البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    السودان.."الولايات المتحدة" تسبق"الهجوم الوشيك" بدعوة عاجلة    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإمبريالية والمعارضة السودانية .. بقلم: د/الحاج حمد محمد خير


بسم الله الرحمن الرحيم
Email:[email protected]
العاصفة المثلى: الواقع الأممي
عالم الإقتصاد الأمريكي نوريل روبيني الذي تنبأ بأزمة العقارات ولم يتنبه له النظام الأمريكي خرج الآن بدراسة جديدة يتنبأ فيها بما أسماه “Perfect Storm" العاصفة المثالية بأنها قادمة وأن معالمها تتمثل في تباطؤ النمو الإقتصادي للولايات المتحدة وأوربا والصين. وقد تنبأ بأربعة معاملات تحدد النمو الأمريكي والديون الأوربية وتباطؤ نمو الإقتصاديات الصاعدة “BRICS" وخاصة الصين وتزايد احتمالات استخدام القوة العسكرية ضد ايران. هذه المعاملات الأربع هي معالم العاصفة المثالية. فالتضخم في الصين "وبالتالي ستعاني الإقتصاديات المرهونة للإقتصاد الصيني مثل الإقتصاد السوداني". ويعتقد روبيني انه عكس ازمة 2008 حيث كان لدى الساسة ومتخذي القرار في البنوك المركزية رصيص الوصفات او طلقات التسكين فانهم الآن ليس في قبعاتهم أي ارانب ليسحروا فيها الأزمة. فالإحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوربي وبنك الشعب الصيني عندما تدخلوا الأسبوع الماضي لم يؤثر تدخلهم البتة على تدني سوق البورصات العالمية. في هذه الأجواء يتصاعد الصراع بين الأطراف والمركز (وهو قلب الأزمة للرأسمالية – وهو التعريف للإمبريالية – أي سيطرة رأس المال المالي- دون هذا الضبط الدقيق للمصطلح سرعان ما تسيطر ايديولوجيا غير علمية ومنهجية ولا يتمكن الجمهور صاحب المصلحة في ارادة التغيير من معرفة موقع المجموعات الإجتماعية (العمال- الزراع- خريجي المدارس المدنية والعسكرية) وبالتالي توزيع عائد الإنتاج.
ليس الأموال والقوة العسكرية هي الأسباب لمقاومة سيطرة وهيمنة الإمبريالية انها التعبئة الجماهيرية هي التي تحدث التغيير من القاعدة الى الأعلى. فالمعارضة السودانية تعارض الحكومة بنفس أساليبها في مجالات الإمبريالية والعزلة عن التعبئة الشعبية. في اجتماع مع مثقفين من أجل السلام وإستدامة البيئة وهو تجمع لأكثر من مائة خبير في الثقافة والأدآب والفنون والتاريخ وعلماء الطبيعة والأحياء ومفكرون مستقلون من أكثر من 21 دولة قال لهم فيديل كاسترو: قاوموا ولا تستسلموا فتدعوا التشاؤم ينتصر هذا واجبنا. ان الصديق فيديل عرفناه ونحن صبية وظللنا نحفظ مقولته المشهورة "ان الرجل (الشخص لزوم الجندره) الحقيقي هو الذي يبحث عن طريق الواجب لا طريق المنافع". أزمة الضمير الإنساني التاريخية وهي الكسب من عرق ودماء الآخرين تعمقت في عصر ظلامية الإمبريالية فصارت النخبة السياسية من خريجي المدارس المدنية والعسكرية – حكاماً ومعارضين – تتبع اما علناً او سراً عمليات التخريب المنظم لسيادة الشعوب المتمثل في التدخل العسكري والسياسي باسم الديمقراطية. وهذا لا يعني انهم عملاء كما يسارعون للتفسير الإقصائي بل هذا تعبير عن ضعف الوعي العلمي السياسي ولا يفرقون بين الشراكة السياسية المنتجة مع قوى الرأسمال العالمي والإقليمي وبين التعبية.
