وزيرا الداخلية والعدل: معالجة قضايا المنتظرين قيد التحرى والمنتظرين قيد المحاكمة    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الشان لا ترحم الأخطاء    والي الخرطوم يدشن أعمال إعادة تأهيل مقار واجهزة الإدارة العامة للدفاع المدني    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    مصطفى بركات: 3 ساعات على تيك توك تعادل مرتب أستاذ جامعي في 6 سنوات    تكية الفاشر تواصل تقديم خدماتها الإنسانية للنازحين بمراكز الايواء    مصالح الشعب السوداني.. يا لشقاء المصطلحات!    تايسون يصنف أعظم 5 ملاكمين في التاريخ    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    دبابيس ودالشريف    دقلو أبو بريص    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    حملة في السودان على تجار العملة    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنظمات غير الحكومية والديمقراطية . بقلم: د. أحمد المفتى
نشر في سودانيل يوم 18 - 11 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
ملف 318
المنظمات غير الحكومية والديمقراطية
د. أحمد المفتى
مدير مركز الخرطوم الدولى لحقوق الإنسان (KICHR)
فى تقديرنا أن من أهم ما كتب عن دور المنظمات غير الحكومية كأحد مكونات المجتمع المدنى هو ما أورده المستر كلير ميرسر من جامعة ليزستر بالمملكة المتحدة عام 2002 وفيما يلى نستعرض اهم ما ورد فى ذلك المقال تعميماً للفائدة :
1. المنظمات غير الحكومية والسياسة:
يرى بعض الكتاب ان مساهمات المنظمات غير الحكومية في التنمية مهمة لاسباب سياسية اكثر منها اقتصادية وذلك لأن نهج تلك المنظمات تشاركى وديمقراطى . ومنذ ذلك الحين دعمت اواسط اكاديمية ومانحين ومجتمعات ومنظمات غير حكومية دور المنظمات غير الحكومية في ترقية التنمية الديمقراطية مما يعنى وجود قبول كبير لدورها السياسى . وتختلف المنظمات غير الحكومية عن منظمات المجتمعات المحلية Grassroots Organizations – GROs حيث ان الاخيرة تكون صغيرة ولها عضوية وليس لها موظفون بمرتبات .ومن ناحية أخرى فان هنالك من يعتقد ان تقوية المنظمات عير الحكومية يضعف التطور الديمقراطى .
2. المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدنى والديمقراطية : وجهة النظر الليبرالية السائدة:
علي الرغم من ان المنظمات غير الحكومية هى جزء من المجتمع المدنى إلا انها في ذات الوقت تقوى المجتمع المدنى من خلال انشطتها والتى تدعم العملية الديمقراطية . وكتابات الكتاب في المدارس الفكرية للحداثة والتطور السياسى حول الديمقراطية من امثال صامويل هنتجتون توضح ان الديمقراطية داخل المجتمع الرأسمالى تتطلب مجتمعاً مدنياً نشطاً ودولة فاعلة لها القدرة علي وزن مصالح كافة المجموعات .
ومفهوم الديمقراطية الذى نتحدث عنه هنا هو المفهوم الليبرالى كما في نهاية التاريخ ، اما المجتمع المدنى فهو الحياة الاجتماعية المنظمة في منظمات طوعية تعتمد علي نفسها في الغالب ومستقلة عن الدولة ويحكمها نظام قانونى او مجموعة متفق عليها من القواعد . والمجتمع المدنى القوى مهمته الحماية ضد تجاوز السلطات وجعل سلطة الدولة شرعية عندما تستند الي سيادة حكم القانون .
ومن خلال دعم مطالب ومشاغل المجموعات المختلفة ضد الدولة فان المجتمع المدنى يضمن دولة فاعلة ومساءلة وشفافة وبذلك يقوى قدرة الدولة علي الحكم الرشيد . والنظرية الليبرالية الديمقراطية ترى أن الدولة القوية والمجتمع المدنى القوى مختلفان عن بعضها البعض علي الرغم من انهما عناصر مهمة لبعضها البعض . ولذلك يوجد المجتمع المدنى من خلال علاقته بالدولة ولا يمكن اعتباره نظاماً ديمقراطياً قائماً بذاته له رؤاه الديمقراطية المختلفة .
