السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور العرب في ظهور العلم الحديث (1 من 3) .. بقلم: د. امين حامد زين العابدين
نشر في سودانيل يوم 21 - 12 - 2012

الولايات المتحدة الامريكية
تعتبر الاستفادة من المعارف والعلوم التي تكتسبها المجتمعات البشرية من الحضارات المعاصرة لها او التي تم احيائها من تراث الحضارات البائدة احدي العوامل التي تساهم في رقيها في سلم التطور الحضاري. وينعكس ذلك في المجتمعات الاوروبية التي انحدر مستواها الحضاري بعد انهيار الامبراطورية الرومانية في القرن الرابع الميلادي ودخلت بعدها في الفترة التي تعرف بالعصور المظلمة التي امتدت لما يزيد عن الالف عام. وبدأت اوروبا في النهوض من كبوتها بعد اكتشافها انجازات الحضارة الاسلامية في شتي ضروب المعرفة والعلوم في فترة الحروب الصليبية في القرن الثاني عشر والتي اضافت اليه تراث الحضارة اليونانية- الرومانية الذي تم احيائه في عصر النهضة الاوروبية في القرن السادس عشر.
ورغم ذلك اعتبر معظم مؤرخو العلوم في الغرب ، الذين هيمنت نزعة المركزية الاوروبية في اعمالهم، بأن العلم الحديث قد ظهر في اوروبا في القرن السادس عشر كامتداد مباشر للانجازات العلمية للحضارة اليونانية . وجادل د.صليبا أن منهجهم لتأكيد هذا الرأي الخاطئ هو عدم نسبة الدلالات الدينية والاثنية/اللغوية التي أسبغوها علي انجازات العلماء الذين ينتمون للحضارة الاسلامية من عرب وفرس وهنود واتراك ( مثل علوم اسلامية او عربية) علي العلوم التي بدأت تظهر في ايطاليا، انجلترا ، المانيا وفرنسا في القرن السادس عشر والتي اطلق عليها العلم الغربي كمرادف لميلاد العلم الحديث ومتطابق معه لكي يعتقد القارئ بأن العلم الحديث قد ولد لاول مرة في اوروبا.. وتجاهل العديد من المؤرخين الغربيين انجازات علماء الحضارة الاسلامية في الطب والكيمياء و الرياضيات مثل الهندسة والجبر وحساب المثلثات وتطبيقاتها في حقول علم الفلك والجغرافيا وعلم الخرائط وعلم البصريات. ومثال ذلك عدم اشارة بن دافيد في كتابه"دور العالم في المجتمع" الي انجازات العلماء العرب والمسلمين ودورهم في ترقية مجتمعاتهم وامتداد تأثيرهم الي المجتمعات الاوروبية التي استفادت من انجازاتهم في شتي مجالات العلوم. وبدأ فيرن بولو كتابه" تطور الطب كمهنة " بعرض انجازات الحضارة اليونانية وتجاهل كلية دور العلماء العرب في تطور الطب رغم ان اعمال ابن سينا وابن النفيس وابن الهيثم قد كانت المصادر الاساسية لتدريس الطب في الجامعات الاوروبية الي القرن السابع عشر. وتم مؤخرا اكتشاف مجموعات هائلة من المخطوطات العربية والفارسية وبلغات اخري في العديد من المكتبات العالمية والتي انعكس محتواها في بحوث مؤرخي العلوم مثل جورج صليبا، عبد الحميد صبرا، جاكس سيسيانو، ايفون سامبلونيوس،ج. بيرغرين واَخرين . وأثبتت بحوثهم الانجازات المتقدمة لعلماء الحضارة الاسلامية في علم الفلك ، التي اعتمد عليها كوبرنيكس للوصول الي اكتشافاته ، وفي علوم الرياضيات والمعمار والطب والتقنية الهندسية. وأثبتت هذه النتائج ضعف الاراء السابقة بأن العلم الحديث (العلم الغربي) يتميز بخصائص لا تتوفر في علوم الحضارة الاسلامية مثل الاعتماد علي المشاهدة والمنهج التجريبي واختزال الطبيعة الي لغة الرياضيات والانعتاق من هيمنة الدين بعد ان تأكد اعتماد علماء الحضارة الاسلامية علي المشاهدة والمنهج التجريبي والرياضيات لاستنتاج اكتشافاتهم وتمتعهم بحرية اجراء البحوث العلمية بسبب تشجيع الاسلام للتفكير العقلاني والتأمل في شئون الكون والمخلوقات ورعاية الخلفاء لنشاطهم في العلوم الطبيعية.
