صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    جبريل ومناوي واردول في القاهرة    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    مشار وكباشي يبحثان قضايا الاستقرار والسلام    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    (تاركو) تعلن استعدادها لخدمات المناولة الأرضية بمطار دنقلا والمشاركة في برنامج الإغاثة الإنسانية للبلاد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    أول اعتراف إسرائيلي بشن "هجوم أصفهان"    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الأمم المتحدة: آلاف اللاجئين السودانيين مازالو يعبرون الحدود يومياً    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من رسائل النور والظلام .. بقلم: علي يس الكنزي
نشر في سودانيل يوم 02 - 12 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
[email protected]
أًيُتَعلمُ نَبِيُنا من يهود المدينة؟!!!
(1)
وَعدتُ رواد أخبار المدينة أن أكْتُبَ مقالاً عن ما جاء في فضل صيام عاشوراء، مختصراً كتابي على ما جاء في مقال الأخ ياسر الجريف المنشور في عدد الجمعة 23 نوفمبر 2012. حَرُصَ فيه أن يذكرناً بفضل صيام يوم العاشر من محرم، قائلاً أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صامه وأمر صحابته بصيامه وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "«فإذا كان العام المقبل – إن شاء اللّه – صمنا اليوم التّاسع" مخالفة لليهود والنصارى.
قبل أن أبدأ مقالي لعلي أصحح قول الأخ الأستاذ سعيد وهو يشير منبهاً في عدد السبت الى رسالتي التي كتبتها له وهو يقول: (على الكنزي يدحض صيام عاشوراء)؟! هذا ما لم اقله أخي سعيد! إلا أني دعوت الناس أن لا تصوم عاشوراء لأن من عطل سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا أثم عليه. وما أعظم سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعطلة. أدناها إماطة الأذى عن الطريق. وأوسطها تفريج كرب مسلم. وأوسطها كذلك أن لا يبيت أحدنا شبعان وجاره جوعان. وما اكثر سننه التي هجرنا وتعاليمه التي نسينا بل وأدناها وقبرناها. أسمع لأم المؤمنين عائشة تقول له: "يا رسول الله أهدى لنا أهل فلان شاة وأنفقتها كلها، ما بقى منها إلا هذه". وهي تشير إلى كتف الشاه ادخرته لرسول الله لأنه يأكل من الشاة كتفتها. فانظر لرد الرحمة المهداة لأم المؤمنين: "يا عائشة كله بقى إلا هذه".
وقمة سنته هي عدم كنزه صلى الله عليه وآله وسلم للأموال، فقد كان ينفقها أولاً بأول لصالح المستضعفين في الأرض. فقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه أقيمت الصلاة يوماً بمسجده، فهرول لداخل بيته قبل أن يكبر للإحرام وعاد ثم كبر. فسأله صحابته بعد الفراق من الصلاة، وقد كانوا أشدَ حرصاً على سؤاله كلما أستجد أمر كبير أو صغير من أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم، وقالوا له: "رأيناك تهرول لداخل بيتك" ظناً منهم أنه يجب عليهم الهرولة قبل تكبيرة الإحرام؟ فأجاب الرحمة المهداة: " تذكرتُ بأن ببيت آل محمد درهماً فخفتُ أن ألقى الله وأنا كانز". وقد أنفقه على أصحاب الصفة وهم من فقراء المسلمين الذين كانوا يأوون لمسجد الرسول ويتخذونه سكناً ومكان عيش " خلف الحُجرات. وما زال موقع جلوسهم قائم بمسجده صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا. وبعد هذا يتساءل بعض الناس أن الضمان الاجتماعي وإيواء المشردين، بادر به الغرب أولاً؟".
