السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حالة المد والجزر بين الوطنية والإمبريالية(22)
نشر في الصحافة يوم 25 - 02 - 2011

هل يعي الحلفاء الآخرين الذين إستندوا على الولايات المتحدة في شمال البلاد وجنوبها ليكلفوا الشعب إحباطاً ثقافياً وأن يجهزوا لأن تنتقل أزمة الحكم الوطني من فشل النخبة المركبة التعددية لتظهر النسخة الجديدة للأزمة في الشمال للشمال عرقي / ثقافي يعارض جنوب عرقي / ثقافي بالسطحية والجهل!!.
وعندما صدق الحريري حلفه مع الولايات المتحدة وقدم نصائح مراكز القوى الأمريكية - الخاضعة لتمويل المصاريف الصهيونية - عزل نفسه عن المحيط السياسي اللبناني الذي خلقه بنفسه وهو محيط «سني»ولكنه لا علاقة له بلبنان. وحاول بهذا المسخ الواهن الإفتراضي ان يزيح المقاومة الواقع الموجود فعلاً على الأرض انجازاً في التحرير ولجماً لعرض القوة والترهيب المستمر من قاعدة الإمبريالية المصنوعة تماماً لهذا الدور والمسماه دولة اسرائيل.
دولة اسرائيل التي حتى الآن أعتقدت انها أنجزت معركة الوجود بتدجين النظم العربية واخافتها وتفتيت صمودها خلف قضية فلسطين والقدس وإنتقلت في مشروع وجودها لدعم الفضاء الإستراتيجي للدولة ببلقنة الصومال والسيطرة على القرن الإفريقي وإندفعت بعد إقامة قاعدتها في عنتبي في منابع النيل وتحقيق إنفصال جنوب السودان مع الهيمنة غير المباشرة على مجريات المتبقي من الدولة السودانية. يجب أن ندرك أن الخارج لا يجد اليك سبيلا ألا اذا كان قدرة الداخل على التوافق ضعيفة. فالجنوبين لم يعطوا أي ضمانات لإستمرار مصالحهم التي حققوها في اتفاقية السلام بالإستدامة لعدم انضباط النخبة السياسية بقيادة المؤتمر الوطني وهي نخبة تسنمت السلطة بالإنقلاب ولم تستطيع ان ترسخ التحول الديمقراطي لأنها تفكر في الشريعة الإسلامية بلغة الماضي وتخشى من الماضي أكثر من ثقتها في الحاضر والمستقبل وتنسى أو تتناسى أنها تنفذ شريعة الغاب والقهر التي وضعها نظام مايو وهي لم تسهم لا في تطوير الممارسة ولا النظرية كما فعل اوردجان في تركيا حيث وازن بين ثقافة الشعب المسلم وإرثه السياسي وتحالفه مع الإمبريالية القديمة (اوربا) والجديدة (الولايات المتحدة).
في يوم النصر الضخم في إنجاز هذا الشوط داخل الفضاء الإستراتيجي للدولة «العبرية» ضرب حزب الله المحيط اللبناني وخرق الشعب التونسي عباءة الحليف الإستراتيجي وألحقه بسلطة عيدي امين في الحرم المكي طلباً للمغفرة من ربه عما فعله من إهمال واجباته تجاه أولى القبلتين وقبل أن يحتفل مع اولاد اسرائيل في الحركة الشعبية بالنتيجة المبتذلة 98% (لا يذكرون انها من 77% من الذين سجلوا) للإنفصال ودك الشعب المصري تجربة إعادة مصر لدولة الفراعنة التي ألغت تاريخ مصر المعاصر وسلخها- كمحاولة سلخ الناموسه - من ريادتها وطليعتها في جبهة الصمود والدفاع ضد الإمبريالية. ان الإمبريالية ترتكب ما يمكن تسميته ب SOCIOCIDE التصفية المجتمعية.
