د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفة القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم [email protected] أولا:حقوق العمال في الفكر الاجتماعي الغربي: ا/ الليبرالية(الراسماليه): يستند التصور الليبرالي الراسمالى للعمل والعمال إلى المنهج الليبرالي القائم على فكره القانون الطبيعي،والتي مضمونها( أن مصلحه المجتمع ككل، تتحقق حتما من خلال عمل كل فرد فيه على تحقيق مصلحته الخاصة)، كما يستند إلى أن الراسماليه بما هي النظام الليبرالي في الاقتصاد قائمه – استنادا إلى ذات المنهج - على أن مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال محاوله كل فرد تحقيق مصالحه الخاصة،اى دون تدخل الدولة كممثل للمجتمع ، وبناءا على هذا فان هذا التصور يقوم على عدم تدخل الدولة في علاقة العمل ، اى عدم تدخلها لحماية العمال، فالقانون الاساسى للنظام الليبرالي في الحكم وفى الاقتصاد هو المنافسة الحرة... فعلى المستوى الاقتصادي المنافسة الحرة بين الناس للوصول إلى الربح ،والمنافسة الحرة بين الرابحين للوصول إلى الاحتكار، في مواجهه المنافسة الحرة بين العمال في الحصول على عمل...) (د. عصمت سيف الدولة، الأحزاب ومشكله الديموقراطيه في مصر، دار المسيرة، بيروت ص 37) ، وبهذا تحول العمل في الاقتصاد الليبرالي (الراسماليه) إلى سلعه تباع وتشترى، ويخضع ثمنها (الأجر) للمضاربة في سوق العمل (المرجع السابق، ص 72)،وهو ما أدى إلى ظهور الحركات الاشتراكية ذات المنطلقات الفكرية المتعددة(الطوباوية، الماركسية، القومية، الدينية، الفابيه ، النقابية ، الديموقراطيه...)، والتي تسعى لتحقيق العديد من الأهداف الاجتماعية ومن ضمنها نيل العمال لحقوقهم...،وبالتالي نال العمال في هذه المجتمعات قدرا من حقوقهم، تحت ضغط هذه الحركات، ونتيجة لنضال عمالها ومنظماتهم الحزبية والنقابية. ب/الماركسية :أما التصور الماركسي للعمل والطبقة العاملة الفلسفة الاقتصاديه الماركسية فيستند إلى المنهج المادي الجدلي والمادية التاريخية التي هي محصله تطبيقه على التاريخ،والتي مضمونها أن البنية الفوقية (الفن والفلسفة والأخلاق والنظم السياسية )، مجرد عاكس للتطور الجدلي الحادث في البنية التحتية (أسلوب الإنتاج الذي يضم النقيضين أدوات الإنتاج وعلاقات الإنتاج ) . وهو ما يعبر عن نفسه في صورة صراع طبقي بين الطبقة التي تمثل أدوات الإنتاج والتي تمثل علاقات الإنتاج. وهذا التطور يتم عبر أطوار هي الشيوعية البدائية فالعبودية فالإقطاع فالراسماليه فالشيوعية العلمية وأولى مراحلها الاشتراكية ، وفيها يجب الإلغاء الشامل للملكية الخاصة لكل أدوات الإنتاج، وتحقيق دكتاتوريه البروليتاريا، والتي ينال فيها العمال جميع حقوقهم لأنها السلطة فيها هي للطبقة العاملة. ورغم أن المجتمعات التي تبنت الماركسية في القرن الماضي قد مكنت العمال فيها من نيل قدر من حقوقهم، إلا أنها لم تمكنهم من نيل جميع حقوقهم نتيجة لعوامل متعددة منها انعدام الديموقراطيه وشيوع البيروقراطيه... ثانيا:حقوق العمال في الفكر الاجتماعي الاسلامى :أما التصور الاسلامى للعمل والعمال وحقوقهم فيستند إلى الفكر الاقتصادي الاسلامى، القائم على العديد من المفاهيم الكلية،كإسناد ملكيه المال إلى الله تعالى (واتوهم من مال الله الذى أتاكم) واستخلاف الجماعة في الانتفاع به (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)،ويترتب على هذه المفاهيم الكلية: أولا: إذا كان المالك تعالى قد استخلف الجماعة في الانتفاع بالمال، فان للجماعة حق الانتفاع بمصادر الثروة الرئيسية دون الفرد، وأدلة ذلك قال (صلى الله عليه وسلم)( الناس شركاء في ثلاثة الماء و الكلاء والنار (روه احمد وأبو داود).