المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    تعادل باهت بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مولانا جلال الدين الرومي التَرْعَة الروحية!!(2) .. بقلم: أبوبكر يوسف إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 12 - 02 - 2013


بسم الله الرحمن الرحيم
هذا بلاغ للناس
قال تعالى: «هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ» ..الآية
توطئة ثانية:
% قرأت عنه الكثير وتقفيت آثاره ونهلت من عذب منهله الفيضي فقد قال عنه الدكتور الباحث محمود أبو الهدي في محاضرة ألقاها في مدينة ( قونية) التركية في العام 2003 حيث أفاض وأجاد بقوله الذي بهرني وتملّك وسكن وجداني :[ تتكشفُ فوقَ العالمِ سحبُ الظلمِ والظلمات، وتفترسُ الحيرةُ أفئدة الأنام، ولا يحتاج الناسُ إلى شيء كحاجتهم إلى شمسٍ يستطيع شعاعُها اختراق السحب إلى قلوب طال فيها دجى الليل].
% من خلال هذا الاستهلالة وقراءتي عن هذا العالم المتصوف الجليل مولانا جلال الدين الرومي وجدت فيه ضالتي عند استيعابي وفهم حديث الدكتور محمود أبو الهدى عنه، حيث شعرت بأن مولانا جلال الدين الرومي هو صوت ٌ يرتفع وكأنه ينادي: أيروق لكم حديث الحبِّ في وقت حملتْ إليكم فيه الكرهَ جحافلُ الطامعين ويُجيبُ الكتابُ المنير قائلاً: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) .. المائدة الآية 51 .. ويطلُّ علينا من أولئك القومِ وجهُ القمرِ المنير مولانا جلالِ الدين البدرِ الذي استغرق قلبه في شمس الحقيقة حتى صار شمساً فأنار للخلق ربوعهم في كل حين. وإنني إذ أخطُّ بقلمي كلماتٍ على أذيال تلك الشمس، أعترف بالعجز والقصور عن إدراك سناها العظيم، لكنها خيوط تستمد منها لتنسج على رفرف عبقريّها الحسان.
الحاشية:
% لم يكن غريباً أن يسلك مولانا الرومي ذلك المسلك وطفولته وشبابه وأسرته لا تخرج عن ذلك المضمون العلمي والعملي والذوقي، فقد كان كما قالوا – (مصباحاً مطهراً منظفاً سكب فيه الزيت ووضع له الفتيل وابتغاء إشعال هذا المصباح لا بد من النار).فوالده واعظ صوفيٌ عالم، وطفولته شهد تاريخها أعلام الذوق والمعرفة كالعطار، وابن عربي الذي صرخ – كما يروى – حين رآه في طفولته ماشياً خلف والده: (سبحان الله محيط يمشي خلف بحيرة). وأغنى سلوكه سفره المتواصل بصحبة أسرته من الشرق إلى الأناضول مروراً بمكة ودمشق وحلب. ودفعته سريعاً إلى الصدارة وفاة والده وهو في ريعان الشباب. وقربه من روحانيته أكثر فأكثر قدوم (برهان الدين) أحدِ تلامذة والده من الشرق، فصحبه وتأثر به. لكن الحدث الأكبر الشهير الذي أدخله في السلوك الصوفي حقيقة كان لقاؤه بشمس تبريز، وأنشده الشمس من ديوان سنائي: (إذا لم يحرر العلم النفسَ من النفس فإن الجهل خير من علم كهذا)).فأشعل في قلبه جذوة الشوق إلى المعرفةِ، ودخل مع شمسه خلوة أنضجته.
