السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يمكن قيام جهازٍ سرّي للاستخبارات في مجتمعٍ ديموقراطيّ حقيقيّ؟ (1/2). بقلم: د. أبوبكر يوسف إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 22 - 08 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية
هذا بلاغ للناس
بقلم: د. أبوبكر يوسف إبراهيم*
[email protected]
توطئة :
- للإجابة على هذا السؤال الذي طرحه قادة وكالة المخابرات المركزية على أنفسهم، لا بد لنا من البحث في الصلة العضوية بين هذه الأجهزة والمافيا ، ولا بد لنا من محاولة فهم ما هو التعريف العالمي للمافيا أولاً ونشأتها، فالمتعارف عليه وحتى نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي أن هناك مافيات مشهورة تعرفنا عليها عبر افلام هوليود ومنها المافيا الصقلية ، المافيا الكولومبية، المافيا اليابانية "الياكوزا"، المافيا المكسيكية، المافيا الإسرائيلية والمافيا الجامايكية البريطانية، أما ما ظهر منها بعد إنهيار السوفيتي فهي المافيات المافيا الروسية، الصربية ، الألبانية ،الصينية، والأفغانية. ولكن ما يهمنا هو البحث في الصلات العضوية بين هذه المافيات وأجهزة المخابرات الغربية وعلى رأسها وكالة المخابرات الأمريكية (CIA). ولتعريف المافيا هي مجموعة من العصابات تمارس الجريمة المنظمة في العديد من الدول، وغالباً ما تسمى المافيا باسم البلد الذي تنتمي إليه، وتقوم هذه العصابات بكل الأعمال غير الشرعية بدءً من قطع الطرق حتى تجارة المخدرات.
المتن:
- لا بد لنا وأن نرجع إلى الماضي لمعرفة أحداث التاريخ ولمعرفة ما هو أصل كلمة المافيا، فهذا في الحقيقة يرجع إلى القرن الثالث عشر مع الغزو الفرنسي لأراضي صقلية عام 1282م ، حيث تكونت في هذه الجزيرة منظمة سرية لمكافحة الغزاة الفرنسيين كان شعارها( (Morte Alla Francia Italia Anelia ويعني : موت الفرنسيين هو صرخة إيطاليا فجاءت كلمة (مافيا MAfIA) وهي أول حروف كلمات ذلك الشعار وهناك وجهة نظر أخرى حيث يذكر بعض زعماء المافيا وعلى رأسهم جوبونانو (أبوعين) أن بداية المافيا كانت تتويجاً للتمرد والعصيان الذي ظهر بصقلية عقب قيام أحد الغزاة الفرنسيين بخطف فتاة في ليلة زفافها ، يوم إثنين من عام 1282 م ، مما أشعل نار الإنتقام في صدور الإيطاليين والتي امتدت لهيبها من مدينة إلى أخرى ، فقاموا بقتل عدد كبير من الفرنسيين في ذلك الوقت إنتقاماً لشرفهم المذبوح في هذا اليوم المقدس لديهم ، وكان شعارهم في ذلك الوقت هو الصرخة الهستيرية التي صارت ترددها أم الفتاة وهي تجري وتبكي في الشوارع كالمجنونة تقترب أرباحها اليوم من ميزانيات الكثير من دول العالم . غير أن الجرائم المنظمة تغيرت طبيعتها في الفترة الأخيرة واتخذت شكلاً في غاية الدقة والتعقيد بسبب تعقيد النشاط الاقتصادي في العالم بشكل عام .