فأنا يا أخي سعيد لا يجوز لي ولا يحقُ لي أن أدحض سنة من سننه صلى الله عليه وآله وسلم، ولكني أفكر أهي منه كما يقولون؟ أم افتراء عليه؟ أكثر حواراتي المباشرة مع المسلمين الذين التقي بهم في حياتي للحوار عن الإسلام، هي لماذا التشدد في سنن العبادات والإغفال التام لسنن المعاملات ونحن أحوج الناس إليها في حياتنا المعاصرة؟ هذا هو الذي أضعف ديننا وأظهره بمظهر لا يتواكب مع الدعوة الحقة للإسلام. أما دحضي لصيام عاشوراء فقد تعجل عليه أستاذنا سعيد ولو صبر ليوم الاثنين لكفيته مؤونة الدحض.
(2)
قبل أن أدخل في مقال الأخ ياسر الجريف، يجب علي أن أمهد له بسؤال عام لكل السودانيين والسودانيات الذين وُلِدوا في عام 1970 او قبله. بالتأكيد أن جُل هؤلاء عاشوا فترة شبابهم حتى العشرين أو أكثر من ذلك في داخل السودان. لهذه الفئة أطرح سؤالاً مباشراً: " كيف كان يمر يوم عاشوراء في السودان عندما كانوا أطفالاً ثم صاروا شباباً؟" هل كان في بيوتهم نفير وحركة ودعوة لصيام يوم عاشوراء؟ هل كانت مساجدنا وصحفنا تذكرنا بصيام يوم عاشوراء؟ هل كان علماء الدين الذين يخاطبون المسلمين في تلك السنوات من خلال الإذاعة الوحيدة والتلفزيون الوحيد في السودان، يذكرون الناس بيوم عاشوراء ووجوب صيامه؟ ثم الدعوة لصيام التاسع والعاشر من محرم مخالفة لليهود؟
أما أنا فأذكر في الستينات ونحن صبية كان أخي منير رحمة الله عليه، بمنزله بالحارة الخامسة بالمهدية (أو الثورة سمها ما شئت) كان يطلب من زوجته أن توسع لنا في الطعام ليلة عاشوراء. وكانت تُعدُ لنا طعاماً مخلوطاً بالسكر والعسل وتسمى ليلة التوسعة. لم يكن بالتأكيد ذلك حال بيت أخي منير لوحده، بل كان هو حال أكثر بيوت أهل السودان، فهم يحتفلون بليلة عاشوراء بطعام خاص، أما مسألة صيامه هذه فلم نسمع بها في تلكم الأيام.
كان ذلك هو حال الناس في ذلك الزمان في مصر وبلاد المغرب العربي كلها وربما إلى يومنا هذا. من أراد أن يتحقق من قولي فيسأل جيل السبعينات وما قبل السبعينات فسيقولون لكم أن احتفال عاشوراء عندهم كان يقتصر على إعداد الطعام الذي يدخل فيه ما هو حلو المذاق. أما بلاد الشام والجزيرة العربية فلا علم لي بما كانوا يفعلون ليلة أو يوم عاشوراء. ولكني علي يقين أنك لو سألتهم لقالوا لك لم نكن نصم ذلك اليوم قبل ثلاث عقود من الزمان ولكن الآن نعم.
إذن، لا أحب أن أقول أن صيام عاشوراء بدعة ، ولكني أحبُ أن الفت نظر القارئ أن صيام العاشر من محرم تم اكتشافه حديثاً، فقد كان غائباً عنا في بطون الكتب، وسخر الله له عالماً نحريراً أنفق عمره كله يقلب كتب الحديث، ليطلع لنا بأحاديث صيام يوم عاشوراء. فأصبحت هذه السنة عندنا ككرة الثلج كلما تدحرجت زادت صلابتها وأتسع قطرها ورقعتها. أي بمعنى كل عام يزداد عدد الصائمين ويزداد الحديث عن عاشوراء في شتى المنابر. فها نحن نرى هذا اليوم كأنه أصبح ركناً من أركان العبادات، وأخشى أن يأتي يوم فينافس صيام رمضان، لأنه تجاوز صيام يوم عرفة وهو السنة التي لا خلاف عليها. فلو أجرينا إحصائية لوجدنا أن الذين يصومون يوم عاشوراء أكثر من الذين يصومون يوم عرفة.