وذكر توبي هوف في كتابه "ظهور العلم الحديث: الاسلام، الصين والغرب" ان تدهور الفكر و العلوم الطبيعية في العالم الاسلامي قد بدأ في في القرن الثالث عشر.(توبي هوف،2003). واتبع في ذلك الرأي السائد لدي المستشرقين الذين اعتبروا هجوم الغزالي(توفي 1111م) علي الفلسفة في كتابه تهافت الفلاسفة وسيادة المذهب الاشعري واغلاق باب الاجتهاد العامل الرئيسي للتدهور الفكري والحضاري في العالم الاسلامي. ويتضح بطلان هذا الرأي من الحقائق التي ظهرت بعد دراسة المخطوطات العلمية العربية التي اكتشفت مؤخرا وأثبتت ان التطور في مجال علم الفلك علي سبيل المثال لم يتوقف في القرن الثالث عشر بل استمر بدون انقطاع الي القرن السادس عشر كما ينعكس في الانتاج العلمي لصدر الدين البخاري (توفي 1347) وابن الشاطر (توفي 1375) والشريف الجرحاني (توفي 1413) والغوشجي (توفي 1474) والبيرجندي (توفي 1525) والخفري (توفي1550) وغرس الدين الحلبي (توفي 1563) الذي ألف كتاب تنبيه العباد علي مافي الهيئة المشهورة من الفساد وبهاء الدين العاملي (توفي 1622) مؤلف كتاب تشريح الافلاك
ونشر عالم التشريح اندريس فيساليوس في عام 1538 ستة جداول تشريحية، كتمهيد لكتابه الشهير بنية الجسم الانساني الصادر في عام 1543، حيث استندت تلك الجداول كلية علي المصطلحات الطبية العربية التي كانت المصطلحات الاساسية المعتمدة في دراسة الطب في القرن السادس عشرمما دفع فيساليوس الي أن يقول في كتابه المذكور "أصبح العرب معروفين ومألوفين لدينا مثلما هو الحال مع اليونانيين القدماء" .فالعلوم الطبيعية منظومة معرفية تتسم بصفة العالمية والشمول ولاتتقيد بالحواجز الجغرافية او الاثنية او الدينية متي ما استخدم المرء التفكير العقلاني لمعرفة اسرار الطبيعة وكنه الحقيقة. ومثلمااستوعب العلماء العرب علوم الحضارة اليونانية القديمة وأعادوا صياغتهالابتداع مفاهيم ونظريات جديدة ، كذلك درس علماء الغرب في عصر النهضة الانجازات العلمية لعلماء الحضارة الاسلامية التي كانت الاساس الذي انطلق منه العلم الحديث لتحقيق المزيد من الاكتشافات العلمية. وسنتناول في هذا الجزء من المقال انجازات علماء الحضارة العربية الاسلامية في مجال علم الفلك ويليه عرض لللانتاج العلمي للعلماء العرب والمسلمين في حقول الطب، البصريات، المعمار ،الرياضيات .
