بسم الله الرحمن الرحيم صاحب مؤتمرات الحركة الاسلامية تناول صحفي مثير عن الخليفة المرتقب للرئيس البشير ؟ ولبس هناك جديد فى الامر فقد ظل الرئيس يردد ان المؤتمر القادم للمؤتمر الوطنى سينتخب رئيسا جديدا للحزب الحاكم والذى سيكون بالضرورة مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية فى الانتخابات القادمة عام 2015 . وقد تضمنت تصريحات المشير البشير عند انعقاد المؤتمر الاخير للمؤتمر الوطنى نفس هذا الحديث الذى كان من المفترض أن يكون قنبلة مدوية وبداية النهاية لحكم اقتربت من ربع قرن من الزمان. أما الان فقد برزت المسألة فى سياق جديد مرتبط بما يجرى فى كواليس الاعداد للمؤتمر العام للحركة الاسلامية والتدافع الذى حدث داخل المؤتمرات الولائية والتنافس على المناصب تمهيدا لمعركة كبرى على الرئاسة. وتبدو التصريحات بترشيح النائب الاول على عثمان محمد طه لخلافة الرئيس فانبرى لها الدكتور ابراهيم أحمد عمر بأن هذا الامر لم يبحث فى مؤتمر الحركة الاسلامية ولا ينبغى له لان الجهة المنوط بها القرار فى هذا الامر هى المؤتمر العام للمؤتمر الوطنى. على كل فان اطلاق التصريحات والتصريحات المضادة بخصوص خلافة الرئيس وحالته وحالة نائبه الاول الصحية اشارات لأن أمر جلل يجرى من وراء حجاب بين العصبة النافذة. واصبحت الساحة السياسية ساخنة بين دوائر الحكم ومفتوحة على كل الاحتمالات . وان عدنا الى لاضابير الايام الاولى لانقلاب يونيو 1989 نجد بين تصريحات قائد الجونتا المنقذة العميد انذاك المشير حاليا عمر حسن البشير قوله بأسلوبه الساخر أنهم سيبقون فى السلطة لفترة لا تتجاوز الاربع سنوات لان الشعب السودانى لن يصبر على نظام حكم أكثر من ذلك ! لقد وصل الرئيس البشير الى السلطة بانقلاب عسكرى- مدنى كان من ضمن تدابيره أن يذهب هو الى القصر رئيسا و يذهب الشيخ الترابى بالتمويه الى السجن حبيسا. ولكن التطورات اللاحقة سارت بالاوضاع فى اتجهات مغايرة للتوقعات ، وجرت مياه تحت الجسور وبقيت دبابات على جنبات تلك الجسور . واستمر رئيس مجلس قيادة الثورة على رئاسة الدولة بعد تعديل بسيط فى أجهزة الحكم بحل مجلس الثورة وتعيين البشير رئيسا للجمهورية . كانت هذه التعديلات بلا معنى اذ كان الناس يعرفون ان مجلس الثورة غير المأسوف عليه ليس الا لافتة يحكم من ورائها مجلس اربعينى زاد عدد اعضائه عن الاربعين شخصا ، خاصة بعد دخول شخصيات من غير اهل بدر أى من غير مدبرى الانقلاب من أعضاء الحركة الاسلامية مثل سبدرات وشدو وغيرهما. وأصبح الرئيس البشير رئيسا للجمهورية ورئيسا للوزراء وقائدا عاما وأعلى للقوات المسلحة. ويبدو أن الرياح بدأت تسير بسفن الانقاذ الى وجهة لم يكن الشيخ الترابى يشتهيها بتسرب السلطات من بين اصابعه كعراب للانقلاب لتتجمع فى يد البشير بقوة الجيش وتحالف على عثمان ونافع وغازى مع العسكر . واراد الشيخ المرشد اعادة خيوط اللعبة ليديه بتوليه الامانة العامة للمؤتمر الوطنى بجانب رئاسته للمجلس