نما إلى علمي وجود الأستاذ عبد الكريم الكابلي في واشنطن وكنتُ قد التقيت به وشرفني في داري في العاصمة الأمريكية أثناء زيارته الماضية .. وكالعادة على أسلوب الكابلي كانت جلسة تخللها الكثير من الطرب والأنس والشعر والأدب .. عندما سمعتُ الخبر كان لسان حالي يقول : أقل ما يمكن عمله هو أن أرحب به من على البعد - وأنا هنا في كاليفورنيا – ببعض من الكلمات علها تليق بمقامه وبما قدمه من خدمات للفن والوطن .. الترحيب بهذا الفنان غير العادي دين علينا كسودانيين في الوطن أو في الاغتراب .. وفي وقت تتراجع فيه قيم الفن والوعي الثقافي في الوسط الفني تزداد قيمة الكابلي كفنان متفرد .. تدافعت الذكريات ورجعت بي إلى حكاية لا أمل من تردادها .. في منتصف ثمانينيات القرن الماضي عندما كنت أعمل صحفيا في واشنطن جمعتني الظروف بأحد الدبلوماسيين العرب وتحدثنا عن بعض الشؤون التعليمية والثقافية في العالم العربي .. فجأة سألني الدبلوماسي الأديب سؤالا لم أتوقعه: هل تعرف عبد الكريم الكابلي؟ أجبت بأنني أعرفه حق المعرفة ولكن لماذا؟ سألت محدثي ... قال : بعد يوم طويل من العمل غادرت مكتبي في واشنطن متوجها إلى بيتي في فرجينيا وعندما اعتلت السيارة جسر نهر "البوتاماك" الذي يفصل فرجينيا عن واشنطن دي سي طلبت من السائق أن يدير مفتاح الراديو وكانت محطة هيئة الإذاعة البريطانية من لندن تبث مقابلة مع فنان سوداني اسمه عبد الكريم الكابلي كما قال المذيع في التقديم .. يتابع محدثي قائلا : سمعت شرحا جميلا عن خصوصية الفن السوداني واختلافه عن الفن العربي بالرغم من أن وسيلة التخاطب في كليهما واحدة وهي العربية .. ولكن – يواصل الحديث - ما جعلني انتبه أكثر وأتابع بتركيز هو إجابته على السؤال التقليدي في هذا البرنامج الذي أداوم الاستماع إليه: إذا وضعتك الظروف في جزيرة منعزلة وطُلب منك أن تحمل معك كتابا واحدا إلى جانب القرآن الكريم فماذا تفعل؟ أجاب بلا تردد أحمل معي "لسان العرب" وتحدث حديث العارف عن فائدة اللسان ومتعة مصاحبته .. تذكرت كل هذا وأنا في هذا الشهر الفضيل حين تتغيرعاداتي ومنها النوم مبكرا .. ففي رمضان أساهر قليلا خاصة أن صلاة العشاء تتأخر حتى العاشرة في كاليفورنيا حيث أقيم .. عندما علمت بوجود الكابلي لجأت إلى الكمبيوتر وبدأت أتجول في تسجيلات "يو تيوب" ولم يطل تجوالي فعثرت على أحد التسجيلات حيث سأل الإعلامي المعروف حسين خوجلي الكابلي عن ما أبيات شعر لا يفتأ يذكرها ويتمثلها على الدوام؟ .. فسالت العبارات والكلمات من الكابلي خالية من اللحن اللغوي مقتبسا أبياتا لشاعره الأثير المتنبي: ولا تحسبن المجد زقا وقينة فما المجد إلا السيف والضربة البكر وتضريب أعناق الملوك وأن ترى لك الهبوات السود والعسكر المجر وتركك في الدنيا دويا كأنما تداول سمع المرء أنمله العشر يا لها من صورة وياله من اختيار .. حقاً لقد ترك المتنبي كفنان وشاعرعبقري دويا في أوساط الأدب العربي مازال يتردد صداه وفي الجانب المقابل ترك الكابلي وما زال يترك دويا في وسط الثقافة والفن السوداني .. وأينما حل يعكس الصورة التي نحب أن نُعرف بها خارج محيط الوطن .. مرحبا بك وجزاك الله تعالى عنا كل خير الفاتح إبراهيم كاليفورنيا – الولاياتالمتحدة elfatih ahmed [[email protected]]