علم الهيئة:
أطلق العلماء العرب اسم علم الهيئة علي علم الفلك والكونيات لتمييزه عن التنجيم الذي اعتبروه ضرب من الخرافات لعدم استناده علي الحقائق و ادعاءه التنبوء بالغيب ومصير الانسان. وتمت ترجمة الاعمال الاساسية في علم الفلك مثل كتب بطليموس ( توفي 168 م ) المجسط ، نظريات عن الكواكب والبصريات وغيرها في القرن التاسع الميلادي. وبدأ العلماء العرب دراستها من منظور نقدي عميق بهدف تصويب اخطائها بصياغة نظريات هندسية استنادا علي مشاهداتهم بواسطة جهاز الاسطرلاب ،الذي تم تطويره بتقنية متقدمة لم تتوفر لليونانيين القدماء ، لرصد حركات الكواكب والنجوم. فاكتشفوا ان ميلان مسير الشمس الذي حدده بطليموس كبير للغاية وان القياس الصحيح الذي تم تحديده في بغداد في القرن التاسع هو 23،33 درجة وهي القيمة التي مازال معمولا بها الي اليوم.(جورج صليبا،2007) . واكتشفوا ان طريقة بطليموس لمشاهدة الشمس اثناء عبورها نقتطي الاعتدال والانقلاب الشمسي لتحديد وضع الاوج الشمسي خاطئة وان انسب الاوقات لمشاهدة الشمس لتحديد الوضع الصحيح للاوج الشمسي هو اثناء عبورها لمنتصف نقاط الفصول او الدرجة 15 لابراج الثور،الاسد،العقرب والدلو حيث يكون انحراف الشمس أشد وضوحا. وتم تضمين كل القيم(الدرجات) للقياسات الجديدة للكواكب والنجوم في جداول فلكية في عصر الخليفة المأمون عرفت باسم الزج الممتحن. ووصف عالم فلكي اندلسي مجهول الاسم في كتابه "كتاب الاستدراك" في حوالي 1050 م (ومن تصانيفه ايضا كتاب الهيئة المحفوظ حاليا في حيدر اباد) منهجية دراسة علم الفلك بقوله "يجب علي من يعمل في هذه الصنعة ان يتحصل علي الحركات المتوسطة عن طريق المشاهدة ومعرفة كيفية حدوثها بواسطة الهندسة وأي هيئة او ترتيب يلائمها . ويجب ان لايتخلي اثناء بحثه عن مبادئ واصول الصنعة المستقاة من الفلسفة الطبيعية. كما يجب عليه طبقا لذلك أن لايحيد عن الحركات الكروية والدائرية المتماثلة للنظر في اجرام ليست كروية او دائرية . اما في حالة اكتشافه لعدة هيئات لنفس الكوكب تؤدي كلها الي نفس النتائج المشاهدة للحركات المعينة ، فيجب عليه اختيار أبسط وأسهل هيئة ملائمة للاجرام السماوية . " (صليبا، 2007) .
وأشار ابو عبيد الجرجاني (توفي في 1070 م) في كتابه تركيب الافلاك لمناقشته مع استاذه ابن سينا لخطأ اعتقاد بطليموس بامكانية حركة الفلك بانتظام في مكان حول محور لايمر عبر مركزه وهي الاستحالة البطليموسية المعروفة لدي علماء الفلك العرب باشكالية معدل المسير. وأفرد ابن الهيثم (توفي 1040 م) كتابه الشكوك علي بطليموس لنقد الاعمال الاساسية لاهم علماء الفلك وهي المجسط، نظريات الكواكب والبصريات . واعتبر وصف وقياس بطليموس لحركة القمر علي فلك تدويره من خط يمرعبر مركز فلك التدوير ويتجه الي نقطة المحاذاة بدلا من اتجاهه الي مركز الكون وصف خيالي وزائف لاعلاقة له بالحقيقة الكونية. وقال " قطر دائرة فلك التدوير خط خيالي ، ولا يتحرك الخط الخيالي بنفسه بطريقة يمكن ادراكها وينجم عنها كيان موجود في هذا العالم" . وسعي ابن الهيثم الي ترسيخ مبادئ جديدة لعلم الفلك حيث يتم تمثيل الاجرام السماوية الموجودة في واقع الامر بواسطة نماذج نظريات هندسية رياضية تلتزم بقوانين الطبيعة وعدم افتراض خطوط ودوائر خيالية تتحرك فيها الكواكب كما اعتقد بطليموس ونجم عنها ترتيب وهيئة زائفة وغير واقعية للكواكب " خاصة وان حركة الكواكب لها ترتيب وهيئة صحيحةلاجرام موجودة في الواقع لم يتمكن بطليموس من فهمها وانجازها."