أزمة خريجي المدارس المدنية والعسكرية:-
جوهر هذه الأزمة هو فقدان الإرادة السياسية في مفهوم التحالفات عامة ومع الولايات المتحدة والأسياد القدامى ? بريطانيا وفرنسا - أو عدم الإحتفاظ بمسافة كافية للدفاع عن المصالح الوطنية والمتمثلة في حماية الفضاء الوطني وحجزه برمته للصراع السلمي الوطني. آفة هؤلاء انهم لا يجيدون خلق توازن بين المؤسسات المدنية والسلطة السياسية والمؤسسة العسكرية الوطنية.
ثبت ذلك منذ الإستقلال حين انطلقت حركة الشارع المدني وتحقيق الحريات الأساسية وتأكيد الحياد الوطني بعيداً عن سياسات الأحلاف ولكن قيادة تلك السياسة لتلك الحركة ? ممثلة في الحزب الشيوعي- كانت تستبطن الدعوة للحياد لصالح سياسة كسر الطوق الغربي عن الإتحاد السوفياتي وبالتالي أخافت المؤسسة العسكرية التي كانت وقتها منهاجاً وتسليحاً تتبع للنمط الغربي وفي ظل الخلاف بين القوى السياسية الجديدة والتقليدية لم يكن هنالك من مخرج سوى إستلام الجيش للسلطة.
لم يعي الجيش أنه لم يخلق ليحكم بل ليحمي ولكنه إستمرأ فكرة الحكم نيابة عن القوتين المدنيتين وهما الشارع المدني والقوى السياسية المحافظة ولم ينفتح حتى على صغار الضباط والجنود ومال أكثر نحو هذا الإتجاه. وأعتقد النظام العسكري أنه يستطيع أن يوظف ردة فعل الشاعر تجاه أحداث توريت بتصعيد العمل العسكري ضد «التمرد» ويخلق حوله توافقاً وطنياً ينسى أطراف المعادلة السياسية معسكر إنتقال التحالف من الإمبريالية القديمة للإمبريالية الجديدة «الإتحاد السوفياتي» فكانت قرارات طرد القساوسه (لدعم التحالف مع الأنصار والأخوان) وتوقيع إتفاقية مياه النيل (لدعم التحالف مع عناصر وحدة وادي النيل) وفتح حوار التعاون الإقتصادي مع الإتحاد السوفياتي (لجذب العناصر اليسارية) كان على الجيش أن يخرج نفسه وأن يحقق مصلحة الجيش المؤسسة في ضمان تدفق الاسلحة والتدريب ولكنه فشل وبالتالي صار على حبال التوازنات السياسية فسقط في فخ هذا التوازن بإنتفاضة أكتوبر.
إعتقدت تلك الفصائل من صغار الضباط التي حاصرت القيادة العليا وفرضت عليها الرضوخ لمطالب حركة الإحتجاجات في الشارع وبالتالي تم حل المجلس العسكري وإقامة حكومة انتقالية أجرت انتخابات «حرة ونزيهة» ولأن حركة اليسار لم تر في الإنفتاح الديمقراطي صمام الأمان جرت بسرعة لضرورة تأكيد دور الإتحاد السوفياتي وتعزيز مواقع التحالف معه أكثر من ادارة الأزمة الوطنية وبالتالي سقطت الديمقراطية التعددية بانقلاب عسكري آخر يتناسب مع موسم الهجرة السياسي شرقاً.
قامت مايو وبسرعة تحرك معسكر اليمين لتحريك الحشد «الدولي» اللازم لعزل بؤرة التأييد السوفياتي. عمى النخبة وعدم جديتها ظهر جلياً في هجرة النخبة اليسارية للسلطة تحت مسمى الإنقسام في الحزب الشيوعي فخط عبدالخالق الذي يرغب في تحويل الإنقلاب لحركة شارع سياسية تخلق خلقاً (الرومانسية الثورية) وصفها أحمد سليمان (المؤتمر التداولي وهو آخر ممارسة للديمقراطية بين تيارات الأيديولوجية داخل الحزب الشيوعي) بأن عبدالخالق يرغب في تجميد الحزب في شكل المعارضة ونحن «زهجنا لمتين ما نبقى وزراء عشان نحقق البنحلم بيهو يوماتي». هذا التفكير الذي رسخ لدى المتعلمين السودانيين سواء بالفكر العلماني أو الديني المهم ليس المبادئ بل الوصول للموارد العامة وتصر هذه النخب عند الوصول لإستدامة الموارد بأن تأتي بحلفائها من الخارج لتمزيق الوحدة الجغرافية للبلاد.