(3)
أسهبتُ قليلاً في المقدمة، ولكنه أمر سيعين في فهم ما سيأتي بعد. ولنعد لمقال الأخ ياسر الجريف ونتخذه عينة معملية لإبراز ما فيه من نقص وتضارب.
مدخل مقال الأخ ياسر يقول: " عاشوراء يوم له حرمة قديمة، صامه الأنبياء –عليهم السلام-، فصامه نوح وموسى –عليهما السلام- وكان أهل الكتاب (اليهود والنصارى) يصومونه، وصامته قريش في الجاهلية، وقد أخبرنا النبي –صلى الله عليه وسلم- إنه يوم نَجَّى الله فيه نبيه موسى عليه الصلاة والسلام والمؤمنين معه، وأغرق فيه فرعون وحزبه؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما". هذا كلام عام لا عوج فيه. ولكن كما قلت علينا أن لا نرهن عقولنا لغيرنا، وعلينا أن نتدبر ما سيأتي بعد في الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومقال الأخ ياسر يقول:
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ،
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَه؟ فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم “فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ". فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِصِيَامِه ".
الحديث أعلاه هو مربط الفرس، ودعوة للوقوف والتمهل. هذا قول أصابني بالحزن والأسى و جرى دمعي من مُقلَتي. وإني لأتعجب من أمة الإسلام التي تغضب لأن إنساناً من غير ملتنا أساء لنبينا و ذلك برسم (كراكاتيري) أو بفيلم أو بكتاب كما فعل صاحب (الآيات الشيطانية) . فالقرآن يورد في أكثر من آية عن من بخسوا رسالته وأساءوا إليه. فمنهم من قال مجنون (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون)، ومنهم من قال شاعر (ويقولون أننا لتاركوا أهلتنا لشاعر مجنون)، ومنهم من قال مسحور (إذ يقولُ الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً). ومنهم من قال معلمه بشر (وليقولوا درست ...) ( لقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر) ( ثم تولوا عنه وقالوا مُعلمٌ مجنون) (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً). وفي هذه لحق بهم بعض المسلمين، فالحديث الذي استشهد به الأخ ياسر ويستشهد به غيره من المسلمين، يكشف بوضوح أن رسولنا كان جاهلاً لأمر واحتاج لبشر أن يعلمه في أمر صوم عاشوراء. وإني لأربأ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون جاهلاً أو أن يعلمه بشر. فانظر كيف يجعل الحديث من رسول الله مستفهماً لليهود وهو يقول: " فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَه؟" فهذا سؤال استفهامي لا يسأله إلا من جهل؟ فعندما أعطي الإجابة على ما كان يجهله قال: " فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ". هذا الحديث باختصار يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان جاهلاً بأمر وتلقى بعض عباداته وسننه من غيره من أهل الكتاب؟ ألم يقولوا هم بذلك من قبل وما زالوا يقولون؟. فكيف يستقيم لرسول هو يقول عن نفسه "أُعطيتُ القرآن ومثله معه" . أما العزيز الحكيم فقد قال عنه: (علمه شديد القوى) وقال عنه: (نحن نقص عليك أحسن القصص). وبعد هذا يحتاج نبي الله أن يسأل اليهود عن سر صوم عاشوراء؟
تلك هي الأولى في دحض قولهم عن صيام عاشوراء. ولكي نأتي بالثانية فعلينا العودة لمقال الأخ ياسر لننظر إلى ما جاء فيه وهو يطالب باسم رسول الله بمخالفة اليهود في صيام عاشوراء "عن عبد اللّه بن عبّاس – رضي الله عنهما – يقول حين صام رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول اللّه إنّه يوم تعظّمه اليهود والنّصارى. فقال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- «فإذا كان العام المقبل – إن شاء اللّه – صمنا اليوم التّاسع. قال فلم يأت العام المقبل حتّى توفّى رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم ففي هذا الحديث أمر منه –صلى الله عليه وسلم- صريح بمخالفة اليهود والنصارى في الصيام".