طبيعة الدولة الحالية:
حكم الإنقاذ تمخض عن دولة ترعاها الإمبريالية معلوم القول "جوًع كلبك يتبعك" فسياسة حافة الهاوية وهي دولة شمولية لا تعترف بالمساواه او تكافؤ الفرص في حالة من الإحتراب الداخلي ويهيمن عليها تفكير اصولي وتتزايد فيها الهوة بين الأغنياء والفقراء ويكفي للمقارنة ان خريجي المدارس الدينية لا يقومون بأي عمل ويتلقون قروضاً حسنة "ومعنى الكلمة هنا منح غير مستردة" ووظائف ذات دخول عالية جداً. انها الدولة التي دار حولها الصراع في اوساط البرجوازية منذ كتابات ارنست رينار في 1881 و 1883 الدولة التي لا تفرق بين الحكومة والدين ومثل لها (الكاثوليكية) او الدين والعرق وهي التي تمثل دولة اسرائيل. ويصل فيها التفرقة مداها حتى الوزراء بعضهم لديه ميزانيات تسيير مفتوحة وآخرين يتركون بلا موارد لزوم ان يعلموا انهم مجرد جعلهم وزراء كان تفضلاً من اولياء النعمة.
مثل هذه الدولة تصبح غير جاذبة لسكانها وخاصة الشباب والذين يمكنهم ان يجدوا حياة أفضل وتكسب مهني شريف في مكان آخر ويكفي ان نشير الى مكاتب التخديم للأطباء مثلاً توفر ما بين 1500 و2500 وظيفة سنوياً. انه انتحار سياسي للدولة. ولكن شعب السودان المعادي للإمبريالية حتى النخاع لديه العلاج الناجح لفشل النخبة من ابنائه خريجي المدارس المدنية والعسكرية لاحظ الشارع السوداني هذا الفشل وصل الخوف والهلع من الإمبريالية بأهل الإنقاذ مدى لم يشهده حتى حكومة افغانستان وباكستان. وتنزل الولايات المتحدة الأمريكية عليهم العقوبات صباح مساء ولم يبقى سوى ان تملى عليهم ما ينفقون على اولادهم وهم يلهثون ويتعبون لخطب ود الإمبريالية فترمي لهم الفتات وخاصة ما يظنون انه تأييد وهو ما يعرف بمد الحبل ليشنقوا انفسهم لمزيد من التبعية.
لا تتوقف الصورة القاتمة عند هذا الحد من فقدان الأمل في الحكام بل يتعداه اختراق الإمبريالية الى صفوف احزاب المعارضة. لتجعل المخبر اقوى الضعفاء قامت الإمبريالية بزعزعة المعارضة وتمكنت من ان تحدث فيها ضعضعة في كل جسم معارض على حده ومن ثم يكون اجتماعها اجتماع التناقضات. فما يسمى بقوى الإجماع الوطني بالداخل يعرف بالجهة الثورية في الخارج وبالطبع فان السيطرة على قوى الخارج أكثر سهولة بالنسبة للإمبريالية لأنها عبر الاموال العينية والنقدية وانعدام قدرة النظام على شراء خريجي المدارس المدنية والعسكرية العاطلين عن المواهب السياسية والكارزماتية وبدخول الإقتصاد النفق المظلم حيث يسير انهيار الجنيه امام العملات الأخرى حثيثاً ويرتقع التضخم لأكثر من 40% ويلهث النظام لسد الفجوة المتمثلة في العجز البالغ اثنين بليون دولار ولكن هذه الحلول قصيرة الامد لا يساعد في استعادة العافية حيث يتوقع أن ينكمش الإقتصاد وبنسبة 7% حسب تقريرات الIMF. وهذه الحلول قصيرة الأجل صارت ايضاً جزء من المشكلة على المدى المتوسط والطويل بسبب تراكم التضخم الذي يتجه ليصبح تضخم مركب hyper-inflation.
وعلى الرغم من محاولة خفض الترهل إلا أن ميزانية الأمن والدفاع وأغلبها ايضاً مرتبات وأجور ورغماً عن عدم إعلان أي تخفيض فيها فان الصرف عليها بالعملة المتضخمة يجعلهم يعلمون ان النخبة السياسية وهي جسم اضافي في الدولة يتغير وفق مقتضيات احتياجاته الذاتية للإستمرار في الحكم وان مؤسسات الدولة العدلية والأمنية والشرطية والدفاعية تدرك حينها أهمية حياديتها ودفاعها عن مصالح افرادها في الإستمرار في اداء الوظيفة العامة بمهنية واحترافية وبمسافة واحدة من كل الأحزاب السياسية بما فيها الحزب الحاكم فمثله مثل أي نخبة سياسية يستولى على السلطة باسم الشعب وعندما يفشل في استدامة برنامجه السياسي وتنكشف عورته السياسية تحاول جاهده التماهى مع مؤسسات الدولة ويحملها أوزار فشله السياسي وهذه النخبة السياسية منذ عهد الإستقلال تفشل في أمرين أساسيين هما :-
أولاً: حفظ التوازن بين مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمؤسسات المدنية.
