى عند ذهاب النظام(وقد تم اتفاق الحركة السياسية السودانية على البديل لنظام الانقاذ 3/7/2012). اجماع سوداني معهود في اللحظات المفصلية مثاله ما حدث من اجماع سوداني على الاستقلال الكامل الدسم في 1956. كان اعلان الحركات المسلحة الاستعداد لوضع السلاح بمجرد ذهاب هذا النظام وقع مطمئن على نفوس الحادبين على الوطن. كان لاعلان دولة الجنوب الاستعداد لاعادة ترتيبات النفط والتعامل مع الشمال كدولة جارة شقيقة بل توأم لدولة الجنوب أثر مبشر. كان لاعلان مصر على لسان رئيسها المنتخب عدم إعانة النظام الظالم لشعبه أطيب الأثر ونحن نعلم وقد ذكرنا في مقالات سابقة أن الديمقراطية في مصر هي صمام أمان نظام ديمقراطي في السودان فقد كانت مصر الآفلة من ألد أعداء ديمقراطيات السودان و عملت جهدها للقضاء عليها. هناك الأموال التي حجر علينا استخدامها بسبب المحكمة الجنائية وغياب الحكم الرشيد. وهناك أموالنا المنهوبة على مدى 23 عاما في ماليزيا وحدها 13 مليار $ مثلما كشفت بعض المواقع الاسفيرية . كاد اليأس يعصف بنا بأنه حتى وان تم التغيير وأتت الديمقراطية فما العمل فيما حدث من تدني للقيم وجرائم يصدمنا بها الاعلام كل يوم لكننا رأينا ما فعله التغيير بالمصريين فقد ذكر د.محمد محي الدين استاذ علم الاجتماع ومستشار برنامج الأممالمتحدة الإنمائي في القاهرة الذي تحدث لقناة الجزيرة عن علاقة طردية بين غياب الكرامة والانحراف وقد شهد الناس للمصريين في ميدان التحرير بتحل غير مسبوق بالقيم الراقية.كما كتب محمد ابو العينين في الاهرام اليومي عن القيم التي ولدت من رحم ثورة 25 يناير وقد كانت الأوضاع في مصر قد وصلت لوضع مأساوي من جرائم التحرش الجنسي في الشوارع والميادين العامة وجرائم الأقرباء من الدرجة الأولى ضد بعضهم بعضا وغيرها من جرائم يندى لها الجبين وقد كانت كلها جرائم مرتبطة بالفساد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وقد تنوعت آراء اساتذة الطب النفسي وعلم الاجتماع حول تداعيات التشوه الاجتماعي في منظومة القيم الاخلاقية قبل الثورة ولكنهم اتفقوا على التغيير الايجابي الذي حدث لهذه القيم والذي صاحب الثورة. هذا التوصيف للمجتمع المصري قبل ثورة 25 يصف بتطابق مذهل ما آلت اليه الأمور عندنا في السودان مما يجعلنا نأمل بما تؤيده حقائق الأحداث من حولنا في تغيير ايجابي لسلوكياتنا بمجرد حدوث هذه الثورة المباركة لنعود كما كنا: منارة يستهدي بها الآخرون. وسلمتم umsalama alsadig [[email protected]]