هذا المثل السئ الذي قدمته النخب السياسية هو الذي يساعد الأجيال الجديده على النهوض الفكري على منهج الدولة الوطنية المبنية على مؤسسات فصل السلطات وتكافؤ الفرص. فالكل تخرج من المدرسة (مدنية او عسكرية) ولذا دون الإنضباط والإلتزام الصارم بقواعد المؤسسة مدنية كانت أم عسكرية سريعاً ما يدخل الخارج وتسقط الشعارات ويسيطر الخارج على السوق الوطني فيجري التنافس وإبعاد العسكريين من خلال إقامة المليشيات ويجري إقصاء المدنيين بالعمالة الأجنبية من أعلى المؤهلات لأدنى الأعمال الهامشية.
الدروس من تونس ومصر:
لم تعد حركة الشارع بسبب الفقر والجوع والعطالة فحسب بل بسبب الغاء الوجود الموضوعي للمنافسة الإجتماعية الوطنية واحترام المهنية القطاعية والعامة في ادارة الشأن الوطني والتي تسقط في تقاطع التحالفات بين النخب وبالتالي تسهل على الخارج عمله.
الإستمرارية والتغيير ايهما تختار؟؟.
إنفصال الجنوب تتحمل النخب الجنوبية مسئوليته لأنها تدافع عن حق شعب الجنوب في الحفاظ على المكتسبات التي حققتها اتفاقية السلام. بالطبع إنبنى كل ذلك على كذبة الجنوب الإفريقي والمسيحي مقابل الشمال العربي والمسلم ولذا إضلعت منظمة الهجرة الدولية (IOM) الجناح الناقل للأفراد لصالح الصندوق اليهودي (حالة نقل الفلاشا من اثيوبيا عبر السودان ايام مايو) بالحملة لإعادة الجنوبين كانت في منتهى القسوة حيث وضعوا أطفالهم ومسنيهم في ميادين في زمن برد الشتاء القارص وأحتفلوا بأعياد الميلاد المجيد ورأس السنة في العراء ولم يتم نقلهم حتى الآن، وكان الغرض أن يصبحوا هدفاً سهلاً للعنصرية الشمالية وتنطلق الفتنة تماماً كما يحدث في مدينة الإسكندرية والمدن العراقية ويلغى الإستفتاء وتشتعل الحرب الأهلية مرة أخرى هذا هو السيناريو السيئ.
أما الأسوأ فهو أن ينتقل الصراع من حرب أهلية بسبب الدولة الكلونيالية الفاشلة الى حرب اهلية بين «الشمال المسلم العربي» والجنوب «المسيحي الإفريقي» وهذا ما أنجزه الإستفتاء وكما قال السيد رئيس الوزراء المصري الجديد بأن الطرفين في السودان فشلا في الصمود أمام الضغوط الخارجية ففصلوا بلدهم. الجنوبيون ضحوا بال 30% في كيكة الوظائف القومية ومنصب النائب الأول والذي يعوضه رفع نسبتهم في حصة البترول. ولكن بالطبع الهزيمة الأخلاقية العظمى للحركة الشعبية التي أعلنت انها الطليعة والقائد لأحداث ما عرف بإسم السودان الجديد هذه تكلفة الإنفصال وعبئه التاريخي ولكن في نفس الوقت تسعى لإيجاد تحالفات دولية جديده لأن المحيط العربي والإسلامي لن يقبل الجارة الجديدة لأنه اصلاً محيط عاجز ولا يعرف الديمقراطية وأما المحيط الإفريقي (كما تحاول الحركة الشعبية ان تسميه) فهو ينظر للدولة الجديدة كولد سفيه وثرى فشل في الإحتفاظ ببلده موحدة وبالتالي على نفسها جنت براقش فهو سيتعرض للإستلاب من الجيران الأفارقة والذين يخضعون للنفوذ الأميريكي (جناح