ثانياً: حفظ التوازن بين المصالح الوطنية والمصالح الإستراتيجية الدولية.
في إصلاح نظام الدولة: كشف حساب المعارضة الرسمية:
أتيحت للمعارضة – المدعيه انها رسول التحول الديمقراطي- فرصة ذهبية في إصلاح نظام الدولة. لقد شاركت هذه المعارضة بعد اتفاقية نيفاشا التي كان معلوماً أنها ستؤدي للإنفصال وبمسميات هي إتفاقيات أسمرا والقاهرة وأبوجا. لم تتحدث ولا اتفاقية واحدة حول السياسة الخارجية ولم تنسحب أي من الكتل السياسية عند اجازة قانون الأمن الوطني ولم يرفع أعضاء البرلمان وتائر مشاركة الجمهور بالعرائض او النضال القانوني في المحكمة الدستورية ومفوضية الدستور وفرض ما هو معروف في النظم الديمقراطية بالتوازنات والرقابة المؤسسية (Checks and balances). فالهلع الذي أصاب النخبة الحاكمة من تحرك الشارع أصاب ايضاً نظيرتها المعارضة. فسلطة الشارع قاهرة وفاضحة لعورة الجهلاء الذين يعتقدون انهم دجنوا الوعي العام ويلهثون لستر عوراتهم البائنة للناس "انظروا لهذا الرجل العريان". سارع المعارضون بتدجيج بيانات فارغة المضمون الديمقراطي، انظروا الى وثيقة البديل الديمقراطي اولاً تسكت عن الوضع الحالي وتتقدم بوثيقة لما بعد سقوط النظام لم تعكس سوء التردد والفشل وإعادة إنتاج المحاصصات على حساب المبادئ وسيادة حكم القانون وفصل السلطات والرقابة على الممارسة السياسية وفوق هذا وذاك تسكت عن إنتقاص السيادة الوطنية وإستباحة البلاد لأجهزة التخريب والتخريب المضاد ولا تقدم فقهاً يسحب بساط الكذب والتدليس بإسم الشريعة هي قوله تعالى "ومن لم يحكم بما انزل الله" وانزل الله امره بقوله عزً وجلَ " واذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل" "ولا يجرمنكم شنآن قوم أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى". ولذا عندما تطلب العدل تجميد الحدود وهو "المتغير" في معادلة حكم الله و"الثابت" هو العدل رفعها عمر وتحايل عليها ابوجعفر المنصور وأختزلت إجرائتها في مدرسة السنة المذاهب الأربعة وركز على المعاملات فيها بما يتناسب مع الإرث الفارسي المذهب الجعفري ومحاولات التوفيق بين هذه المذاهب كلها كانت للتوافق مع الواقع والبيئة وإحداث برنامج الحد الأدنى بين المسلمين وهو تحريم الدماء والأعراض على المسلم. ووثيقة دولة المدنية كانت الممارسة الفعلية لوحدة الأديان والأعراق في الحكم فالدين لله والوطن للجميع "دولة المواطنة".
ان الصياغة الفضفاضة المنبنية على رؤية انانية معزولة للنخبة جعلت النخب السياسية تسعى للإستيلاء على جهاز الدولة والتماهي فيه تماماً كما فعلت الإنقاذ دون اعتبار للبرامج السياسية ودون حياء تجاه معانة الأفقار المنهجي التي تحدثها برامج الخصخصة واعادة الهيكلة. فورقة البديل الديمقراطي هي نفسها شعارات نيفاشا والقاهرة وأسمرا والتجديد والخلاص الوطني.
ولم يسعى أي من الفرقاء في الحكومة والمعارضة لتوضيح الخط الفاصل بين الوطنية والتبعية وبين دور المواطن المقيم في داخل السودان ومجموعات المهجر التي اكتشفت ان المواطنة تعني أكثر من تحويل بعض الأموال لتقيم أود الأسرة.
