معالم من دار الزغاوة : وادي هور(أوري أوو): يعد وادي هور من أكبر الوديان الواقعة في الصحراء الكبرى ، ينحدر من جبال إنيدي التشادية وبعض المرتفعات في السودان ويتجه إلى الشمال الشرقي ويستمر في شق الصحراء التي تفصل بين ليبيا والسودان وعلى مسافة 1200 كيلو متر تقريبا ليلتقي بنهر النيل جنوبدنقلا العجوز حيث يطلق عليه سكان تلك المناطق وادي الملك. ووادي هور من أطول الأنهار الموسمية في الصحراء الكبرى وكان فرعا من النيل قبل أن يدفن الصحراء مجرى الوادي قبل المصب وعلى ضفاف الوادي قامت حضارات ومدن يرجع تاريخها إلى آلاف السنين. يمثل وادي هور الذي يفصل بين الصحراء القاحلة والسافنا الفقيرة منطقة اتصال ورابط بين دواخل إفريقيا ووادي النيل ويعتبر نموذج للمحميات الطبيعية وهو أحد أطول أنظمة الأنهار الجافة في الصحراء الشرقية الذي يجري من منطقة شمال شرق تشاد وشمال غرب السودان باتجاه الشمالي الشرقي وسماه عالم الآثار روودلف كوبر بالنيل الأصغر. كانت ومازالت لوادي هور أهمية خاصة فهو منطقة للإقامة والتبادل التجاري على الحدود مع السهل وأثبتت أبحاث الصحراء الشرقية لجامعة كولون أن هناك استقرار في السابق وتوجد حول الوادي المواد الفخارية والحيوانية. ووادي هو كما أشار الشاعر السوداني محمد سعيد العباسي يقع في غرب السودان وحوله من الآثار ما يدل على أنه كان مثوى حضارات قديمة ، فقد وجدت به أحجار منحوتة منها ما هو على صورة الناس وما هو على صورة القدح الكبير، وشرق هذا الوادي عثر كتابات وصور للناس والحيوانات منقوشة على صخور ،كما عثر على أوان خزفية مختلفة الأشكال والأحجام ، كل هذا ألهم العباسي الشعر والقصيد ،فكانت قصيدته (وادي هور) التي انتظمت في ثمانية وتسعين بيتا ابتدرها كعادته بالنسيب وتعددت فيها الأغراض الشعرية من غزل ومدح وحكمة وسياسة وذكريات ،بيد أن العباسي خص وادي هور في قصيدته تلك بصفة عزيزة إذ فضله على وادي النيل الذي أحبه ومثل عقيدته السياسية حيث قال: وسُرى ليالي لم تذق * طعم الكرى حتى السحر سبحان ربي أين * وادي النيل من وادي هور وادي الجحاجحة الأُلى * عمروه في خالي العُصُر وعواصم القوم الذين * بذكرهم تحلو السير من ذللوا صعب الزمان * وكم أقاموا من صَعر درجوا فما رد الردى * ببعض الصفائح السمر زرت الربوع فخانني * صبري لذكرى من غبر ما كان لي كبد السلو * ولا فؤاد من حجر فكان عهد فخارهم * يا قوم بدر فاستتر ووادي هور منطقة ذات مناخ خاص وخصائص فريدة وبيئة عجيبة ،فهو الوادي الوحيد في دارفور الذي يصب شرقا والفاصل الطبيعي بين الصحراء الكبرى والمناطق المأهولة بجنوبالوادي حيث توجد عدد كبير من المدن الصغيرة والقرى والفرقان الثابتة والمتنقلة حسب مواسم الأمطار ،وكان ومازال البدو يتجولون في هضاب ومنعرجات الوادي ، جلهم من الزغاوة إلى جانب القرعان والميدوب والكبابيش والعطوية والزيادية والهواوير وقبائل أخرى من دارفور وكردفان ،يتداخلون فيما بينهم دون عناء وتختلط مواشيهم وإبلهم بالحيوانات والطيور البرية كالبقر الوحشي والغزال الزرقاء وغزال الريل والغزال البيضاء والنعام ودجاج الوادي والحباري والأسود والنمور والكلاب البرية، ففصل الخريف موسم للفرح لسكان وادي هور بشراً