% قال مولانا الرومي: (دون العون المنقذ لسيدي شمس الحق التبريزي لن يكون في وسع أحد أن يتأمل القمر أو يغدوَ البحر).ومع أن صحبته للشمس كانت قصيرة؛ لكنها أغنت روحه بأشواق وإحراق، فلما غاب الشمس غيبته الأولى ألهب بغيبته قلبه، ولما غاب غيبته الثانية نظر في باطنه فوجده فيه.. وبعدها سلك سلوكاً خاصاً بارتكاب المشاق ملتذاً بها أيما التذاذ، فكان في الشتاء القارص يصعد إلى السطح ويقضي الليل كله في الصلاة والنحيب، حتى تتورم قدماه، وكان يصوم إلى درجة الهزال والنحول. تلك هي عناوين سلوكه في مبتدئه الروحي. وها هنا نجد قلباً آمن وصدق حتى صار صدِّيقا، وبدلاً من الخوض في متاهات التخيل العقلي جلا مرآة قلبه فانطبعت فيها من غير كلفة حقائق الغيب. وقال لأصحابه:(جاء صديقٌ ليوسف من السفر فسأله يوسف: ماذا أحضرت لي من الهدايا؟ فقال الصديق: وأي شيء ليس عندك، وأنت محتاج إليه؟ ولكن لأنه لا يوجد من هو أجمل منك أتيت لك بمرآة لكي ترى فيها وجهك كل لحظة. فأي شيء ليس عند الحق تعالى، وهو محتاج إليه؟ ينبغي أن يقدم الإنسان للحق تعالى قلباً صافياً مضيئاً ليرى ذاته فيه(إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم)فإذا جليت مرآة القلب فلن ترى فيها غير المحبوب، والقرآن هو وصف المحبوب لأن الكلام صفة المتكلم، لهذا لم يكن مولانا الرومي يبحث عن المحبوب إلا في المحبوب، وقال: (التمس معنى القرآن من القرآن وحده) ..وكأنه يتمثل في ذلك قول سنائي: كل شيء لا تحصل عليه حتى تبحث عنه إلا هذا الحبيب لن تبحث عنه حتى تحصل عليه (ورسخ الشمسُ التبريزي لديه الاستمدادَ من ينبوع الوحي، لأن كل الكلمات وروائعِ الأدب الصوفي لم تكن عند شمس ترقى إلى رتبة حديث نبوي صحيح واحد0)
% دافع مولانا بقوة عن كل حقائق القرآن، وصرخ في أسماع العالم مبيناً له أنها ليست من وضع النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(رُغم أن القرآن من شفتي النبي فإن كل من يقول إن الحق لم يقله كافر)
وكذا بقوله: كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يخبر عن أناس وأنبياء مضوا قبل وجوده بعدة آلاف من السنين وماذا سيكون حتى آخر الدنيا وعن العرش والكرسي.... كيف يخبر الحادث عن القديم وهكذا غدا معلوماً أنه ليس الذي هو كان يقول بل الحق هو الذي يقول: (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى).. وتفاعل مع كلمات القرآن تفاعلاً كبيراً، فكان تارة يكررها بألفاظها: ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ، ثم يعلق بقوله: (ولأن الله قال: (زُين) فإنها ليست جميلة حقاً بل إن الجمال فيها مستعار، وآت من مكان آخر. عملة زائفة مطلية بالذهب).. ومن أكثر الآيات وروداً في كتبه ودواوينه: آية النور في سورة النور (مثل نوره)، وآية المعرفة في سورة الأعراف (ألست بربكم)؟!، وكان تارة أخرى يقتبس من معاني القرآن أو يعبر عن آياتٍ بنفس معانيها، لكنْ بألفاظٍ أخرى. ومن ذلك قوله: (طرنا مع آية الكرسي نحو العرش فرأينا الحي، وبلغنا القيوم).. (لِمَ يبكي الإنسان على يوسف النفس في البئر؟)..