بسم الله الرحمن الرحيم بعكس ما يدعي بعضهم من صلابة الدين وقوة " الأيمان " في هذا البلد ، يصور تاريخنا المحلي مواقف ، أخشي شخصيا ، أنه لو خرج علينا للتو " المسيح الدجال" ، فسيكون أول من يؤمن به ويتبعه الكثير من اهلنا ، بل ربما ، يكون الدجال نفسه " ود بلد"!!. من المرجح أن أغلب مصادرنا وثقافتنا الدينية مستقاة من مرجعيات الرموز والطوائف الدينية والطرق الصوفية ومؤخرا ، من الجماعات والفرق الاسلامية وهي كلها - كما تنسب لنفسها- معابر لولوج الدين الصحيح ، حيث تعتمد علي ميكانيكا الاستقطاب سعيا لحشد أكبر قدر من المؤيدين. وبالرغم من أن كل منها يدعي حوزة الدين الصحيح وفي نفس الوقت ، لا يعترف بالآخر ، فإننا سنكون أمام مشهد هزلي مشوش ، حيث تكون الرسالة في واد وهؤلاء بزعمهم في واد آخر ، بينما يكون المواطن العادي المستهدف للاستقطاب ، بحسن نيته ، أو بحكم مصالحه الذاتية ، إما مشتت أو مستلب الارادة ، بين العقلية الاقطاعية لهؤلاء وتلك الانتهازية ، الاقصائية لأولئك ، وإذ كان هناك ثمة حاجة لوحدة الدين والهدف ، فإنه سيكون من الصعب ، حسب ما نراه ،علي كل هذه الفرق ، أن تجتمع علي رأي واحد ، أو ترجح رأي علي الآخر لصالح وحدة الصف. نحن نسأل فقط كل أولئك الساسة الذين يحملون أفكارا دينية ويتشدقون بها دوما ، هل كل هذا الفساد الذي نراه من الدين في شئ؟!! الإجابة بالطبع ستكون... لا !!. إذن لماذا تسمحون ، بل وتعايشون وتمارسون كل هذا الفساد؟. أي دين هذا الذين تدعون إليه والذي بسببه قتل وشرد الكثير من الأبرياء المسلمين وغير المسلمين؟!. قبل أن نلج إلي عرض بعض النماذج " المحيرة" في تاريخنا المعاصر ، لابد أن أذكر أن علماء التاريخ والاجتماع من الوطنيين ، حاولوا الاستعانة بمعايير النظريات الأوربية لتوثيق التطور الاجتماعي في المجتمع السوداني في خلال الفترة (1841-1881) ومنهم المغفور له الدكتور حمدناالله مصطفي حسن(1)* فوجدوا أن هذه المعايير لا يصلح تطبيقها في السودان نظرا إلي " خصوصيته المتميزة" . فالسودان في نظرهم ، قد ضم قبائل عربية وأخري نوبية وبيجاوية وزنجية ، بالاضافة الي الأجانب الذين وفدوا من أنحاء العالم ، حيث أن لكل منهم خصائصه الثقافية وصفاته المتباينة ، الأمر الذي حدا بهم الي طرح المعايير الغربية جانبا ودراسة كل جماعة علي حدة. والمهم في هذه الدراسات أنها وصفت الجماعات المقيمة علي أرض السودان وصفا جيدا ، إلا أنها لم تركز علي العناصر التي تجمع هذه القبائل وتجعل منها دولة واحدة متجانسة متماسكة. ومع ذلك ، فقد تولي الاستعمار التركي ومن بعده الثنائي المصري الانجليزي مهمة تكوين وتوصيف الدولة السودانية في إطار من الحدود الجغرافية والهياكل الادارية- حسب مصالحه الاستعمارية- وعمل علي إلباسها لباس الدولة العصرية ولكن في ثوب قبلي طائفي لا يمكن الاقتراب منه أكثر من ذلك ، لا في ذلك الزمان ، ولا حتي الآن. في خلال تلك الفترة وما تلاها ظهرت حركات تمرد وطنية ، أرتكز جلها علي فكرة " المهدية" أي المهدي المنتظر الذي يقارع غير المسلمين ويعيد للاسلام سيرته المزدهرة الأولي *2 /تاريخ الحركة الوطنية في السودان ، فنري علي سبيل المثال : 1- تمرد علي عبد الكريم : إدعي بعد إنهزام المهدية أنه سيأتي المسيح من السماء ليقود المؤمنين الأنصار ضد أعداء المسيحية ومنهم البريطانيون ومن ثم يعود من جديد العصر الاسلامي السعيد . عرض علي عبد الكريم ومن معه علي محكمة مكونة من سلاطين باشا ونعوم شقير والبمباشي نيوول وقررت نفيهم إلي منطقة حلفا باعتبار أن دعوتهم تشكل خطرا علي الديانة الاسلامية وبناء علي تقرير لجنة مكونة من شيوخ مسلمين. 