نحمل المعارضة التي دخلت المحاصصة بعد اتفاقيات نيفاشا بمسميات اتفاقية اسمرا – اتفاقية القاهرة والإتفاقيات الثنائية بين طائفة الأنصار وحزب الأمة مع الحكومة بأنها مسئولة من اطالة عمر الأزمة الوطنية.
تتسم هذه الإتفاقيات بأنها تبعت المثل السيئ لنيفاشا- رغماً عن الصوت العالي ضد عدم اشراكهم فيها- حيث ان الشراكة الوطنية هي أعرض تمثيل للنخب الحزبية على حساب البناء الموضوعي لدولة المؤسسات. بل وصل الأمر حد التواطؤ غير المسئول على الديمقراطية فمارست الأحزاب الحاكمة والمعارضة. وهذه الظاهرة ليست مرتبطة بهذه الحقيقة السياسية الحالية – بل كانت منذ الإستقلال احدى العقد السياسية لخريجي المدارس المدنية والعسكرية اذ يسيطر عليهم عقل تقليدي محافظ وابوي يأتي من ثقافة الرعاة والمزارعين والأسرة الأبوية او الأمومية. وهي ثقافة ايجابية في المجتمع ولكنها سالبة في السياسة.
النظرة لما بعد سقوط النظام ترفض ان تشارك – (الخط الإصلاحي) وحل المشاكل الملحة التي تهدد الوجود العضوي للدولة السودانية. فالنظام العالمي لا يحترم السيادة الوطنية إلا بالقدر الذي نحترم فيه انفسنا ومصاللحنا ونقدم هنا بعض الأمثلة:-
اولاً: جبال النوبة وقميص عثمان:
يدعي الجميع حب آل البيت (النوبة) ولكن قلوبهم مع النوبة وسيوفهم مع من يدفع أكثر.
معركة جاوا في فبراير الماضي التي بدأتها القوات المسلحة بسذاجة القيادة السياسية المتمثلة في أحمد هارون وشركاؤه فأنتهت بتكوين جبهه من الحركة الشعبية في الشمال والجنوب وحركة العدل والمساواه فنجح هذا التحالف بعزل القوات المسلحة لصالح مليشيات الحزب الحاكم . ونستطيع ان نقول بثقة هزمت قوات اللوبي الكنسي الصهيوني الاسود قوات ال CIA. وفي هجليج كسبت القوات المسلحة المعركة لصال حماية الحدود الوطنية فسارعت النخبة السياسية بتحويل الأمر اعلامياً بأنه انتصار للمجاهدين.
ثانياً: وفي الحب ما قتل!!! حالة جنوب السودان بعد الإنفصال:
هكذا هو حال العصبية الأمريكية في الكونغرس تحالف اللوبي الأسود والكنسي والصهيوني الذي مارس الضغوط في إطار الصراع الغربي ضد العروبة والإسلام في افريقيا. هذا التأييد الأعمى للجنوب وخاصة من نخب العاصمة الأمريكية ينطبق عليه المثل "وفي الحب ما قتل". الجماعات الإنفصالية افترضت انها حققت الحكم لشعبها وسارعت لأخذ حقها من اموال الشعب حتى طفح الكيل بالرئيس سلفاكير وخرج للعلن بان النخبة الحاكمة سرقت اربعة بليون دولار وطالبهم بإعادتها وكأنه فاق من سكره طويلة فعادت الفكرة لا لأسباب تتعلق بالضمير المهني بل لأن الأموال صارت في ايدي المحاسيب على اسرائيل ونخبة العاصمة الامريكية وذكرتنا بقصة تحكي عن مدير بوليس الأقليم الجنوبي والذي اتاه نائب مدير الشرطة في ولاية بحر الغزال حاملاً كعب رخص السلاح فأمر بصرف دفتر جديد له وبعد قليل جاء مدير الشرطة مطالباً بدفتر الرخص فأخبره بأن نائبه قد أخذه فوضع يديه على رأسه تعبيراً عن الحسرة وعندما سئل لماذا هو محتار هكذا قال "ياكلوا براه ما ادينا معاه". هذا هو حال سلفاكير ان محاسيب اسرائيل استولوا على المال العام وأكلوه دون ان يعطوا الرئيس ما يجعله يقدم الخدمات لشعبه. فخرج من باب شمسون الجبار "وهو كما تعلمون يهودي" بمقولة "علي وعلى الأعداء يارب". وغض النظر الغربي على أحسن الفروض هو الذي ادى بانجولا وزمبابوي ودفع بهما في طريق الديكتاتورية وظلامية القرون الوسطى.