وقد أصبحت المافيا وعالم الجريمة المنظمة محوراً للعديد من الأعمال السينمائية والأدبية وحيكت حولها الكثير من الحكايات والأساطير. وبرغم كل المحاولات المبذولة للقضاء عليها في الكثير من الدول ، لا يزال تأثيرها القوي على الساحة السياسية والاقتصادية العالمية والإيطالية خاصة بشكل يقلق الساسة والشعوب على حد سواء. واليوم تستخدم كلمة المافيا مجازاً للدلالة على أقصى درجات الإجرام تنظيماً ووحشية مثل المافيا الروسية والمافيا اليابانية الياكوزا . وينتظم حوالي 6 آلاف إيطالي أمريكي يشاركون في الجريمة المنظمة في شبكة عصابات إقليمية تسمى العائلات وتشارك هذه المنظمات في العديد من النشاطات غير القانونية مثل المقامرة، والدعارة، وبيع المخدرات، والربا . ويقدر المسؤولون عن القانون أن هذه العائلات تكسب حوالي 50 بليون دولار أمريكي سنويًا من هذه النشاطات الإجرامية . ويعتقدون أنها أصبحت تمارس كثيرًا من الأنشطة المشروعة، بجانب أنشطتها غير القانونية (غسيل الأموال)... المصدر: تاريخ نشأت المافيا
- للبحث في جذور هذه المنظمات وأجهزة المخابرات لا بد لنا من أن نستصحب ما جاء في أحد كتابات الصحفي الأستاذ محمد حسنين هيكل وتحديداً في مقالة بعنوان "مهمة تفتيش في الضمير الأمريكي" في العدد التاسع والأربعون – فبراير 2003م " ، وهنا لم يكن مستغرباً أن تكون مقدمة الظهور الأمريكي مع مطلع القرن العشرين رجالاً من طراز "مورجان " وهو من أسرة أعتمدت ثروتها على في الأصل على جد من كبار القراصنة خبأ كنزة في أحدى جزر البحر الكاريبي ثم ترك لأسرته خريطة تدل على موقعه، وعندما تمكن الورثة من فك الرموز- أصبح الكنز في العصر الحديث أهم أصول واحد من أكبر البنوك الأمريكية- (ونفس الطراز من الرجال تكرر في "جون روكفللر" ) فقد تحصل على غنى أسطورى من إبادة قبائل بأكملها في "فنزويلا" كي يفسح المجال لحقول بترول تأكد له وجودها وصمم على امتلاكها، واستحق أن يوصف بانه أسال دماء على سطح فنزويلا بأكثر مما استخرج من عمق آبارها نفطا)- ونفس الطراز كذلك تكررفي "فاندربيلت" ) الذي تسابق مع "مورجان" في مشاريع مد السكك الحديدية تربط أمريكا الشمالية بقضبان من الصلب ، تشق طريقها صاعقة نافذة في الجبال مكتسحة لمواطن ما بقى لمواطن الهنود الحمر ، والجيوب المنسية من جماعات المهاجرين . أو من طراز "دى بونت " وهو رجل صنع ثروته من تجارة البارود يبيعه لأطراف حرب الإستقلال الأمريكي مع وضد بريطانيا وفرنسا ، ثم يبيعه من بعد لولايات الشمال والجنوب الأمريكي أى تلك المطالبة بالوحدة وتللك الراغبة في الإنفصال . وقد أطلق "تيودور روزفلت " على هؤلاء لقب (البارونات اللصوص).