أليس في مثل هذا القول استهزاء بالنبي المكرم واستهزاء بعقول الناس؟! نبي يقول أنه مرسل من عند الله ويكون جهولاً؟ فيضطر لسؤال اليهود لماذا يصومون هذا اليوم، ثم يَتَبِعُهم فيما أشاروا عليه، وربما كذبوا في ردهم وحجبوا عنه الحقيقة. وماذا يضيرهم لو كذبوا عليه حتى يثبتوا أنه ليس بنبي يأخذ بأي قول يقال له دون تحرٍ أو تدقيق. ثم أنظر كيف جعلوا من بينا تابعاً لهم في الأمر ثم يأتي ليأمر بأتباعهم في يوم ومخالفتهم بزيادة آخر؟ كيف يكون ذلك عقلاً؟ ولكن يسبق الأجل رغبة رسول الله في أن يصوم التاسع والعاشر مخالفة لليهود، فيقوم صحابته بذلك؟
أما الدحض الثالث فهو استنتاج من الأول والثاني. فالرسول يرى اليهود يصومون عاشوراء فيقلدهم في صيامه، ثم يدعو بمخالفتهم في العام القادم ولكن تلحق روحه الطاهرة بالرفيق الأعلى كما قال. المعلوم أن رسول الله بقى بالمدينة عشر سنوات، وتُوُفيَ في بداية العام الحادي عشر، أي في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول. من هذا يفهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صام عاشوراء في السنة الحادية عشر للهجرة، أي في محرم وتوفى في ربيع الاول، ولم يبق للعام التالي لمخالفة اليهود.
إذن لماذا غاب على رسول الله أن يسأل اليهود طلية السنوات العشر السابقة عن سر صومهم واحتفالهم بيوم عاشوراء؟ وهل يعلم القارئ الكريم أنه لم يبق بجزيرة العرب ( دع عنك المدينة المنورة ) يهودي واحد بعد السنة السابعة من الهجرة؟ ومن اراد أن يتحقق فعليه بالرجوع لسيرة ابن هشام وتاريخ الطبري، ليقرأ تفاصيل تاريخ اليهود وقصتهم مع الإسلام ونبي الإسلام، وهم بنو النضير وبنو القينقاع وبنو قريظة. وليقرأ ما انزل في هؤلاء من قرآن.
ولنقرأ سوياً ما أنزل سورة الحشر التي نزلت في اليهود خاصة ففي بني القنينقاع نزلت الآية 15 (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). أما الآية الثانية منها فكانت في بني النضير وهي تقول: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ). أما بنو قريظة فنزلت فيهم الآيتان 26 و27 من سورة الأحزاب ( وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا # وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا). أمن مثل هؤلاء يأخذ رسول الله سنته التي نتبعها نحن الآن؟
(4)
أما الرابع فدفعاً لنسبة الجهل لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بشرائع ما بعث من قبله من رسل وأنبياء. وهو قول مثبت بآيات عدداً في القرآن نأخذ منها الآية 43 من سورة المائدة هذه الآية تبين لنا علم نبي الرحمة المهداة بكل تفاصيل التوراة التي يحتكم إليها اليهود. ومعلوم أن رسول الله قد وادع اليهود عند قدومه للمدينة، ووقع معهم اتفاقاً عرف بوثيقة المدينة التي هي دستور ونظام سبق العالم بمئات السنين ولكننا لم قبرناه كما قبرنا سننه في المعاملات، وتركناه لغيرنا فوظفوه لزمانهم ومنافع حياتهم. والآية تقول: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) .
