بسم الله الرحمن الرحيم هذه المادة مهداة الي الزميلة/ السيدة وفاء عبد الله فرح بدون تابلت, كتاب للأستاذ الكاتب والأديب عوض فضيل صدر في العام 2007 وهو مجموعة كتابات نشرت في صحيفة الخرطوم أيام صدورها في مصر منتصف التسعينات ولذلك فهي تحمل جانب توثيقي لأجواء تلك الفترة إضافة الي جانب ذكريات وتجارب عاشها الكاتب وهو مسبقا يمتلك خاصية التواصل والانفتاح علي الأفراد والأفكار من غير حواجز حضارية او نفسية تجاه الآخر المختلف, ويقع الكتاب في 208 صفحة من القطع المتوسط وتحمل صورة الغلاف رسمة (صنفور) تصف حالة محطات السكة حديد سابقا والصفحة الأخيرة تتصدرها صورة لوجه الكاتب في نصفها الاعلي وكل ذلك من إعداد الفنان التشكيلي عصام عبد الحفيظ وقبل ذلك يعرف الكاتب التابلت( في تعريف مقتضب وهو قطعة معدنية لا يمكن استخراجها من مكمنها من مكتب ناظر المحطة إلا بإشارة تليفونية خاصة من المحطة الأخري وبغير هذه الإشارة الخاصة لا يمكن استخراجها لان خروجها يعني خلو الخط من القطارات ويمنح ناظر المحطة حق تسيير القطار بعد إعطائه هذا التابلت ولو أن التابلت لم تتم إحاطته بهذا النظام الصارم لكان تصادم القطارات في السودان حدثاً يومياً ) ص4 . في البداية أنبه القارئ الكريم أن هذه المادة لا تتورط في عرض او تقديم او تحليل الكتاب فهذه مهمة لها فرسانها ولكنها مجموعة ملاحظات قد تصيب او تخطئ وهي لا تغني بأي حال من الأحوال عن الإطلاع علي الكتاب ولا تستطيع نقل الإحساس بالمتعة والفائدة التي سيجدها كل من يتحصل علي هذا الكتاب او يعيد قراءته مرة أخري, ومن خلال هذا الكتاب تتكشف بعض الجوانب في شخصية الأستاذ عوض فضيل سنأتي لها لاحقاً ولكن هنالك جوانب أخري يحكيها عنه أصدقائه ومعارفه أيام تواجده بالمملكة العربية السعودية مغترباً للعمل في شركة ارامكو فقد كان خلال عمله سفيرا يمثل وجه البلاد المشرق كأفضل ما يكون التمثيل, كفاءة في العمل وتعامل جيد مع الزملاء وفوق ذلك حاملا لهموم الوطن ساعيا لرفعته وتقدمه ومتواصلا مع أبناء منطقته, وقد اشتهر عنه إفراطه في الكرم ويده مبسوطة علي الدوام ولا تعرف كفه القبض والضم ولا يعلم شيئا عن كلمة لا او ما قادر او الظروف صعبة! فقد كان كالزجاج عندما تصله قطرات المال سرعان ما تنزلق مبتعدة عنه لتستقر في جيوب الأصدقاء والمعارف او تدفع الحاجة عن من ضاقت به السبل او تقيل عثرات من غدرت به الأيام ونكبته الليالي, وما أجمل المال عندما يكون في كف منفقٍ كريم والقلم عندما يكون في يد متبصرٍ رحيم وهذا ما كان من شأن الأستاذ عوض فضيل رجل الكرم المادي والإبداع الادبي وما أندر أن يجتمعا في قلب رجل واحد, وأكثر ما لفت نظري وأنا اقرأ للكاتب هو الحساسية العالية التي يتعامل بها مع الحروف وثقل حمل أمانة الكلمة لدرجة وأنت تقرأ له تحس به من شدة الحذر كأنه يمشي علي حبلٍ مشدود حاملاً عصا أمانة الكلمة يحافظ بها علي توازنه حتي لا يسقط في هاوية التجني علي احد او جرح احد حتي ولو بطريقة غير مقصودة, ولكن ذلك لم يمنعه من إبداء آرائه بكل صراحة ووضوح والنقد الأخوي الشفيف الذي يبقي علي الود محفوظا بعيدا عن الفساد و غير عابئ بعمق الخلاف إلا في حالة واحدة عندما اصطدم بأحد الكتاب الكبار الذي فاجأه بغروره وتعاليه وألفاظه الفجة وسلوكه الهمجي مما أحدث في نفسه صدمة جعلته يفارق كتابات ذلك الكاتب من غير عودة منذ ذاك الحين, وقد يكون محقا في موقفه ولكن من وجهة نظري الشخصية وأنا اكتب بعيدا عن ضغوط الموقف وإحساس الصدمة الذي تعرض له الكاتب, اعتقد انه يجب ان يكون هنالك فصل بين السلوك الشخصي للفرد ومنجزاته وإنتاجه في أي مجال, فكري او علمي او سياسي وذلك لان لكل مجال أداة تقيمه المختلفة, وبالرغم من صعوبة الفصل علي ارض الواقع إلا انه يظل أساسي لتغليب العقلي علي العاطفي والموضوعي علي الذاتي لان في ذلك طريق الخلاص لحالة الاختلافات التي تتحول مع مرور الأيام الي خصومات وعداوات وسوء فهم بين الفرقاء لدرجة يُنسي فيها سبب الاختلاف الأصلي وتبقي الخصومات في النفوس لتتسمم كل الأجواء , وعندها يكون الكلام عن التسامح وتقبل الرأي الآخر والحفاظ علي الود مجرد أساطير وكلام ليل يمحوه النهار وتكون القضية الوحيدة المتفق عليها هي ألا يتفق الجميع. وهنالك ملمح جميل يتميز به الأستاذ عوض فضيل يصلح كنموذج في دولة تعاني من طغيان القبلية والجهوية وغيرها من مخلفات الزمن الجاهلي, ويتمثل ذلك في عدم إلغاء الانتماءات الأصلية لاستحالة ذلك ولكن تحويل الانتماء الضيق للجذور لقاعدة انطلاق تتسع في الافق لتسع القومي والعالمي وذلك لا يتم إلا بوعي الإنسان بذاته وعلاقته بالآخر والمكان والزمان عبر التاريخ وهذا الوعي لا يكتسب إلا بمزيد من المعرفة والانفتاح واختبار القناعات علي محك الواقع والانتصار لقيم العدالة والإنسانية والحرية وهذه الجبهة كان للأستاذ عوض الانتصار المبين فيها, مما اكسبه مزيد من الشفافية والتواضع والتصالح مع ألذات وهو الأهم وكذلك مع الآخرين , لذلك عندما تنكر له الزمان وحاول أن يغرس أنيابه في جلد احتماله وجده مر ومتين فارتد خاسراً وكسيف! الأستاذ عوض فضيل متعك الله بالصحة والعافية وحفظ لنا صفاء قلبك و نقاء سريرتك لتتحفنا بمزيد من إبداعك الأدبي والفكري لتجمل وجه هذا الزمان العابس. وفي الختام نسأل الله الرحمة والمغفرة لصديقه ورفيق دربه عثمان فرح ولتلميذه المبدع مصطفي سيداحمد ومن احتضنته يافعا وهو طالب في بلد غريبة رمز الطيبة رقية بت باردوس ولكل من رحل وترك في القلب حسرة وألم لا يحتمل. Mohamed Omer [[email protected]]