الوطنى، وباعداد دستور عام 1998 الذى تقلصت فيه سلطات الرئيس ولكن بعد فوات الاوان . فقد استولى التحالف الجديد على كل السلطات وحدث له ما حدث فى قصة عمر والنمر وجاء النمر فى جلده الرسمى للجيش النظامى و أدخله السجن حبيسا حقيقة وليس تقية . ولا نريد الدخول فى السرد الممجوج لتفاصيل هذه القصة الملودرامية من مذكرة عشرة ولعبة كراسى انتهت بالبلاد فى يد مجموعة تتبادل المواقع فى دولة بلا أجهزة معلومة وبلا تقاليد دولة محترمة، لا تعرف النافذ فيها الوزير أم الغفير . و ضاعت الفرصة فى اقامة دولة بمؤسسات اسلامية عادلة وسط لجة الصراعات على سلطة بدأت بحيلة واستمرت فى أحابيل ومكايدات لا نهاية لها. كانت اتفاقية السلام الشامل بنيفاشا عام 2005 واعدة لمن ايدوها من جماعات المعارضة كفرصة لتفكيك ثم تغيير النظام على طريق اليمقراطية والتبادل السلمى للسلطة . ولكن فى لعبة السلطة كانت الاتفاقية فرصة أخرى لتجديد فترة رئاسة حكم الرئيس البشير بعد أن كانت محددة بفترتين فقط وفق دستور عام 1998 . و بمقتضى الاتفاقية بين من يملكون السلاح تشكل مجلس رئاسى من الرئيس البشير ونائبه الاول جون قرنق وبعد وفاته المأساوية خلفه سلفا كير ، وصار النائب الثانى على عثمان محمد طه الذى فاوض ووقع على اتفاقية نيفاشا. وكما هو حال السودان لم نحصد من هذه التجربة الا الحرصم . فقد كان المجلس الرئاسى الا منبر للتفاوض بين الطرفين لاستمرار اصحاب السلطة فى الشمال فى سلطتهم ودفع اصحاب الجيش الشعبى فى الجنوب للاوضاع فى اتجاه الانفصال . وكان سلفا كير نائب رئيس من منازلهم يطيل بقاءه فى جوبا كلما اقترب الوقت من الاستفتاء وذلك فى تصريف الحركة الشعبية للامور بصورة لم يكن ممكن وصفها باقل من خرق صريح لاتفاقية نيفاشا التى بموجبها أن يعمل الطرفان سويا لجعل الوحدة جاذبة . وكان واضحا ان الحركة الشعبية قد نجحت فى التملص تماما عن الوحدة وحشدت جيشها الشعبى وسندها الدولى للانفصال . ووجد هذا النشاط الواضح القبول الضمنى من قيادة المؤتمر الوطنى بدعوى عدم السماح بالعودة الى مربع الحرب . وهكذا كانت لعبة اقتسام السلطة بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية هى الغالبة فى ظرف غريب وصفه البعض بفترة جنون مرت بها البلاد . فقد كان الوزراء الجنوبيون فى الحكومة هم المعارضة والمكايدة التى يسمونها المحاصصة داخل مجلس الوزراء واصبحت مؤسسات الدولة تجتمع وتنفض بلا طائل لتأكيد حقيقة ارادوا فرضها بأنه لا فرصة للتعايش بين الشمال والجنوب . أما بالنسبة للمؤتمر الوطنى فقد الت السلطة الحقيقية الى ايدى خمسة من المتنفذين فيه . لم تكن نيفاشا بداية للجمهورية الثانية كما كانت رؤية جون قرنق لسودانه الجديد، بل انتجت جمهورية مشوهة أفضت كما ذكرنا انفا الى تركيز السلطة شمالا فى يد قلة و جنوبا فى يد الحركة الشعبية التى ذهبت بالبلاد التقسيم. وكان يمكن لهذا الترتيب الانفصالى الذى نظمه خلفاء قرنق أن ينجح فى بناء دولة عربية اسلامية