2- تمرد ود حبوبة: من الموالين المخلصين للحركة المهدية قام بحركة تمرد في عام 1908 ، إذ ذكر أن ما يفعله " هو لله وسيموت فداء لله " وبالفعل قتل ود حبوبة ومن معه المأمور والمفتش وتم القبض عليه وأعدم فيما بعد بتهمتي التمرد والقتل. 3- تمرد عبد الوهاب بجزيرة تنقاس : أحي الروح المهدية في عام 1908 وجمع ثلة من الاتباع وإتهم بالتمرد علي الحكومة. 4- تمرد الشريف مختار : في عام 1910 أعلن الشريف مختار ود الشريف هاشم أنه النبي عيسي . تم القبض عليه وأعدم. 5- تمرد الفكي نجم الدين : أعدم في عام 1910 لتعصبه الديني وإثارة الأهالي ضد الحكومة. 6- الفكي مدني : من منطقة النيل الأبيض. أعلن في عام 1910 أنه النبي عيسي وتم القبض عليه. 7- الفكي عكاشة أحمد : وهو من أتباع ود حبوبة . أعلن في عام 1912 أنه المهدي المنتظر. القي القبض عليه وأعدم. 8- أحمد عمر (الفلاتي) : وهو من سوكوت بدارفور. أعلن في عام 1915 أنه النبي عيسي . تم القبض عليه وأعدم. سبقه أيضا من بني جلدته الفكي محمد الخزين من برنو. أعلن في عام 1902 بكردفان أنه المسيح المنتظر. 9- محمد الحاج سانبو : من رجال الدين المتعصبين . جمع مجموعة من الهدندوة والفلاتة وهاجم قلعة كسلا. 10-محمد السيد حامد : إبن أخت المهدي . أعلن في عام 1919 أنه النبي عيسي بمنطقة الفونج. القي القبض عليه وأعدم شنقا. قبل بضعة أشهر ، أطل علينا أحدهم معلنا أنه " المسيح المنتظر" وقد قيل أن السلطات قد استتابته فتاب ، والله أعلم . إن كل الذين ذكروا بعاليه ، خلطوا بين الجهاد وبين الزعم بالنبوة ومع ذلك صنفت حركاتهم كحركات تمرد وطنية ووفقا للثقافة الشعبية ، ربما عدوا أبطالا وطنيين في زمنهم. المشكلة المتكررة دوما علي مدار التاريخ المعاصر هو ظهور أفراد أو جماعات أو حتي قبائل ، تجعل من نفسها حامي حمي الدين ، تستقطب الناس وتنافس بهم الجماعات الأخري ، مستقية مصدر قوتها ، من توصيفات إيحائية كأنصار، إخوان ، سلفية ،إسلامية ، أشراف وإذا أمعنا النظر في هذه التوصيفات سنجد أنها تعبر عن إختلاف الرؤي في دين ، قوامه التعاضد ووحدة الصف، يجمع الناس ولا يفرقهم. إنها نفس الطريقة المعهودة ، تبدأ دوما هكذا ...شخص واحد يجمع الناس حول رؤية أو فكرة محددة ، ثم يحدث بعدئذ التشرذم!!. هنا في هذا البلد ، وبدون أي حياء أو غيرة ، يصبح دين الله ألعوبة وتجارة رابحة لكل من ينشد السلطة والثروة أو من كان به حمية الجاهلية ، أوحتي مريضا ، يري ما يشبه الدين من منظور متزمت ويزيد الطين بلة ، سطحية أغلب الناس وجهلهم بدينهم ، فينساقوا بارادتهم وراء دعوات كاذبة خاطئة. متعكم الله بالصحة والعافية كل أهلنا ونسأله تعالي أن يتقبل صلاتنا وصيامنا وقيامنا وأن يوحد قلوبنا جميعا علي طاعته ومحبته وأن يرفع من شأن بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين...آمين. المراجع : (1) التطور الاقتصادي والاجتماعي في السودان (1841-1881): دكتور حمدناالله مصطفي حسن. (2) تاريخ الحركة الوطنية في السودان 1900-1969 بروفيسور محمد عمر بشير الدمازين في :23/07/2012 محمد عبد المجيد أمين(عمر براق )