تجربة حكم جماعة الإسلام السياسي.. والتي حكمت في بلادنا زهاء الربع قرن الماضي، والتي تجمعت عليها من العوامل التي تخضع لعوامل الموروث وصراعات المكتسب، ما جعل التجربة تتسم بميسم الفشل المتلاحق وفاقم أزمات النظام.. ضعف الفكرة وسوء التطبيق مما جعل التجربة تأخذ قشور الإسلام ولا تلتقط لبابه.. ورأينا غلواء التطبيق وإنشقاق الجماعة، وصراعات المصالح.. وبروز المطامع وإختلاط المفاهيم.. والتأخر عن متطلبات العصر والعجز عن توفير مطلوبات الحياة الحرة الكريمة.. ناهيك عن الرفاه والنماء.. وأيضاً غلواء التطبيق كانت آثاره المدمرة هو الوقوع تحت الضغوط الدولية التي أفرزت في النهاية فصل جزء عزيز من الوطن ثمناً للسلام.. والطاحونة الدائرة تطحن في الإقتصاد وتتسع الفجوات في السياسة.. ويختلط الحابل بالنابل في النسيج الإجتماعي.. فهاهم السائحون يحملون مبادرة حول الإصلاح والنهضة التي يقدمونها للدكتور الترابي زعيم المؤتمر الشعبي وللأستاذ الزبير أحمد الحسن أمين الحركة الإسلامية بغض النظر عما تحويه.. وما تحويه لا تكترث له كثيراً لأن القضية في تقديرنا ليست هي قضايا نوايا حسنة أو غير حسنة.. القضية هل جماعة الإسلام السياسي لديها فهماً من الإسلام يقدمه بمستوى ديمقراطي؟! وهل لدى الجماعة فهماً أكثر من الشورى؟! وهل الشورى ديمقراطية؟! وهل لديهم فهماً يعالج اشكالية المجتمع المنعزل رجاله عن نسائه لا يقوم في عالمنا المعاصر.. وهل يملكون أن يقولوا للدكتورة بدرية سليمان ان شهادتك لا تساوي شهادة ماسح أحذيتك رغم ما تضعين من دساتير تتأخر بهذا البلد ولا تقدمه؟! وهل يملكون فهم أن الشريعة لا يلتمس منها الدستور إنما الدستور في القرآن وفي القرآن في أصوله؟! إذا كانت المبادرة أو المبادرات أو المحاولات لم تجب على هذه الأسئلة سيبقى أي حديث عن الإصلاح حسن نية والحديث عن الإصلاح والنهضة ماهو إلا فطرية فكرية لا تبقي ولا تذر.. غير أن ما يدعو لشيء من الإرتياح أن ما يجري في بلادنا قد تقدم بشعبنا عما يجري في محيطه من دول الربيع العربي ففلوات التيه التي يضربون فيها يجعلنا نحس بأننا قد سبقناهم ربع قرنٍ من الزمان.. ولحسن التوفيق أنهم جميعاً قد تبرأوا أول ما تبرأوا من التجربة السودانية.. ولكن ثبت عملياً أنه لا التجربة السودانية ولا غيرها هي المشكلة.. إنما المشكلة في التمييز بين الشريعة ودقائق حقائق الدين.. وأنهم لم يصلوا بعد إلى أن الشريعة كاملة وكمالها في مقدرتها على التطور.. ومقدرتها على التطور تعني إستيعابها لحاجة العصر.. فالأفراد حاجتهم للحرية الفردية المطلقة.. والمجتمعات حاجتها للعدالة الإجتماعية الشاملة.. وهذه القمم السوامق تلتمس في أصول القرآن.. وأصول القرآن بوابتها الشريعة.. فأي إلتماس من غير هذا الملتمس يبقى هو تشويه للشريعة.. وتشويه للدين.. وتأخير لعقارب ساعة البعث الإسلامي المنتظر.. والذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء، قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد إندثارها).. فالدروس البليغة في الواقع السوداني والواقع العربي تقول بأن المسلمين ليسوا على شيء.. فعليهم أن يعيشوا غربتهم التي تعيدهم إلى معين الإسلام الصافي.. بعيداً عن مفاهيم الإقصاء.. والقتل.. والتناحر.. والتذاكي.. فإن الإسلاميين اليوم لا يعيشون غربتهم ولا يعرفونها.. ولا يعرفون حتى الإسلام.. فقط ما نراه هو ممارسات سياسية تلتحف قداسة الإسلام.. وتلبس لباسه.. ولا تعيش جوهره.. نحن مدعوون جميعاً لأن نسلم وبلا مذكرات ولا مبادرات.. فقط هي إحياء (لا إله إلا الله) في النفوس.. وسلام يا وطن haider khairalla [[email protected]]