وقد حدث الكثيرين بجنوب السودان مراسل موقع الأطلنطي The Atlantic.com بأن اربعة بلايين ليست سوى ما ظهر من جبل جليدي اسمه الفساد في جنوب السودان وعلى الرغم من ذلك بعد مرور ايام قليلة على هذه الفضيحة التي فجرها رأس الدول خرجت المنافقة هيليري كلنتون لتقول بنجاح دولة جنوب السودان ويصرح أحد أركان الأمم المتحدة بجنوب السودان بالقول "بأنه لم يكن هناك في التاريخ أي سابقة تشبه حالة جنوب السودان بحجم المؤسسات التي يجري بناؤها والهوه الماثلة في القدرات البشرية لإدارة هذه المؤسسات واحتياجات المواطنين".
نيال بول- الذي تدرب في مدرسة المهنية الصحفية السودانية – وحرر صحيفة سيتزن يصرح بالقول "بأن هؤلاء السادة لا يعرفون معنى الحكم الراشد او الشفافية ويعتقدون ان نضالهم من الغابة قد انتهى وجاء عهد الرفاهية". هذه النخبة الحاكمة اختارت الإستئثار والإستقلال وبالتالي شئنا أم ابينا انتقل التعامل معها من أسلوب دولة بنظامين (كما في كثير من البلدان) الى التعامل بالمثل وهو القانون الذي يحكم العلاقات الثنائية بين الدول المستقلة. فرغم ايماننا المطلق بالحق الديمقراطي للشعوب في تقرير المصير. إلا أن النخبة الجنوبية الحاكمة إختارت ايضاً طريق التبعية فهي بدلاً من ان تكون شريكاً للولايات المتحدة مثل اسرائيل اختارت ان تكون تابعاً لإسرائيل.
الأزمة في دارفور: مكره اخاك لا بطل:-
تمر الأزمة في دارفور بصمت القبور بعد أن سيطر المشروع الأمريكي للتهدئة على الأوضاع بوثيقة الدوحة وهو الثمن الذي دفعته الحكومة الأمريكية ومنذ أن صارت السيادة الوطنية الأمريكية في أيدي الأجهزة الأمنية مقابل قبول إنفصال الجنوب. سكنت كل الحركات المسلحة وانتقل الصراع الذي كان يسمى بين العرب والزرقه الى مرحلة أخرى بين العرب والعرب ثم الآن بين الزرقة والزرقة في شرق دارفور حيث تدور المعارك بين زرقة الحكومة المتمثلة في تحالف المجموعات الصغيرة وهي البرقد والبرقو والتنجر (وطبعاً أهم اقدم العرب الذين تسودوا) ضد الزغاوة.
انتقال الحركات المسلحة الى الجنوب يؤكد انها في محور اللوبي الكنسي الأسود وهو المحور المسيطر في السياسة الخارجية الأمريكية على جنوب السودان يجعل من حركات دارفور المسلحة سماسرة حروب يؤيد من يدفع أكثر ولذلك فانهم خطر على دولة الجنوب لتحالفاتهم القبلية مع القبائل الجنوبية المعادية لهيمنة الحكومة وخاصة النوير والشلك والفراتيت وتأييد هذه المجموعات جعل من منطقة بحر الغزال الكبرى مستنقع آسن بسبب الصراعات القبلية. وفي نفس الوقت فان وثيقة الدوحة كنظيراتها وثيقة ابوجا تفشل في إقامة إدماج المجموعات في نظام الحكم بالإدعاء بأن هناك سلطة لدارفور إنتقالية وهو أحد أعباء الإقتصاد المنهك والسبب هو ان خريجي المدارس المدنية والعسكرية من أبناء دارفور لا يرغبون في العودة لإهلهم إلا كحكام وفي نفس الوقت فان الحكومة لا مانع لديها مادام يأتي معهم مانحيهم الذين يسددون لهم الخدمات وفي هذه الحالة تقوم الحكومة بالصرف على المرتبات والمخصصات وغيرها والعكس صحيح اذا دفع وهذا يؤكد ان ان النخبة كما كررنا كثيراً – عسى ان نجد آذاناً صاغية في الحكم او المعارضة – تتماهى مع جهاز الدولة ولا ترغب في إجراء إنتخابات عامة او إستفتاءات عامة على صفقاتهم التي يكتبها من الالف الى الياء الخبراء الأجانب ، والنتيجة عدم إشراك الجماهير وإقصائها.
