خلال شهري شوال ورجب كان الناس بين الازقة والحارت في مدن السودان الكبيرة وقراها البعيدة يستنشقون رائحة " الحلو مر " الذاكية اشهر مشروبات شهر رمضان الفضيل والذي يعشقه السودانيون ويتناولونه بتلذذ ويعتقدون في فؤائده الكبيرة يرؤي ظماء النهار الصيفي الطويل ويمنح الشبع وتساعد مكوناته من مسحوق الزنجبيل والهيل والقرفة المعدة على الهضم وتعده النساء طحينا من الذرة والذرة النابت مخلوطا بكميات متوازنة من مسحوق الكركدي والتمر وكانت أمي " امنه كانور " وسدها الله الباردة أكثر ما يشغلها ومطلع شوال ورجب ان تكون لديها صرة مليئة " ببهارات " الحلو مر .. ما احلاها ايام . يوم " العواسة " تتجمع نساء الحي في بيت احداهن فالخلطة المجهزة منذ ثلاثة ايام قد حان خبزها على اكثر من صاج كبير غالبية نساء بلادي يحتفظن به في ركن قصي لهذا اليوم ويجهزنا كمية كبيرة من الاخشاب فأقوى البوتجازات كفاءة تفشل في نضج رقائقه لغلاظة مكوناته وسماكة عجينته والتي تحركها المراة " بالقرقريبة " منحوته خشبية صغيرة لفرد العجينة حتى تنضج وتلف في شكل مربعات تحفظ في كراتين كبيرة تكفي قطعتين منقوعة في الماء تصفى وتحلى بالسكر وتبرد كمشروب بطعم خاص ما بين حلاوة التمر والسكر وحموضة الكركدي ورائحة الزنجبيل والدارسين وتوابعهم .. بعد جمعة " لحس الكوع " وعد الرئيس عمر البشير المعارضة في خطابة الجماهيري الشهير خلال افتتاح مصنع سكر النيل الابيض بان صيفهم سيكون حارا " يشوي شوي " كناية عن ارتفاع درجة حرارته حد الشواء في اشارة تقاطعية لما عرف بالربيع العربي وعلى الطرف الاخر في محيط مسجد الانصار بامدرمان وابواب جامعة الخرطوم فرائحة البارود ومسيل الدموع تدفقها القوات النظامية لتفريق المظاهرات الطلابية في مدن وجامعات السودان تطغى على رائحة الحلو مر الذي اصلا باتت لزوال وضمرت مكوناته بسبب موجة الغلاء الفاحش وتذبذب اسعار العملات الاجنبية وجشع بعض التجار . رائحة مشروب رمضان الاساسي لم تتراجع فقط لان رائحة البارود طغت على رائحته الفواحة ولكن " غول الغلاء " سيطر على الاسواق فما عادت الامهات والحبوبات في استطاعتهن شراء الزنجبيل والقرفة وتوابعها انه غلاء طاحن قلص الصرر التي كانت تشتريها امي امنة كانور اسكنها الله الفردوس الاعلى فمن رحمة العلي القدير انها غادرت هذه الفانية ولم تشهد رفيقات دربها واهل حارتها يضربن كفا بكف بعد كل جولة فاشلة في اسواق البهارات الملتهبة اسعارها وضغوطات معيشية خانقة واختناقات سياسية تجعل الابواب مواربة لكل الاحتمالات . وما بين مراهنات المعارضة التي لا تغادر فذلكة الاحاديث ومنصات الفضائيات يبقى حديث " الشوي " وتوابعه مهادنات جماهيرية تنتشر في فضاءات الكون وتشوه سماحة " الزول " وهي لن تعيد للغبش رغد العيش في بلد تقول مضابط التاريخ انه سلة غذاء العالم ولن تعيد للحلو مر نكهته الذكية ومكوناته الغنية ولا نعتقد ان مصنع سكر النيل الابيض سيزيد للغبش كوتتهم المتناقصة من السكر او توازن لهم ابجديات سبل العيش وضروراته والتي لم تداويها الجرحات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة اخيرا.. وتبقى عسرات عطش صيام نهارات رمضان أقل الاضرار لان القائمة تطول فالبعض سيبلعها ماء زلال واخرين ستزدان مؤائدهم بكل ما لذ وطاب ..آه يا وطن .. يا ترى متى يجلس رموز البلاد ليتحاوروا ويتشاوروا ويغسلوا اياديهم ويزرعوا ليحصدوا قوت للعباد المكتوي اصلا قبل ان يعلن رئيس البلاد ( الشوي شي ) .. عواطف عبداللطيف [email protected] اعلامية مقيمة بقطر همسة : أمي امنه كانور .. وسدك الله الباردة ولرفيقاتك وجيرانك رب يحميهم من غول الغلاء ومن عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له .