بعد 56 عاما نسترجع مسيرة كفاح جيل سكبوا الدموع والدماء رخيصة حتى نالت بلادنا استقلالها ،والاستقلال ملحمة شارك فيها الطيف السياسي والاجتماعي والديني،وهو احتقان ثوري فجرته الأجيال السابقة جيلاً بعد جيل إلى أن كتب الجلاء على الجلاد في لوحة وطنية تعكس أن السودان فسيفساء، وتنوع ينبغي أن يكون مصدر ثراء وقوة، ولكن الفشل في إدارته حوّله الى شقاق ذهب بجزء عزيز من الوطن وشعب اختار العيش منفردا. أول الحركات الدينية كانت في قرية الشكابة قام بها الخليفة شريف وأبناء الإمام المهدي، وفي 1899م ظهرت حركة علي عبد الكريم فقبض عليه ونفي إلى وادي حلفا ،و1900م تمرد جنود الكتيبة 14 السودانية واعتقلوا بعض الضباط البريطانيين،وفي العام ذاته ثار الفكي محمد في جنوب دارفور وهو من قبيلة البرنو وقد اعتقل ثم أعدم ،و1902م ثار دينكا أقار قرب رمبيك بقيادة ميانق مايتانق وهاجموا جيش الحكومة وقتلوا قائده البريطاني،و1902م ثار محمد الأمين الجعلي - وقد اعتقلته الحكومة وأعدمته، و1903م ثار محمد ود آدم الدنقلاوي في سنار أعتقل ثم أ?دم ،و 1904م امتنع سكان جبل شات وجبل الداير عن دفع الضرائب، و 1904م ثار سليمان ود البشير موسى وأحمد البرقاوي وقد اعتقلا ونفيا،و 1906م حوادث تلودي فقد ثار الأهالي وقتلوا المأمور و45 من جنود الحكومة ،وفي 1908م اندلعت حركة عبد القادر ود حبوبة بقرية الحلاوين وقد اعتقلته الحكومة بعد ان استبسل فيها ، ونفذ فيه حكم الإعدام شنقاً. وفي أغسطس1924م تمردت الكتيبة 11 وقادها الملازمون عبد الفضيل الماظ - وثابت عبد الرحيم - وحسن فضل المولى - وسليمان محمد - وعلي ألبنا - والسيد فرج،وبعد مسيرة وطنية حافلة بالبطولات والتضحيات حتى تم إجلاء آخر جندي بريطاني من السودان في 16 أغسطس 1955م. وفي 19ديسمبر 1955 م وقف النائب عبد الرحمن دبكه "حزب الأمة" من دوائر نيالا حيث قال: " نحن أعضاء مجلس النواب في البرلمان ، نعلن باسم الشعب السوداني ان السودان قد أصبح دولة حرة مستقلة كاملة السيادة ، ونرجو من معاليكم أن تطلبوا من دولتي الحكم الثنائي الاعتراف فوراً بهذا الإعلان". ثم وقف النائب مشاور جمعة سهل " وطني اتحادي " وثنى الاقتراح واصفاً إياه بالتاريخي. اثر ذلك أعلن الزعيم إسماعيل الأزهري استقلال السودان من داخل البرلمان في تلك الجلسة التاريخية الخالدة. ولكن بعد تلك العقود صار الاستقلال في حياتنا أهازيج وأناشيد عند مفتتح كل عام، 56 عاماً من الخيبة والتقدم الى الخلف حتى سقط المشروع الوطني لآباء الاستقلال بانفصال الجنوب،وتغيير الخريطة الديموغرافية للبلاد. ومهما اجتهدنا في ايجاد مبررات للطلاق السياسي بين الشمال والجنوب فلا يمكن أن نصفه الا بأنه فشل للمشروع الوطني ،الأمر الذي يتطلب صياغة مشروع وطني جديد يستوعب المتغيرات والتحولات الجذرية التي شهدها الوطن،ولن يحدث ذلك بطريقة ترضي أصحاب المصلحة الحقيقية من المواطنين الا عبر حوار مفتوح وتهيئة البيئة المناسبة قانونياً وسياسياً واتاحة الحريات للتوصل الى عقد اجتماعي يعبر عن إرادة الوطن،وبغير ذلك فستمر المناسبة كل عام وخريطة السودان منقوصة وأرضه تضيق بأهلها،ولكن دعونا نتفاءل ، وأقل ما يمكن أن نتفق عليه نبذ العنف وإف?اء السلام وتغليب لغة الحوار وازالة ما بالنفوس من احن وضغائن، ولنغسل صدورنا في بداية العام الجديد فلعلنا نتجاوز ما بنا من احباط وارهاق سياسي ومصاعب اقتصادية ،وليس ذلك على الله بعزيز.