البلاك كوكس والكنيسة والمحافظون الجدد). ان على الحركة الشعبية ان تراجع حساباتها ان كانت تريد لأهل الجنوب الخير اما اذا كانت رهينة الإمبريالية فان ما تصورت انها ستحتفظ به بالإنفصال فهو وهم لن يصمد طويلاً. يا لها من وحدة وطنية التي تحدثها المعونة الأمريكية ويا لها من وحدة وطنية رائعة تحدثها المعونة الأميريكية في تمويل الإستفتاء وتمويلها بدفع رواتب الخبراء وعلى رأسهم جون ونتر الحاكم الفعلي لجنوب السودان والمنتدب من القس/ جراهام شيخ المبشرين الإنجليين الذي يفكر بعقلية النازيين القدامى (فالنازية لا جديد لها) فهي قائمة على العرقية. وفي خلال اسبوعين من اعلان اكبر تزوير لإرادة الشعب الجنوبي انطلقت الصراعات الدموية ثلاثة جنرلات من الجيش الشعبي في مناطق مختلفة من الجنوب والنتيجة مقتل مائة وخمسة من أطراف الصراع جلهم من المدنيين. وبدأت عملية تصفية للعقلاء والوسطيين من النخبة الحاكمة فكان اغتيال وزير التعاونيات نهاراً جهاراً وفي مكتبه في وسط العاصمة جوبا. وعلينا ان نقتنع بأن 98% من سكان الجنوب قد صوتوا للإنفصال.
أما الشمال الخاضع للنفوذ الأميريكي المعروف بتوافق وشنطن. والذي يسعى الآن لرفع العقوبات وتكون البلاد والعباد رهينة التناغم بين أطراف اللعبة السياسية للإمبريالية داخل الولايات المتحدة أو بينها وبين الدول الأخرى.
منذ توقيع إتفاقية السلام وكل الجماهير متأكدة ان الشريعة المعلنة هي نفسها التي أسقطتها الجماهير في إنتفاضة أبريل 1985م. وهنا يبرز عجز النخبة في الشمال فلا هي طورت عملية التحول الديمقراطي وذلك بتطوير الحكم الذاتي الذي جاءت الإتفاقية بها كأساس للحكم بالولايات. حتى تضمن نظام شريعة اسلامية حديثة تؤمن بالتداول السلمي للسلطة وتقسيم الثروة بالعدل والقسطاس بعيداً عن دجل المركز الإقصائي. شريعة تعلم أن دينها واحد ولكن التعبير عن وسائل كسب العيش قد قسمتنا الى تسع وتسعين فرقة واحدة هي الناجية يوم القيامة (الأيديولوجيا). ولا احتفظت بوحدة البلاد.
وتنتظر ايضاً دارفور- مقسمة الى ثلاثة او خمسة ولايات لا يهم- ضمانات المركز بعيداً عن الشريعة التي أسقطها شعب دارفور في إنتفاضة أبريل 1985. أو أيضاً تكون دارفور اقليماً واحداً ويتمتع بالحكم الذاتي وبالضرورة اذا اعتقدت النخبة انها تقدم هذه التنازلات التي تضعف المركز الواحد «لصالح الشريعة!!!» فإن بقية الولايات أيضاً تطالب بحكم ذاتي وقد تكون الوحدة مع مصر بالنسبة للشمالية ومع اريتريا بالنسبة للإقليم الشرقي. هل هذا ما يرغب فيه حراس الماضي المعادي للعدالة والديمقراطية. هل هذه هي الحركة الإسلامية التي انبثقت منذ الإستقلال ام هي مسخ مشوه ينفذ برنامج الإسلام السياسي الذي صممه بيرنارد لويس مع الإستخبارات الأمريكية لزعزعة النظام السزفياتي وبلغنة العالم الإسلامي لصالح المشروع الصهيوني المهيمنة على رأس المال المالي الدولي؟؟.
