هاتفتني أحد الجهات المعنية بإنتاج أفلام وثائقية ، نهاراً ، يطلبونني لكتابة فلم عن مستشفى الذرة واستفحال أمر السرطان فينا وإحكام قبضته علينا ، قلت موافقة لكن مستشفى الذرة بعيدة والوقت نهاراً ، غداً صباحاً آتي إليكم ، قال المتصل مندهشاً ، كيف ! لن يأخذ منك المشوار أكثر من عشرة دقائق ، وقتها كان مقر عملي في شارع علي عبد اللطيف ، قلت أليست مستشفى الذرة قرب مستشفى سوبا . أستحي يشهد الله كلما تذكرت أمر هذه المحادثة ، كيف أن مستشفى الذرة في قلب الخرطوم وأنا في هذا العمر المتقدم أجهل مكانها ، على أي حال ذهبت ، وليتني حملت معي قلبا إضافياً لطوارئ المشاهد القاسية وقديما كان يتعامل مع هذا المرض سراً حد وضعه في خانة العار المرضي لكنه الآن صفع الجميع كصاعقة وأصبح التعامل معه علنا والإصابة به في احتمالات القلق النفسي . الممرات مكدسة بمن أعجزهم المرض والفقر على الوقوف ، يفترشون بلاط المستشفى غير آبهين بالعابرين فالمرض مسيرته طويلة وتتطلب استمرارية علاجه عدم التوقف وذلك يعني التكلفة العالية والتي تبلغ في أحيان كثيرة ستة ألف جنيه للجرعة الواحدة ، وجوه عركتها الحياة بامتحانات قاسية فبأن إيمانها ، ينظرون فقط ، اللسان أعجزه الحال فبات صائماً ، أعينهم فقط تُنبئك بأنهم مازالوا رهن الحياة ، كلهم على اختلاف أعمارهم يشتركون في بؤس الجلسة ، الدنيا كشفتهم للعوز ورمتهم على قارعة الحاجة ، دروس قاسية لمن يعتبر و يأمن الدنيا على حاله ، ازدحام ورائحة مرض ، مصاب ومصابون كل هؤلاء في قبضة السرطان ! مرض خبيث لكنه على خبثه متمكّن ويكتسب زئيره في كل يوم قوة من اجسادنا فتيات لم يشفع لهن شبابهن وحلاوة ايامه ، مصابات بانواع مختلفة منه ، ويبقى سرطان الثدي الأعلى نسبة من بين الأنواع الأخري ، سيدات يحملن أطفالاً رضع ومصابات وأكثر من نصف الذين شاهدتهم في أطوار متقدمة ، نذهب للهلاك بأرجلنا قاصدين نهمل ما يطرأ على اجسادنا من تغير إلى أن نعجز عن العلاج ، الثدي والرحم من الزوائد ويمكن للطبيب أن يستأصلهما ما أن يطلّ المرض بأولى علاماته قبل أن يتمدد . وللصغار قصص وقصص ، عجزت والله عن النظر ، علق بصري بالأرض لحين ، صغار انتهك السرطان نضارة بداياتهم ، أجساد نحيلة حد الاعتقاد بأنها اعواد جافة مركبة على رأس طفل ، وجوه مسحوبة منها الدماء ، شاحبة وكأنها في الستين ، يستندون إما على امهاتهم أو على الحائط كم أنا غريبة في هذا المكان ، وليت هنالك أسواقاً لبيع القلوب الإضافية اميمة العبادي [[email protected]]