وهنالك مدارس فكرية متعددة بين المحللين السياسيين تحاول فهم آليات التحول نحو الديمقراطية . ويعتقد ان المجتمع المدنى يلعب ادواراً مختلفة في المراحل المختلفة لعملية التحول الديمقراطى ، علماً بان معظم المحليين السياسيين يفرقون بين التحول الديمقراطى وترسيخ الديمقراطية . ويلعب المجتمع المدنى دوراً كبيراً في التحول الديمقراطى سواء حدث ذلك سريعاً كما في الفلبين عام 1986 او بطيئاً كما في حالة جنوب افريقيا في اوائل التسعينات من القرن الماضى . وكذلك يلعب المجتمع المدنى دوراً في ترسيخ الديمقراطية والمحافظة عليها من خلال تشجيع المشاركة الواسعة فى اتخاذ القرار ومراقبة الدولة وخلافه . وعلي الرغم من ذلك ترى وجهة النظر الليبرالية ان المجتمع المدنى يمكن ان يكون له دور سالب في ترسيخ الديمقراطية . ان الاختلافات العرقية المصحوبة بعدم المساواة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية تعوق ترسيخ الديمقراطية .
دور المنظمات غير الحكومية في تقوية الديمقراطية الليبرالية :
(i) توسيع قاعدة المشاركة والضغط علي الدولة ويقول البعض بان الثورات التى حدثت في كامبوديا واندونيسيا والفلبين وتايلاند هى ثورات منظمات “associational revolutions".
(ii) تعمل مع المنظمات المحلية GROs وبذلك توسع وتعمق درجة المشاركة الجماهيرية حيث ان المنظمات غير الحكومية تمثل مصالح المهمشين وتعمل علي التأثير علي السياسات مثال ذلك الجهود الناجحة للمنظمات غير الحكومية في مجال البيئة والسكان الأصليين (bottom-up democracy) . ومن الامثلة لذلك في كينيا مجموعة اليندوقو(Undugu society) في احد الاحياء العشوائية في نيروبى والتى مكنت المنظمات المحلية من التحاور مع السلطات المحلية عام 1993 .
(iii) تراقب سلطة الدولة وتضغط باتجاه التغيير من خلال تبنى توجهات وسياسات بديلة .
وفيما يتعلق بعلب ذلك الدور علي أرض الواقع فان المنظمات غير الحكومية لعبت دوراً مهما في معارضة نظام بيونشيه في شيلى خلال أواخر السبعينات والثمانينات من القرن الماضى . ومعظم الكتاب يعتبرونها لاعب سياسى مهم قبل واثناء وبعد التحول الديمقراطى . وفي الهند والفلبين فان المنظمات غير الحكومية ملئت الفراغ الذى حدث بسبب ضعف البنى المؤسسية للاحزاب السياسية والنقابات . وفي تايلاند فان نمو المنظمات غير الحكومية وضعف النظام السياسية خلال الثمانيات من القرن الماضى شجع المنظمات غير الحكومية علي لعب دور اساسى في تنظيم المعارضة السياسية ضد الجنرال سشندا مما ادى الي سقوطه في مايو 1992 . وفي اندونيسيا فان سقوط الرئيس سوهارتوا والرئيس حبيب يمكن اعتباره ليس نصرا لحزب ميقواتى ولكن ايضاً للمنظمات غير الحكومية التى تحالفت معها طلباً للديمقراطية .
ولكن ليس كل المحللين يتفقون مع ما ورد أعلاه جملة وتفصيلاً ولكن هنالك اجماع علي ان المجتمع الدولى والمنظمات غير الحكومية شئ جيد “good things" . وبصفة خاصة يرى البنك الدولى ان ضغط المجتمع المدنى علي الحكومة يؤدى الي رقابة اقوى علي اداء الدولة وكذلك اى مشاركة اوسع وذلك يؤدى الي ان يتم تنفيذ التنمية بتوافق الآراء . ولكن كما سيتضح لاحقاً في هذه الورقة فان ذلك الوضع يسبب بعض المشاكل وذلك لأن علاقات المنظمات غير الحكومية مع محيطها الأوسع الاجتماعى والاقتصادى والسياسى والثقافى يجعل من الصعوبة الوصول الي تصور مشترك حول دورها السياسى .
