أُولا.. لا Ouh là là ، هي واحدة من أشهر الأصوات التعبيرية ، أو التعابير الصوتية – كما كان سيحلو للدكتور طه حسين أن يقول - التي تصدر عن الفرد الفرنسي ، أو الفرانكفوني على سبيل التأثر أيضاً ، في معرض التعبير عن جملة من الأحاسيس المختلفة والمتناقضة كذلك. مثلا الاحساس الطاغي بالتعجب ، أو الاندهاش ، او الإعجاب ، أو الفرح والاستبشار ، أو الحزن والتأثر الوجداني ، أو حتى الاستنكار والاستبشاع أحيانا. ولعل من أطرف وأفكه استخدامات عبارة أُولا .. لا هذه ، خصوصا بالنسبة للمتلقي العربي ، رد الممثلة المصرية (شيرين) على الفنان الكوميدي الكبير (سمير غانم) في مسرحية: (المتزوجون) عندما وجدت شيرين جرة صغيرة من الفخار لحفظ الماء موضوعة فوق منضدة بائسة من ضمن أثاث منزله الرث ، فلم تتعرف عليها ، بحكم أنها من أسرة برجوازية ثرية ، تسكن في فيلا فخمة ، ولا عهد لها بمثل تلك الأشياء (البلدي). ولما قالت شيرين لسمير غانم الذي كان يسمى (مسعود) في تلك المسرحية: أيه دي يا مسعود ؟ وأجابها بقوله: دي قلة أو( أُلّة ) بحسب النطق المصري القاهري ، ردت عليه قائلة: أُولاّ.. لا !. على طريقة التلاعب بالألفاظ ، أو الجو دو مو ، التي هي من الخصائص العتيدة للفكاهة الفرنسية. وسينفجر الذين يدركون موقع أولا .. لا هذه من اللغة والثقافة الفرنسية وحدهم بالطبع بالضحك من تلك المفارقة الهائلة ، أما الذين لا يدركونه ، فسوف تمر عليهم النكتة مرور الكرام ، ولن تحرك فيهم ساكنا. ويالطبع فإن أولا .. لا التي استخدمتها الممثلة شيرين في ذلك المقطع من تلك المسرحية الكوميدية ، تنم عن كلا معنيي الاندهاش والإعجاب معاً. ذلك النوع من الإعجاب المشوب بشيء من الاستطراف الفولكلوري والاثنوغرافي ، الذي يشبه إعجاب السياح الأوروبيين الذين يلمون ببلدان العالم الثالث بالأشياء التراثية والمصنوعات التقليدية في تلك البلدان ، وهو – على كل حال - إعجاب كأنه مشفقٌ ومتعالٍ غالبا ، ولكن ذلك موضوع آخر. فما هي حكاية أولا .. لا هذه ، وما هو أصلها ؟. لا يزيد موقع ويكبيديا على الشبكة العنكبوتية في معرض تناوله لهذا الصوت التعبيري الفرنسي الشهير أُولا لا في الواقع ، على بيان كونه مجرد صوت للتعجب أو interjection ، ولم يمض إلى بيان تأثيلها أو تخريجها اللغوي. على أنه قد يغلب على الظن بحسب بعض الآراء ، أن قول الفرنسيين في بعض لحظات الانفعال لأسباب مختلفة: أُولا .. لا ، أنها محض تحريف لشهادة التوحيد عند المسلمين: لا إله إلا الله ، سمعت ذلك من شخص ما منذ سنوات ، غير أنني نسيت اسم ذلك الشخص وأين قال لي ذلك. أو لعلها تحريف لعبارة: يا الله .. يا الله ، او يا إلهي يا إلهي التي تقال في معرض الاستحسان والإعجاب ، أو مختلف أنواع المشاعر السلبية الأخرى من خوف واستنكار ، او تأثر أو انفعال وجداني بإزاء مشهد بعينه ، أو موقف ما. ومما عزز احتمال صحة هذه الفرضية لدى كاتب هذه السطور ، ما وقع عليه أثناء قراءته مؤخراً لاستعراض بقلم الكاتب الكبير الأستاذ عباس محمود العقاد لكتاب من تأليف الكاتب الاسباني ( انريك سوردو ) عنوانه: اسبانيا المغربية ، جاء فيه ما يلي فيما يتعلق بتأثر الاسبان باللغة والثقافة العربيتين من جراء مكوث العرب في بلاد الأندلس لقرابة الثمانية قرون. يقول الأستاذ العقاد في ثنايا استعراضه لذلك الكتاب: "ويشيد المؤلف بما اتسمت به الحضارة العربية من قوة الشعور بالحياة الحسية والحياة الفكرية في آن. ويطيل الوقوف عند ظاهرة (الطرب) للسماع ونغمات الأصوات والآلات ، فيروي ما يرجحه بعضهم من انها أصل كلمة الطربادور التي تطلق على الشعراء المنشدين بين جنوبفرنسا وشمال البلاد الإسبانية ، ويشير بعضهم إلى ما تخيله بعضهم من انها تتصل بمادة (طاب) العربية ، بمعنى: طيب العيش وطيب الشعور ، ثم يعود فيقول: إن هذا الشعور الذي يدل على قابلية النفس للامتلاء بالحيوية والإحساس بجمال الحياة لم يخلفه اليوم غير ثورة الحس في حلبات مصارعة الثيران ، وغير أناشيد الرقص في الحانات ، تتخللها صيحات : ووللي .. ووللي عند النشوة والاستحسان ، وما هي إلا تحريف لكلمة الجلالة: الله .. الله ، التي كان من عادة العربي أن يهتف بها لإبداء إعجابه بكل جميل." أ.ه ( انظر كتاب العقاد بعنوان: ما يقال عن الإسلام ، من إصدارات مجلة الأزهر ، الجزء الثالث ، ربيع الأول 1432 ه ، صفحة 83 ). فالراجح إذاً – والله أعلم – أن أصل أولا .. لا الفرنسية هو ذاك ، وذلك نظراً لقرب اسبانيا من فرنسا التي أوشكت جيوش المسلمين القادمة من الاندلس على اجتياحها في القرن الثامن الميلادي ، بعد أن عبرت سلسلة جبال البرانس الفاصلة بينها وبين اسبانيا بقيادة عبد الرحمن الغافقي ، لو لا أن صدتهم عنها جيوش الملك شارل مارتل. ولعله يجوز لنا أن نجازف بالافتراض في ذات السياق أيضاً ، بأن تكون عبارة ألالويا أو ايلولويا ، التي يرددها المسيحيون المؤمنون بمختلف لغاتهم في شتى بقاع الأرض ، في لحظات التواجد والانتشاء الروحي ، أو حمد الله وشكره مطلقاً ، ترجع إلى أصل عروبي أو سامي قديم ، وأن تكون اللفظة الأساسية فيه متعلقة بكل تاكيد بلفظ الجلالة: الله.. كأن يكون أصلها القديم هو: هللوا لله مثلاً ، ثم تحرفت من بعد إلى ايلولويا. ذلك بأن كلمة " ايلوهيم " في العبرانية على سبيل المثال ، هو الله تعالى نفسه ، وإنما جعلوها في صيغة الجمع من قبيل التعظيم والتبجيل للخالق العظيم ،فكأن مفردها هو " أيلوه أو إله " ، والله العليم.