ولذا فان النخبة في النيل الأزرق وجنوب كردفان وهي حققت مكاسب ديمقراطية بالإنتخاب للوالي / الحاكم والمجلس النيابي ولكن الضمانات وهو المطلوب كشرط لإستدامة الدولة الديمقراطية التي يتداول فيها الناس السلطة سلمياً عبر صناديق الإقتراع ويحرسها قضاء مستقل وخدمة عامة- مدنية وعسكرية- قائمة على مبدأ تكافؤ الفرص. وهي الدولة الوطنية في مقابل الدولة الكلونيالية السائدة حالياً حيث تستلب النخبة ?بدون اعتبار لطريقة الوصول اليها- السلطة وتجعلها فساد وتفريق.
واذا كان الجنوب قد إقتنع بأن المركز يدعي انه ينفذ الشريعة الإسلامية وفي الحقيقة هو يمارس الهيمنة والإنغلاق حتى مع بقية المسلمين- ولذا رأت النخبة الجنوبية ? ان تكتفي بما في يدها بضمان الإنفصال (وهو خيار العاجز من وجهة نظر الوطنية السودانية).
كذلك نلحظ خروج المشورة الشعبية عن مجرى المنصوص عنه وهو مسار إفترض أن الإنتخابات جاءت بأشخاص يمثلون حقيقة دوائرهم وبالتالي يعودوا لهذه القواعد ويسألونهم عن ضمانات إستمرار وترقية التجربة الديمقراطية التي حدثت. وان ما تم هو الحكم الذاتي فعلاً ولكن إستمرأ هيمنة المركز بشكل غاشم يمنع الجمهور والنخبة الولائية من ممارسة صلاحياتها وفوق ذلك ان سلطتها في الولاية لا تكون مكافأة لسلطة المركز الذي يصر على استلابهم بالموارد.
الحل العاجل للأزمة:
دولة الشريعة الإسلامية هي دولة الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان وأن معيارالحقيقة هو الممارسة فإن كان التضحية بانفصال السودان (وطبعاً شملت ايضاً التضحية بالأقلية المسلمة في الجنوب !!!) هو بسبب الشريعة فان الشريعة التي تقوم على قاعدة لا ضرر ولا ضرار وقاعدة رفع الضرر اولى من جلب المنفعة. فالضرر قد لحق بالأمة السودانية بسبب ان الأحزاب السياسية كلها يميناً ووسطاً ويساراً تتوحد في نوعية القيادة الشائخة والتي تؤمن بالمكر والخداع والإلتفاف على أبسط قواعد اللياقة الإجتماعية في الإعتراف بالتعددية بين تياراتها وبين الأجيال. يبدأ الإلتزام بالشريعة عندما تلتزم القيادة بصرامة بأن التغيير ارادة والتواصل بين الأجيال في داخل كل حزب حق مكتسب إنعكس هذا السوء في السلوك القيادي بأن إنتشر فقدان المهنية والمؤسسية داخل هذه الأحزاب (فكيف ما تكونون يولى عليكم) وقد ثبت أن قيادات الأحزاب حولت القيادة لوسيلة لكسب العيش الدائم وبالتالي لا تعتد كثيراً بتقاليد الديمقراطية فهم يعتقدوا أنهم وجدوا ليبقوا لذا يجب أن يفرض قانون الأحزاب إقامة المؤتمرات والإشراف عليها بلجان محايدة. وان تتم مراجعة الحسابات الحزبية بواسطة المراجع العام.