مختصر القصة أن امرأة من أشراف اليهود زنت بالمدينة، فاحتكموا في أمرها لحبرهم الأكبر فقال الرجم، فقالوا ما لنا بهذا ونحن وقعنا عقداً مع (محمد) يعنون رسول الله فلنذهب إليه ليحكم في أمرها ظناً منهم أن رسول الله سيصدر حُكماً آخر. فلما سألوه وكان كتابهم بين أيديهم، تعجب رسول الله من سؤالهم له، لأن وثيقة المدينة تعطي لكل ملة الاحتكام لعرفها وشرعها، وعلم أنهم يخبئون في أنفسهم أمراً. فقال لهم أن حكم الزانية في كتابهم فلماذا لا يحتكموا لكتابهم؟ حتى أنه بلغ به العلم أن أشار لمن بيده الكتاب أي التوراة، أن يرفع يده عن موضعها لأنها تحجب مكان الحكم. فعجبوا منه ونزلت الآية أعلاه في حقهم.
سؤالي: هل نبي أوتي عِلْمٌ مثل هذا يحتاج الى أن يسأل اليهود لماذا يصومون يوم عاشوراء ويحتفلون به؟ وهل نبي خاطبه ربه ومعلمه في الآية 164 من سورة آل عمرآن "( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آيته ويزكيهم ويُعلمهم الكتاب والحكمة). وضع الف ألف ألف خط، وقف متأدباً وأعرف قدر نبيك وأنت تقرأ ( ويُعلمهم الكتاب والحكمة)، وليس يعلمونه الكتاب.
ملخص قولي في رواية حديث بأن رسول الله أخذ عاشوراء من اليهود فيه انتقاص لقدره وإلحاق الجهل به. والحديث من الواضح أنه تم اكتشافه والترويج له لأهداف سياسية تتعلق بالأحداث التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي. وإلا لماذا غاب عنا هذا الحديث لمئات السنين؟ كما غاب عنا عندما كان يحكم الشاه إيران ويحتفل الشيعة بعاشوراء كما يفعلون الآن؟ كما قصد بصيام عاشوراء تغطية أكبر سوءة في تاريخ المسلمين وهي قتل ابن نبينا، لذلك تم ابتداع ليلة التوسعة قبل اكتشاف هذا الحديث. كما أنها نكاية ومخالفة للشيعة الإثني عشرية الذين يقيمون مجالس العزاء الحسينية، حزناً على مقتل ابن رسول الله وعترته الطاهرة الذين أُذهب الله عنهم الرجس آل البيت. وكاتبُ المقال لا يتفق بما يأتي به بعض الشيعة من تعذيب وتجريح للجسد حزناً علي الحسين، لكني أشاطرهم من كل قلبي الحزن على فقد الحسين مقتولاً بأيدٍ مسلمة. وإنه لمن المحزن أن نكافئ نبينا بقتل أبنه وعترته بالتستر على الجريمة التي يهتز لها عرش الرحمن، في وقت كان رسول الله كان ينتظر منا أن نكرمه بإكرام ذريته.
والله إني لأحسبه من أسود أيام الله على الأرض، يوم قتل ابن بضعة رسول الله الذي كان يشتم رسول رائحته وهو طفل ويقبله ويداعبه أمام صحابته، وكان يقول الحسين مني وأنا من حسين ولقبه بسيد الشهداء. دخل يوماً الحسين والنبي في المنبر خطيب فنزل صلى الله عليه وآله وسلم وأخذه بين راحتيه وأكمل خطبته. وهو الذي اعتلى يوماً ظهر رسول الله هو ساجداً في الصلاة، فأطال السجود حتى أشفق صحابته، وتمهل صلى الله عليه وآله وسلم، حتى هبط الحسين من ظهره. فسأله صحابته بعد السلام لماذا أطال السجود؟ فأجاب أعظم الخلق الرحمة المهداة: "أرتحلني أبني فخفتُ أن أعجله". اما في حق الحسين وقربى رسول الله، قال ربنا في حقهم وبلسان نبيه في سورة الشورى آية 23 (.... لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ....) وهل قتل أبنه وتشريد ذريته في الأقطار إلى يومنا هذا هو امتثال لأمر الله بالمودة في قربى رسول الله؟؟؟ ألف ألف سؤال يدور في خاطر كل مسلم ومحب لمحمد وآل محمد؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.