كما إن الشرع جاء بالحمى وهو (الأرض المحمية من الانتفاع لفردي لتكون لانتفاع المسلمين جميعا)، ومن المتفق عليه أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حمى أرض بالمدينة يقال لها النقيع لترعى فيها خيل المسلمين (رواه احمد)( الماوردي ، الأحكام السلطانية ، ص (164. ثانياً: أن انتفاع الجماعة بمصادر الثروة الرئيسية يكون بان تتولى الدولة إدارة إنتاج هذه المصادر باعتبارها وكيل للجماعة ونائب عنها. قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)( لو أن عناقا ( عنزا ) ذهب بشاطئ العراق لأخذ بها عمر يوم القيامة) ،وأورد الحسن البصري (أربعة من إلا سلام إلى السلطان: الحكم و الفئ والجمعة والجهاد. ثالثاً: أما ما دون مصادر الثروة الرئيسية فان للجماعة أن تتركه حقا ينتفع به الفرد القطاع الخاص) بشرط أن لا يتعارض ذلك مع مصلحتها. وبناءا على هذه المفاهيم الكلية وما يترتب عليها من نتائج عمليه، فقد اقر الفكر الاجتماعي الاسلامى،على مستوى أصوله النصية الثابتة،الكثير من حقوق العمال - بالتوازي مع إقراره لواجباتهم- والتي يجب أن يسعى المجتمع المسلم كله،بما فيه الدولة الاسلاميه كممثل له، إلى توفيرها وحمايتها ،ومن هذه الحقوق : الحق في الأجر العادل : من هذه الحقوق هي حق العامل في الأجر العادل ، وهو ما يستدل عليه من ربط القران و السنة بين العمل والأجر،كما في قوله تعالى ( قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) ( القصص : 25 ) ،كما يستدل عليه من قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم)( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ثم لم يعطه أجره)، وقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم)(أعطو الأجير أجره قبل أن يجف عرقه )(رواه إبن ماجه). حق عدم الإرهاق لدرجه الإضرار: ومن هذه الحقوق حق العامل في عدم إرهاقه إرهاقاً يضر به و بصحته أو يجعله عاجز عن العمل ،وهو ما يستدل عليه من دعوه القران إلى التيسير ونهيه عن التكليف بما لا يطاق كما في قوله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، وكذلك قوله تعالى على لسان شعيب (عليه السلام)( وما أريد أن أشق عليك ) ( القصص 27 )، وكذلك ما جاء في صحيح البخاري - (ج 1 / ص 52) عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ! فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ ) . حق الشكوى و التقاضي : ومن هذه الحقوق حق العامل في الشكوى للتقاضي ، كما في قوله تعالى ( وما الله يريد ظلماً للعباد ) ( غافر : 31 ) ، وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم ) ( اتقوا المظلوم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ). حق الضمان : ومن هذه الحقوق حق العامل في الضمان، وهو تعويض الضرر الذي يصيبه في العمل، وهو ما يستدل عليه من تقرير القران والسنة لمبدأ الضمان أو المسؤليه المدنية كما فى قوله تعالى ( ومن قتل مؤمناً خطئاً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ) ( النساء : 92 ) ،وقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم )( طعام بطعام وإناء بإناء ) . حق الحصول على الحقوق المشترطة: ومن هذه الحقوق حق العامل فى حصوله على الحقوق المشروطة في عق العمل ،وهو ما يستدل عليه من قول الرسول( صلى الله عليه وسلم)( المسلمون على شروطهم )(رواه البخاري). حق عدم التمييز إلا على أساس الكفاءة : ومن هذه الحقوق حق العامل فى عدم تمييزه عن غيره من العمال إلا على أساس الكفائه، وهو ما يستدل عليه من قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم )(أنزلوا الناس منازلهم )(رواه أبو داود). حق الراحة : ومن هذه الحقوق حق العامل في الراحة و العطل(الأسبوعية، الشهرية ، السنوية ) ، وهو ما يستدل عليه من النصوص التي تنهى عن إرهاق العامل كما في قوله تعالى (وما أريد أن أشق عليك )(القصص:27)، وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم )(إخوانكم خولكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده ، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم) . أما الفكر الاجتماعي الاسلامى،على مستوى فروعه الاجتهادية المتغيرة،فلا يتناقض مع اخذ المجتمعات المسلمة بحقوق العمال التي قررتها المواثيق الدولية، أو المجتمعات الأخرى، بشرط عدم تعارضها مع أصول الدين وواقع المجتمعات المسلمة . -للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان (http://drsabrikhalil.wordpress.com).