(فاجذب مثال (إنا أعطيناك) إلى السائل المحروم.. عندما تتلو الشفة (الحمد) أعطها نقلاً وخمرة من دون حد.. وعندما تتلو (ولا الضالين) اجذبها إلى الدلائل.. أسير الألم والحسرة أعطه رسالة (لا تأسوا).. ( يونس السجين في بطن الحوت نجا). أعدّ صومعة مريحة ليونس في الحوت، وأخرج أخيراً يوسف من غيابة الجب) (يوسف بعد احتمال محنهِ بصبرٍ نَعِمَ بالسعادة ووصل إلى أعلى وظيفة في مصر) .. (إبراهيم الخليل خليل الله هو المسلم الحق الذي لا يحب الآفلين لكن النار صارت برداً وسلاماً عليه).. (فِيَلةُ العدو قُتِلت على نحو معجز بوساطة الطير الأبابيل).. ومن هنا فإن فكّ الأغلال الخارجية يوم البعث، عندما تُخرج الأرض أثقالها(33) سيكون تحريراً للبشر).. ويذكر النبي يوسف مفسراً للأحلام .. يذكر عادَ وثمودَ ، ويذكر أيوب الصابر في بلواه.. ويحكي كيف أصيب يعقوب بالعمى من الحزن واشتياقاً إلى يوسفَ مثالِ الجمال.. ويشبِّه نفسه بداود الذي يخاطب الطير مرتلاً أغزاله كأنها كتاب المزامير وترى مولانا الرومي بعد هذا يدافع بقوة عن أحكام فقهية قرآنية، كدفاعه عن حكم القرآن في القصاص من القاتل بالقتل فيقول: (قال الله تعالى: (ولكم في القصاص حياة)، لا شك بأن القصاص شر وهدم لبنيان الله تعالى، ولكن هذا شر جزئي، وصون الخلق عن القتل خير كلي، وإرادة الشر الجزئي لإرادة الخير الكلي ليست بقبيحة، وترك إرادة الله الجزئية رضاء بالشر الكلي فهو قبيح) ويحكم مولانا الرومي بحكم القرآن الكريم على الخنزير أنه نجس، ويستخدمه للتمثيل بالصفات البشرية المنحطة ولم يكن مولانا يعبر في بيانه عن حقائق القرآن وحسب، إنما كان يعبر عن الوحي الثاني في الحديث النبوي الشريف، إما بإيرادٍ للحديث بلفظه، أو بإدخال شروح دقيقة تبرز ما خفي فيه من المعاني.
% يقول مولانا الرومي: قال النبي عليه الصلاة والسلام: اعلم أن (المؤمن كالجمل)، ثمِلٌ دائماً بالحق الذي يقوده كسائق الجمل) ولفظ الحديث: الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ (أي الذلول) حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ فأورد لفظ الحديث ثم دخل إلى حقيقة تستتر خلف ألفاظه بقوله (ثمِلٌ دائماً بالحق الذي يقوده) وهو بيان لسر سهولة انقياد المؤمن الذي ورد في مناسبة هذا الحديث. ومما تقدم يظهر انفعال مولانا الرومي الكبير لحقائق الوحي تصديقاً وإيماناً ومنافحة.
% لم يكن غريباً أن يسلك مولانا الرومي ذلك المسلك وطفولته وشبابه وأسرته لا تخرج عن ذلك المضمون العلمي والعملي والذوقي، فقد كان – كما قالوا – (مصباحاً مطهراً منظفاً سكب فيه الزيت ووضع له الفتيل وابتغاء إشعال هذا المصباح لا بد من النار) ..فوالده واعظ صوفيٌ عالم، وطفولته شهد تاريخها أعلام الذوق والمعرفة كالعطار، وابن عربي الذي صرخ – كما يروى – حين رآه في طفولته ماشياً خلف والده:(سبحان الله محيط يمشي خلف بحيرة)!! ..وأغنى سلوكه سفره المتواصل بصحبة أسرته من الشرق إلى الأناضول مروراً بمكة ودمشق وحلب. ودفعته سريعاً إلى الصدارة وفاة والده وهو في ريعان الشباب .وقربه من روحانيته أكثر فأكثر قدوم (برهان الدين) أحدِ تلامذة والده من الشرق، فصحبه وتأثر به ،لكن الحدث الأكبر الشهير الذي أدخله في السلوك الصوفي حقيقة كان لقاؤه بشمس تبريز، وأنشده الشمس من ديوان سنائي:
إذا لم يحرر العلم النفسَ من النفس فإن الجهل خير من علم كهذا
فأشعل في قلبه جذوة الشوق إلى المعرفةِ، ودخل مع شمسه خلوة أنضجته
% قال مولانا الرومي:
دون العون المنقذ لسيدي شمس الحق التبريزي لن يكون في وسع أحد أن يتأمل القمر أو يغدوَ البحر
ومع أن صحبته للشمس كانت قصيرة؛ لكنها أغنت روحه بأشواق وإحراق، فلما غاب الشمس غيبته الأولى ألهب بغيبته قلبه، ولما غاب غيبته الثانية نظر في باطنه فوجده فيه
وبعدها سلك سلوكاً خاصاً بارتكاب المشاق ملتذاً بها أيما التذاذ، فكان في الشتاء القارص يصعد إلى السطح ويقضي الليل كله في الصلاة والنحيب، حتى تتورم قدماه، وكان يصوم إلى درجة الهزال والنحول ..تلك هي عناوين سلوكه في مبتدئه الروحي.