الهامش:
- في محاولة الإقتراب والتعرف على الصلة المشبوهة بين منظمات الجريمة المنظمة ووكالة المخابرات المركزيةلا بد لنا من الرجوع لكتاب بعنوان: (التحالف الأسود بين وكالة الاستخبارات المركزية والمخدرات والصحافة)، من تأليف: ألكسندر كوكبرن، وجيفري سانت كلير. بالطبع نحن لسنا بصدد تلخليص هذا الكتاب ولكننا نما يهمنا هو أن نستخلص منه ما له صلة بموضوعنا ، يبدأ الكتاب بذكر قصة الصحفي «جاري وب»، وهو أول من كشف بمثل هذه القوة تورط ال (CIA) مع عصابات تجارة المخدرات في إغراق المجتمع الأمريكي بأصناف المخدرات الفتاكة، وذلك عندما نشر أيام 18 و 19 و 20 أغسطس عام 1996م في صحيفة (سان هوزيه ميركوري نيوز) سلسلة مقالات بعنوان رئيس: (التحالف الأسود)، وعنوان فرعي: (القصة التي وراء زيادة تدخين الكوكايين المفاجئة)، وكان العنوان الرئيس في اليوم الأول هو: (جذور بلاء أمريكا في حرب نيكارجوا). ويمضي الفصل الأول من الكتاب وهو بعنوان: (قصة «وب» الكبيرة) في ذكر تفاصيل هذا التورط، ولأن وكالة الاستخبارات المركزية كانت في كل مرة تنكر من خلال الصحافة الموالية لها الاتهامات الموجهة لها، مدعية أنها اتهامات «لا أساس لها»، أو أنها «مبالغ فيها» أو أنها «غير مؤكدة»... فقد اهتم «وب» من خلال الكتاب الذي نعرض له ، إذ قام بذكر التفاصيل الدقيقة المدعمة بالوثائق والمستندات والشهادات التي تدل دلالة دامغة على هذا التورط. ترجع بدايات هذا التورط عندما سقط نظام «سوموزا» الموالي لأمريكا في نيكارجوا، واستيلاء شيوعيي جبهة «الساندينستا» على الحكم هناك؛ مما أقلق الإدارة الأمريكية برئاسة كارتر حينها ودفعها إلى تنظيم ميليشيات مقاومة عسكرية مضادة عرفت فيما بعد ب (كونترا)، تمركزت في هُندوراس، وأشرف عليها ضباط (فرق الموت) الأرجنتينيون السابقون، وقبل أن يوقِّع الرئيس ريجان في نوفمبر 1981م على قرار الأمن القومي الذي يوفر ميزانية مقدارها 19.3 مليون دولار لكونترا من خلال وكالة الاستخبارات المركزية؛ وجد رجال الكونترا أنفسهم في ضائقة مالية، ولأن بعض قياداتهم ومن على صلة بهم من أصحاب المصلحة في عودة النظام القديم كان من أصحاب السوابق والملفات الإجرامية خاصة في التهريب؛ فقد برز تهريب المخدرات وبيعها بأسعار رخيصة في شوارع المدن الأمريكية وخاصة جنوب وسط لوس أنجلوس ذات الأغلبية السوداء وسيلة واقعية للتمويل تحت شعار (الغاية تسوِّغ الوسيلة). إلى هنا والأمور قد تبدو متوقعة، ولكن غير المتوقع أن ال (C.I.A) عندما لم تحصل من الكونجرس على المخصصات المالية التي طلبتها لتمويل الكونترا (خصص الكونجرس عام 1984م مبلغ 24 مليون دولار، وهو تقريباً ربع ما طلبته ال(C.I.A)؛ بحثت عن مصادر تمويل بديلة، وكان نشاط رجال الكونترا في تهريب المخدرات هو الوسيلة الواقعية أمام وكالة الاستخبارات المركزية للحصول على ما تريده من مال خاصة بعد تفجير فضيحة (إيران كونترا) التي تورطت فيها الوكالة أيضاً فكان تهريب المخدرات وبيعها يتم بعلم وأحياناً بإشراف الوكالة، بل كانت الطائرات العسكرية تهبط في بعض المطارات لتفرغ حمولتها من شحنات السلاح لمقاتلي الكونترا، وتعود محملة بشحنات المخدرات التي تأخذ طريقها فيما بعد لعصابات التوزيع في الشارع الأمريكي، ومارست الوكالة نفوذها لحماية هؤلاء المهربين والتستر عليهم، وإحباط جهود وكالة مكافحة المخدرات وجهات تنفيذ القانون الأخرى في ملاحقتهم.