لم يفتح الله على احزاب المعارضة بكلمة وننصح بان يضم برنامج الحد الأدنى الوطني عقد انتخابات عامة حرة ونزيهه يقول فيها الشعب كلمته ويعكس خريجي المدارس المدنية والعسكرية جديتهم في النأي بالوطن عن هذه الجراحات الترقيعية.
إذن يخلص المراقبون والخبراء الى ان التحركات في ميزان القوى بين المجموعات الإثنية في دارفور وإستمرار إمداد الأسلحة والذخائر بواسطة الحكومة دعماً عبر الحظر المفروض على الحكومة وترابط الأزمة مع الأزمة المستمرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق.
رئيس الجبهة الوطنية العريضة: لا لقبول أي مساومات في القضايا الوطنية لا إتصالات بين الحكومة والمعارضة علي محمود حسنين يصرح للشرق الأوسط ان على قوى المعارضة والشعب السوداني تفادي الحوار والصفقات الثنائية مع نظام البشير. ويصنف المعارضة بأنها نوعين وهما "المعارضة المحترفة" وقال انها دائماً على استعداد للمساومة والثانية "المعارضة التي تنظر للقضية لا لمصلحة الحزب او الكيان او التنظيم. ويعتبر مشروعه الذي قدمه متكاملاً لفترة ما بعد البشير. وماذا عن فترة حكم البشير؟؟!!
الخلاصة:
لا الجبهة الوطنية العريضة ولا الإجماع الوطني ولا الجبهة الثورية تلامس قضايا المواطنة والوطن وأكثرهم ضلالاً هم الذين يتماهون مع الأجنبي دون أدنى إحترام للسيادة الوطنية وكلما كان الحزب السياسي او الحركة السلمية او المسلحة خائبة ومرهونة للأجانب كلما كان الوضع السياسي مأزوماً ومتوتراً. اما المعجبين بالنظام العالمي بعد حصولهم على الجنسية والإقامة بالغرب فهم في رومانسية ثورية يحلمون بوطن من صنع ماضي الذكريات.
ان السودان "بطنوا بطرانه" وحركة الشارع السوداني الذي تربى في النضال السلمي ضد الإمبريالية بإنتزاع الإستقلال وإنتزاع الحريات العامة والتعددية السياسية من النخب العسكرية التي كانت تستولي على السلطة لصالح مشروع المؤسسة العسكرية في الوصول للمعدات والتجهيزات التي تفشل النخب المدنية في إدراك أهميتها في صراعها الساذج والسطحي على مغانم الدولة. والأن يتجه النظام الحاكم لنفس المصير لأنه فشل في مصداقية التداول السلمي للسلطة والتوازن المشروع بين مكونات المجتمع السوداني العرقية والمذهبية. وبالتالي فضل طريق التبعية مع الإمبريالية للإستمرار في الحكم فخلقت قاعدة التناقض مع ارادة الشعب الحرة. فالموضوع ليس زيادة أسعار بقدر ما هو تدني الإرادة الوطنية بإستخدام برامج اعادة الهيكلة وهي وصفة صندوق النقد الدولي وكسب ود نظام "السوق: وهذا السوق وسيدته الأولى الولايات المتحدة حددت دور هذا النظام بأنه مخبر وليس للمخبر من عمل سوى تزويد المعلومات وأي مطلوبات أخرى تحتاجها المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة.