% مولانا جلالُ الدين: قلباً مؤمناً مصدقاً بحقائق الوحي. وها هنا نجد قلباً آمن وصدق حتى صار صدِّيقا، وبدلاً من الخوض في متاهات التخيل العقلي جلا مرآة قلبه فانطبعت فيها من غير كلفة حقائق الغيب. وقال لأصحابه: [ جاء صديقٌ ليوسف من السفر فسأله يوسف: ماذا أحضرت لي من الهدايا؟ فقال الصديق: وأي شيء ليس عندك، وأنت محتاج إليه؟ ولكن لأنه لا يوجد من هو أجمل منك أتيت لك بمرآة لكي ترى فيها وجهك كل لحظة. فأي شيء ليس عند الحق تعالى، وهو محتاج إليه؟ ينبغي أن يقدم الإنسان للحق تعالى قلباً صافياً مضيئاً ليرى ذاته فيه (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم) ، فإذا جليت مرآة القلب فلن ترى فيها غير المحبوب، والقرآن هو وصف المحبوب لأن الكلام صفة المتكلم، لهذا لم يكن مولانا الرومي يبحث عن المحبوب إلا في المحبوب، وقال: [التمس معنى القرآن من القرآن وحده]!! وكأنه يتمثل في ذلك قول سنائي: [ كل شيء لا تحصل عليه حتى تبحث عنه إلا هذا الحبيب لن تبحث عنه حتى تحصل عليه.].. الشمسُ التبريزي لديه الاستمدادَ من ينبوع الوحي، لأن كل الكلمات وروائعِ الأدب الصوفي لم تكن عند شمس ترقى إلى رتبة حديث نبوي صحيح واحد. دافع مولانا بقوة عن كل حقائق القرآن، وصرخ في أسماع العالم مبيناً له أنها ليست من وضع النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: [رُغم أن القرآن من شفتي النبي فإن كل من يقول إن الحق لم يقله كافر]. و كذلك قوله: [ كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يخبر عن أناس وأنبياء مضوا قبل وجوده بعدة آلاف من السنين وماذا سيكون حتى آخر الدنيا وعن العرش والكرسي..... كيف يخبر الحادث عن القديم وهكذا غدا معلوماً أنه ليس الذي هو كان يقول بل الحق هو الذي يقول: (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى).. الآية ، وتفاعل مع كلمات القرآن تفاعلاً كبيراً، فكان تارة يكررها بألفاظها: ( (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).. الآية ، ثم يعلق بقوله: ولأن الله قال: (زُين) فإنها ليست جميلة حقاً بل إن الجمال فيها مستعار، وآت من مكان آخر. عملة زائفة مطلية بالذهب). ومن أكثر الآيات وروداً في كتبه ودواوينه: آية النور في سورة النور (مثل نوره)، وآية المعرفة في سورة الأعراف (ألست بربكم). وكان تارة أخرى يقتبس من معاني القرآن أو يعبر عن آياتٍ بنفس معانيها، لكنْ بألفاظٍ أخرى. ومن ذلك قوله: [طرنا مع آية الكرسي نحو العرش فرأينا الحي، وبلغنا القيوم].. أو قوله: [ لِمَ يبك الإنسان على يوسف النفس في البئر؟ فاجذب مثال: (إنا أعطيناك) إلى السائل المحروم.. ويقول: [ عندما تتلو الشفة (الحمد) أعطها نقلاً وخمرة من دون حد.] .. وعندما تتلو (ولا الضالين) اجذبها إلى الدلائل.. وقوله: [ أسير الألم والحسرة أعطه رسالة (لا تأسوا)]...وقوله عن سيدنا يونس:[ يونس السجين في بطن الحوت نجا.. (أعدّ صومعة مريحة ليونس في الحوت، وأخرج أخيراً يوسف من غيابة الجب .. يوسف بعد احتمال محنهِ بصبرٍ نَعِمَ بالسعادة ووصل إلى أعلى وظيفة في مصر] .. ثم ما قاله عن خليل الله:[ (إبراهيم الخليل خليل الله هو المسلم الحق الذي لا يحب الآفلين لكن النار صارت برداً وسلاماً عليه].. [ِ يَلةُ العدو قُتِلت على نحو معجز بوساطة الطير الأبابيل.]
ü ومن هنا فإن فكّ الأغلال الخارجية يوم البعث، عندما تُخرج الأرض أثقالها سيكون تحريراً للبشر
ü ويذكر النبي يوسف مفسراً للأحلام
ü ويذكر عادَ وثمودَ.
ü ويذكر أيوب الصابر في بلواه..
ü ويحكي كيف أصيب يعقوب بالعمى من الحزن واشتياقاً إلى يوسفَ مثالِ الجمال..
ü ويشبِّه نفسه بداود الذي يخاطب الطير مرتلاً أغزاله كأنها كتاب المزامير.
% وترى مولانا الرومي بعد هذا يدافع بقوة عن أحكام فقهية قرآنية، كدفاعه عن حكم القرآن في القصاص من القاتل بالقتل فيقول: قال الله تعالى: (ولكم في القصاص حياة)، لا شك بأن القصاص شر وهدم لبنيان الله تعالى، ولكن هذا شر جزئي، وصون الخلق عن القتل خير كلي، وإرادة الشر الجزئي لإرادة الخير الكلي ليست بقبيحة، وترك إرادة الله الجزئية رضاء بالشر الكلي فهو قبيح)
% ويحكم مولانا الرومي بحكم القرآن الكريم على الخنزير أنه نجس، ويستخدمه للتمثيل بالصفات البشرية المنحطة.. ولم يكن مولانا يعبر في بيانه عن حقائق القرآن وحسب، إنما كان يعبر عن الوحي الثاني في الحديث النبوي الشريف، إما بإيرادٍ للحديث بلفظه، أو بإدخال شروح دقيقة تبرز ما خفي فيه من المعاني. يقول مولانا الرومي: [ قال النبي عليه الصلاة والسلام: اعلم أن (المؤمن كالجمل)، ثمِلٌ دائماً بالحق الذي يقوده كسائق الجمل]. ولفظ الحديث: الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ (أي الذلول) حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ]. فأورد لفظ الحديث ثم دخل إلى حقيقة تستتر خلف ألفاظه بقوله (ثمِلٌ دائماً بالحق الذي يقوده) وهو بيان لسر سهولة انقياد المؤمن الذي ورد في مناسبة هذا الحديث. ومما تقدم يظهر انفعال مولانا الرومي الكبير لحقائق الوحي تصديقاً وإيماناً ومنافحة.
عوافي
يتصل....
المصادر: ويكبيديا ، بحث ( النزعة الروحية عند مولانا جلال الدين الرومي) محمود أبو الهدى الحسيني، المنهج لأبي عمر الدوسري/ العشق- ايراج بشيري/ الديبلوماسية الدينية في خدمة التعايش والسلام العالمي – مؤتمر فاس)...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.