أي محاولة يكون الهدف منها الاستيلاء علي نظام الحكم وتستهدف المفاصل الرئيسية للأمن والجيش والمواقع الإستراتيجية فإنها تسمي محاولة إنقلابية ، وكل المحاولات التي تهدف لزعزعة الأمن عبر نشر السلاح والترويع وإستهداف المدنيين والمصالح الحيوية فهذه تسمي محاولة تخريبية فلو نجح الأول ستكون حكومة إنقلابية ولو نجح الثاني فسيكون عملا تخريبيا وعلي النظام الحاكم في الحالتين أن يتصدي لهذه المحاولات شرعا وقانونا ودينا ودستورا وهذا من واجبات كل الأنظمة أيا كانت الطرق التي أتت بها، لكن الإعلام السوداني الرسمي منه و(الخاص) يسوق لأي رواية رسمية فيما يخص مخططات الانقلاب علي السلطة طمعا في كسب موقف ولذلك لم يسم إعلامنا العمل الذي حدث مؤخرا بإسمه لكن لا ضير فهو لا يفوت علي فطنة أحد. حاول الكثيرون أن يجدوا تفسيرا لمن وما وراء المحاولة الإنقلابية الأخيرة لكنهم يجدون أنفسهم يدورون في فلك واحد هو الذي صنعه الاعلام الرسمي وتتبعته منابر المعارضة وإزداد تخريبا بتحليلات جاهلة نضحت بها مواقع التواصل الاجتماعي ما جعل الأمر أكثر قابلية للحشو والتدليس، فما سمي بالمخطط التخريبي هو محاولة إنقلابية مكتملة الأركان هي في كل الأحوال مرفوضة وممقوتة أيا كانت هوية من يقفون ورائها لأنها لو نجحت ستكون إنتكاسة فعلية في طريق الاستقرار السياسي والأمني في البلاد ، لأن نجاحها يعني إلغاء كافة الآمال المتعلقة بمستقبل التداول السلمي للسلطة والتغيير السلس الذي نأمل أن يكون خاتمة لهذا العهد الإنقاذي، ونجاحها كذلك يعني أن نعطي الإنقلابيين عشر سنوات ليتحولوا من الشرعية الثورية إلي الشرعية الدستورية وسيكون في العشرية الأولي قمع المخالفين في الداخل الاسلامي والخارج الوطني وصراعات داخلية مع (الفلول) قد تستمر طويلا، وسياسة خارجية مؤكد أنها ستكون متطرفة في إنبطاحها لإثبات أن النظام الجديد (جديد فعلاً)، ولا أحد يتوقع أقل من ذلك. الفريق صلاح قوش معروف بأنه رجل أمريكا في السودان ولهذا شواهد كثيرة منذ زيارته الشهيرة إلي (لانغلي) وهذه لا تحسب خيانة أو عمالة لكنها عمل إستخباري برؤية واقعية وعقل منفتح، والعميد محمد ابراهيم عبدالجليل (ود ابراهيم) معروف بأنه رجل الجهاد والمجاهدين وهو إسلامي صادق وذو سبق لا ينكره أحد فلا يمكن أن يجتمع هذين إلا وفق معادلة تحفظ لكل منهما سلطته رغم أنه لم يتأكد حتي الآن أن ود ابراهيم هو الرجل الثاني في المحاولة الفاشلة، لكن المؤكد أن الشئ الوحيد الذي يجمع هذين الاثنين هو إختلافهما البائن مع كل سياسات وزير الدفاع الفريق عبدالرحيم وهذه كفيلة بوضع حد أدني بينهما يجعل لكل منهما شكوكه المكبوتة نحو الآخر ورغبته المحمومة في إزاحة الآخر بعد نجاح العملية. في الإفطار الذي اقامه ود ابراهيم قبل أشهر بمنزله ودعا اليه قدامي المجاهدين وكبار الضباط لم يشعر أحد أن للرجل أفكار تدفعه للمشاركة في مؤامرة لقلب نظام الحكم ، فهو -ظاهريا- ضابط يكن ولاء عظيما لقائده ولمؤسسته العسكرية وإنتماءً راسخاً للتنظيم الإسلامي فهو إن صح القول آخر من يفكر في محاولة كهذه حتي وإن كان ذلك لمصلحة إعادة الحركة الإسلامية للحكم لأن في ذلك مغامرة غير مضمونة النتائج، ونظرا لإختلاف توجهات ود ابراهيم وقوش فإنه لا يمكن أن يكون العميد (ود ابراهيم) خائنا لعهده العسكري ومتنكرا لشرفه الوطني ليقود أو يشارك في إنقلاب لصالح قوي خارجية كما أنه لا يمكن أن يقود صلاح قوش إنقلابا لمصلحة الحركة الاسلامية أو لصالح الجناح التصحيحي بها فهو معروف عنه بعده عن كل الأجنحة بالحركة الاسلامية فقد كان يدير جهاز الأمن بعقل براغماتي سلطوي لا علاقة له بالحركة الاسلامية ومنهجها، فالأمر برأيي لا يخرج من طور الطموح الشخصي والإنتقام من رؤوس معينة في النظام كانت سببا في الإطاحة به. أخيرا أتوقع جولات من التشفي داخل جسد النظام إثر هذه المحاولة تطال هذه الجولات قيادات أمنية وعسكرية ولن تستثني رموز الحركة الاسلامية داخل الجيش وقد يختلط حابل المصلحة الوطنية العليا بنابل المصلحة الشخصية السفلي ووقتها بلا شك ستخسر الدولة كثيرا فليس كل من يدعو للاصلاح خائنا وليس كل من يدعو للتقارب مع الخارج أو للانفتاح عميلاً فالتخوين وتوزيع صكوك الوطنية والولاء أشياء يجب أن نتجاوزها إذا أردنا العبور نحو حياة سياسية معافاة وسليمة. أخيرا جدا أتوقع أن يكون أول سؤال يوجه للعميد ود ابرهيم في التحقيق هو (ليش ليش يا مجاهد؟) علي إسم قصيدة من تاليفه أنشدتها فرقة الصفوة في التسعينيات وقد كان رائدا وقتها يقاتل بجنوب السودان، لكن لا أتوقع أن يواجه قوش بسؤال فما قام به يعتبر إجابة لأسئلة كثيرة طافت بأذهان الكثيرين منهم الرئيس ودائرته في الحزب والجيش.. يوسف عمارة أبوسن