3. المنظمات غير الحكومية: جعل المجتمع مدنياً والتنمية ديمقراطية:
(‌أ) ان المنظمات غير الحكومية تساعد الديمقراطية لأنها توسع المجتمع المدنى وتقويه وتجلب المزيد من اللاعبين الديمقراطيين الي الملعب . ولكن الأمر ليس بتلك البساطة لأن مجرد وجود منظمة لا يجلب تلك النتائج . ويبدو أن سبب ذلك الموقف هو ان عدد المنظمات غير الحكومية في مجتمع ما يعتبر مؤشراً هاماً علي وجود المجتمع المدنى في ذلك المجتمع . ويقول بعض المحلليين ان المنظمات غير الحكومية تقوى المجتمع المدنى من خلال زيادة عدد المنظمات الوسيطة بين المواطن والدولة . وذلك الموقف في حد ذاته يسبب مشاكل لعدة اسباب: اولاً: تكاثرت المنظمات غير الحكومية خلال العقدين الاخيرين من القرن الماضى في نفس الوقت الذى تغيرت فيه مفاهيم التنمية كما تغيرت مفاهيم الخواص الديمقراطية للمنظمات غير الحكومية . ثانياً: تعريف المنظمات غير الحكومية يختلف حوله الكتاب والمنظمات والمجتمعات وذلك يجعل مفهوم المجتمع المدنى غير واضح . ثالثاً: تجعل للمنظمات غير الحكومية خواصاً لا تملكها ولكن يملكها المجتمع المدنى مثال ذلك دور مراقبة الدولة وتشمل مصالح الفقراء والمهمشين . وبعض المحللين الغربيين اشاروا الي نشاط المنظمات الاسلامية في السودان في اواخر الثمانينات من القرن الماضى واعتبروه تخريباً للمجتمع المدنى . وكثيرون لا يفطنون الى ان المجتمع المدنى يتضمن مصالح متعارضة ويعتبرونه نفعاً محضاً .
(‌ب) يدفع الليبراليين الجدد المنظمات غير الحكومية باتجاه ان يصبحوا مقاولين للخدمات العامة ، في حين ان الليبراليين الديمقراطيين يؤمنون بدور المنظمات غير الحكومية في تنمية الديمقراطية . ولا يوجد فاصل واضح بين الذين يعتبرون ان المجتمع المدنى نفعاً وكذلك المنظمات غير الحكومية والآخرين الذين يعتبرون ان المجتمع المدنى فيه تنافس مصالح وكذلك المنظمات غير الحكومية . ان القاء الضوء علي التصرفات غير المدنية (incivilities) فى المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية (مثل الصراعات العرقية والجهوية وعدم الديمقراطية وضعف القدرات) يوضح ان المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية قد ضلت الطريق في الدول النامية .
(‌ج) يعتقد الليبراليون الديمقراطيون واصحاب نظريات الحداثة والتنمية السياسية ان الثقافات والبنيات المجتمعية للاقطار النامية تقف عائقاً في وجه تنمية الديمقراطية الغربية وبناء مجتمع غربى مرغوب فيه . ويرون ان عضوية المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدنى التى تتجاهل الاعتبارات العرقية والجهوية هى الاكثر فائدة للبناء الديمقراطى والاستعداد للتنازل واحترام وجهات النظر الأخرى .
4. التعقيد والتنوع: ادوار المنظمات غير الحكومية في سياسات التنمية:
يعتقد ان المنظمات غير الحكومية تقوى الدولة والمجتمع المدنى ولكن في بعض الحالات فانها تضعف الاثنين . وفيما يلى نتناول جوانب ذلك الموضوع :
(أ‌) الاشارة الي المنظمات غير الحكومية باعتبارها أحد روافد المجتمع المدنى الفاعلة في مجال التنمية الديقراطية صحيحة بالنسبة لاقطار مثل البرازيل وشيلى والفلبين وبنغلاديش والهند وبدرجة أقل كينيا واخيرا جنوب افريقيا وتايلاند . ويلاحظ ان المنظمات غير الحكومية تنشط في الانظمة الديمقراطية .
(ب‌) بناء المجتمع المدنى: تتهم العديد من المنظمات غير الحكومية بانها غير ديمقراطية وتخضع لقيادة لا تتغير وبها ولاءات دينية أو جهوية او عرقية وتوجهها الدولة أو المانحين أو الاثنين معاً . وفي ذلك الصدد يمكن القول بانها تعكس تركيبة المجتمع بدل تطوير المجتمع مثال ذلك ان الاغلبية العرقية من الكوكويو واللاو في المنظمات غير الحكومية الكينية هى التى ضغطت علي حكومة الرئيس أرب موى التى تنتمى الي قبيلة اخرى واصبح همها الصراع علي السلطة بدل الدعوة لحكم ديمقراطى . وتلك الاعتبارات تضعف وحدة المنظمات غير الحكومية وتفعيلها في شبكات .
المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدنى واجندة الليبرالية الجدد: اذا اصبحت المنظمات غير الحكومية تقوم بادوار في مجال الخدمات الاجتماعية فان مشروعية ادعائها بالعمل مع وتمثيل المهمشين علي المستوى السياسى بما يمكنها من بناء مجتمع مدنى كبير يصبح مهدداً. ولذلك فان مساءلة المنظمات غير الحكومية عن التمويل الكبير الذى تستلمه امام المجتمعات المحية اصبحت ظاهرة ملحوظة مؤخراً . وبسبب التمويل الكبير للمنظمات غير الحكومية ظهرت منظمات لها خواص جغرافية واجتماعية . والنخبة في المدن الكبيرة هى التى تستطيع الحصول علي تمويل المانحين عبر المعرفة بطرائق التقديم ومعرفة السفارات والجهات المانحة ، ولذلك اصبحت الطبقة الوسطى هى المهيمنة علي المنظمات غير الحكومية دون اى رابط بالريف ، ولذلك يصعب القول بانها تمثل الفقراء والمهمشين . ولذلك فان زيادة التمويل للمنظمات غير الحكومية يمكن ان يعوض بناء مجتمع مدنى تشاركى وبه تمثيل حقيقى . ان المنظمات غير الحكومية في امريكا اللاتينية قد لعبت دوراً بارزاً في الضغط نحو التحول الديمقراطى ولكنها بعد ذلك اصبحت تعانى لأن دورها في العملية أصبح غير واضح في بيئة الليبرالييين الجدد حيث وجدت تلك المنظمات نفسها مدفوعة باتجاه تقديم الخدمات الاجتماعية وأصبحت تلك المنظمات مساءلة امام المانحين وليس امام المجتمعات المحلية . وهكذا اصبحت المنظمات غير الحكومية اشبه بالاجهزة الحكومية في الدفاع عن نفسها وفى اجراءاتها . وكبر حجم المنظمة غير الحكومية يعنى بعدها عن المجتمعات المحلية واختفى مفهوم الابتدار وحل محله مفهوم الكفاءة والمهنية .
(ج) المنظمات غير الحكومية في زمان الليبراليين الجدد: تقوية الدولة: ان انشاء صناديق اجتماعية برعاية الدولة والذى يدعمه البنك الدولى والمانحين ادى الى استخدام المنظمات غير الحكومية في تنفيذ خطط التنمية القومية وذلك لتقليل آثار برامج اعادة الهيكلة . ويرى كثيرون ان ذلك الأمر يقوى شرعية الدولة . والحكومات التى كانت شمولية في امريكا اللاتينية أصبحت اولويتها هى ترسيخ مشروعيتها بالوصول الي الفقراء والمهمشين حيث كان ينصب اهتمام المنظمات غير الحكومية . ولقد قامت تلك الحكومات بذلك سياسياً عبر اللامركزية واقتصادياً عبر تحسين الخدمات الاجتماعية وهكذا اصبحت المنظمات غير الحكومية اداة في تنفيذ نموذج الليبراليين الجدد الذين يدعمون استخدام المنظمات غير الحكومية في تنفيذ برامج الخدمات الاجتماعية الحكومية . ومن ناحية أخرى يشير بعض المحلليين الى الدور السياسى للمنظمات غير الحكومية حيث استطاعت في البرازيل ادانة الرئيس مولر بالفساد في عام 1992 . ولكن ذلك التوجه قليل للغاية واعمال المنظمات غير الحكومية الغالبة في مجال الخدمات كانت نتيجة نقاش البنك الدولى الذى يقدم التمويل مع الدولة المعنية والقطاع الخاص والمجتمع المدنى وليس بمبادرة من المنظمات غير الحكومية . والنظرة السليمة للدور السياسى للمنظمات غير الحكومية في المجتمع الديمقراطى هى انها تكمل وتعمق الديمقراطية دون ان تتحدى سلطة الممثلين المنتخبين للشعب . وفي نظر البنك الدولى فان نمو المنظمات غير الحكومية يعكس حركة اكبر نحو الديمقراطية وفي بعض الاقطار يعكس الحاجة الي توفير الوسط المفقود (missing middle) بين المواطنين والحكومة . فالبنك الدولى والحكومات توفر الخبرة والمعرفة (Development hardware)، في حين توفر المنظمات غير الحكومية الخبرة في مجالات النهج التشاركى وتنظيم المجتمعات واستراتيجيات تمليك الموضوع لاصحاب المصالح (Development software) . ولاشك ان المنظمات غير الحكومية صغيرة ولذلك فهى اكثر ابتكاراً وموائمة وقليلة التكلفة ولديها معرفة بالظروف المحلية وتمثيلها في المجتمعات المحلية يجلب الشرعية ويشرك المجتمعات في البرامج .