أما في الحزب الحاكم (شمالاً وجنوباً) صار ذلك حالة من العزلة والتقوقع وصلت مستوى يهين فيها شاغلي الوظائف العامة بتواصلون فقط مع أنفسهم. تصوروا شخصاً يدعي أنه متخصص ثم يجمع وظيفة برلمانية (منتخبة) ويكون مستشاراً للرئيس وموظفاً حزبياً رفيع المستوى. أبسط ما يعكسه هذا السلوك أن هذا الشخص لا يدرك أن الدولة وظائف عامة تراقب بعضها البعض. فرئيس الجمهورية ونائبه وكافة الوظائف الدستورية يمكن ان يرعوا مؤسسة خيرية وحملة للتشجير ويكونوا رؤوساء لها لكن لا يحق لهم ان يكون رئيساً لمؤسسات ربحية كيف يكون شاغلي الوظائف الدستورية اعضاء في البرلمان هذا أمام الناس وسراً يكونون القضاة متخذي الأحكام. إن دولة الشريعة في أحلك ايام التتار والصليبيين كان لها قضاة كرام استشهدوا لرفضهم التدليس للسلطان. دولة الشريعة في الألفية الثالثة تعتقد وتجزم ان كل راع مسئول من إقامة إدارة عفيفة اليد واللسان وقائمة على حكم القانون ويكون ذلك صدقة جارية وتلتزم بحديث الرسول (ص) « من ولى أحداً امراً وفي الناس خير منه لا يشم رائحة الجنة».
إقتصاد الدولة الإسلامية قائم على إعطاء الأجير أجره قبل أن يجف عرقه. الحرية الإقتصادية في دولة الشريعة لا تعني حرية رأس المال في نهب المسلمين بل تعمل على مبدأ تكافؤ الفرص حتى لا يكون دولة بين الأغنياء. كيف يتم تحويل المال العام? مؤسسات القطاع العام- للبيع ودون إلزام المشتري بحقوق مستمرة ليس للعاملين فقط بل للمنطقة التي يوجد بها المؤسسة. إن الخاسر ليس المؤسسة بل القيادة التي تقودها والقانون الذي يحكمها. اذا عرف المدير انه يتم محاسبته لما خسرت لكن المدير المحمي من أعلى يستطيع أن يخفي خسائره ويرفض المراجعة. كيف في دولة الشريعة وهي لتحقيق مقاصد الدين في جعل الدنيا مطية للأخرة لا يكون هناك أعمال لمبدأ تكافؤ الفرص. إعلان في الصحف يعلن عن حاجة المؤسسة لبيت خبرة اداراتها ويكون التنافس في اعلى عرض ممكن. لأن الأصول «الأرض والبنية التحتية» ملك سيادي للشعب السوداني لا يمكن بيعها للأفراد. فالإسلام لم ينشره الأغنياء أو الفقراء نشره الإيمان والقناعات بالجدوى الروحية والإقتصادية والإجتماعية لنظامه القائم على حرية الفرد في التغيير الإجتماعي والتنظيم والتملك والإنتقال والبحث العلمي، فدولة الشريعة هي دولة العلم والعمل به.
إقتصاد دولة الشريعة لا يقوم على التحايل على مفاهيم الشريعة وإعتبار التداول النقدي فقط كوسيط بين السلع في حين ان النقود هي سلعة ايضاً وبالتالي هناك مدخلات وإهلاك وإحلال وبالتالي هامش ربحي لإستدامة انتاجها. ادخال البنوك في عمليات الشراكة والمرابحة هي التي تعطي هامشاً ربحياً ربوياً وهذا بالضبط ما نزل القرآن في تحريمه. ويبلغ العبث والإستهتار بمفاهيم الشريعة مداه عند ادارة بنك السودان في كيفية التعامل مع عائد المضاربة في الأموال السيادية والذي يجنب كمال «خبيث» ثم يولغ فيه المحاسبية ويثرون دون حسيب أو رقيب.
المطلوب نظام مصرفي يضبط حركة التعامل في الأسواق المالية بقواعد العدالة الإجتماعية ومبدأ تكافؤ الفرص. نظام اقتصادي شرعي والشريعة هي حق عام لا يخصص لأي أحد ولو مليماً واحداً لا يستحقه ولذا فأن كل العقود العامة يجري تداولها علناً وفق ضوابط العطاءات العامة والمنافسة الشريفة بين اصحاب الأعمال. بنيت مئات الأميال من الطرق هل رأيتم لها اعلان واحداً في الصحف السيارة؟؟!!.