وحيوانات وطيور ونباتات. لم يمضي نصف قرن حتى بدأ رمال الصحراء في التراكم حتى غطت أجزاء مختلفة من حوض الوادي وفصله إلى أجزاء قلما ترتبط بعضها البعض بسبب قلة مياه الأمطار خاصة في الجزء الشرقي ،ومع توالي سنوات الجفاف وانتشار الصيد الجائر قلت الحيوانات البرية كما ونوعاً ورحلت جنوباً ، كما جفت ينابيع كانت معروفة لسكانه وغادر أغلب البدو شقاق الوادي ولكن الزغاوة آثروا البقاء وفضلوا العيش في واديهم متنقلين بين منحنيات الوادي التي مازالت تحتفظ بجزء من سبل الحياة حيث يأتون في الخريف ويهاجرون جنوبا في الصيف. وفي الفصل الذي يعقب الخريف عقب توقف الأمطار يذهب أعداد كبيرة من الرعاة بمواشيهم إلى وادي هور ويمكثون هناك طيلة مدة الربيع والتشاء فلا يعودون إلا مع بدايات الصيف وبعضهم يتجهون إلى الشمال من الوادي والبقاء في المنخفضات التي تتوفر فيها بنات الجزو لمدة ثلاثة أشهر تقريبا بلا ماء. وفي هذا الموسم يسافر البدو إلى بئر العطرون وسط الصحراء الكبرى في رحلة طويلة وشاقة يعدون لها العدة من وقت مبكر ولا يشارك فيها إلا القوي من الرجال والإبل وذلك للتزود بحاجة مواشيهم من ملح العطرون طيلة العام .وفي هذه الرحلة كثير من العادات والتقاليد والتراث والأغاني لتنشط الناس والدواب ،أما الذين لم يتمكنوا من السفر إلى العطرون فيجلبون ملح من نوع آخر وفي مناطق معينة على ضفاف وادي هور في ( كدري ، أوجوس ،ألي كور) وهذا الملح يسمى (أورقوي) وكل هذا يكاد أن ينقرض مع تطور الحياة والوسائل. فوادي هور وادي منبسط عبارة عن نهر جاف في أكثر فصول السنة في وسطها وأطرافها غابات من الأشجار الكبيرة والصغيرة وأنواع من الأعشاب وفي ضفتيه كثبان من الرمال الفضية والذهبية في غاية الجمال والروعة ، مناخها طيب وهوائها عليل حتى إن الأحياء التي تموت فيه لا تنتفخ أبداً بل تنشف بشكل طبيعي كما لا يصدر عنها أية رائحة كريهة وكذلك الجروح تشفى دون أي علاج ولا التهاب فضلا عن أن ترابها تزيل الدهون والشحوم والزيوت دون استخدام الماء والصابون كما لا توجد بها الأمراض المزمنة والمعدية التي انتشرت في عالمنا اليوم. ومن روافد وادي هور الرئيسية نجد وادي جبيا ، كرفو ، ناروك با ، قريقي ، بروبا ، أبوصون أو وادي الطينة من تشاد ، وادي كرنوي ، وادي أمبروا أو دارونك أوأمسوقات ، وادي قرداي أو بوبا ، وادي شنمو ، وادي نا برشي ، وادي فوراوية ، وادي كارو ، وادي أورو ، وادي جكترا ، وادي أشيمي ، وادي مغرب ، وادي أمبار، وادي أنكا أو أمراي ، وادي مجور من دارفور ووادي راهب من كردفان. ومن المعالم المشهورة في وادي هور خزان كاري ياري ، بئر راس تير ،رهد كتري ، بوبارا كي ،غابة تري بوس ،غابة هرتيه بوس ،غابة جابات ،توردا مي ،سقور تلوك ، وويل تاو ، هيري ها ، مارقيرا ، شدي ، بير مرقي ، جبل تيقا ، ها كورو ، نمار قولقول ،كوراء ها ، دارو بيه ، أجوس أورقوي . في الحلقات القادمة معالم من دارالزغاوة (حقل العطرون ، واحة النخيل) الزغاوة ومملكة وداي الزغاوة والحركة السنوسية الزغاوة وسلاطين الفور الزغاوة والتركية الزغاوة والمهدية الزغاوة والإدارة الإستعمارية الفرنسية والبريطانية المراجع والمصادر هارون سليمان يوسف [email protected]