فى الشمال ودولة أفريقية علمانية لا دينية فى الجنوب وكفى الله السودانيين شر القتال. ولكن المفاجأات لاتزال تترى , فانفجرتالحرب فى دارفور بدعم من الحركة الشعبية قبل انفصال الجنوب وانفجرت الحرب فى جنوب كردفان والنيل الازرق بدعم من الحركة الشعبية بعد قيام دولة الجنوب ، وظلت القضايا العالقة تؤرق العلاقة بين الدولتين فى الشمال والجنوب حتى وصلت بهما الى الحرب فى هيجليج. وهكذا فقدنا وحدة البلاد ولم نحقق السلام ! أما التجارب الانتخابية التى جرت فى عهد الانقاذ فقد ظلت عملية علاقات عامة ارادت السلطة ان تطرح بها صورة ديمقراطية تعددية للنظام على العالم الخارجى . وأرادت بها المعارضة أن تكون واحدة من معاركها لإضفاء اللاشرعية على الحكومة لدى المجتمع الدولى . ولم يلتفت أحد الى الداخل الذى يدفع ثمن هذه الانتخابات من موارده الشحيحة ، ولم تقنعه بوجود تجربة برلمانية حقيقية يعتد بها و تساهم فى بناء اركان الدولة ومراكز التوازن بين القوى الفاعلة فى اتخاذ القرار واحلال السلام والاستقرار. فقد كان المقصود من انتخابات عام أن تكون تعددية وفق مقولة الحكم , فقاطعتها المعارضة . وقالت الحكومة ان الانتخابات كانت حرة ونزيهة شارك فيها اكثر من اربعين منافسا الرئيس . ولو كانت المسألة بالعدد لقلنا لاهل الحكم ان كلامكم تمام . أما اذا شبهناها بمباراة ملاكمة فانها مباراة بين واحد من الوزن الثقيل وأربعبن من وزن الريشة أثقلهم وزنا انتخابيا السباح سلطان كيجاب ! ومهما كان رأى المعارضة ومبرراتها فان الغالبية الصامتة لا تريد أن تكون تجارب السودان الانتخابية مسخرة ولعب عيال . أما انتخابات ابريل 2010 فقد كانت أم الكبائر . لم تكن بأى حال هى الانتخابات الموسومة فى اتفاقية السلام الشامل . بل كانت تعبيرا عن الحال المقبول ضمنيا بين طرفى الحكم فى الشمال والجنوب بأن يذهب الشمال برئيسه ونواب برلمانه وولاته الى المؤتمر الوطنى و يذهب الجنوب بكلياته الى الحركة الشعبية كخطوة نحو الانفصال ، اذ اتاحت نتائج تلك الانتخابات للحركة الشعبية أن تهدد بسبب وبلا سبب باعلان الانفصال من داخل البرلمان كما فعلها الازهرى زعيم الحزب الاتحادى عند استقلال السودان . فقد أغمض الازهرى عينه عن الاتحاد مع مصر الذى حقق بموجبه الاغلبية البرلمانية حينذاك ، وأغمضت الحركة الشعبية عينها وقلبها عن الوحدة الجاذبة التى التزمت بها فى اتفاقية نيفاشا . والفرق الوحيد والاهم هو أن الحركة الشعبية قد خرقت ذلك الاتفاق عيانا بيانا تحت سمع وبصر الطرف الثانى المؤتمر الوطنى وشاهد الزور المجتمع الدولى . ففى تلك الانتخابات سحبت الحركة الشعبية مرشحها الرئاسى ياسر عرمان والولائى بالخرطوم ادوارد لينو كأن أمر المركز لا يهمها فى شىء . وكذلك مررت الحكومة انتخابات الجنوب دون أن تنبث ببنت شفة عما حدث فيها من ترهيب وتزوير ما دام الانفصال على الابواب . وشهدت المعارضة بزور الانتخابات فى الشمال وسكتت عن ارهاب الناخبين والتلاعب فى صناديق