الأمن الوطني في دولة الشريعة ليس حفنة من الأفراد تطارد الطلاب المتظاهرين او العاطاين المطالبين بحقهم في العمل او تزوير انتخابات النقابات وملاحقة الصحفيين، هل تصدقوا ان مظاهرة متواضعة استمرت لمدة ساعة كان حصيلة المعتقلين خمسمائة وقتيل واحد وعدة اصابات ودولة الشريعة وصفها حق المناصحة فيها القرآن الكريم وطبقها عمر الفاروق بصدق لا ممارة فيه ولا لبس قال عمر «ان رأيتموني على غير الحادة فقوموني بلسانكم قالوا له «بل بسيوفنا هذه» قال لهم (الحمد لله الذي اكرمني برجال مثلكم) انه يجمع المعلومات حول جماعات التخريب التي تنظمها الموساد ووكالة الإستخبارات الأميريكية ويساعد متخذي القرار السياسي في الردود الموجعة لقوى الإستعمار الحديث التي تلهث للسيطرة على الموارد. فالولايات المتحدة تصدر استثناء لسلعة الصمغ العربي وسلمت الملف لأجهزة مخابراتها لتنفيذه فكان التصعيد والتضخيم لملف دارفور وانتقلت من أزمة كان في الأصل يتعامل مع الشراتي والدمالج والميارم والحبوبات لأزمة دولية وأزمة انسانية تشترك فيها 167 منظمة عالمية وخلف هذا الجدار الكثيف يجري تهريب الصمغ العربي للخارج وعندما تضررت فرنسا من القلاقل على بوابتها الغربية (تشاد) أغلقت الحدود بحرس الحدود السوداني(الأميريكي) والتشادي (الفرنسي) ولكن استعاضت عنها بحدود جديدة هي الحدود مع جنوب السودان وعمقه اليوغندي. وبالطبع جمع المعلومات وتحليلها وتقييم خيارات الدفاع عن الأمن الوطني مهمة شاقة لا يقدر عليها إلا اولي العزم من الناس.
جهاز الأمن الوطني ضرورة وحتمية لأنه يدفع عن دولة الشريعة خطر التخريب بلعبة الحرب. اما الجيش الوطني فهو عنوان المنعة والسيادة الوطنية وهو دخرنا للجم العدوان العسكري فعقيدته القتالية هي صد الجيوش الأجنبية وليس عقيدة مكافحة الإرهاب المخادعة التي تتبناها اجهزة الإستخبارات الغربية لتحول الجيوش لتابع ذليل يستجدي المعدات ويكون ضعيفاً لحفظ التفوق لصالح العدو الإستراتيجي ولحشد الموارد وبناء العقيدة القتالية يحتاج الجيش ان يكون مؤسسة واحدة مستقلة غبن السياسة ولا تنافسه مليشيات ولا يقتل القبائل ويسلحها لتحارب نيابة عنه. وحين يقوم بعمليات يعلن اسباب ذلك ويقيم معسكرات النازحين ويعطي المدنيين فرصة للخروج قبل أن يبدأ عملياته وبانتهاء العمليات يعيد الناس الأبرياء وفق قانون الحرب في الشريعة الأسلامية الذي لا يقتل شيخاً وإمرأة ويقطع شجرة. وتكون عقدته القتالية «كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله» وعرض المسلم يبدا من كرامته الشخصية وينتهي بحرمة النساء انهن في التكليف شقائق الرجال.
بداهة تكون السياسة الخارجية لدولة الشريعة تعادي من يعادي الوطن وبالتالي تضغط على القوى الإمبريالية وتمنع تماماً التدخل في الشأن الوطني سراً او علناً. بإختصار منهج دولة الشريعة وطنياً معادياً للإمبريالية ويتم قياسه وفق ذلك.
أظن أن هذه الملاحظات تصلح خارطة طريق لبرنامج الحكومة ذات القاعدة العريضة التي دعا لها السيد رئيس الجمهورية.
ألا هل بلغت اللهم فأشهد
EMAIL: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.