على الرغم من أن لنا من العمر سنينا مقدرة متعتنا ببعض نضجها والسنين تعظ أحيانا وتهب الوقار والاتزان في الأفراح والأحزان ، تعلمنا على عِبر كبح جماح النفس وتحكيم العقل ولنهايات العقد الرابع الق ووضع خاص لأنها تُهيئ لاكتمال النضج فينا ومن ثم إن صح ، اليقين والهدوء ، سنين اربعينية متفق عليها منذ عهد النبوة ، عمر من المفترض أنه خير معين على احتمال الكوارث به يصير القلب أكثر انفتاحا على استقبال اوجاع الدنيا واحتمال تقلباتها ، تزيد من جاهزيتنا للأحزان والمصائب ، والمصائب عادة تُصِقل ، لقد تعلمنا الصبر وتشكّلنا على الخير بفضل أعمارنا المتقدمة لكن ، أرجع وأقول على الرغم من أني لهذه الفئة أنتمي إلا أن عصيان قلبي تجاه الانفتاح على حالات الألم أضحى معلنا ، ما عاد يطاوعني ، يصب عليّ دمعه ما أن مررنا على طريق الأوجاع عابرين مع بداية صيف هذا العام كانت زيارتي لمستشفى الخرطوم ، كنت ازور شابا مريضا بقسم الأنف والحنجرة قادما من الشمال الحبيب ، من مدينة دنقلا ، مدينة أهلي ، الجو كان حارا والزحمة تخنق والعرق يسيل بغزارة من الجميع ، وقفت في الاستقبال متلفتة لكوني لا أعرف هذا القسم جيدا لكني دخلت صاعدة بتجاه العنابر ، رائحة المرض غزت أنفي مع روائح كثيرة ، دخلت العنبر وما أن استقر البصر حتى كدت ابحث عن سند أتكئ عليه ، ما قدرت علي البحث عن مريضي وسط بؤس الوجوه ، كلها في شحوبها تتشابه فالمصَاب واحد أو يكاد ، أعتكف لساني منسحبا داخل حلقي ،هربت الكلمات إلى الجوف البعيد وما أستطعت السؤال . عينأي تدوران بحياء في المكان ، عبرته ، المريض الذي أقصده على سرير بآخر العنبر ، لكني ما تعرفت عليه ولا على خالته الجالسة قربه والتي هي أصلا بنت عمتي ، عبرتهم بنظري لأن الذي يرى مشغولا وقديما قالوا أن العين لا ترى أحيانا بل القلب ، القلب هو الذي يشوف لكنه الآن لا بصر ولا بصيرة ، مخطوف بالآسرة الأخري والمرضي البائسين والتجهم ، أي قوم هؤلاء ، كلهم يعانون مرض ما في حلوقهم ، الانابيب الصغيرة ممتدة منها ومتصلة بجهاز ما ، عيونهم ترى ولا ترى ، الوجوه مسحوبة منها الدماء ، الأطراف بلا كسوة ، لا لحم يسترها ولا حتى غطاء ، واقفة كنت وهم ينظرون اليّ ، انسحبت داخل نفسي يقتلني الحياء مما البس فقد اخترت ثيابي بعناية لأبدو أنيقة فأنا منذ زمن لم اقابل بنات عمتي لأنهم يسكنون مدينة دنقلا ، لكم تمنيت لو أنني جئتهم بالحداد ، شفتاي عجزتا عن الحركة والابتسام حتى ، لوحوا ليّ ، عرفوني وما عرفت البؤس الذي بوجوههم ، ذهبت اليهم شاقة المرافقين بفؤاد خالي وابتسامة باهتة وكلام لا يكاد يكون مفهوما ، سلمت عليهم يسبقني دمع القلب وحياء العين ويد يُرّجفها شوق الأهل و بصيرة عميت بوجوه متعبة بالمرض الخبيث ، على طرف السرير جلست وما كان الحال يحتاج إلى سؤال ، واضحا للعيان كل البلاء ، جعله المولى كفارة جسد لهم ، وما كان معي شيء أهديه إلا الكلام ليته يسعد المريض ولو قليلا طالما أننا لا نملك المال والخيل اميمة العبادي [[email protected]]