الاقتراع فى الجنوب . وكنا نتمنى ان تدخل المعارضة الانتخابات فى الشمال وفى الجنوب كما كانت تفعل فى الديمقراطيات الهالكة ، وكان بمقدورها أن تقبض على المزور متلبسا امام المراقبين الدوليين . و ليتها سمحت للحكومة ان تأخذ شرعيتها من عملية انتخابية وان كانت بها شبهات و لا تقبل هذه الشرعية الان بمشاركة الاولاد . فالانتخابات والديمقراطية عملية مستمرة تحتاج لتقاليد تترسخ عبر التجارب والممارسة ، لا ان تدمغها بالفشل قيل أن تبدأ ثم تقول انها مزورة عندما تنتهى . ونقول للحكومة ان الجهد الذى بذل فى تكوين حكومة قاعدة عريضة كان يمكن ان يبذل لانتخاب برلمان قاعدة عريضة بانتخابات تعددية حقيقية . لا انتخابات تجرى تحت قبضة السلطة بامنها وشرطتها و حتى جيشها ، تلك الاجهزة التى من المفترض دستوريا أن تكون محايدة , ولكن عندنا نحن السودانيون المتفردون يعلن قادة هذه الاجهزة بالواضح والبيان بالعمل أنهم مؤتمر وطنى. كى نبدأ جمهورية ثانية بحق ، وهذا يعنى قبول بمبدأ التبادل السلمى للسلطة بمعنى أن يؤمن المؤتمر الوطنى بامكانية وصول حزب او ائتلاف معارض للسلطة دون أن يفهم ذلك بأنه تفكيك للانقاذ بل يعنى أن يشارك الاخرون فى اتخاذ القرار ان كانوا بالحكم أو فى المعارضة. والديموقراطية الحقيقية تقوم على ممارسة أحزاب قوية للسياسة فى فضاء فيه ثقة متبادلة بين الحكام والمعارضين. ولتكن البداية بتثبيت الديمقراطية داخل الاحزاب السياسية واولها الحزب الحاكم. ولتكن ضربة البداية بفتح الباب أمام انتخابات مبكرة لاختيار رئيس الحزب اى المؤتمر الوطنى فى حملة انتخابية منضبطة بسلوك راقى يكون سيرة عطرة وتجربة تقتدى بها الاحزاب الاخرى وتصبح تقليدا ثابتا بقوة التجربة الناجحة . لا نريد مرشحا تختاره مجموعة خفية تتشبه بتنطيمات المافيا و الماسونية وتدعى انها اسلامية . بل شخص يقدمه أخوانه من حزبه لينافس اخرين من الاخيار الذين تدفع بهم احزابهم . وتكون الاجراءات شفيفة وعادلة لتنتج رئيسا منتخبا باغلبية فوق الخمسين فى المائة ، ويقبل منافسيه النتيجة لانها أتت بخيار من خيار. ثم يطرح اسمه وبرنامجه للاقتراع العام . ولنقتدى بالتجربة الامريكية والفرنسية فى شيئين فقط لاغير : اجراء انتخابات اولية فى كل حزب على حدة . وثانيها أن يتفق الناس على أن يستقيل مرشح الرئاسة من رئاسة حزبه ليكون عند انتخابه رئيسا للجميع ومسئول أمام جميع الناخبين وليس رجالات حزبه فقط. ونضع انجاح هذه العملية برمتها على عاتق الرئيس عمر حسن أحمد البشير الذى قاد انقلاب 1989 لظروف استثنائية لانقاذ ما يمكن انقاذه فى زمن انهيار كبير . وقبل ان يجمع اغراضه ويغادر قصر الرئاسة يعيد السلطة للشعب فى ظروف طبيعية تتسم بالهدوء والاستقرار والمسئولية ويتوج بذلك الانجاز فترة قيادته للبلاد بختام المسك ويدخل التاريخ من اوسع ابوابه فى الدنيا وندعو له بخير الجزاء فى الاخرة. ان الله لا يضيع أجر من أحسن عملا. izzeldin Sir el Khatim [[email protected]]