وأثار نصير الدين الطوسي( توفي 1274 ) الشكوك في اراء بطليموس الفلكية كما ينعكس في كتابيه تحرير المجسط والتذكرة حيث ناقش عدة مسائل كونية تمكن خلالها من صياغة نظريات رياضية لتحل محل نماذج بطليموس الخاطئة من ضمنها النظرية الشهيرة المسماة زوجا او ثنائية الطوسي. وأشار محي الدين الخويني (توفي 1500) في كتابه الاشكالات في علم الهيئة الي عدة مسائل من بينها اشكالية سرعة وبطء حركات الاجرام السماوية، ولماذا تبدو الكواكب صغيرة احيانا وكبيرة الحجم في احيان اخري ومسألة مكان الاجرام السماوية والحركة العكسية والمباشرة ومسألة الحركة المتماثلة حول نقطة تختلف عن مركز المحرك ومسألة الحركة المتماثلة حول نقطة معينة عندما تقترب منها وتبتعد عنها والاشكالية التي تختص بميلان قطر دائرة فلك يحركه فلك اخر من مركز الفلك المحرك. وكتب احد القراء في هامش علي متن كتاب تشريح الافلاك الذي ألفه بهاء الدين العاملي (توفي 1622) نبذة موجزة عن انجازات العلماء المسلمين في علم الفلك وذلك بقوله " كان عبد الواحد الجرجاني تلميذ ابن سينا اول من تحدث عن حل المسائل المستعصية علي الحل في كتابه تركيب الافلاك واشار فيه الي النماذج التي يمكن بواسطتها حل هذه المسائل وجاء بعده ابو علي بن الهيثم والطوسي والشيرازي الذي استعان بمعاصريه مثل محي الدين المغربي حيث اقتبس منه مبدأ الممايلة . ولم يتمكن الطوسي من حل مسائل نقطة المحاذاة ومعدل مسير كوكب عطارد وخطوط عرض مناطق افلاك التدوير. وألف العالم محمد المنجم الحمادي كتابا ذكر فيه امكانية حل هذه الاشكالات ووضع ثلاثة مبادئ اتضح خطأها فيما بعد ويمكن الاطلاع عليها في كتاب المعارج وهو جزء من كتاب اللوامع المنصورية. " وتجدر الاشارة الي ان اكبر مرصد فلكي في العالم في ذلك الوقت قد تم تأسيسه في مراغة في عام 1259 تحت اشراف الطوسي و العرضي وتم تزويده بأجهزة رصد متقدمة ، كما تم تشييد مرصد فلكي اخر في سمرقند في عام 1420 م.
وابتدع علماء الفلك العرب والمسلمين منذ القرن الثالث عشر وما يليه نماذج بديلة لنماذج بطليموس بهدف تنقيتها من العيوب وتصحيحها وذلك بتوظيف نظريات هندسية تم اثبات صحتها بدقة لفهم كيفية و اسباب حركة الاجرام السماوية كما ينعكس في اعمال مؤيد الدين العرضي (توفي 1266) ونصير الدين الطوسي (توفي 1274) وقطب الدين الشيرازي (توفي 1311) ووصلت غاية الدقة والكمال في النماذج المتطورة التي ابتدعها علاء الدين بن الشاطر (توفي 1375) التي اعتمدت علي تقنية رياضية متقدمة. وقدم نصير الدين الطوسي نظرية لحل اشكالية معدل المسير لكوكب عطارد بابتداع وسيلة تسمح لجرم سماوي يسير في حركة دائرية متماثلة بالاقتراب من نقطة معينة والابتعاد عنها بينما يحتفظ في نفس الوقت بالحركة الدائرية المتماثلة وينجم عن ذلك رؤية تحرك الكوكب بسرعات متفاوتة بحركة متذبذبة بينما تستمر حركته في حركة دائرية متماثلة في واقع الامر. (جورج صليبا، 2007) . وأشار د. صليبا الي ان الطوسي قد توصل الي فكرة الحركة المتذبذبة التي ينتج عنها حركة دائرية والمعروفة في علم الفلك بزوجي الطوسي اثناء معالجته لاشكالية نظرية خطوط العرض البطليموسية وان كوبرنكس قد استخدم هذه الفكرة في وصفه لنموذج كوكب عطارد وعلاقته بالحركات التي تم وضعها في نظرية خط العرض. (صليبا، 2007) . وقدم قطب الدين الشيرازي في كتابه نهاية الادراك في دراية الافلاك تسعة نماذج لوصف حركة كوكب عطارد واعترف في كتابه فعلت فلا تلم بأن ثمانية من النماذج السابقة غير صحيحة.