ان على طلائع الشعب السوداني من كافة الوان الطيف السياسي ان يتذكروا اولاً ان برنامج الحد الأدنى الوطني هو وحدة التراب السوداني منذ ان ميزه بعانخي بسترزدنا الشمالية وميتيلسا حدودنا الجنوبية وبادي ابوشلوخ حدودنا الشرقية وملوك الكيرا حدودنا الغربية. وكل هذه النخب قد حمت السيادة ووحدة التراب الوطني فكنون بن عبدالعزيز ملك البجا عندما هزمه عبدالله القمي فرش فروته مستعداً للموت (856 ميلادية) وفعل ذلك الخليفة عبدالله في ام دبيكرات فإستشهد مدافعاً عن شرف الدولة الوطنية. وكذلك فعل المجددون في الفكر الإسلامي المعادي للإمبريالية فإستشهد ود حبوبة السحيني في كسلا والفكي علي في جبال النوبة ومحمود محمد طه في الخرطوم والمجددون للوطنية السودانية الحديثة علي عبداللطيف وعبدالفضيل الماظ وعبدالخالق محجوب دافعوا بثبات عن مبادئ بناء الوطن. هكذا دوما كانت رايات الوطنية السودانية معادية للإمبريالية وصناعها واذنابها. برنامج الحد الأدنى يتطلب درجة من الأخلاق الوطنية ونكران الذات من النخبة السياسية الحاكمة والمعارضة تماماً كما قال شاعر العربية:-
بلادي وان جارت علي عزيزة وأهلي وان ضنوا علي كرام
فالسودانيون بالخارج من دون ان يشعروا تسهم تحويلاتهم التي تبلغ اربعة مليار دولار في دعم ميزان المدفوعات وهي الحبل السري الذي يدهش غير السودانين في كيف تستمر هذه الحكومة الفاشلة في تسيير الأعمال رغماً عن انها لا تتلقى أي مساعدات ولا يسمع هؤلاء سوى التجريح والإساءة ولكنهم في نفس الوقت يعكسون تدني الوعي الوطني – وخاصة المقيمين بالغرب – والمختصين بالتعاون مع الغرب.
برنامج الحد الأدنى الوطني يتطلب تقديم كافة القادة والجماعات السياسية بطلب العفو من الشعب في تعاملهم السري والمتردد امام الأجانب في مبدأ التعامل بالمثل. برنامج الحد الأدنى الوطني يتطلب الإلتزام الصارم باستقلال مؤسسات الحكم الدستورية واحترام كيانها المهني ووقف ازدواجية السلطة. فبدلاً من التخزيل وتشويه السمعة لأفرادها ودمغهم بأنهم "مؤتمر وطني" حفزهم للقيام بواجبهم المهني وفق القوانين السارية.
برنامج الحد الأدنى الوطني يتطلب الإلتزام الصارم بالتداول الديمقراطي الشفاف داخل الأحزاب نفسها وأن تكون مفوضية حقوق الإنسان المسماه من مختلف الأحزاب السياسية هي الحارس على مجلس الأحزاب السياسية فالحزب الذي لا يمارس الديمقراطية قانوناً واعرافاً هو الذي يسهل اختراقه ويصبح مركز قوى للصراع الإمبريالي للأسواق ولا يحترم الكيان الوطني والطبل الأجوف اعلى صوتاً!! فاسقاط النظام ارادة الشارع الوطني والأحزاب السياسية عليها ان تقوم بدوها في حشد التأييد العام والمؤسسي لممارسة الديمقراطية الملتزمة بالمحاسبية والشفافية. عندها فقط لا يسقط الشخوص بل يسقط النظام الفاسد الذي يرفض التداول السلمي للسلطة والحقوقي للثروة.
ويتطلب برنامج الحد الأدنى الوطني الصبر على المكاره فحكم الشارع الوطني وهو يتجه يسارع الخطى نحو اسقاط النخبة الحاكمة لا لأنها زادت الأسعار ولكن لأنها افرغت المشروع السياسي للحكم من محتواه الوطني فتماهت مع الإمبريالية وافرغت الهوية الدينية والثقافية من محتواها الوطني. ولم تفشل المعارضة في التأثير على نفسها اولاً في الوحدة وعلى الشارع في حركاته الأخيره ايضاً لنفس السبب وهو تشرذمها وفق مقتضيات تحالفاتها الخارجية فلا أرض قطعت ولا ظهر أبقت.
ونذكر بأن بني عدوان كانوا اعز العرب قوة ومنعة ثم اختلفوا فيما بينهم فصاروا أضعف العرب، فنعى ذي الأصبع العدواني اهله وقال:
غدير الحي من عدوان كانوا حية الأرض
بغى بعضهم بعضاً فلم يبقوا على بعض
وقال تعالى:-
"ومن يوق شح نفسه فقد أوتي فضل عظيم"
فكل الأيديولوجيات تأتي تحت الوطن والمواطنة. وعلى النشطاء القابضين على جمر المواطنة ان يستمروا في دور الناصح الأمين والإنتماء الصارم لحركة ونبض الشارع الوطني. فالرجل او المرأة الحقيقي هو الذي يبحث عن طريق الواجب لا طريق المنافع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.