الحاشية:
- منذ عدة أعوامن قرأت مقالاً لمجلة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية بعنوان قانون الصمت داخل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA وقد تعرضت المقالة لأسئلة هامة والتي حاولت في نفس الوقت للإجابة عليها مما يلقي الضوء على مدى هذه الصلات المشبوهة، ومنها سؤال مثل: استخبارات أم أنشطة شبه عسكريّة؟
- وكما هو مشهور أو مشاهد في الأفلام الهوليودية فإن على الجدار الأيسر في بهو مدخل المركز الرئيسي لوكالة الاستخبارات المركزية "CIA" في لانغلي (فرجينيا)، تمّ حفر عبارة ضخمة من آيةٍ في إنجيل يوحنا: "تعرفون الحقيقة والحقيقة تحرّركم". ويبدو أن هذا الأمر مشكوك فيه أو ليس مؤكداً... ففي 18 أيلول/سبتمبر، توسّل سبعة مدراء سابقين لوكالة ال "سي أي آي" - مايكل هايدن، بورتر غوس، جورج تينيت، جون دويتش، جايمس وولسي، وليم وبستر وجيمس شليسينغر - الرئيس باراك أوباما إقفال التحقيق الأوليّ بحقّ موظّفين في وكالة الاستخبارات بتهمة "تجاوزات" ارتكبوها خلال عمليات استجوابٍ في مسائلٍ تتعلّق بالإرهاب في عهد الرئيس جورج والكر بوش. إذ أنّ تحقيقاً من هذا النوع، في نظرهم، سيعرّض بجديّة أمن الولايات المتحدة للخطر.منذ تأسيسها من قبل الرئيس هاري ترومان في العام 1947، وحوليات الوكالة تزخر بالأفعال الشنيعة. هكذا يذكّر الصحافي في "نيويورك تايمز"، تيم واينر، أنّه منذ تصميم هذه الوكالة رَسَمَ البريغادير جون ماغرودر خطّ عملها: "تتطلّب عمليات الاستخبارات السريّة باستمرار إلى تجاوز جميع القواعد (...) فلا وزارة الدفاع ولا وزارة الخارجية قادرتان على تغطية مهمّات كهذه، والمطلوب هو تكليف جهاز عملٍ سرّي جديد بالقيام بها". وقام آلان دالس، أحد صقور الحرب الباردة والذي رأس الوكالة من 1953 إلى 1961، بتفصيل هذه العقيدة عندما يقول: "الاغتيال السياسي جزءٌ من أساليبنا(...) إذا ما وافق عليه الرئيس. وفي هذه الحالة، علينا عمل الممكن لتأمين (الإنكار القابل للتصديق)!!؛ فإذا انكشف تورّط الوكالة في عملية اغتيال خارج الحدود، عليها حماية الرئيس بأن تسمح له (الادّعاء بأنّه يجهل كل شيء حول العملية)!!. هكذا طالت العمليات السرية - اغتيال قادة أجانب، زعزعة أنظمة، انقلابات، تهريب أسلحة ومخدرات - بلداناً عدّة؛ علماً بأنّها قلّما ساهمت في السعي إلى الديموقراطية التي تدافع عنها واشنطن؛ إلى درجة أنّ "الوكالة" تتسبب دائماً بالفضائح؛ وقد انكشف قسمٌ كبيرٌ من أعمالها الشائنة بفضل الصحافة ولجنتي التحقيق البرلمانيّتين "تشورش وروكفيلر" في السبعينات. كما امتدّت إليها أصابع الاتهام من جديد مع الكشف عن فضيحة "إيران غيت" المتعلّقة ببيع أسلحة إلى ايران بصورةٍ سريّة بغية تمويل الثورة المضادة (الكونترا) في نيكاراغوا عام 1986. وما زاد الطين بلّة، هو صدور "جواهر العائلة" في صيف العام 2007، وهي حزمةٌ من