وطرح ابن الشاطر عدة حجج لدحض نموذج الحركات المنحرفة عن المسار والذي استبدله بنموذج افلاك التدوير لتصحيح اشكالية معدل المسير البطليموسية لكي تنسجم مع الفرضية العلمية السائدة بأن الارض هي مركز الكون . واعتمدت نماذج ابن الشاطر لحركة الكواكب علي حجم وسرعة افلاك التدوير التي تم توظيفها للتمثيل الهندسي للنماذج عدا نموذج كوكب عطارد الذي استخدم فيه نظرية الطوسي ومبادئ اخري وهو نفس الاجراء الذي تبناه كوبرنكس (توفي 1543) فيما بعد لنموذج كوكب عطارد. ويتفق معظم مؤرخي العلوم مثل كينيدي، جولدشتاين، هارتنر ، كينغ، صبرا، صليبا وسويرديلو بأن نماذج كوبرنكس لحركة الكواكب (عدا فكرته حول مركزية الشمس) مقتبسة كلية من النماذج التي توصل اليها ابن الشاطر في القرن الرابع عشر. وأشار الي ذلك بوضوح د. فيكتور روبرت في المقال الذي نشره في احدي الدوريات العلمية في عام 1957 بعنوان " نموذج كوبرنكي ما قبل كوبرنكس " . ورغم ان حدس كوبرنكس قد اتفق مع اعتقاد ارسطارخوس (توفي 250 ق.م) بأن الشمس مركز الكون الذي تدور حوله الارض وبقية الكواكب ، الا ان نظريته قد كانت أقرب الي الاثبات بسبب اطلاعه علي النماذج الموحدة لابن الشاطر التي وظفت لغة الرياضيات بمهارة فائقة لتفسير حركة الاجرام السماوية والتي قادت الي نتيجة غير متوقعة بامكانية تحويلها الي نماذج مركزية الشمس بدل الارض. وكما قال د. صليبا " كل ما كان ينبغي ان يفعله شخص مثل كوبرنكس هو ان يختار اي نموذج من نماذج ابن الشاطر ، يعتبر الشمس ثابتة ثم يسمح لفلك الارض مع افلاك الكواكب الاخري التي تركزت عليها بالدوران حول الشمس بدلا عن الارض " . ولم يتم البرهان الكامل لاثبات نظرية كوبرنكس (وارسطارخوس) الا بعد استخدام جاليلو (توفي 1624) للتلسكوب واستنباط كيبلر (توفي 1630 ) للمدارات الاهليلجية للكواكب واكتشاف نيوتن (توفي 1727) لقانون الجاذبية الكونية التي تنظم حركة ومدارات الاجرام السماوية. ويتضح من ذلك ان الانجازات العربية الاسلامية في علم الفلك جزء لاينفصم من التراكم المعرفي الذي استوعبه كوبرنكس وأدي الي ظهور العلم الحديث بعد ان انجز نقلة نوعية في علم الفلك وتأسيس نموذج معرفي جديد حسب نظرية توماس كوهن في كتابه بنية الثورات العلمية.
محاضر سابق بجامعة الخرطوم ، كلية الاداب وكاتب . من مؤلفاته اتفاقية السلام السودانية (2007) وأصول ازمة أبيي (بالانجليزية 2011) .
المراجع:
1- G. Saliba, Islamic Science and the Making of the European Renaissance (2007)
2- T. Huff, the Rise of Early Modern Science: Islam, China and the West. (2003)
3- V. Roberts" The Solar & Lunar theory of Ibn Alshatir: A Pre-Copernican Copernican Model “ Isis,48 (1957)
4- J. Vernet, “ Mathematics ,Astronomy , Optics" in ed. J. Schacht, The Legacy of Islam, (1974)
5- M. Plessner, “ The Natural Sciences and Medicine “ in ed. Schacht, The Legacy of Islam
6- J. Bernal, Science in History, vol. 1 (1954)
amin zainelabdin [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.