[email protected] ليس من الحكمة تضليل السلطات القضائية وإرغامها علي اصدار احكام ظاهرها مسنود الي مواد القانون وباطنها فيه قصاص سياسي من حملة الرأي الآخر ، لا ادري كيف يتعامل رجال القضاء مع مثل هذا النوع من القضايا المرفوعة بواسطة المدعين الذين عادة ما يكونون اجهزة ومؤسسات حكومية تحتفظ بقوانين تحثها وتدفعها دفعاً لتقديم الدعاوي ضد خصوم السلطة ولكن ومع ذلك دعونا نطالب الجميع بضرورة احترام سيادة واستقلالية القضاء السوداني لانه من اعمدة العدل المفترضة ومتي ماحافظت البلاد علي استقلالية القضاء لم تنهدم اركانها . وحتي تتضح الصورة نحن نعلم ان القانون في هذا البلد لا يجرم نشاط الاحزاب المسجلة وبالتالي لا يحظر علي اي حزب ان يصدر بياناً او يعقد ندوة او يسير مسيرة مناهضة لسياسة من السياسات او قرار من القرارات ، هذا هو المفترض في بلد يزعم كبار قادته ان سيادة القانون فيه مرعية ولكن حينما نضع المجهر البسيط علي بعض الممارسات التي تصدر هنا وهناك يتبين لنا ان هنالك قوي صغيرة تستبطن النظام وتعمل من داخله علي هدم اركان العدالة ولا تستحي من الدفع ببعض القضايا امام ساحات المحاكم وكأنها تريد الزعم بأنها تحسن صنعا ..وسنضرب لذلك مثلاً بعيداً ومثلاً قريبا فقبل فترة ليست بالقصيرة اعتقلت السلطات الصحفي البورتسوداني عبدالقادر باكاش وتم ترحيله من مدينة بورتسودان الي محبس تابع لجهاز امن الدولة وتم التحقيق معه حول كتابته لمقال صحفي ينادي فيه بانفصال شرق السودان اسوة بانفصال جنوب السودان ثم تم تدبيج قضية وتهم جنائية تحت العديد من المواد في مواجهته وتم الدفع بها الي القضاء السوداني . ولما نظر مولانا مدثر الرشيد قاضي محكمة جنايات الخرطوم شمال في القضية المدفوعة امامه آنذاك وبعد التداول في الموضوع قضت المحكمة ببراءة المتهم باكاش من جميع التهم المسنودة اليه وامرت باطلاق صراحه فوراً... لم يكن احد من الحاضرين يتوقع إفلات باكاش من كمية التهم الموجهة اليه والمسنودة الي مواد القانون الجنائي السوداني ولكنه وحده القضاء السوداني يستطيع التمييز بين العدل والباطل ولذلك شطبت الدعوي وكانت المحصلة المتحققة من كل تلك الضجة هي إهدار حق المواطن باكاش وتعريضه لايام عصيبة من الاعتقال والنقل من مسقط رأسه الي المركز وهو اثناء ذلك لا يستطيع حولاً ولا قوة والمحصلة الاخري هي إهدار وقت وجهد القضاء السوداني وإضطراره بحسب الاجراءات للنظر في قضية فارغة . اما المثل القريب فهو قضية اعتقال الطالبة وفاء احمد محمد صالح وهي ايضاً من مدينة بورتسودان والتي ستتم محاكمتها يوم الاثنين الموافق 30 /07/ 2012 بمحكمة بورتسودان ، محاكمة المناضلة والناشطة "وفاء أحمد محمد صالح" ، الطالبة بجامعة البحر الأحمر ، كلية علوم البحار والمصائد ، ستتم استناداً الي المادة 63 والتى تقرأ " الخروج على السلطة بالقوة " بتهمة حيثياتها توزيعها بيان لحزب المؤتمر السوداني الذي تنتمي اليه ويبدو بحسب ما رشح من اخبار ان المتهمة كانت تقوم بتوزيع بيان صادر من حزبها المسجل يتجاوب فيه مع مطالب العديد من المحتجين علي القرارات الاقتصادية الحكومية الاخيرة وبما ان الحكومة المركزية رفضت هذه الاحتجاجات واوعزت الي الحكومات الولائية بالتصدي لها باعتبارها ( خروج علي السلطة بالقوة ) فقد تم اعتقال الطالبة علي هذا الاساس ولكن وبحسب ما نشرناه عاليه فإن القضاء السوداني سيجد نفسه مضطراً للسير في الاجراءات ثم التمييز بين الحق والباطل وستكون المحصلة النهائية مثل سابقتها فأي بله هذا واي حرج واضاعة وقت ؟ ان المسؤولية الاجتماعية والدينية التي يروج لها الكبار تقتضي المحافظة علي استقلالية ووقت وجهد قضاة السودان وعدم الزج بهم في متاهات السياسة الحلزونية المتعرجة المفضية الي طريق مسدود ولن يتأتي ذلك الا بكبح جماح الجهات المتفلتة التي كلما اعلنت الحكومة انها بصدد السير في طريق الاصلاح والحريات كلما امعنت في ارجاع الحكومة الي المربع الاول والتقوقع خلف المعالجات اياها استنادا الي قوانين ولوائح مهتبلة لا سند لها في الدستور ولكنها موجودة فقط في كتيبات صفراء غير متداولة قانونياً وقد سبق واعلن السودان عبر وزارة العدل في المحافل الدولية نيته ورغبته الاكيدة في كنس جميع القوانين المقيدة للحريات والمخالفة للدستور .