وتوفر المنظمات بديلاً ثابتا لمناقشة المطالب اضافة الى البرلمان . ويعتبر هنتجتون ان المنظمات غير الحكومية هى طبقة مستقلة بذاتها من طبقات المجتمع المدنى تعمل علي ان تكون السلطة عقلانية . وبمعنى آخر فهى تدعم الديمقراطيات الجديدة وفي نفس الوقت تنظم الاحتاجات والمشاركة الجماهيرية في اشكال مؤسسية معترف بها وفق اللوائح التى تصدرها الدولة . ويرى بعض المحللين ان اشتراك المانحين في مبادرات المنظمات غير الحكومية يشبه او يوازى خصصة توزيع المواد والانتاج .
وهنالك خطورة من تحويل انشطة الرفاه الاجتماعى من اجهزة الدولة الي المنظمات غير الحكومية حيث انه يهدد شرعية الدولة ويتسبب في المزيد من اضعاف قدرة الدولة في تقديم الخدمات الاجتماعية . وفي الحقيقة فان تقوية المجتمع المدنى عبر المنظمات غير الحكومية يضعف الدولة مثال ذلك ان نهضة المنظمات غير الحكومية في بنغلاديش قد صاحبه انخفاض في شرعية الدولة ولذلك وصف بعض المحللين المنظمات غير الحكومية في بنغلاديش بانها اصبحت دولة موازية (Virtual parallel state) . والموضوع هو موضوع مساءلة حيث ان الحكومة تكون مساءلة للمواطنين في حين ان مساءلة المنظمات غير الحكومية تكون امام المانحين . وليس من السهل علي المنظمات غير الحكومية المشتتة القيام بتخطيط التنمية . ولقد اضعفت قوة المنظمات غير الحكومية المجتمع المدنى والحكومات . ومؤخراً اصبحت المنظمات غير الحكومية اقل حماسا لتعبئة الفقراء تعبئة سياسة كما حدث في الثمانينات من القرن الماضى . والدعم الكبير الذى يرد للمنظمات غير الحكومية اضعف قدرة الدولة علي صياغة بدائل لأجندة التنمية التى تقدمها وكالات التنمية العالمية وذلك ادى الى اضعاف العمليات السياسية الديمقراطية . ولا شك ان تلك مفارقة كبيرة حيث ان المنظمات غير الحكومية التى كانت ترى نفسها ويعتبرها الاخرون كادوات للديمقراطية اصبحت نشطة في تدمير القاعدة المؤسسية للمشاركة السياسية .
وهكذا اصبح دور المنظمات غير الحكومية في مواجهة الدولة في التنمية الديمقراطية غير متفق عليه ومن ذلك انها اصبحت هى التى توفر الدعم الهيكلى للانظمة الديمقراطية الليبرالية الجديدة التى بدأت في الظهور ، او هى العامل الرئيسى في اضعاف الدول الضعيفة والمجتمعات المدنية . والاجندة الليبرالية الجديدة تروج لها المؤسسات المالية العالمية .
5. خاتمة :
ان دعم دور المنظمات غير الحكومية في مجال الديمقراطية غالباً ما تشكله وجهة نظر ليبرالية ديمقراطية في السياسة ترى ان تقوية تلك المنظمات هو أمر مفيد للمجتمع المدنى والشرعية ولشرعية الدولة . وتلك النظرة تسبب مشاكل لعدة اسباب من بينها انها تجعل هنالك شرعية لنظرة الغرب والتى بموجبها سوف يتم الحكم علي نجاح أو فشل تلك المنظمات والدول والمجتمعات المدنية . وترى هذه الورقة انه علي الرغم من ازدياد الدعم للمنظمات غير الحكومية في مجال دورها الديمقراطى فان نتائج انخراطها في سياسات التنمية لا يمكن التنبوء به لدرجة لا تتصورها الديمقراطية الليبرالية ، وان مساهمات المنظمات غير الحكومية في التنمية تختلف اختلافاً كبير من منظمة الي أخرى . ولذلك ترى الورقة ان موضوع اضعاف المنظمات للمجتمع المدنى والحكومات هو موضوع يخضع لمعايير شخصية لدرجة كبيرة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.