الوثائق الأكثر إرباكاً من بين محفوظاتها. لكنّ الأمر في كل مرّة يتعلّق بفضائح تعود إلى "زمنٍ مضى". ولكنّ جون برادوس، وعلى غرار سائر الكتّاب المذكورين في هذا المقال، وبعد مراجعته دفقاً يتواصل من الوثائق السريّة التي أفرج عنها حديثاً، يلاحظ: "قبل 30 عاماً، كانت مشكلة ال"سي آي أيه" تبدو مرتبطة بوضعها ك"فيلٍ مستوحِد"، متفِّلت من أيّة رقابة، يجول في كافّة أرجاء العالم مدفوعاً بتهويماته الخاصة. لكنّه يتّضِح اليوم أنّ الوكالة وكتائبها كانت تستجيب في الواقع للأوامر الرئاسية (...). هكذا تبدو المشكلة مرتبطة أكثر ب"رئاسة مستوحِدة" أكثر منها بوكالة استخبارات متحرّرة من أيّة رقابة". وفي المحصلة، فإن السيد جورج والكر بوش هو الذي وقّع في شباط/فبراير 2002، مذكّرةً تحدّد أن "أيّاً من تدابير معاهدات جنيف لا تنطبِق على نزاعنا مع تنظيم القاعدة".".( المصدر أرشيف لو موند ديبلوماتيك : مقالات تيم وزينر توماس غوردون وجون برادوس)
-
- نخلص إلى أن الأميركيين يطرحون على أنفسهم منذ ذلك الحين، أسئلةً وجودية.. "هل يمكن قيام جهازٍ سرّي للاستخبارات في مجتمعٍ ديموقراطيّ حقيقيّ؟ وهل يمكننا القيام بعملياتٍ سرية مع احترام القانون؟ نريد "الأمن والحرية سويّةً"، لكن "كلّما أعطينا سلطةً لحكومةٍ سرية، كلما ضاق هامش حريّتنا". إنّه لوضعٍ مربك، خصوصاً أنّ ال"سي آي أيه"، و"هذا أكبر أسرار هذا الجهاز السري"، لم تكُن مرّةً على مستوى تحقيق مهمّتها الرئيسيّة: أي إعلام الرئيس الأميركي بما يحدث في العالم. فهي لم تستبِق مجيء الثورة الخمينية في إيران ولا تفكّك الاتحاد السوفياتي ولا اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر، كي نكتفي بتلك القضايا فقط... ويذكِّر غوردون توماس، فيما يخصّ الاتحاد السوفييتي: "أن الوكالة لم تنجَح أبداً في تجنيد جاسوسٍ عالي المقام داخل الهرمية السوفييتية، فاضطرّت للاكتفاء بفرضياتٍ حول أوضاع البلاد وسياساتها للتسلّح. وفي عهد رونالد ريغان، لم يأبه (مدير الوكالة) وليم كيسي بذلك، بل راح يغالي على الدوام في التقديرات المقدّمة إلى البيت الأبيض". فلماذا عجز 11 رئيساً للولايات المتحدة وثلاثة أجيالٍ من عملاء ال"سي آي أيه" عن فهم العالم؟ هذا ما يتساءل عنه واينر. "لماذا كان كل مديرٍ للوكالة يتركها في حالٍ أسوأ مما وجدها فيه؟". ربّما لأنّه وكما فعل السيد بوش، أفرطت الإدارة في استخدامها لأغراضٍ شبه عسكرية بدلاً من جمع المعلومات.سؤالٌ لا يُطرح على السيد غوس أحد مدرائها السابقين. فبعد صرفه من منصبه مباشرةً، في 5 آيار/مايو 2006، ألقى خطاباً في جامعة تيفن (أوهايو) قال فيه متوجّهاً إلى الطلاب: "لو كنتم قد تخرّجتم ككوادر في وكالة الاستخبارات المركزية، لكانت نصيحتي لكم مقتضَبة ودقيقة: لا تعترفوا بشيء، أنكروا وأطلقوا اتهامات مضادة!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.